Page Nav

HIDE

Grid

GRID_STYLE

المواد الأخيرة

latest

التماسيح الثلاثة وصندل الليل والبعوض

بقلم: الأديب. حمود ولد سليمان (غيم الصحراء) تقول الأسطورة المالية أن اسم مدينة باماكو يعود إلي رجل من بمباره يدعي باما وأنه أول من استوطنها ...

بقلم: الأديب. حمود ولد سليمان (غيم الصحراء)
تقول الأسطورة المالية أن اسم مدينة باماكو يعود إلي رجل من بمباره يدعي باما وأنه أول من استوطنها وكان يقيم عند النهر فسميت بإسمه ..وتذهب رواية أخري إلي أن التسمية مشتقة من باما التي تعني التمساح وأنه كانت هناك ثلاثة تماسيح قد استوطنت المكان قبل أن يسكنه الإنسان .
ومهما يكن من أمر هذه الحكاية فإنها كانت صادقة علي هذه المدينة كما عشتها .وليس ذالك غريبا فلكل شيء حظ من إسمه . والحمد لله نجاني الله من هذه التماسيح .الرجل الذي صحبني من المحطة والذي اشبعني بالعناق والترحاب وظننت أنه سيكون مثل امي و أبي .رفيقا مخلصا .وأخا كريما وجد ابن امه في ليل بامكو .غريبا لايعرف أحدا وعليه أن يضيفه ويساعده .كان شيئا آخر .لقد أخطأت التقدير وكنت واهما فهو لم يكن فرحا إلا بنصره المبين و أنه قد وجد فريسة ولقمة سائغة وليذهب الموريتانيون إلي الجحيم وماذا يهمه في عابر في ليل بامكو ؟ركبنا التاكسي وهو لايزال يحمد الله العظيم ويرحب بي . .عداد التاكسي لايرحم العابرين ولايعرف غير الأرقام .ودولابه يسيره الشياطين وصاحبه قانونه "درهمك يرحمك" عندما وصلنا عمارة الموريتاني .نظر صاحب التاكسي في عداده وقال اعطوني 1000 فرنك او 2000 لست متيقنا .فنظر صاحبي إلي وقال أعطه الحساب . .دسست يدي في جيبي واخرجتها له .وأدركت أني وقعت في الفخ. وسألت الله خافي الألطاف النجاة .وكانت إشارة واضحة علي بداية الإمتصاص . وصلنا باب العمارة وصعدنا إلي الطابق الأعلا .استقبلنا صاحب العمارة البئيسة التي كانت تحفها من جهتين بعض الأشجار ومنزل كبير. كان أمامه ساحة كبيرة وعلي ما يبدو لا أحد فيه . كان الرجلان تلك الليلة معهما زنجية ..لست أدري أهي خادمتهما ام شيء آخر.لم يكن يعنيني سوي أن أستحم وأشرب شايا وأخلد إلي النوم .وعلي الدنيا السلام . صاحبي الذي اوصلني دخل إلي بيت محاذي للشرفة وتركنا انتهت مهمة "التمساح الأول " .وبدأت مهمة "التمساح الثاني ". بدأ الرجل الثاني بالحديث معي ولم يكن وجهه يبعث علي الإرتياح .قلت له أني أريد أن استحم فدخل الي الداخل وعاد الي وادخلني في حجيرة صغيرة كانت هي مرش هذين البائسين وكان الماء فيها نارا تلظي .بدأ يحرقني وكنت أتحمل صابرا . ولم استطع ان أصمد طويلا خرجت من مرش جهنم .في الشرفة كان ينتظرني سناريو آخر وفصل آخر في الجحيم لم يكلف البائس نفسه عناء واجب. الضيافة كما تقضي الأعراف والأخلاق الحميدة. قال لي وهو يوميء إلي شيء أمامه تفضل هذا العشاء وكان طعاما حقيرا .حفنة من المكرونة .ولما قلت له أني أريد شايا تحجج بأن الوقت قدتأخر . اغضبني موقفه وتحججه . كنت متعبا ومثقل الرأس ولم أشأ أن أدخل معه في عراك . حتي الفراش الذي فرشوه لي كان حقيرا وسادة بالية وتحتها حصير مهتريء .كان الحر شديدا وأحسست بالإختناق وصرت أذرع الشرفة .وكان البعوض يلدغني .هممت أن اصعد الي السطح لعل ثمة تكون نسمة باردة .واعترضتني الزنجية .كانت مستلقية علي السلم في وضعية غريبة .وإذا بصاحبي يقول لي أعددت لك متكأك هنا وكان قد نصب ناموسية واستلقي عن يميني والآخر عن يساري ودخلت في مكاني ..وكانت الناموسية ممزقة والبعوض زغاريده تملأ الدنيا .وقد وجد فريسة منهكة وبدأ ينهش .كان القمر في سماء بامكو يتلألا من بعيد .من تحت العيدان التي بدت لي كالخيزران .الذي جعله البائسين ديكورا مع أنه ديكور سقيم لا يلائم العمارة الحقيرة . وأني لتمساحين وسخين ان يكون لهما ذوق سليم . أصوات المدينة المختلطة كنت أسمعها ومن ناحية المنزل الكبير كنت أري ظلمة وظلال أشجار.أحسست الحر تخلصت من سروال الجينز والجاكيتة وما تحتهما ولبست "الدراعة" . كانت أنفاس النهر تتصاعد في الهواء .والحرارة تنبعث من الأرض ورائحة الصندل تعج في كل مكان .كان العرق يتصبب مني وكان رأسي ثقيلا يؤلمني ..وكان البعوض لعنة الله عليه ينهشني.
صباحا استيقظت علي أشعة الشمس علي رأسي وكان لايزال ثقيلا .وكان صاحب العمارة يحدق في .اغتسلت وصليت الصبح .التمساح لم يعد لي فطورا .قال لي بعد أن تيقن أنني لا محالة مغادره إلي الأبد أرجوك ان تسمح لنا ما قد نكون قد قصرنا في حقك وقبل أن تنصرف لاتنسي الحساب ثمن المبيت 3000فرنك. .سلمته ما أراد وحملت حقيبتي وخرجت من العمارة غير آسف علي فراق صاحبيها تمساحي بامكو .
ثقيل الخطي .كنت أجرجر نفسي.منهكا علي ظهري حقيبة صغيرة وفي يدي أخري أجرها ..لست أدري الي أين أمضي ؟لم أعد أريد المكوث .وأخاف إن بقيت أن تنفد نقودي القليلة وأنا أنوي الذهاب إلي الجزائر .لا أدري كم أمتار قطعتها أجر حقائبي مترددا وأصحاب التاكسيات يشيرون لي لا أريد أن أخسر فلسا واحدا .فأمامي طريق طويل. سرت حتي وصلت سوقا وكان سوقا خاصا بالتحف الفنية .منحوتات الأبنوس والآلات التقليدية والجرر ..ثم واصلت سيري حتي المحطة الكبري .كان النهار حارا وكنت أتصبب عرقا .عند المحطة وجدت موريتانيين يشتغلون في إدارة شركة نقل " سونف " .كانوا ثلاثة او أربعة.كان أحدهم يشرف علي التذاكر والآخرين علي شحن الحقائب ..الباصات كثيرة قادمة ومتجهة إلي كل مكان من مالي وجوارها .والمسافرون بعضهم كان متكدسا في ما يشبه العنبر وكأنهم باتوا ليلتهم هناك . حقائب مبعثرة هنا وهناك وقنن مياه معدنية ملقاة علي الأرض وقشر موز .جلست علي كرسي وأحسست الشمس الحارقة وكان نصفي في الظل والآخر في الشمس .وأمامي كانت امراة معها صغير وأخري جلست تفليها .وعجوز في شدقيها خطوط كثيرة .كانت حاسرة الرأس وكانت مرعبة . كانت تحدق في وتبتسم وتهز رأسها ..ولم أكن أظن أنها ستسافر معي في نفس الحافلة .
حوالي الحادية عشر والنصف انطلقت حافلتنا في اتجاه غاوة .كانت حافلة قديمة ..صفراء مقاعدها توحي بأنها بحاجة كبيرة إلي الصيانة .بعض زجاج نوافذها مكسر ومكيفها معطل .

كان الركاب زنوجا وطوارقا وعربا

كنت أرسل بصري ناحية السوق والجسر أفتش عن صاحبي الذين بت معهما لأخبرهما أني مغادر ولن أعود إلي مدينتهما أبدا .هاهو السوق وهاهو الجسر الذي خلفه .هاهو الإسفلت الأحمر وهاهو الغبار وهاهو العابر يخرج مدينة التماسيح باماكو .الحر شديد يذيب دماغ الضب .والمسافرون في هرج ومرج .الاشجار العالية كانت تمتد في السماء . غابات واحراش كانت تصادفنا وبعض القري وعابرون أحيانا علي دراجات نارية . وكان المساء قد بدأ يتواري خلف قرص الشمس الأحمر وكنت متعبا جدا .لن انسي ذالك المساء وأني للعابر المطارد أن ينسي ! ذالك المساءالبعيد السادر في الزمن اليكسومي . الذي أخني عليه راسبوتين كما أخني علي أهل المنكب البرزخي يوم سلكت درب الستة أيام في الصحراء.وكانت الريح بوصلتي نحو درب النهر .في الخلاء وراء سيكو . علي مشارف التخلي عن السوي وأصحاب الوقت اليكسوميين الذين ودعتهم وبودي لو لم أودعهم .أهيل المنكب البرزخي. من استودعتهم السر وأتمنتهم عليه .يوم جاهرت بوحدانية الله وأعلنت الحرب علي كهنة الصحراء.

ليست هناك تعليقات