بوح ورؤى مع ملك علو، حوار جريئ للغاية

Rêber Hebûn ريبر هبون Reber Hebun
0

(بوح ورؤى مع ملك علو)

*ريبر هبون

الكاتبة المعرفية الكردستانية ملك علو , مواليد عفرين 2 شباط 1967م, كردستان الغربية (سوريا), عضوة في تجمع المعرفيين الأحرار (الحب وجود والوجود معرفة), درست الأدب الانكليزي

في جامعة دمشق,شاعرة وإعلامية , صدر لها ديوان شعري سنة 2000 بعنوان (زفرات امرأة)

شاركت في العديد من الأمسيات والمهرجات الشعرية والندوات التربوية في دمشق وعفرين

كتبت ثلاث مسرحيات تتناول الهم النسوي الشرقي

وعملت كمحررة في قناة الجزيرة الانكليزية

وبتاريخ 18- 7- 2016م

كان لي معها هذا الحوار :

= ملك علو , أهلاً بك ويسرنا أن نخوض حواراً ضارياً بإثارته , وحافلاً بمعانيه وأبدأ معك من هذا التساؤل , الذي يدور حول التشاؤم , ماسر التحافك به في مجمل نصوصك الشعرية , هل يعود ذلك أننا بطبيعتنا نستسيغ الكتابة التشاؤمية كونها باتت محور علاقة الإنسان بالوجود , هل التقنع بمفهوم الحل يتلخص في رغبتنا بالخلاص , أم الهروب؟ , مالسعي , مالنتيجة ؟ لو تبادر لذهننا أن الكتابة الشعرية بمثابة تحايل على الواقع لا رصداً واقعياً له , بعكس رؤية الحالمين للانتفاضة بمعناها الفردي؟

فيما يتعلق بالتحافي بالتشاؤم : مرد ذلك لمقومات واقعنا القاتم ذاك الذي عشنا فيه متحايلين عليه كما ذكرتم تارة بخلق فسحة للأمل للتخلص من ضيق العيش وجعل الوهم واحة نفسية إبان تصحر الحياة، إذا" قد نلجأ لاصطناع وهم جميل ولو في خيالنا لنستمد منه طاقة الاستمرارية . حيث إن واقع مجتمعاتنا الشرق أوسطية والاسلاموية يفرز معادلة تتحكم بكنه وجودنا الثقافة والوعي = تطلق نتاج كيمياءنفسية تتسم بالسوداوية والتشاؤم وكأنهما مرادفات لبعضها-(الواقعية والسوداوية) .

إنما حلاوة الروح التي زرعت في فطرتنا تمنحنا طاقة للمقاومةأحيانا" نجهل مصدرها ،ولا تفسير لها سوى أنها من الآليات الدفاعيةالنفسية المستدعاة تحت الضغوط الحياتية.إنما إذ أن نفس الأديب المرهفة تتمكن من استثمار حتى تلك الطاقة السلبية وتحويلها لطاقة ابداعية من خلال الفعل الخلاق: (رسم –شعر-موسيقى الخ....).

أما مفهوم الحل فبتصوري ليس مطلوب منا كأصحاب مشاريع إبداعية؛ بل مطلوب منا فقط نقل تجربتنا للآخرين بمنتهى المصداقية من خلال التأمل في كوامن أنفسنا، فأسمى صور المصداقية تكون الصدق البالغ والبليغ مع ذواتنا؛ أما الرغبة في الخلاص من واقع يجهض فينا أرواحنا التي هي أثمن ما في الوجود فهي حق مكتسب بحكم مواثيق دولية ( حق الحياة) إلى جانب وجود هذه الرغبة كنزعة فطرية بحكم غريزة البقاء وذلك من خلال الشكوى ؛الأمر الذي تعكسه كتاباتي من خلال إيغال عميق في ذاتي التي تغنيني في كثير من الأحيان عن التواصل مع العالم الخارجي ، في حال استعصى علي التواصل والانسجام مع محيطي؛ وأعتقد أن هذه هي الحال مع معظم من يحملون هواجسا" إبداعية في وجدانهم . الهروب من الواقع بقناعتي جبن وتخاذل وضعف في إمكانيات الذهن والنفس على التكيف والتأقلم- فكما عرف هيجل الذكاء بقوله : هو القدرة على التأقلم ، يتنج العقل البشري عامة والمبدع خاصة مخارجا" من حصار الواقع المطبق بسلبياته والنتيجة ستكون انبلاج الفجر من كوة نور مهما ادلهمت ظلمة الواقع ، إنما لا يخفى على أحد أن ذلك يحتاج لمقومات نفسية وذهنية عالية قد نقضي العمر في سبيل تحصيلها ، وتختلف نسب هذا المحصول من نفس لأخرى وذهن لآخر حسب درجة الوعي والثقافة وعوامل أخرى تساهم في التكوين الذاتي للفرد

=مالفتني في نصوصك الشعرية استحضارك للفلسفة ورصدك للاغتراب بمعناه النفسي , وذلك لعدم قدرة غالبية الكتاب الشرق أوسطيين والعرب على الايغال في جدلية الموت , الحياة , الانسلاخ عن المكان , ماذا يحتاج الشاعر الشاب في عصر الحب المؤتمت والكره المفرمت وفق تعبيرك , هل أضحى الضحية الخمولة لسطوة الرقميات والتقنيات وأسير الشاشة الافتراضية , أم إنه يمتهن العشق ويستخرج الكلمة من رحم الذاكرة , ذاكرة قراءته لبعض ما كان في ذروة صفاءه؟

فيما يتعلق باستحضاري للفلسفة ورصد الاغتراب بالمعنى النفسي فإن ذلك بديهي ؛ لأن المرء عندما يجوع المرء يلجأ لثلاجته ، وبالمعنى الكلاسيكي: يفتح جعبته ليخرج ما يستحوذ عليه من ذخيرة إمدادا" لرفد جوع جسده ؛ كذلك هو الأمر حين يتعلق الأمر بتلبية الجوع الفكري فإن المرجعية تكون للمخزون الفكري صغر رصيده أم كبر ، وقد أخبرتكم بأن رصيدي المعرفي تشكل بناء" على مطالعاتي في الفلسفة وسواها تلك المادة المعرفية التي هي بقناعتي أم العلوم ورأس الحكمة . وعلى الشاعر أن يستجمع العلم والمعرفة من مختلف مشاربها ومناهلها ؛ لأن الشعر هو أكثر الفنون شمولية وبالتالي أبعاده بانورامية الأفق تحتوي على: الصورة، الموسيقى والإيقاع ، زركشة الخيال والكلام، والقدرة على استنباط مواطن الجمال في اللغة وقبل كل تلك العناصر الفكر الخلاق ولكي تكون القاعدة الفكرية في أي نص شعري متينة ينبغي الاستناد للفلسفة والمنطق التي هي بمثابة حجر الأساس في الفكر السليم. وبتصوري أن الفكر في الشرق الأوسط عموما" مصادر أو مهيمن عليه، إذ أن معظم المثقفين أو أصحاب المشاريع الإبداعية يتناولون وصفات فكرية ،وقوالب مسبقة الصنع إما من قبل أرباب الشريعة الإسلامية المترعة بالمسلمات،أو من طرف الطغم الحاكمة في بلداننا ؛ من هنا يغدو طرح أي مفهوم من مفاهيم الفكر أوأركانه ( الموت – الحياة – الدين - السياسة ) بمثابة تطاول على سلم التابوهات اللامتناهي في شرقنا الموبوء بجرائم وموبقات بحق النفس والروح والفكر البشري . لهذا يكون السعي نحو التحايل والالتفاف على الهم المؤرق لفكرهم كما ذكرتم، علهم يبثون نتاج تفاعل الفكر المخنوق والروح المجهضة، بتلك الطريقة.وبتصوري عدم القدرة على الخوض في جدلية الموت والحياة لم تنبع من الا من الارتكاس الروحاني والذهني ؛ فالانشغال أو الإشغال المفروض على الكائن البشري في شرقنا منذ تفتق الوعي والارهاصات الناتجة عن استنزافه ؛ تجعله يشعر أن مفهومي الحياة والموت لديه وجهان لعملة واحدة؛ وسعيه وهو لاه بين دفتي البداية والنهاية أو المنطلق والمرجع هو ما يرصد و تلك هي أطروحته التي تعكس تلك الجدلية بين الموت والحياة .

- نعم لقد بات الشاعر المحدث أسير الأتمتة بكل خمولها، وإتلافها للنهم المعرفي عبر ملامسة الورق وتصفح الكتاب ، فجيل الشعراء المحدثين المنبثقين من سطوة الرقميات كما تفضلت محروم من نشوة استنشاق رائحة الورق ، والغفوة وهم يغطون وجههم بدفتي كتابهم المفضل . وهذا الانجراف نحو التكنولوجية ناتج عن كوننا لم نساهم بتفعيلها ، بل نحن منفعلين بها وننشدها بكل ما يقدم لنا دون قدرة على الاختيار، فنحن جيل الوجبات الجاهزة أو كما يطلق عليه جيل ال expresso - fast food. من هنا ولكي يبدع الشاعر المحدث فهناك حالتين لا ثالث لها:

إما أن يكون ذو ذخيرة ثقافية جمة، أو منغمس في حالة عشق جارف تحرك عليه كل لواعجه .

وكلنا يعلم أنه اذا كان للألم والمعاناة إيجابية فهي تكمن في كونهم يشكلون جذوة الإبداع... ولدى الشاعر المحدث المحكوم بلسعة عصر السرعة المحموم لا متسع من الوقت لكلا الاحتمالين . من هنا يحرض رحم ذاكرته عساه يلد له فكرة جديدة أو وكنتيجة لغمامات الفكر المنبعثة من غموض الظواهر الحياتية لديه فإنه يلجأ لطلسمة الكتابة تحت مظلة الرمزية .

من هنا فإن قارئه يلف ويدور في حلقات مفرغة وفارغة إن حاول الإمساك بالمعاني الهلامية المطروحة.

= التساؤل في صميم الذات المدركة المبدعة , وهو الواقي لنكبات وكبوات المبدع في الزمن , إلاما ترمز القصيدة الحية أمام الماضي بإطلالته الحادة على ذاكرة المرأة الشاعرة , هل الكتابة تعبير عن تواشج عنيف من الحنين بين المرأة والماضي , أم أشبه بمحاولة وأد لتعثر تحقيق الحلم الياسميني ؟

أما التساؤل لدى ذات المرأة المبدعة في زمن الانفتاح على الآخر والانغلاق على الذات ،فهوبمثابة استشراق للمستقبل الزاهي الذي هو مادة حلمها ووأد لماضي سحيق سحق كل أمنياتها وأحلامها وجعلها حالة أو ديمة معلقة بين عطش تراب الحاضر وجدب الماضي واخضرار المستقبل بتوسم الأمل الفار مما تملص من بنان سنينها. المرأة بوصف تسميتها مانحة الحياة( خاصة باللغة الكردية:Jin jîyanê didê xwezayê) ) بمعنى : المرأة هي مانحة الحياة للطبيعة فهي الكائن البشري الأكثر حاجة للأمل والحلم ،لتبلسم جراحها من ناحية ، ولتخضر القشيب من خريف مناها. أهمية الأمل بالنسبة لها ملحة لدرجة تجعل من ثرثراتها تويجات ياسمين على تربة حياة الأسرة. كيف لا ومن سواها يعكس الجمال والرقة والعطرعند تبلد ساعات العمر!!!....

= يقول الكاتب الروسي دوستوفسكي :
((
 إن المرأة التي تقرأ ، لا تستطيع أن تحب بسهولة ، إنها فقط تبحث عن نظيرها الروحي الذي يشبه تفاصيلها الصغيرة ((."

جدلية القراءة والحب , التي أصر الكاتب على بيانها إلى أي حد مهمة في عصرنا هذا والذي نشهد أمية الحرب التي تسطو على المرأة الشرق أوسطية حيث الحروب والتنافس الايديولوجي وطغيان المفاهيم الحزبية الاستهلاكية , ماذا تحتاج المرأة الشابة حتى تعي جوهر العشق عبر القراءة والتأمل والبحث ؟
في ظل هيمنة القمع الناعم إن صح التعبير في واقع مليئ بالإرهاصات ما بين البقاء في أتون الوطن الخراب والمنفى البارد ؟

فيما يتعلق بمقولة ديستويفسكي تبنيتها بكل معنى الكلمة لمسار زمني تعدى القرون الثلاث لكنني ادركت أنها ضرب من الرومانسية وتكاد تصبح غطاءا" طوباويا" للفشل النسوي في التعاطي مع كافة الخامات النفسية لدى معشر الرجال .

علما" أن فقدانها لذلك القادر على رسم نمنماتها سيشقيها ،لكن التغاضي عن هذا المطلب أرحم من قسوة الوحدة ؛ وبالتالي يجعلها تتمتع بقدر من البراغماتية يخولها لتسيير شؤون حياتها عسى أن تترافق وجهة رياحها مع رغبات قائد دفة سفينتها ذات إبحار.

في عصرنا الراهن الطاحن لكل شيء جميل ولكل رموز الحياة ، العصرالمثخن بجراح أبشع الحروب ؛لعل المهمة الأكثر إجلالا" التي ينبغي على المرأة القيام بها القدرة على زرع القيم النبيلة في نفوس جيل قادم مترع باللا انتماء لأي من سلالم القيم الأخلاقية ، جيل بلا جذور.

إذ ما من أحد من جيل المغترب متمسك بلغته تلك التي هي المرس الأمتن الذي يشده لجذوره. هو بالتالي بلا فروع لأنه ما من شجرة تتوازن كل مراحل وجودها اذا لم تتجذر مع ترابها بعلائق جدية و سليمة.

أما ماذا تحتاج المرأة الشرق أوسطية حتى تعي جوهر العشق ،فمن وجهة نظري عشق المرأة للجنس الآخرضمن ظروف السطوة الذكورية الراهنة تكريس لفكرة الاستعباد وما الزواج والارتباط باعتباره التحصيل الحاصل للعشق سوى توثيق لصك العبودية تلك.من هنا أجد أن المرأة كي تتحول الى كائن مبدع حري بها أن توجه ذاك العشق لذاتها فبذلك تصبح معطاءة وغنية من الداخل عوضا" عن الشعور بالتقص والدونية، وكل تلك المفاهيم السلبية التي حاول الدين وبناء" عليه العادات والأعراف والتقاليد غرسها في شخصية المرأة هذاإن وجدت بالأصل. إذ غير مأذون لها أن تدعيها أوتمارسها. فبكاؤها وعري قدميها مباح لأن الله يرزق من يشاء إنما ضحكتها المنتزعة بشق الأنفس ، وتنفس رأسها دون حجاب محرم ومكروه ، وجرم تعاقب عليه.

أما خيارها في ظل هيمنة القمع الناعم : فهو الوجه الآخر المظلم لقمر الحضارة وتختلف الأساليب في نقله ورسمه من متبني لآخر؛ إنما بالنهاية لطالما هو ناعم يبقى إيقاعه في النفس النسوية مقبولا" فكلنا يعلم أن الكلام الجميل نقطة ضعف المرأة، والغزل بالتالي هو عطرها. وربما من تصاريف قدرها وطبيعتها الجبارة هو قدرتها على التكيف مع أعقد الظروف حتى حينما يكون الخيار بتارا" حادا" تعلم بحدسها الواعي أن عليهاأن تختار بين أمرين حتى وإن كان خيرهما أمر.

فإما البقاء في الوطن الخراب مع انعدام أسباب البقاء من مأكل ومأوى ومشرب وإنارة وبالتالي لا عمل ولا مصدر للرزق،وفوق كل ذاك انعدام الحياة حيث يتربص الموت بك بين الفينة والأخرى، والخيار الآخر يكمن في لسعة قر المنفى الذي يجعلك تشعر وكأنك كتلة من وجود متحجر ، لا أنت قادر على اقتحام مجتمع يطالبك بإعادة بناء نفسك وفق مقوماته ولا أنت قادر على استحضار طقوسك التي كونتك بعجائن الشرق بغثها وثمينها.

فحياتنا الراهنة نحن النساء والذكور على السواء في بلاد المغترب نقضيها بين ألم فكي كماشة فناء الوطن و جليد المنفى. المعضلة تكمن في أننا كنّا وما زلنا .نتوهم أننا في سعي لخلق حضن لأوطاننا علما" أننا ننتمي لوطن بلا حضن وإلا لما لفظناأصلا" .

فمعظمنا كان منفيا" ضمن وطنه، خاصة وأن لا ناقة لنا في إدارته ولا جمل. وتبقى تحكمنا هذه الجدلية التالية : أنناكلما اقتربنا من أوطاننا كلما ابتعدت هي عنا وكلما ابتعدنا عنها اقتربت هي أكثر لدرجة أنها تسكننا ، والشطر الأول من معادلة هذه الجدلية ينطبق على إنسانا الشرقي فقط وقد يشمل الشطر الثاني حكمه يقع على إنسان الغرب والشرق على السواء. فعلاقة الوطن مع المواطن في شرقنا مثيرة لجدل عقيم لكونها بين طرفين متناقضين، في الوقت الذي هي في الغرب علاقة جدلية ومتبادلة التأثير وقائمة بين أطراف تسعى للتكامل فالمعادلة هنا كاملة العناصر ،ما من طرف مغيب فيها.

أما موضوع كسر الطوق؛ فهي فعل تطورمعرفي شمولي وبانورامي يستدعي تكريس كل الفعاليات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في شتى مفاصل الهيكل البنيوي للمجتمع وهو فعل تراكمي يأتي عبر مسار زمني قد يطول أو يقصر حسب الشروط الموضوعية لكل مجتمع ؛فكلنا نرغب في كسر هذا الطوق إنما ذلك ليس باليسير ؛ هنا تلجأ المرأة للتحايل والمكر المشروع. للانفلات والانعتاق من هذا الطوق وأعتقد أن مقولة ( إن كيدهن عظيم ) ينبغي أن تجير لخدمتنا ؛ إذ هي بطبيعة الحال مقرونة ولصيقة بسلوكيات المرأة الشرقية فلم لا تكون لصالحنا؟! وهذا ما قمت به بالفعل لأعبر عن إستقلالية كياني الفكري والمعرفي من خلال عملي في الإعلام والأدب على السواء فضلا" عن استثمار ما لدي من ملكات وإمكانيات ووثائق في التحصيل العلمي والمعرفي . أما أن أن يكون وجود الرجل كتعويض جزئي لهن عن الحلم؟! فبتصوري لا عزاء للنساء إلا في أنفسهن ووجود الرجل في حياتهن ما هو سوى لخلق التوازن النفسي وفق قانون صراع ووحدة وتصالح الأضداد في الفلسفة المادية الديالكتيكية.

= هل يتوقف التفكير برجل الحلم لدى المرأة المبدعة برأيك ؟ , وهل تجدين أنك كامرأة شاعرة وإعلامية نجحت في كسر الطوق المفروض من جملة تقاليد وعادات شرقية تعود لمخلفات السلطة الأبوية ؟ , وأخيراً هل يصلح وجود الرجل كعزاء حقيقي للمرأة ومواكباً لحياتها بصورة تنصف ما تحلم به المرأة لو جزئياً ؟؟؟

التفكير بالنصف الآخر المتصف بملامح الفارس أو عروس الحلم بتلك الصورة التي نشغل بهاأنفسنا ونشعل بها رغباتنا ، ونلهب خيالنا ،لا يتوقف ذلك التفكير لسبب بسيط : لاستحالة التطابق بين الحلم والواقع ؛ حتى وإن افترضنا جدلا" أن التطابق حصل فإننا بحاجة دائمة لخلق متجدد لمادة حلمنا إذ يشكل ذلك دافعا" ولو وهميا"لاستمرارية الحياة . والأمرذاته ينطبق على كلا" من الرجل والمرأة على السواء.

= الوحدة إحدى تداعيات الإحساس بالموت , الحقيقة التي أرقت أدونيس , ومحمود درويش والمعري وعروة ابن الورد , وغيرهم الكثير فيما توحي لك ,؟, أهي تعني تشبثنا بالبقاء كإبداع وأثر.؟ , ما تجسيدها في ذاتك كشاعرة ؟

الوحدة والعزلة بالمعنى النفسي : هي ذلك الهم الكبير والجميل؛ تعني لي التأمل والتماهي مع نفسي والاعتناء وإعادة بناء الذات والاغتناء بالذات. أجيدها وأجسدها في نفسي كعلاقة محورية تدور حولها كتاباتي وأي فعل إبداعي(إن جاز التعبير) أنوي القيام به. هي الوئام السيكولوجي الذي أخفق في تحقيقه مع الآخرين الا ما نذر. وتشكل العزلة الارضيّة الخصبة لدراسة النفس البشرية التي هي منبع الإبداع منطلقا" ومرجعا".

= ما سبب انكفاءك شعرياً , هل يعود ذلك لانشغالك بالإعلام والتحرير والمجالات الموسيقية , أم لحال المجتمع الاستهلاكي النفعي والتي أقصت منظومته الحاكمة الاهتمام بالقراءة والفكر الحر؟

أما سبب الانكفاء الشعري الأساسي لدي فهو إحساسي أنه لا يغني ولا يسمن من جوع وفق منظومة المجتمع الاستهلاكي المادي فهو البضاعة الكاسدة في مستودعات زمن الجهل الروحاني والهيمنة التكنولوجية والماديةعلى القلب والعقل والروح على السواء.

ثم أن فظاعة الانتهاكات السافرة لقيمة الإنسان والروح الإنسانية ، وقيمة حق الحياة كأسمى القيم الإنسانية ؛ تجعل الشعر مهما كان خارقا" وعبقريا" تجعله يبدو أخرقا" ومقزما" في وصف هول مجريات الحياة المعاصرة. نعم تبقى ! تبقى هناك بعض المحاولات التي هي كما أسميتها محاولات التشبث بالبقاء ، فالشعر بالنهاية حاجة ونتاج يصدر عن تفاعلنا الضمني مع ذاتنا أومع ما حولنا. وإقصاء القراءة والفكر الحر يبقى مجرد خدش يجريه شوك وردة أمالنا في أناملنا ، أمام الجرائم السافرة والفتاكة بحق النفس والروح البشرية التي تحيط بِنَا من كل حدب وصوب تحت مرأى ومسمع أبصار وآذان متفرجين مكتوفي الأيدي ليس لعجزهم بل لتعاجز لا يغتفر.

= ماذا قدمت لك عفرين , المدينة التي خرجت منها في سن مبكرة , هل لها حضور شعري وفكري في ذاتك, لا سيما وإن هذا السؤال يحيلني لجملة أسئلة أقوم بتكثيفها بتساؤل وهو قضية المظلومية التاريخية للشعب الكردستاني الذي تنتمين إليه , كيف تتجلى لك القضية على ضوء تجربتك كإعلامية وشاعرة , أين وجدت موقع القضية من حيز اهتماماتك الابداعية ؟

عفرين كمدينة ماذا قدمت لي ؟ : فقد منحتني للمرة الأولى في حياتي الشعور بالانتماء للمكان إذ أن إبتعادي المطول عنها في العاصمة دمشق ورغم ما ينيف على العقود الأربعة، فقدت هذا الشعوربالوصال بيني وبين المكان الذي أعيش فيه. في عفرين شعرت أني أعتاش بها ولا أعيش فيها فحسب. لأول مرة أشعر أن قدمي تمشي على أرض تخصني وكما يقال بالدارجة لا فضل لأحد فيها علي ولا منية أو ضربة لازمة .

هذا الشعور لازمني إبان إقامتي في دمشق منذ تفتق بذور وعيي هناك.

عفرين جعلتني أتذوق حلاوة العيش بالقرب من منبت الجذور ، وجمال عبق تراب يخصني .فيها اكتشفت كم هو طيب شعبنا وكم هو راضٍ بأبسط ما تجود به الدولة من خدمات مرفقية فنحن شعب لا نجيد التذمر إلا فيما بين بَعضنا الآخر، يساعد في ذلك حالة الفراغ والترقب التي يعيشها المواطن العفريني في انتظارموسم الزيتون فحسب. الأمر ذاته الذي يفعله الكردي في كوباني والجزيرة بانتظار قطنه وقمحه. دواليك.....

القضية الكردية هي الهم الحاضر الغائب في وجداننا مهما نأينا بأنفسنا عنها لأنها هاجس إنساني وحق مشروع قبل أن تكون قضية سياسية وهنا أودّ الاستئناس برأي أحد المتاجرين بالسياسة في سوق السياسة السورية ذو المشهد الظلامي الشديد التعقيد المتخم بالنفايات البشرية؛ إذ يقول أن القضية الكردية قضية عادلة إنما محاموها ضعفاء وفاشلين وهنا لا أودّ إضفاء السوداوية على المسرح السياسي الكردي إذ لا إضاءات فيه أصلا" ومنعا" للغلو أقول إلا ما ندر من بقع ضوء هنا وهناك.

فموقع قضيتنا في صميم وجداننا شأني شأن كل وطني مخلص وشريف، إنما المشكلة هي أن نتساءل عن موقعها في حيّز اهتمامات نخبنا السياسية الذين المفروض هم متبنيها في محافل السياسة الدولية؟!.

= الأديبة ملك علو , كل الشكر لك وصلنا لختام حوارنا معك , كلمة أخيرة تودين توجيهها , للقارئ ؟

كلمة أخيرة أدعو نساء الكرد والواعيات منهن بشكل خاص أن يتوقفن عن تسول شخصياتهن ممن هم حولهم، وأن يلتفتن بشكل جدي لدراسة وتبني خصائص شخصية المرأة الكردية بعناية وتركيز وشفافية عالية وبفكر نقدي بناء وتلافي التقمص والتبعية العمياء والنقد الهدام.

كما أشكر إتاحة الفرصة لفتح نافذة نيرة على نفسي وفكري ، آملة المنفعة لي ولكم. مع تقديري لجهدكم البليغ في السبر. بالتوفيق والى لقاء آخر.




إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!