*سجالات كوردستانية مع ابراهيم كابان*
ريبر هبون
السيرة الذاتية
· إبراهيم مصطفى (كابان)، مواليد: سوريا/ حلب- كوباني 25.12.1980، باحث ومؤلف وكاتب صحفي، مدير شبكة الجيوستراتيجي للدراسات (https://www.geo-strategic.com )، محلل إستراتيجي معتمد على بعض الفضائيات العربية والكردية / أكسترانيوز والأخبارية المصرية، المملكة - الاخبارية الأردنية، فضائية صوت العرب الكويتية .. وغيرها/. مدرب معتمد في التخطيط الاستراتيجي لدى منظمة البورد الألماني للتدريب والاستشارات، حائز على الدكتوراه الفخرية من (المركز الثقافي الألماني الدولي) وشهادة تقدير من السلام الدولي منظمة للدفاع عن حقوق الإنسان.
كتب إبراهيم كابان: المكونات السورية وسبل العيش المشترك الطبعة الأولى الورقية تمت برعاية هيئة الثقافة في إقليم الجزيرة ودار شلير للطباعة والنشر – سوريا / قامشلو، حزيران 2018 /، الطبعة الثانية الورقية تمت برعاية مركز القاهرة للدراسات الكردية/ القاهرة شباط 2019/ إبراهيم كابان وفادي عاكوم. مسارات الأزمة السورية / تحليلات استراتيجية / نهاية ديسمبر 2019، موجز في السياسة الخارجية لـ " إدارة ترامب "و(نظرة على الأحزاب السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية) / ديسمبر 2017، إرهاصات ثورية في الشرق الأوسط ( "5" قراءات إستراتيجية)، صدر عن دار المعرفيين للنشر وشبكة الجيوستراتيجي/ حزيران 2018، كتيب: دور الإعلام في أزمة كوفيد 19 والسبل الإستراتيجية لمواجهتها ( حصلت على الجائزة الثانية في مؤتمر الإستراتيجي الأول في طرق مواجهة كوفيد 19 ): 2020، أستشراف وتحليل للأحداث السياسية والإقتصادية لعام 2019) - ستراتفور الأمريكية، مراجعة وتقديم إبراهيم كابان. ديموغرافية شمال سوريا (تاريخ – حقائق - أرقام): طبع الأولى عن دار الفراعنة برعاية مركز الدراسات القاهرة 2020، الطبعة الثانية عن دار شلير وهيئة الثقافة في منطقة شمال وشرق سوريا 2021. رسو العالم " أمر دولي في القرن الواحد والعشرين "نشر ألكترونياً أغسطس 2021
مؤلفات أدبية: قوافل الجروح 2005. طبعة دمشق، صرخات - صرخات 2009 طبعة دمشق دار كيوان
1-يسعدنا التحاور معك الكاتب الكردستاني ابراهيم كابان، والذي نود في خضمه ، تسليط الضوء على جملة تساؤلات تؤرق متلقي اليوم، ونبدأ من هنا:
هل يحتاج تصحيح الواقع الكردستاني(الحزبوي) إلى سلسلة من إنشائيات مضمونها التقريع والتهجم المتأتي من انفعال محق، والذي سيتفرع عنه جهتين مخالفة أو مؤيدة، ويعود التهاتر مجدداً إلى دائرته الأولى، أم أننا يجب أن نعود لآليات النقد وأساليب الخطاب مع الجماهير لفك الارتباط مع من يتاجر بقضاياها؟!، مالذي يحتاجه الكردستاني في الوطن والمهجر من أدوات لينهض بها؟!
الواقع السياسي الكردي وليد لتراكمات ثقافية واجتماعية بدائية، وممارسات حزبوية رديئة، ناجمة عن المنظومة الكردية المفككة بحكم الظروف التي شهدتها كردستان، لاسيما خلال العقود الأخيرة بعد تقسيم كردستان إلى أربعة دول، بنت كياناتها بعد الحرب الأولى على أسس قوموية أدخلت الإنسان الكردي في دائرة ضيقة، وحالة اجتماعية سيكولوجية أنتجت في المحصلة مفرزات تنوعت معطياتها السلبية المتعددة على كاهل الإنسان الكوردي ووجود قضيته واستمرارية المظالم، فحالة الحرمان والتعرض للمشاريع العنصرية والتصفية العرقية خلال قرن كامل دفع بالشارع الكردي إلى تكريس حالات أتسمت بالسلبية الفكرية والمعرفية، نتيجة للتقليد السياسي في الشرق الأوسط، والدوائر المغلقة حول الحركات التحررية التي تأثر بشكل مباشر في التقلبات العالمية الناجمة عن الحرب العالمية الثانية ونتائجها والحرب الباردة وصراع القطبين وموالاة الحركات التحررية لليسار والاشتراكية السوفيتية التي انهارت، بعد أن خلَّفت أنظمة استبدادية تفرعنت جميعها بالشكل الذي وصل إليه الشيوعيين أيام ستالين، وثبتت الأنظمة الحاكمة في الدول التي احتلت بلاد الكرد ،وجودها وقوتها وهيمنتها، في الوقت الذي فصَّلت الأحزاب التحررية وجودها وتحركاتها وفق هذه المنظومة بعضها كرست علاقتها مع أنظمة أخرى تحتل جزء من كوردستان ظناً منها أنها ستلقي الدعم لاستمرارية المقاومة ضد النظام الآخر ،الذي بدوره يتفق مع النظام الآخر عسكريا ًومخابراتيًاً ضد الوجود الكوردي، وهو ما أدخل الحراك الحزبي في معمعة، وفي المقابل أوجد نوع من المثقفين تكون مع كتابتهم رداءة ثقافية ومعرفية بحكم الظروف الأمنية الممارسة على كاهل المجتمع الكردي ككل، مما أختلط السياسي بالكاتب، والمثقف بالمناضل، حيث تكونت لوحة ونموذج خاص بالإنسان الكردي، قد يكون مفيداً في بعض المفاصل إلا أن السلبيات التي تكرست تحتاج إلى إزالتها بأدوات واليات متطورة تعتمد في مضمونها وشكلها على المعرفة والعلم والفكر الذي تخطى بطبيعته ما بعد حداثة الحداثة.، وباعتبار إن التشخيص الحالة الكردية بشكل صحيح يبدأ من هذه المعضلة والنقاط فإنه يمكن أن نستشرف الأدوات المطلوبة من التجربة النضالية الكوردية ونستدرك تبعاتها في مسألة الارتقاء بمستوى الخطاب وتجاوز المستنقعات التي زرعتها الأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط.
2-نتفاجأ بهذا الكم الهائل من الشتائم واللعنات التي تنهال من هذا وذاك على بعض قنوات التواصل الاجتماعي، والأخص الفيس بوك، ألى يدفعنا ذلك للتساؤل، أننا كقيادات أو نخبة أو لنقل مثقفين، لم نستطع إيجاد رؤية موضوعية، واندفعنا لسباق الارتهان كل إلى فريق وبالتالي أدى ذلك لتفسخ ذهنية الجماهير وازدياد بلطجيتها، وشذاذها؟!
عملياً أعتقد إن الشريحة الكوردية التي تتابع "شبكات التواصل الاجتماعي – الفيسبوك" وتتفاعل معها هي نموذج صغير للمجتمع الكردي، حيث إن الحالة التي عليها جماهير الفيسبوك ليس ببعيد عن الحالة المعاشة في الشارع الكردي، وبناءً على ذلك أعتقد إن الحالة التي عليها شارعنا الكوردي من تفكك في البنية الفكرية وغياب المعرفة وثقافة التسامح والرأي الآخر وسيطرة كيانات حزبية قسمت الشارع فيما بينها، ولم يكن المثقف ببعيد عن هذه العملية، إذ إن السواد الأعظم من الكتاب والمثقفين دخلوا في دوامة الاصطفاف الحزبي، ولعل من يتبع لكيانات حزبية دكتاتورية لا يمكن أن يساهم في تحرير المجتمع من المنظومة الكلاسيكية البالية، ولن يستطيع من صناعة الآليات المعرفية المطلوبة في عملية الارتقاء بالمجتمع.
إن الحقيقة بشكل كامل لا يمكن أن تكون موجودة عند طرف حزبي واحد، وهذه من البديهيات المعرفية والتنظيمية، إلا أن وجود ظروف استثنائية – وروج آفا نموذجاً - تفرض على الجميع التفاعل معه، ودعمه في ظل الظروف التي تعصف بالشرق الأوسط، إن من مهام النخبة أو المثقف والكاتب والإعلامي أن يكون صوت وقلم ونداء وصرخة شعبه في حالات الثورة الاضطرارية، وإن وجدت بعض السلبيات والأخطاء إلا أن ذلك لا يجب أن يقف عائقاً أمام مناصرة الشيء المحقق، فلكل ثورة سلبياتها وإيجابياتها، ولكن المهم هو ما يتم تحقيقه، وعادة تكون في الحالات الانتقالية هناك أخطاء وسلبيات إلا أن الإسراع في تحقيق الاستقرار وحده يضمن تطور الحالة وتحصينه ودمقرطته.
3-تتسابق الأحزاب الكردية السورية إلى تبني مطلب توحيد الخطاب الكوردستاني، في حين نجد أن التوجهات العملية تتنافى مع هذا المزعم، برأيك ما هي أهم الأسباب في تشظي طاقات الشباب وانغماسهم في مستنقعات التهاتر الفئوي، وخروج البعض منهم ليغدو قعيد الجدران دون أي عمل يعمله، وما الحلول المتأخر طرحها، في ظل الوقوف حول التوحد أو الاتحاد بمنهجية وعمل، لتجاوز كونه شعار برّاق؟
الصراعات والحروب بطبيعتها تخلق ظروف وكيانات وأطراف لم تكن موجودة من قبل، كما إن التجمعات والأحزاب السياسية السابقة إن لم تتكيف مع التغيرات ستكون في حالة صراع وفوضى دائمة فيما بينها ومع محيطها، ولن ترتقي إلى مستوى تجاوز الخطاب الكلاسيكي والتحرك الفردي والشمولي المقيت. ولعل أهم عوامل التغيير في الظروف الاستثنائية التي تمر بها الحالة الكوردستانية هو تطوير حركتها التحررية سواء خطابها السياسي أو طبيعة هرمها التنظيمي بحيث يتفاعل مع الأحداث أكثرة وبجدية بعيداً عن تأثير الدول التي تتقاسم كوردستان، وهو بطبيعة الحال يحتاج إلى ظروف وعوامل سياسية وعسكرية وتنظيمية.
فالحروب البينية والاقتتال الأخوي الكوردي خلال التسعينيات أثر بشكل مباشر في إدخال يد الدول المحتلة في خلق حدود وصراعات كوردية – كوردية، في الوقت الذي تطلَبَ وحدة الصف الكوردي وتوجيه بنقديته وطاقته وإمكانياته لمقارعة الأنظمة الاستبدادية، بينما الدولة المحتلة لكردستان متفقة إستخباراتياً لضرب الأطراف الكردستانية ببعضها، في الوقت الذي يظهرون وجود خلافات في السطح وبالمقابل اتفاق من تحت الطاولة على قمع التحركات التحررية الكوردية، بعكس الأحزاب الكوردية التي تختلف في العلن والسر.
لعل المطلوب أمام هذا الواقع المؤلم هو وحدة الصف الكوردي في العمق، وإظهار الخلاف السياسي السطحي في العلن، وبناء علاقات إستراتيجية عميقة في السر. وهذا يتطلب صدق تحرك الأحزاب الكوردية.
4-ماهي الخطوط الرفيعة التي ينبغي على السياسي الناجح شدها ما بين النقد والتهجم، فالنقد معيار يستقيم مع العقل على عكس التهجم الذي يزيد من تشنجات الطرف النقيض، في ظل التستر على العقلية الأبوية الزعاماتية ببهرجات لغوية أشد تشدقاً بمزعمي الديمقراطية أو الكردياتية؟!
من يخون شعبه لا يمكن أن تستخدم معه معايير النقد الطبيعي، فالنقد أداة يستخدمها الكاتب في الكشف عن السلبيات التي تدفع بالجهة المنتقدة لإصلاحها، بينما استخدام النقد الطبيعي مع الخيانة لا يمكن أن يأتي بالنفع، المسألة لا تحتاج إلى الخيار الرمادي والذبذبة، لأننا في زمن الثورة والتحولات الكبيرة، فالناقد السياسي يجب أن يكون جريئاً في نقده إلى ما بعد اللاذع، وأن يضع النقاط على الحروف دون خوف، لأن قول الحقيقة مسؤولية على عاتقه طالما أن نقده يدخل في خدمة الشعب والقضية.
لا يمكن لمن يسرق قوت الناس وأموالهم ويستخدمها في شراء القصور الفخمة حول العالم وفي المقابل هناك طبقة تختنق من الجوع أن نخفي ذلك بحجة إنه يملك السلطة والسلاح والمال، سأورد مثال آخر أكثر توضيحاً: قضية نقد حكومة لارتكابه أخطاء في مسألة ما أو مؤسسة أو شخصيات عامة من أجل دفعه إلى الإصلاح، هو أمر صحي وطبيعي، ولكن في الحالة الكوردية هناك مشكلة كبيرة حيث أطراف وشخصيات تخدم الأنظمة المحتلة لكوردستان ويتم استخدامهم ضد تحرك ثوري كوردي، فهنا تكمن المصيبة العظمة. فهل الخيانة تعالج بالنقد مثلاً ، أعتقد لا ؟؟؟
5-مالذي يبقي على المنظومة الأبوية المتفشية بفظاظة في عموم الشرق الأوسط والعالم العربي، ألا يعود ذلك للأديان عموماً، في كونها حافظت على هذا الأرث من تكريس طاعة ولي الأمر والامتثال الأعمى له؟!، لينتقل هذا العرف لذهنية المنظومة الشمولية التي بدورها رعت ذلك وعلى نحو راديكالي (ثوري، اشتراكي) .؟
تكوين المنظومة الدكتاتورية بطبيعتها ناجمة عن ظروف وبيئة تساعدان على ترعرعها، فالتخلف الاجتماعي المتسلسل من عادات وتقاليد كلاسيكية كرست بدورها مجتمع يعاني من طبقات متفاوتة، يتحكم فيها المقتدر سواء كان مالكي المال أو السلاح، يمكن شرح صورة مصغرة للحالة، حيث القبيلة التي تتبع لشخصية تحكم فيها هي الصورة النمطية لرئيس وحاشيته يتحكمان بالشعب ومقدرات البلد، واستغلال الطغمة المقتدرة لشعور الشرائح المجتمع سواءً كانت قوموية أو دينية وحتى اجتماعية.،وأيضاً مراحل تطور المجتمع يحتاج إلى بيئة وظروف تساعدان على تطويره، فالمسألة ليست بجرة قلم أو مقال تراجيدي.،مثال: المجتمع الغربي في القرون الوسطى كان يعاني نفس الحالة التي تعانيها البلدان الإسلامية، حيث سيطرة شريحة استغلت حاكمية الكنيسة، وطبقت قوانين وأفكار تمتاز بالمنظومة المشابهة للأنظمة الشوفينية في بلداننا، ولكن كيف تحررت وكيف تطورت الدول والشعوب الغربية؟، هنا تكمن القضية، وما هي الوسائل والأدوات؟، وهل القوى الدولية تساعد على ذلك؟.،أعتقد إن نصف مشاكلنا في عدم تجاوز المراحل البدائية في تنظيم الحياة السياسية والثقافية هو عدم وجود ظروف الملائمة. مثال: الثورات التي تقام في بلداننا تفشل في إجراء التغيير وتطوير المجتمع والأنظمة، لأن هذه الثورات ليست لها برامج ومشاريع حقيقية كما الأنظمة التي تستمر في وضع قبضة يدها حول التمسك بالحكم. وهو ما يتطلب فوضى وحروب أهلية حتى يتم إجراء التغيير، والحالة اليمنية والسورية والليبية والعراقية من قبل والتركية فيما بعد نماذج حية.
6-قطبا الزعامة(الأوجلانية، البارزانية) في ذروة تنافسهما، وتصارعهما الإعلامي، إلى أين تتجه البوصلة تحديداً في غربي كردستان، في ظل التوازن الأمريكي في مراعاة الأحلاف الاستراتيجيين والجدد، هل الكرد برأيك من الممكن أن يتوحدوا في ظل هذه التناقضات التي تعم المنطقة برمتها، رغم الخلافات الحزبية المتمثلة باختلاف تلك السياستين؟. ماهي قراءتك لما يحدث؟!
ذكرت في محفل الرد على سؤال السابق حول هذه النقطة الهامة، ويمكن التوسع أكثر.
العامل الإقليمي له التأثير المباشر في منع توحيد القوى الكردستانية، إلى درجة خلق هوة عميقة بين القوى، لدرجة طرف يرفض أن يتكرر النموذج الدولة القوموية القبلية، ويعتقد إن قيام دولة كوردية بالشكل الذي أقام فيها العرب والأتراك والفرس دولهم هو تكرار للتجارب الفاشلة ومصيرها الخراب والدمار.
وفي المقابل يجد الطرف الآخر إن الحل يكمن في دولة قوموية، ويكون هذا الطرف –الحزب- هو الحاكم فيها، على شكل الأنظمة الاستبدادية التي حكمت وتحكم بلدان الشرق الأوسط، وتقتل شعوبها من اجل البقاء في السلطة كما هو الحال في سوريا وتركيا وإيران وقبله العراق، ومعظم دول العالم الثالث.
أمام هذين المشروعين ودون وجود خطوط عريضة متمثلة بمؤتمر وطني كوردستاني، واتفاقيات بين الأطراف الكوردية من شأنها تضمن قوات دفاع مشتركة، لن تجد الحلول طريقها لتوحيد الصف ، والحل الثاني يكمن في ضغط القوى الكبرى على الأطراف الكوردستانية، وإجبارها على الاتفاق، وتجربة إجبار الديمقراطي الكوردستاني والإتحاد الوطني الكوردستاني في إقليم جنوب كوردستان واتفاقهما على توزيع الثروة والمناطق وتشكيل منطقتين ضمن إقليم واحد بعد حرب دامت لسنوات راح ضحيتها آلاف الشهداء من العسكريين والمدنيين، حيث ثبت فشله هذا الحل الذي لم يجد حلولاً جذرية لوضع الإقليم خلال 25 سنة.
-7ما سبب غياب شخصية ابراهيم كابان كأديب، لصالح بروز كابان السياسي، هل من مؤشرات للعودة لقضية الإنسان وبلون أكثر رحابة، بعيداً عن جبهات الوجع السياسي المتخم بالخيبة؟!
لعل الحاجة للتوجه نحو تغيير أسلوب وأدوات النضال الثقافي في سبيل القضية هو الذي شدني بطبيعته إلى توجيه دفة القلم من النتاج الأدبي إلى السياسي، ويعود الأسباب إلى الحالة الكردية الثقافية التي لم تتجاوز محنة التبعية للدوائر السياسية الحزبية الكردية.
في البداية كنت أكتب القصيدة الحرة بأسلوب رمزي لما كنا نتعرض له من تهديدات وضغوط أمنية شديدة في ظل النظام البعثي الشوفيني، ثم استطعتُ تكوين أسلوب أكثر تطوراُ يميل للثورية، إلى درجة تيقنت ضرورة تطوير نتاج القلم من الشعر إلى كتابة المقالات، ومن ثم الاختصاص في النقد والتحليل كما هو الحالة التي أكتب بها الآن، التحليل الإستراتيجي والقراءة السياسية التي لاقت رواجاً جيداً من خلال الصحافة المصرية والكوردية.
ولكن تلك الروح كأديب لم تفارقني وظلت تكبر في قلبي ومشاعري وأحاسيسي، ولعل إحدى نتاجاته بعض القصائد التي سترى النور تحت مسمى (على الرصيف) محاكاة ثورية عن روج آفا.
وأعتقد إن التمازج بين الكتابة السياسية والأدبية ضرورية لكاتب ثوري جعل من قلمه صرخة يعبر ثورة شعب.
8-بالعودة لنمط الالتزام بقضايا الإنسان ومعاناته، أين يقف الأدب اليوم، هل استطاع الخروج من ربقة الخطاب الإيديولوجي الثابت، هل بالإمكان بروز اتجاهات فنية جديدة إن على صعيد الأدب أو الفن في الواقع الكردي، في ظل الهيمنة الإيديولوجية بطرق كلاسيكية على الجماهير برمتها، أين يجب على الأديب الكردي أن يقف؟!
شعبنا يقود ثورة، وهناك مقاتلين شجعان يفدون بأرواحهم في سبيل شعبنا، وإن اختلفنا مع خلفياتهم الإيديولوجية إلا أن تلك الروح الفدائية التحررية هو إلهام الذي ينبغي الالتزام بمناصرته في الوقت الحالي.
كما إن الصراعات الحزبية الكوردية خلقت أجواء سلبية مقيتة في الساحة وخاصة مع تطور الإعلام وتحويله إلى مؤسسات لجذب الأقلام، وبما إن تلك المؤسسات تابعة ضمنياً لمحاور سياسية فإن مسألة جذب الكاتب والمثقف إلى تلك الدائرة يجرد منه قيمته ككاتب مستقل، لأن المال السياسي والإعلامي سيكون هو الموجه والحكم.
نحتاج إلى إعلام مستقل يفسح المجال أمام الكتاب والمثقفين في الإبداع، والتنوير والاستفادة من تجارب الفكر والثقافة العالمية، والشعوب التي سبقتنا في تطوير مناهجها المعرفية.
الاهتمام بالكتاب والجرائد الثقافية من خلال فتح دور للفعاليات الثقافية والفكرية المتعددة، والتواصل مع الدول المتقدمة سيكون دفعاً قوياً باتجاه إيجاد سبل واليات علمية وموضوعية في تطوير الفكر والثقافة والمعرفة والعلم.
الفن والفلكلور الكوردي غني بالتراث، ولدينا ميراث كبير في هذا المضمار رغم طمس هويتنا من قبل الأنظمة المحتلة.
9-ماسبب ابتعادك عن الكتابة باللغة الأم الكردية، في ظل التطور الذي تشهده الثقافة الكردية في واقع غربي كردستان، وهل من عودة للكتابة بها والتعبير عن آلام الإنسان الكردستاني عبرها؟
مبدئيا نحن في خضم ثورة مهمة للغاية تحتاج منا ككتاب ومثقفين إلى استخدام الأدوات السلسة في التواصل والتفاعل وإيصال المعلومة بأسرع سبل ممكنة إلى المتلقي، ولعل الشريحة العظمة من الكورد في سوريا يتقنون اللغة العربية قراءة وكتابة، بسبب منع اللغة الكردية خلال السنوات الماضية قبل انطلاقة ثورة روجآفا، وتشكيل الإدارة الذاتية الديمقراطية وتكريسها تعليم اللغة والثقافة الكوردية في روجآفا وشمال سوريا. كما إن طبيعة التفاعل المتلقي له دور كبير في لغة كتابتنا، أنا مثلاً أتقن الكتابة والقراءة بالكوردية كما هو الحال في العربية، وأكتب أحياناً باللغة الكوردية، في ظل الإقبال ضعيف جداً على قراءته في شبكات التواصل الإجتماعية، ولعل المراحل القادمة من التطورات سيتطلب الكتابة بالكوردية أيضاً وسنكون قد طورنا أنفسنا أكثر في هذا المجال.،ولا ضير في استخدام أية لغة عملياً في هذه المرحلة المهم أن تصل المعلومة والأفكار بسرعة وبشكل واسع.
10-أخيراً لا يسعنا سوى شكرك على جهودك، والتي نتمنى لها دوام التطوير والترقي، كلمة أخيرة تود أن توجهها؟
طريق الحرية يحتاج إلى تضحية، قد نعتقل ونجوع ونقتل إلا إنني مؤمن بانتصار الحقيقة في المحصلة، كوردستان لن تتحرر إن لم نصارح أنفسنا ونصلحها بالحقيقة، وننشد الحرية، ونبلغ التخلف الفكري والاجتماعي والمربعات السياسية المغلقة، علينا أن نجعل الأحزاب وسيلة لتحقيق أهداف شعبنا، وللحرية باب حمراء سندفع ثمنه من دمائنا وصرخاتنا..
وفي الختام أشكر جهدكم وأتمنى لكم الموفقية في نضالكم الثقافي الذي سيكون هو الرصيد والكنز الكافي في نهاية المطاف.