مقارنة نقدية بين النقري والجابري

Rêber Hebûn ريبر هبون Reber Hebun
0
للباحثة إكرام فكري 
أهم كتاب للراحل عابد الجابري { تكوين العقل العربي } و قد سبقه مشروع لا يقل عنه أهمية لمحمد أركون بعنوان { نقد الفكر الاسلامي } ، فربط الجابري العقل بالعربي و أركون بالدين ... لكن هل فعلا هناك عقل عربي ؟ و عقل إسلامي ؟ أليست الحضارة العربية عبارة عن امتداد لبلدان ذات أغلبية مسلمة يربطها التاريخ و اللغة ؟
● بداية لابد من دراسة توجهان أساسيان للعقل العربي (الشخصنة - التفرد ) هذان الاتجاهان لا ينبغي فهمهما فهما مطلقا ، حتميا ، تابثا ، إذ أن اتجاه التفرد في زمن ما قد يكون نفسه اتجاه الشخصنة في زمن آخر : 
1- اتجاه الشخصنة : يقصد به الانغلاق على الذات وتمجيد المورث كيفما كان ، و التمسك بما تم التعود عليه وجربت صلاحياته لضمان استمراريته ، و بذلك فاتجاه الشخصنة يدافع عن المورث في محاولة لمواجهة الاختراق الثقافي ... لكن فعله الموجه ضد هذا الاختراق لا ينال الاختراق و لا يفعل فيه أي فعل ، بل فعله موجه كله إلى الذات قصد تحصينها ، و التحصين إنما يكون مفيدا عندما يكون المتحاربان على نسبة معقولة من تكافؤ القوى و القدرات ، أما عندما يتعلق الأمر بقطار يجب أن نركبه وهو ماض في طريقه بنا أو بدوننا ، و يفرضه أصحابه باستراتيجية ، فإن الانغلاق في هذه الحالة ينقلب إلى سكون ، تقهقر ، قد تتخلله بطولات مدهشة و لكن صاحبه محكوم عليه بالإخفاق …
2- اتجاه التفرد يعني الانفتاح على الآخر و التلاقح الحضاري حرصا على تجاوز عادات و تقاليد انتهت صلاحياتها ، في محاولة للإيجاد مخارج من الجمود و الانحطاط و الهزائم المتكررة أمام الغرب المتقدم 
لكن هل نحتاج إلى التراث ، هل سنركب القطار بدون هوية بدون بطاقة تعريف ؟؟
● ينبغي أن ندرك بأن الانغلاق التام و الانفتاح الكلي موقفين من المواقف التي تواجه المشاكل لا بعقل واثق من قدراته و إنما بالهروب منها ، إما إلى الوراء ، و إما إلى الامام … بخصوص نقد الاتجاه الاول قدم لنا المنطق الحيوي دراسة في فكر سعيد حوى من خلال قراءة في كتابه { جند الله ثقافة وأخلاقا } ، الذي كان و ما زال دليل نظري و تنظيمي للإخوان المسلمين السوريين و غيرهم ، معتبرا بأن أي معالجة لا تقوم على دراسة عقلية نقدية وفق المصالح الكونية المشتركة فهي عبارة عن انتحار جماعي تماما كما حصل في الثمامينات من صدام الدولة مع إخوان المسلمن ، و المنطق الحيوي لا يعتبر المتدين ضد العلم ، و تياره ظاهرة آنية مفتعلة ، فهناك الكثير من المتدينين وصلوا إلى مرتبة منتجي العلم و ناضلوا ضد الاستعمار ، ما انتقده النحر و التناحر باسم الدين واحتكار الله دون الناس ، و عد النفس فوق الغير …
كما انتقد الاتجاه الثاني و البداية من الصفر و بتر العلاقة مع الماضي كحالة التقدميين و الانفصاليين الذين انحازوا إلى جانب الماركسية و الانظمة القهرية الاستبدادية ضددا بالرجعيين ...
كما حاول المنطق الحيوي في موسوعة عقل العقل تشكيل قدرة على التعرف على العقل من خلال دراسة و نقد المظاهر المضادة للعقل ( الانفتاح التام ، الانغلاق الكلي ، الماركسية ) ، و عرض لنا العقل بمفهوم شامل ، باعتباره موجود عند كل فرد ليس بجوهر يحدد ماهية الإنتاج العقلي و في إسقاط للقانون الحيوي على الوعي الفردي مساعدة تمكن القارئ من فهم و لمس إسقاطات القانون الحيوي من خلال تطبيقها على نفسه
● ثانيا دراسة نظرية محمد عابد الجابري في تفسير تأخر العقل العربي : يؤمن الراحل الجابري بأن العقل العربي وضع أسسه الأولى و الأخيرة في مرحلة التدوين ، في ذلك العصر الذي تم فيه صياغة قواعد النحو و اللغة و جمعت الأحاديث وتفاسير القرآن و شكلت المذاهب و الفرق الاسلامية ، تم تشكيل ما سبق من طرف البدو العرب الذين عاشوا في زمن ممتد كامتداد الصحراء زمن التكرار و الرتابة ، كل شيء فيه عبارة عن استنتاج للاذواق الحسية ... عالم الحس و الرتابة و التكرار الذي كان عند الاعراب هو كل ما كانت تنقله اللغة العربية إلى أصحابها ، اليوم و قبل اليوم و غدا طالما تعتمد اللغة العربية على مقاييس التدوين ، مما أعطى للثقافة العربية زمن واحد ، راكد ، مستمر ، ممتد ، يعيشه العربي اليوم كما عاشه أجداده البارحة ... 
يحصر الجابري العقل العربي بحقبة زمنية معينة ، و كأنه يلتقط صورة ثابته لثقافة خلال فترة معينة ويعتبرها المعيار الأساس للحكم على غير الحقب ، و لو كان الجابري اليوم لأريناه تطور سلطنة عمان في حقل التسامح الديني ، ليدرك بأن ما اعتبره راكد هو شكل متحرك ، طريقة تشكله يتم وفق أبعاد مختلفة فالإدارة و القيادة السياسية الواعية و العمل بسلطنة عمان كل ذلك لعب دور أساسي و إيجابي في تحقيق ما نراه اليوم ، و لا يمكن رد ذلك لجوهر خير أو شر للمذهب الاباضي بل هو تشكل حي منفتح إلى جانب غيره من تشكلات الاسلام ، فكل كينونة تنفتح على احتمالات لا حصر لها بالتشكل بعضها صحي كما في سلطنة عمان وبعضها غير صحي منتهك لمعايير الحياة والعدالة والحرية كما عند التنظيمات الارهابية الاسلامية المتطرفة المعروفة ..
● المنطق الحيوي يعتبر التراث تشكل ينفتح على احتمالات لا حصر لها تعطي القبيح و الجميل و فيها ما هو ضد العصر وفيها ما هو منارة للعلم ، البدو أو القبيلة و غيرهم عبارة عن أنماط اجتماعية ، كينونة لا يشترط أن تكون سلبية لمجرد انتمائها لفئة معينة ، فالبدوي قابل للتطور و للتحضر حتى أنه قد يبني مدن ، و لاستفادة من التراث إيجابيا ما علينا فعله هو إيجاد معايير ثابته من خارج صندوق التراث لمحاكمته وغربلته ، وللقيام بتصفيته من كل دنس وشائبة ، على أساس أرضية صلبة قائمة على معايير الحياة والعدالة والحرية مقدسة في كل العصور لدى البشر جميعا و أي انتهاك لها بزمن ما هو طارىء وليس أساسا يجب الرجوع اليه ، ربما يكون مفيدا في ذلك العصر لكن لا يشترط ان يناسب عصرنا

يتبع......................... 
----
ملخص لمفاتيح الدراسة : 
▪ المنطق الحيوي :
● لغويا الحيوية اسم مؤنت منسوب إلى الحياة و الحياة وصف لعملية الخلق ...
● اصطلاحا التحوي المتجدد الفعال عبر الفهم الحي الديناميكي لكل تشكيلات الكون ..
▪التحوي الحيوي: هي المنظومة المنطقية التي تلتف بها الكينونة حول نفسها وحول ما فيها وحول محيطها ..
▪الشكل : الشكل يعني طريقة تشكُّل ...كل الكائنات تتماثل في كونها شكلا ، ولكنها تختلف عن بعضها البعض في طريقة التشكل ، كل كينونة لها ظروف مختلفة في ذلك …
●قانون الشكل يعتبر بأن كل كائن عبارة عن شكل حركي وإن بدا ساكنًا، فلا وجود لشكل متغير ، عبارة عن احتواء ، وإن بدا فارغًا، حيث لا يوجد كائن دون أبعاد أو كائن أحادي البعد ، الابعاد هي بعد أرضي ، زمن علم ، عمل ، عقيدة ، ادارة ، قيادة ، و ينفتح الكائن على احتمالات متعددة من حيث أنَّ كل كائن هو متعدد المسارات والقيم ، نسبي متعدد المنظور.
▪الجوهر : ثابت حتمي أبدي مطلق حتمي وهو يتضمن مصالح وتعبيرات لا تعترف بالتغيير وهو الجذر لكل الفلسفات المادية والروحية ،عند ارسطو …
------------------------------------------
☆ مصادر المقال : 
● فيديوهات على صفحة الدكتور رائق علي النقري 
● تكوين العقل العربي للراحل محمد عابد الجابري 
● الايديولوجيا الحيوية 
● موسوعة عقل العقل للدكتور رائق علي النقري

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!