مقاربات نقدية في رواية قبل الميلاد للكاتب محمود الوهب- دراسة نقدية

Rêber Hebûn ريبر هبون Reber Hebun
0
بقلم: ريبر هبون
رواية قبل الميلاد للكاتب محمود الوهب، صدرت عن دار نون للطباعة والنشر والتوزيع
تأملاً للرواية والأدب عبر منظار نظرة تفحصية في تجربة الكاتب محمود الوهب , نراه يعكس الواقع بمتغيراته ونظرة الكاتب للواقع تتمخض بداية في عرض التجربة الشعورية بصيغتها الاحتجاجية التي ترفض الانزلاق في المهاوي , وتستخلص من حقيقة معاناة الإنسان البدائل والحلول , إنما يذهب منحى الدعوة إلى التغيير , عبر اعتماده للواقع المعاش الذي يعكس من من خلاله سوءات الإنسان وعيوبه تمهيداً أمام مشهد متعدد الصيغ وبأساليب عدة يبني الكاتب عبرها اللبنات الأساسية لصنع رواية تعتمد التجريب وتلخص مصائر البشر في ظل أزمات متكررة متشابهة ومواقف الإنسان في ظل الجماعة والواقع , فالحديث عن رواية قبل الميلاد يستدعي أولاً التركيز على بناء الرواية وتمثل المشاهد التي تعكس حيوية السرد, وجودة الحوار وماهية الحركة المعتمدة في مجمل شخوص الرواية وما يلازمها من أجزاء المكان والزمان والحدث , هذه الرواية تعتمد على الحدث الواقعي , وتركز على إشكالات التعايش والحياة المتنافرة في ظل أمزجة متعددة متشابكة الخطوط حيث يعتمد الكاتب محمود الوهب على تقديم مقاربات وحقائق واقعية معيشة يستمدها الكاتب عبر شخوص روايته , (همام , خالد , سهى , أبو الليل....) ومن خلال جغرافيا حلب كانطلاق لضخ العديد من الرسائل الفكرية التي تمثل تجربة وعي ونضج سياسي وتبصر وتنبوأ بما يحدث وسيحدث , عبر طاحونة الرموز والإيحاءات, من خلال شخصيات تنتج العديد من العقد وإفرازات المعاناة , وإننا من بوابة ذلك نجد أن ذلك ما هو إلا بمثابة تجسيد للسلوك المتذبذب , المتناقض , النفعي , وبالمقابل تجسيد للبؤس والنبل والنزوع للسمو والأفضل , إنها رواية تجوب العمق في الحياة وتركِّز على بناء الإنسان من خلال إبراز عيوبه ومتناقضاته ومعرفة البواعث الصحيحة لإبداء الحلول في ظل تصحُّر وانحدار المفاهيم الإنسانية ومن هنا , نجد الكاتب محمود الوهب في مدار إحاطته بالرواية يدعو لتقديم بدائل على مسرح الصراع , حيث الغني والفقير , المستغل والمستغَّل , ضمن رؤية درامية اجتماعية , تجسد العديد من المحطات والقضايا في حياة المجتمعات وأجواءها الفعلية , فالتجربة هنا وليدة التقصي المحكم والسعي نحو الولادة بشكل تدريجي انطلاقاً من نقد الحياة , وهناا تجسيد لإطار الرواية التعريفي المستمد من نقد الواقع بما فيه من شحوب وكآبات وانتكاسات وتصوير ذلك من خلال استخدام المنحى التأملي النافذ نحو العمق من قضايا المجتمع والحياة ومصير الجماعات الكادحة الساعية لأن تنتصر على الواقع الهش والرؤى الهشة وتقدم الملاذ الخصب نحو ميلاد حركة إنسانية تقضي على ولادة الجمود والتحجر وتفضي للأمل والخير والجمال
فاهتمام الكاتب محمود الوهب بالشخصية المتحدث عنها أعطى الرواية متانة من حيث إيغالها في عمق الحيز المكاني والزماني وإيغاله في كوامن النص وتقديمه لخامة التأثير, ضمن مشهدية حوارية تتضمن التحقيق في ملابسات الشخصية على نحو تفصيلي غايته إبعاث الجوهر الكامن في القضية المتحدث عنها وفق مدلول إيحاءي , يسهب في عرض الحدث لبيان القيمة الفعلية في الدخول نحو الثغرات العديدة في شخوص الرواية وتمحيصه في ماهية الخلل الموجود في مضمون الحوار وأشكاله المترادفة لتحقيق الإثارة وترابط مجمل المشاهد من خلال وصف مجمل السمات النفسية في سياق خال من تكرار أو استطراد خارج الفكرة الموحدة , بل إن إنجاح الترابط بين مجمل المشاهد هو ما يعزز حسن سير انتقال الأفكار بسلاسة نحو المتلقي الجيد , والقارئ المتبصر, لاستكمال الحالات الفنية المتعددة والمتقابلة لبناء المشهد الفني التأملي على نحو فكاهة ممزوجة بألم مرير, اعتمدها الكاتب لتكون الرواية من بدايتها ترغيباً بحوار الأفكار مع الأفكار عبر حوار ابتدأ به الكاتب روايته على نحو مباغت , همام عقدة الرواية والشاهد على الحدث الذي كان في كنف حلم جميل ميَّاس سرعان ما أوقظ على نحو مستفز وهذا يجسد واقعاً ينقض على كل حلم بريئ , هنا يسهب الكاتب بجودة في عرض الوقائع المتعددة التي تلت لحظة الخروج من مذهب الحلم , وبذلك فرواية الكاتب تستمد حنكتها اللغوية من رصدها المتين للشخصية حسب انفعالها ورغبتها , في خفَّتها وتصاعدها , برودتها وحدتها كما نرى الآن في ص5:
(أيقظني من حلم عذب وقال:
-أما شبعت من نومك الطويل هذا؟! فقلت, وأنا بين الغفوة والصحو؟!
-اليوم نوم, وغداً لوم..! فقال محتدّاً :
-ألم ننته من العلك القديم هذا؟! رددت ببرود, ودون أن أسأله من أنت :
-لا لم ننته, ولن ننتهي أبداً.. أيزعجك هذا؟!
إذاً هذه الكثافة في تسارع عبر وتصاعد وتيرة الحوار مع الحدث , وهو انعكاس لتجربة الإنسان في معايشته لمزاج الآخر , فيصف الكاتب محمود الوهب تناقضين يعتمدان على التشابه والاختلاف في آن , تشابه الواقع وفق رؤيته في الحلم مع الواقع المعاش من ناحية الأدوات والأشياء واختلافها , وذاك انعكاس هام يعكس حالات الصراع للإنسان الساعي لتحقيق الرغبة من خلال النشاط وبث الحركة والعمل لإنجاب الحلم بتكامله مع الواقع وبتحقيق ماهية الانسجام بين عوالم الفرد الذاتية والواقعية من خلال وحدة الذات مع الجماعة ولعل القيمة المثلى لدى الإنسان هي العمل لأجل حلم وادع ومتكامل ومتألق ودائم يبعث على اليقظة بأن الحياة هو صراع فلا حركة دون استجابة إدراكية من قبل الجماعات البشرية لتنهض وتستكمل أداء واجباتها وبذلك فالهدف من اليقظة هو تحوير الواقع لجعل الحلم يأتي بعد عمل وسعي لا انفصام بين الحلم والحركة كفعل تأكيد وإثبات للمرء ,إذاً فنحن أمام رواية تفتح لنا فضاءاً للعديد من الرؤى الاجتماعية التي تدور عبر الحل من خلال مرورها على مواقف نفسية متمخضة عن أوجاع سياسية , اقتصادية تتعلق بالفساد الممنهج , فلم يرسم الكاتب فقط مجرد لوحات قصصية تغلب عليها الحكائية كطابع عام مستوف لكامل مقومات القص , إنما أعطى رسائل فكرية , متجاوزاً السرد التقليدي
لنتأمل الآن شخصية شعبان وكيفية عرضه لأسباب فصله من وظيفته كمراقب تموين ص23:
-آسف لإضاعة وقتك, أخي همام , أعدك بأنني سأوجز ما استطعت..
بدأت مشكلتي حين كلفت بالتأكد من صحة الأخبارية التي وردتنا من عيون الدائرة الخلفية , وقالت بأن أحد أصحاب معامل أغذية الأطفال.. لديه بضاعة فاسدة .. المهم .. المشكلة ليست هنا , بل هي في اكتشافي, خلال أخذ العينة , أن مصدر البضاعة , هو الدويلة المجاورة التي بيننا وبينها ما صنعه الحداد من سلاسل وأقفال وأحقاد ودماء! ما يمنعنا من التعامل معها رسمياً..وليس ذلك فحسب , بل إن نتائج تحليل المواد الأولية الأساسية أظهرت عدم صلاحيتها الغذائية ,إذ إن مدة تخزينها منتهية..! ولدى علم صاحب المعمل بما حصلت عليه من وثائق ومستندات تدينه , أرسل يطلب حلاً, وعرض, 
هنا يمكن أن نتساءل عن فصل مرير ساد لحظة سرد شعبان لمأساة فصله من العمل , فقضية الفساد التي لازمت الحياة الاجتماعية العامة قلبت موازين القيم والمعايير الأخلاقية والمهنية , وقد أشار الكاتب عبر هذه الشخصية لواقع ضرب المنظومة القيمية للمجتمع عبر التلاعب بقيمه المهنية , وقد عمل في وصف الحالة من منظار بائس يبعث على الأسى , آخذاً باعتباره حالة المتلقي , في جسه لنبض الشخصية وتجسيد ألمها وإحباطها من واقع قسري معاش بصورة اعتباطية رديئة , حيث لا حراك لأمل يكاد يتبخر في الجو وسط ركام من الجور والهوان, كذلك يبين الكاتب نقطة أخرى وهي الإشارة إلى جدلية الالتزام والإخلال به , تبعاً للمنفعة الشخصية , عبر تجسيد نفعية لا أخلاقية تدك معالم الروح المهنية في العمل والإخلاص به , مما يضر بالعقد الاجتماعي الذي تعاقد الأفراد عليه لدرء الخطر , وهنا إشارة إلى استشراء الخطأ والإبقاء عليه منهج حياة , اللعبة الأكثر خطورة لتهديد أمن المجتمعات عبر التاريخ .
شعبان لا يكتفي بعرض مشهد فصله من الوظيفة بل يدخل ملياً ليجسد لنا صفات التشوه الداخلي الذي يعكس حالات الإخصاء الفكري والجسدي حينما ينقل لنا التشوه الذي لازم المدير وجعله (ممحونا) بين قوسين, لنرى هنا ص24:
يا سيدي سأطلعك على سر ..! أتعرف من يأتيه بالألبسة الداخلية لزوجته؟! إنه الموظف الذي يقوم معه بذلك الفعل..وقد ضبطه عبيد الآذن, أقصد عبد السميع..
إذاً فالكاتب يربط بين الفساد الأخلاقي والمهني في إشارة إلى تفسخ المنظومة الأخلاقية بين رمز المدير المخنث , وشعبان الموظف النزيه , وهذه إشارات تعطينا الكثير من التساؤلات حول مجتمع يصل لذروة الخلل فيه ومن ثم حينما يقع فيه ذلك الضغط الهائل , أو ما يعرف بالهبة أي الثورة , فإن الفوضى تصبح مصيره , ومن ثم تصبح تلك الثورة بمثابة الولادة التي تمر بمخاضات عسيرة لتنتج ما يسمى بالحياة الجديدة التي تتحقق من خلالها سيادة القانون على الجميع دون استثناء , لأجل ترميم تلك المعايير الأخلاقية الرادعة لكل تشوه, مما يجعلنا نعود لمقولة الكاتب المسرحي وليم شكسبير1 حين قال "إن أي مركز مرموق كمقام ملك ليس إثماً بحد ذاته,إنما يغدو إثماً حين يقوم الشخص الذي يناط به ويحتله , بسوء استعمال السلطة من غير مبالاة بحقوق وشعور الآخرين"
رمزية الحب التي جعلها الكاتب محمود الوهب متجلية في روح بطل الرواية همام عبر ذكره لمياسة ومقارنته بسهى , هو استخلاص لمجمل سعي المرء نحو الأفضل , إذ أن الحلم والحب هما البداية , وهما مقود الصراع ضد الفساد المهني , الأخلاقي , السياسي وهكذا, وبالتالي فإن رمزية الحب هذه متعلقة إلى حد ما بنظرية القوة (الغضنفر) هنا إشارة إلى الصراع ما بين الحلم والعسف , في تناوبهما للحياة بطرائق مختلفة ومستفزة, ينفرد همام بطل الرواية بوحدته بين كل مشهد ومشهد ليجسد لنا مقولة نيتشه2 حين قال "الوحدة لا تزرع شيئاً , إنها تجعل الأشياء ناضجة "
لماذا يتم تجنيد همام لهذه المهمة التي تغطيها محفزات روحية استناداً لنسبه وشهامة جده وبركاته , ففي ذلك سر بسيط وهو أن تجنيد الذين يعملون حسب نواياهم البريئة هو الوسيلة لبقاء المتحكمين والآمرين في مراكز الصراع , والوقود بالطبع هم صادقوا النوايا , المغترون بالأوسمة والألقاب البراقة , والذين يعيشون ضمن المواجهة , ويتعسكرون في خنادق التصادم بغية تحقيق ما يبتغيه صناع الصراع بما يتناسب وتحقيق ما يبتغونه مستخدمين القيم الطبيعية كوسائل لتحقيق التنازع على الدوام
هناك دراما اجتماعية أيضاً تدخلنا لعالم من أجواء التقاليد الشعبية, على نحو ساخر ولاذع في آن معاً , وعن أجواء الاستعداد النفسي لقبول المهمة بدافع من روح رمزية السيف الخشبي التي يستمد منها همام روح الإقدام على محاربة الفساد والظلم , ففي ذلك شيء من التشويق والإثارة وكذلك إيغال بدافع من فضول متقصي نحو عمق الحدث وتسارعه على نحو متدرج
من جميل الصدف أن نلمح الكاتب وهو يسبغ الأنسنة الفلسفية على المكان والباب البسيط فنرى هنا ص48:
((وجود الفن من وجود الإنسان, دائماً يحاكي حياته, يفلسفها على طريقته, فيعكس مستواها ومحتواها,ويظهر تطلعات أهلها.. وها هو ذا الباب يقول ذلك..))
عبارة تحمل كنهاً فلسفياً فنياً شيقاً , فرغم بساطة الباب نلمح بروز جانب من الفن في تركيبه وصنعه , فالفن جلي في المكان والتخريب كذلك والصراع بينهما مستمر والانتصار لأحدهما على الآخر إحدى جهود الإنسان أفراداً وجماعات, 
الحديث عن الفساد والرشوة وتلك القضايا المألوفة في بلاد تعيش السذاجة كفلكلور وتراث , وتقتات البساطة على مبدأ القناعة في حدودها الأدنى , حيث يساعد وصف المكان على سرد جوهر الرسائل الإيحائية المراد بيانها وهذا ما عرضه الكاتب بصورة شيقة تبعث على الأسى وجذب الفضول لمعرفة غوامض الرواية تبعاً للأحداث المتلاحقة
الشخصية التالية التي لابد وأن نسبر أغوارها ونتعرف على خيوط ما تعطيه من إشارات ودلالات هو عبد الفتاح الذي ينظر للطالع لمعرفة تأويلات هذا الحاضر ودلالاته القاسية , فهو يكشف عن رغبة المرء اليائس الذي يود معرفة حظوظه من حياة وبال تنزل عليه كمطر من غبار في صحراء قاحلة , لنتأمل هذا المقتطف ص 59:
-لا تتعجل الأمور ياهمام , ولا تطلق الأحكام القاطعة , أنا ما أنا عليه لم أتبدل , ولم أتغير أبداً
ولكن دعني أوضح لك الحقيقة, إنني راغب في استطلاع ما يمكن أن تخبئه , لنا الأيام القادمة , لبلادنا, وحتى إن شئت السنوات المقبلة , لا العقود ولا الدهور..فثمة هاجس في داخلي يوسوس لي منذ فترة, بأن قاعاً ما تنتظرنا.. وهي أدنى مما هي عليه الآن , وهي الأسوأ, بكل تأكيد! ذلك همي وهاجسي , فالمعطيات كلها تشير إلى ذلك . فالكذب والتضليل ثقافة يتعايش معها الناس , والعجز حبل خشن , يلف أعناقنا, يدميها .. فهل تسمي ما أقوم به هروباً؟! ليكن.. أليس الغريق من يتمسك بقشة؟! لكنني أؤكد لك دوافعي الحقيقية لما أقوم به من قراءات حول علم النجوم وأبراجها . هاجسي أن أقدر على استنطاقها , فلعلي أجد ما يكذَب ظنوني وتشاؤمي , حتى وإن خالف العقل ومنطق الأمور , لا لشيء بل لتهدئة أعصابي , وللتخفيف من حدة توتر نفسي .. أتعرف أنني أستعين بالحبوب المهدئة لدى كل نشرة أخبار أسمعها
استعان الكاتب محمود الوهب بهذا المفتاح الرؤيوي لأجل أن يبت عن مخاوفه المستقبلية جراء واقع متراكم بالأخطاء والمفاسد , ووجود نواة تتحدث باسم التغيير والإصلاح والثورة الجذرية ولا تفعل مثقال نقير على أرض الواقع مما تهدف إليه على الورق , هنا الشخصية المنطوقة تتحدث عن إحباط قاد المرء للتنجيم والاستشراف البعيد , حيث يتنبأ الفرد المعلول بأمراض مجتمعية ناجمة عن انتكاسات السلطة السياسية بوقائع يتبصرها ويدرك أنها واقعة لابد , وهذه إشارة إلى استفحال تلك الأخطاء والتجاوزات التي تقود للخراب الشامل , ولعل منطق الثورات والهبات الشعبية لسان حال عبد الفتاح , وهو بالتالي يغمس في كلامه لذاعة الموقف ووجعه , عندئذ يعتبر تنجيمه وتنبؤه بمثابة رسائل مرموزة الهدف منها محاكاة العقل الناقد لدى المتلقي وحثه على التساؤل والاكتشاف بروية لأجل استنباط العديد مما يمكن أن يقوِّم الهدى نحو ثورة لا تبور وتهبها الأجيال لأجيال تالية دونما تهاون أو خمول , مشيراً فيها الكاتب لرمزية السيف الخشبي الذي يتأبطه كدليل على الوفاء للسلف , وحمل رسالته البسيطة التي تعبر عن حياة طبيعية يفتقدها المجتمع الاستهلاكي المحاط بسلاسل صدأة وحال مزرية يستولي عليها أشخاص مثل (الغصنفر) الذي يرمز للفساد وتحكم الأفراد بحياة منظومة مجتمعية بأسرها.
حوار شيق يقود دفتاه همام وعبد الفتاح حين نلحظ ما يغمز به عبد الفتاح من كلام مثير للاهتمام حيث يقول ص59:
-اسمع ياهمام, ما آمن به البشر حيناً من الدهر , وإن مضى آوانه, وانتهى , يظل مهما ابتعدنا عنه في الزمن , عالقاً بذاكرة الإنسان, ويحتفظ بشيء من الحقيقة ..! إنه حلقة في سلسلة الفكر البشري..!, ولتعلم أن ما ينطوي عليه عقل الإنسان, اليوم, هو محصلة العقل البشري كله , وهو ما يمنح الأشياء حقائق وجودها!
تبصر ممتاز وتمحور حول الشخصية بأبعاد متناسقة تجلب النبوءة والاستشراف , والتحول إلى المسعى التنقيبي وراء الأشياء التي تستجلب مزيداً من التفكر والتأمل , ليست الميثولوجيا غريبة عن قدر المجتمعات البائسة المحاصرة بأغلال دينية لاهوتية تحد من انعتاقها من خفايا ما وراء الطبيعة , هذا ما ارتأى الكاتب لبيانه من خلال هذه الشخصية التي تلعب دوراً مغايراً في السبر وفي معرفة أسباب توالي الحروب والهجرات التي جعلت العالم كما هي عليه غارقاً بالأحجيات القاتمة, حيث نرى هنا العديد من الدلالات التي تتفجر في متونها رائحة التوغل لمكامن التنازع الذي يمثل العقد البشري الوحيد الذي تعاقد البشر كافة على توالد نسله, فإبراز التشاؤمية الثورية ان صح التعبير هو الحدث الأبرز في رواية قبل الميلاد, هنا نجد الانكباب في سبر الواقع السياسي الذي يلازم رحلة الشخصية التي تتحدث عن نفسها عبر ملامح شعرها الأشيب , وكذلك عبر التهكم على الشعارات التي يطلقها الساسة في الهواء, دعنا نقتضب في توصيف شخصية عبد الفتاح الإشكالية بما يلي :
- التشاؤم الحاذق الذي يميل للغمز للجهر بكل شيء
-روح التفحص والتمحيص للظواهر التي كشفت كل شيء من خلال قيام الكاتب بربط الملامح بالكلمات الإيحائية
-الحكمة والاستشراف للحقيقية التي تسعى المجتمعات للولوج فيها لإحداث التغيير الحقيقي لا الكاذب
- تجسيد روح الصراع المتوثبة في داخل شخصية عبد الفتاح حيث أن وراء لحيته البيضاء الكثة, وميض ضوء يلفح بالخلاص
-اكتناف الغموض الناعم في شخصية منطوقة تود الحديث مطولاً لكنها تحاول عبر الغمز والتلميح شرح كل عصي
الحكاية الشعبية لم تعد في سياقها الذي ألفناه بخاصة في تلابيب هذه الرواية ونوعية شخوصها ممن يتهاطلون على المتلقي أسئلة وخفايا , وهذا لسان حال هذه الشخصية التي تجلد البصيرة توقداً ورغبة في الاستكشاف , وهذا هو الفضاء الأرحب الذي من خلاله يمكن شحذ الهمم في الاستقصاء أكثر ,وهنا خرجت عن كونها ذو بعد حكائي لا يخلو من نفحات أسطورية , فيها من الواقعية وكذلك التخييل الناعم وهذا أعطى للرواية بعداً فنياً دالاً , فاللغة الدالة هنا تستدلنا على الحقائق وتقف حول إشكالات السلطة والفساد وطبيعة المجتمع وطريقة تكوينه النفسية وأثر البيئة عليها وكذلك تحولاتها التاريخية التي تعطي إحداثيات مهمة عن كيفية تواجد واستيطان سلطة عميقة الترسخ في حياة المجتمع , ففي كثير من الأحيان يقفز السجان من بين عديد المسجونين ليجمع من خلال تلك الكثافة البائسة ممن يساعده على إيجاد مواطئ قدم لتفسخات لا تكاد تنتهي وتتوالد باستمرار حيث تتواشج مع بؤس التفكير الاجتماعي العام إلى جانب البؤس الطبقي, وفق مثل كردي شعبي (xizanî ji nezanî tê) ومعناه يأتي الفقر من الجهل,
هنالك العديد من المفاتيح البسيطة التي يمكن من خلالها اكتشاف البعد الجمالي والفني في هذه الرواية عبر تقديمها لأنموذجات تعكس البيئة بفطرتها وقناعاتها العفوية المأخوذة من حصيلة جمعية عن تقاليد وعادات قديمة جديدة يتم استحداثها عبر التعويذات الدينية التي أسبغت عليها روح القداسة , الولاء للسلف , التنبوء بما يحصل , هذا يعيد في أذهاننا نظرية ألفريد ادلر3 الذي
كان من تلاميذ فرويد ولكنه اختلف معه وكون لنفسه رأياً مستقلاً وأصبحت له مدرسة في علم النفس لها أتباعها .. وتسمى سيكولوجية آدلر (( بسيكولوجية الفرد )) ولها تسمية أدق من هذه وهي (( سيكولوجية الفرد الاجتماعية )) حيث يهتم ادلر بالطريقة التي يعيشها الفرد في تكييف نفسه مع المجتمع, بينما الروائي محمود الوهب نراه يقدم الهيئة الاجتماعية التي تجسد المكان والزمان وشخوص الرواية وملامح الشخصية ببعدها النفسي والفني وتنطوي سيكولوجية ادلر تحت فلسفة أوسع .. حيث يقدم الكاتب رحابة وفلسفة مكانية تتحدث من تلقاء هيئتها وتلاقيها مع التخييل الذي لابد وأن يستخدمه للإيغال أكثر وبجودة في داخل الرواية والتعمق برمزية ما تقوله شخوصها, يعاين الكاتب محمود الوهب ذات الخلاصة التي توصل لها يونغ إدلر وهي أن العالم في تطور مستمر فهو يرتقي من أدنى الى أعلى ومن الضعف الى القوة ليعبر بذلك أيضاً لخلاصة مهمة وهي أن ظاهرة الارتقاء وجدت منذ أن وجد الإنسان ,وكذلك الشعور بالانتقال من قناعة الأجداد الطبيعية المتمثلة بعمل الخير إلى قناعة ترتقي لمحاربة الفساد والظلم والكذب , هو تمجيد لثالوث الخير والجمال والحق , حيث يعبر الكاتب محمود الوهب لهذا النزوع الذي أشار إليه يونغ إدلر حول أن الإنسان ينزع الى الارتقاء والانتقال من حالة الضعف الى القوة ومن حالة الخنوع الى حالة السيطرة ومن حالة الاستسلام الى حالة التسلط ومن حالة النقص الى حالة الاكتمال , فمدار الرواية بتساؤلاتها وألغازها تقودنا نحو هذه الخلاصة , من حيث أن الغريزة الإنسانية لدى الإنسان هي غريزة السيطرة (الغضنفر) و (أبو الليل) وغايتها التخلص من الشعور بالنقص (شخصيتي همام وعبد الفتاح) حيث يعبر الكاتب عن قضايا في غاية الأهمية حول جدوى سبر سيكولوجيا الأفراد لاستنباط رؤى ودلالات تكاد تكون ثابتة في شكلها العام , إنه النمط الذي ألفته المجتمعات التي تستكمل مراحل أسرها لحين انعتاقها بالتدريج بما يسمى بعملية الارتقاء ,حيث يقول (إدلر) : ان أهم ما في الحياة العقلية هو الشعور بالنقص والعمل الدائم على التخلص منه والتعويض عنه بأسلوب معين خاص بالشخص يسمى نمط تتحدد شخصية الفرد فيه .
نعم فرحلة السبر لا تزال مستمرة ولاشك أن الرواية بحث بصورة وجدانية , بغلاف شفاف وناعم , وطريقة تحاور المتلقي لاستدراجه لأجل أن يتعرف أفكاراً خامة , تتوشح كلمات وصور وحبكة فنية مشغوفة بحكائية لا تخلو من اقترانها بمجمل الأجناس الأدبية ببعدها الذاتي الموضوعي
تساؤل محير ولافت لفت همام لننظر ونتمعن ص67:
لماذا تحتاج الأعمال الصعبة إلى دعم النساء, ومساندتهن؟! الرجل الذي كلفني بالمهمة يعرف هذه الحقيقة , ولذلك قال: "إنه سيرسل من تبهج نفسي, وتؤانس وحدتي, وتكون لي عوناً على دربي ومهمتي؟"
كل الاحتمالات ممكنة, مادام اليقين غائباً
يستغرق همام في تأملاته التي هي تساؤلات تستولي على الذات الفتية أكثر كونها طاقة شابة تحاول معرفة كل شيء , حيث المرأة ذلك السند وذلك الغموض الذي يكتنفه كرجل , مسخر لمهام مصيرية ولعل التهيؤ لأي عمل مدعاة استدعاء نفسي للمرأة , حاجته هنا هي جزء من استجلاب القوة , نجد السيف الخشب أداة استجلاب للقوة , نجد أيضاً رمزية الجد (عاصم الصخرة) وهكذا فالمرأة هنا مدعاة شحذ همة لأجل معركة مصيرية يحيا همام لأجلها
همام في مستهل جولته التأملية التهكمية يستعيد مشهد أبنية فخمة أشادها الأثرياء بدعم من رجال الدولة الواصلين , تتجول عيناه أكثر في أروقة الأبنية ويقف على تساؤل ذو شرارة حيث يقول في نفسه مخاطباً صديقه خالد هنا لننظر ص71 :
"خالد يا خالد, أين تراك الآن ؟! لابد أنك مررت من هنا, ولابد أن عينيك لمحت هذا البناء الهائل , بل لعلك عاينته من الداخل! أتراك أجريت مقارنة بينه وبين مقر حزبكم؟! أسألت نفسك , لم هذا الفارق الكبير بين البناءين؟!
لن أصف بناء مكتبكم , فلا حزن, ينقصني؟! ولكن ألستم في همِّ وطني واحد..هم )من جذور الأرض "جاؤوا.." من صميم الألم...!وأنتم زدتم على ذلك حبة..عاهدتم فقراء الأرض كافة على التحرر من ألوان القهر والاستغلال, واستعادة الحرية المسلوبة والعدل: -هبوا ضحايا الاضطهاد..ضحايا جوع الاضطرار...!- أتراك يا خالد, تعثر على جواب شاف؟! لا أظن, فالجواب سر مكنون في دواخل أرباب تلك الأحزاب وسدنتها..!"
يقول الكاتب اللبناني المعرفي أمين معلوف4 في مقدمة كتابه –الهويات القاتلة- وكأنه بقوله يلامس الهاجس السياسي العميق في رواية قبل الميلاد بخاصة لذاعة المقتطف الذي قمنا بوضعه حيث نجد أمين معلوف يتحدث من سياق الحديث عن مسألة الانتماء للاتجاه السياسي بما فيه من وعاء يحوي المنطلقات النظرية التي تلامس طموحات تحاول أن ترقى لمصاف الشعور بالمسؤولية الاجتماعية حيث يشير هنا ص8:
"عندما نحث معاصرينا على تأكيد هويتهم مثلما نفعل اليوم في أغلب الأحيان فما نقصده هو أن عليهم أن يجدوا في أعماقهم ذلك الانتماء الأساسي المزعوم, الذي غالباً ما يكون دينياً أو قومياً أو عرقياً أو أثنياً, ليرفعوه بفخر في وجوه الآخرين"
بيد أن الانتماء الذي أسهب محمود الوهب في الحديث عنه , لم يكن ذاك الانتماء الذي حاول الساسة ذوي الأرواح الجوفاء تسخيره لأجل القفز والالتفاف على التطلعات والأحلام المشروعة التي تعزز رابطة الانتماء في الأعماق التي أكد عليها أمين معلوف , إنها إشكالية الإنتماء للايديولوجية والتملص منها واستخدامها وسيلة نزوع واستبداد وغطرسة .
التهكم اللاذع الذي أحسن الكاتب في توظيفه عبر همام ربط ربطاً حقيقياً وعفوياً بين آثار الرأسمالية في جعل كل شيء جميل وطبيعي إلى شيء يتم إشعال الليالي الحمراء والتفسخ الداخلي فيه , وكذلك سباق الأحزاب الفاشية والشعاراتية نحو التسلق ووصول السلطة لأجل الاستمرار في تدنيس قيم الطبيعة والروح العفوية التي تؤمن بنقاوة العيش البسيط , إنه فرار باتجاه النقي الباقي ومحاولة إنقاذه من هجمات قوى التشويه والبطش تلك التي اعتادت على إخماد جذوة الحياة الطبيعية التي اعتادت المجتمعات المسالمة عيشه والاستئناس إليه.
ويركز الكاتب محمود الوهب في مضمار روايته على تقديم الوجع بصورة احتجاجية مباشرة عبر علاقة الشخوص بعضها ببعض لتقديم حلول إزاء معضلات مربكة وعصية حالت دون رؤية الخلاص, فالرؤية النقدية الكاشفة للأزمات , المستشرفة لنتائجها الكارثية جعل النص أشبه بإدانة ذاتية وجلد معنوي لها لتوهمها بدماثة الشعارات وبريقها, حيث وقفت عثرة بوجه نهضة الشعوب , وفاقت أساليبها الكبوات المتلاحقة, فتفعيل الإرادات الحية والحد من تقلصها وتفسخها هو ما تهدف الرواية إليه التي هي عبارة عن تعانق طبيعي ما بين الفن والكلمة الصادقة غير المتكلف بها , البعيدة عن زخرف البيان واستجداء المخيلة بهشاشة ودون وعي , إن نظرية الفن للفن هي أبعد ما تكون عن هذه الرواية ومطلبها الأساسي فهي تنهج نهجاً واقعياً هادفاً , وتخش كل الخشية من التعري من اللبوس السياسي والاجتماعي المتصل بحياة الجماعات البشرية التي تعاني من وعيد قوى التشويه وطمسها لمعالم الخير والجمال والحق , التي هي جماليات خامة تقف اليوم أمام شبح حروب وأزمات لا تكاد تتوقف, وبالطبع فليست الرواية تعاليم ومواعظ لا تنتمي للفن والذوق الروائي الذي يتغذى على رشاقة الحبكة وحكائيتها , لا إطلاقاً ,إنما هي رواية تعتمد التلاقح ما بين الجمال الفني والوعي لما يُكتب عبر الارتباط بالقضايا الجوهرية والالتزام بها,حيث تعمل على تحريك المياه الراكدة في نفوس اعتادت التلقي والصمت , بمعنى آخر تستنهض المعالم الابداعية عبر سمات شخوصها من خلال تحسين النظرة للحياة برمتها من كونها ميدان مواجهة عبر الصور والمشاهد التي تبعث على السخرية والألم والتهكم , دون رتابة وسردية جافة,حيث يطرح الكاتب محمود الوهب عدة سجالات ممتلئة بالتكثيف على مستوى الفكرة , والتدرج العفوي لبناء الحدث وتركيبه , ورصد سحنات الشخوص وتبدلاتها,حيث اعتمد الكاتب الرؤية الواضحة في بناء الرواية وفق سياق درامي عبر تقديم قوالب المعاناة وزجها مع الملامح الجغرافيا المتمثلة بالمكان وملامحه وتجسيد المفاسد التي عمت منظومة المجتمع الاستهلاكي الذي قضى الاحتكار الرأسمالي على معالم صلاته الدافئة القائمة على التراحم والتآلف مع الطبيعية المتجلية بفطرتها وانسيابيتها على النفس الذواقة والتواقة لرحيق السكينة والإطمئنان.
نجد تتابعاً في وصف المكان , ساحة سعد الله الجابري وشارع القوتلي , والزحمة التي تلت انقطاع الكهرباء , والعديد من الخواطر التي لاحت لهمام في أفق التفكير المفتوح للمكان بدلالاته وتحولاته , الفضاء السردي للرواية ووصف المكان يبعث على التساؤل والدهشة أيضاً.
صبحي الطير , الصحفي الذي قضى ثلاث سنوات نتيجة اتهامه بالفساد , يبدو لنا شخصية إشكالية تتدفق احتجاجاً وثورة ,فمن ناحية نراه رمزاً لنشر الفضائح التي تجري ومن ناحية أخرى نجد علاقته بالأشخاص النافدين الكبار, دنو همام منه ليفاتحه ومن ثم انسحابه من الجلسة إثر انشغاله بحديث هامس مع بعض المجهولين ممن يسببون الريبة جعلتنا أمام حالة تأملية مفعمة بالدلالات لنرى هنا: ص84
أثارت كلماتي اهتمامه , فقرّب كرسيه إلى الطاولة, ومال برأسه نحوي, وقال:
"خير ما الذي عندك؟!"
"لدي ما لا يخطر ببالك أبداً.." اقترب مني أكثر، وقال خافضاً صوته:
"هات شوقتني". وحين ملت إليه على نية الإفضاء بما عندي, تراجعت، من فزع، وكدت أنقلب إلى الخلف فعلاً، إذ لاحت لي صورة الحية، والسلم الذي هوى بي، خلال طفولتي الشقية. في تلك اللحظة بالذات، اقترب من طاولتنا أحد المخبرين المعروفين بلؤمهم، واتضح لي، أنه على علاقة قوية بالطير، وأظنها غير نظيفة, إذ قام الطير إليه مرحباً.. يؤهل، ويسهل، ولم يكتف بمصافحته، بل أخذه بالحضن وقبله ثلاثاً.. ثم سحب كرسياً، وقدّمه له، وأخذا يتهامسان ويتشاوران ! أما أنا، فرأيتني ، على نحو لا إرادي، أحمل أشيائي وأنهض، أنهض دونما قول أية كلمة، فلا أعرف كيف حاكمت الموقف، وما جعلني أربط بين الشخصيتين..؟ وبدلاً من أن أفضفض لصبحي، أدرت ظهري معبراً، عن قرفي واشمئزازي..! لم أكترث لهياج صبحي وانفعاله، ولا لصراخه وبذاءته، وما همني التفات من في المقهى جميعاً، وبخاصة المخبرين منهم..خرجت معتداً بنفسي،غير مبال بأحد.
هكذا وبمنتهى البساطة تنقلب الشخصية الحانقة على الفساد والخراب لتصبح من أنصاره , يحدثنا الكاتب بإسلوب ينم عن حنكة في سبر مكنون الشخصية وتصرفاتها وتقلباتها تبعاً لعلائقها مع الأوساط المختلفة، ويرصد لنا الحنق الذي اعترى همام إثر تجواله البصري ورصده اللامتناهي لشخصية صبحي وتعامله مع المخبرين، آخذاً بعين الاهتمام عن شبهة ما وعدم استساغة لسحنته ونظراته وكذلك تجاذب أطراف الحديث الهامس الخافت مع المخبرين، مما يلفت لنا عن حجم الازدواجية والخبث وتصنع الموقف الناصع إزاء ما يحدث من تجاوزات وهدم وتخريب، لقد طرأ على الفساد الأخلاقي مفهوم الازدواجية التي تحدث الكاتب عنها في طريقة عرضه لشخصية هذا الصحفي ،ازدواجية المعايير،تلك التي استنطقها الكاتب وفق شخصية هذا الصحفي النزق المثير للبلبلة، على قدر مبالغ فيه من البذاءة اللفظية ، فالمعايير المزدوجة أو الكيل بمكيالين هو مفهوم سياسي وأخلاقي متجسد بالشخصية التي أراد الكاتب إيصال رسائل من خلالها، حيث تشير الإزدواجية إلى أي مجموعة من المبادئ التي تتضمن أحكاما مختلفة لمجموعة من الناس بالمقارنة مع مجموعة أخرى، فما مقصد أن يكون صبحي الطير جالباً لأدق الأخبار ومتحدثاً عن قضايا الفساد ، حيث يسجن ثلاث سنوات نتيجة تآمر عليه ، ومن ثم يبين لنا عبر جلسته مع همام ومن ثم مع المخبرين، أنه على قدر من الدناءة والوضاعة أيضاً؟!، تجسد لنا هذه الشخصية المثل القائل: "الحياة ليست عادلة"غالباً ما يحتج بها من أجل ازدواجية المعايير."
علاقة الرجل بالمرأة هي علاقة عضوية روحية , فالحركة التي يعمل بها الفيلسوف والعامل لابد وأن يتبعها عنصر محفز وداعم , ووراء كل بطولة امرأة ، هذا يفسر طلب همام لامرأة تشاركه الحياة لتكون وقوداً وشحناً له وسنداً في مهامه لمواجهة الفساد والتخريب , تلك اليد العابثة التي تحاول القضاء على كل شيء طبيعي لأجل المال , فاستبدال الحديقة ومعالمها العريقة بالمجمع التجاري هو حدث جلل بالنسبة للطبيعة والأصالة نرى هنا: ص 108
استخرجت هاتفي النقال، وطلبت مياسة..
-ألو مياسة..
-أهلاً همام
-ألك علم بما يحصل لحديقة المقصف العمالي؟!
-..!
-ألو
-أسمعك ، أستاذ همام، أسمعك..طبعاً أعرف كل شيء..!
-لماذا لم تتدخلي لدى "الغضنفر"؟!
-إيه..تبعتها آه حرى.. وصوت واهن: كأنك ، أستاذ همام, لا تعرف..!
-معك حق.. آسف لاستثارة حزنك..أزورك ونتحادث، أغلقت الهاتف..
فكرت في الذهاب لعندها.. لكني لا أعرف لماذا اخترت الذهاب للبيت، والتمدد في فراشي!
هنا لابد من أن نعيد في أذهاننا ما قاله جان جاك روسو5: ” ِلنَجُدَّ في استخراج الدواء ،الذي يجب أن يشفي، من الشر في حد ذاته”
إن الفكرة التي أراد الكاتب محمود الوهب إيصالها وهو محاولة يد الجشع الإنساني القضاء على مظاهر الطبيعة ودلالاتها المفعمة بحديث الطبيعة ونقاوتها, حيث يطرح الكاتب هنا تساؤلات مغمسة بالوجع الإنساني الذي جعل قوى التخريب تعيث الفساد لأجل دوام أنانيتها , وكذلك القضاء على مظاهر الفن والجمال الطبيعي في المدينة لصالح الانتفاع والاستغلال، حيث يتوجه هذا الصراع الخبيث ضد مظاهر الطبيعة التي يجب صونها 
حيث نتذكر لجان جاك روسو قولاً آخر في كتابه "إيميل" يقول فيه: ”إذا كانت الطبيعة لا تمنحني إلا التناغم والتناسب فالنوع البشري لا يمنحني إلا الخلط والفوضى”.
نعم إنه صراع مع الفوضى لأجل انتصار الطبيعة ، هذا ما يقوله الكاتب محمود الوهب في سياق الشاهد الذي أوردناه ضمن الرواية.
ننتقل لمشهد مختلف وهو طلب همام للتحقيق من قبل فرع 333، من ثم محاولته لاستقصاء الأمر، اتصاله بخالد، من ثم ذهابه عند عصام , ورواية عصام له عن استجوابه وعن مغامرة اعتقاله وتعذيبه لغاية قيام المظاهرات وسماعه بها ، الأمر الذي أثار فيه لواعج الحماسة لدنو الغد الذي يحمل في جعبته رياح التغيير المنتظرة ، نعم في هذه الحالة تتجلى روح التوثب لمتابعة عنصر الجاذبية الذي يكتنف عموم الرواية وخاصة عند لحظات إخبار عصام عن مشاهد اعتقاله والقسوة وظلام السجن الذي عاشه على نحو مؤلم ، حيث رياح التغيير ستجرف كل شيء حولها لتجلو الغمامة , وتنتظم الحياة النقية للأوطان المنكوبة المحاصرة بغيبوبتها الشاقة، فالبناء الروائي المعتمد هنا بناء منسجم متسق ، محكم الصياغة ،تأتي الفكرة لتعبر عن الحوار، والحوار مسلك مثير لتقصي الأثر من خلال فنية وروح عفوية تسكب الإبداع هنا وهناك، تصاعد حدة الحوار وتناميه ، إضافة للأفكار التي تنساب لتعبر عن إشكالات الحاضر ومرارة المشهد ، تتحدث عن غياب العدالة التي تنظم احتياجات الناس وتنقلها لمصاف المسؤولية التلقائية النابعة من القناعة لا التعسف والإجبار ، يتحدث الكاتب محمود الوهب عن إشكالية القمع الممارسة في المجتمعات الشرق أوسطية وعموم العالم العربي انطلاقاً من الرقعة المحلية (حلب) حيث يعتمد على الحوار ووصف الشخوص والملامح وكذلك الاحتجاجات التي ترافق عملية الحوار ، لإدانة الواقع القسري الذي يتلخص في القمع بأشكاله، حيث القمع الذي يقود للانتقام ، والإفراط فيه ، كردة فعل غير محمودة قادت البلاد لنفق مظلم ، إنه يخوض في ثغرات سلوكية مجتمعية أيضاً اعتادت على الغوغاء في التعاطي مع المسائل المتعلقة بالحكم وتغييره ، وإشكالية الوعي بذلك ، بوجود تنظيمات لا تعين الجماهير بل تقف إلى جانب السلطة لا إلى جانبها مما يكشف بجلاء عن دمامة القناع الذي أخفت به دمامة الوجه أيضاً، تلك السلطة التي تكشف لنا عن فراغ الهوية والانتماء للأرض ، وتقول لنا في العلن ، أن الدولة هي السلطة، أما الأرض فمعروض للبيع والتنازل لأجل بقاء السلطة، الحديث عن هذه النقطة طويل لكن لابد لنا من التركيز على بوادر الحل والإسراع بمحاولات الخلاص والتشبث به تلك التي حاول عصام التركيز عليها في مجمل حديثه عن اعتقاله لنلحظ هنا ص117:
أحدهم وضع البراز على وجهي وفركه بحذائه وهو يقول:
بدي أذلك يا كلب..ثم عاود الضرب، وأمر برميي في زنزانتي، وبينما أنا مستلقِ على ظهري، لا أستطيع الحركة سمعت مظاهرة.. اهتز كياني، لم أصدق ما سمعت ..محقق يستجوب معتقلاً.. يسأله:
"كم واحد كنتم بالمظاهرة ولاك.."
انتابني شعور بالفرح والفخر، تمنيت أن أصرخ.. مظاهرة في بلدي..! صرت أبكي من شدة الفرح.. نسيت آلامي، والدماء التي تسيل من قدمي..!
حيث يشير الكاتب إلى أهم العثرات التي تقف في وجه المجتمعات وتعيق تقدمها ، إلى منظومة العسف والجور التي تقصيها عن كل رغبة بالتحرر وانبلاج النور ، لذلك رغبة عصام بالصرخة تلك هي تعبير عن فرح لابد منه ويقظة ستفعل فعلها وتنقل المجتمعات لوعي آخر، لهذا فرغم البراز والقبح وصور التعذيب المقيتة فالرغبة بالحرية والخلاص عاتية لا تقف عند ألم ومرارة، فعملية التشويق الدرامية هنا في أوج متانتها ، إذ أننا نلحظ شفافية الوصف ودراميته ، فالحكائية المتجسدة بمقوماتها من حبكة وترابط خيوط كل ذلك أعطى للوصف الملاءم للفكرة جودتها، فالقص الجيد هو الذي يقيم توازياً مستقيماً ما بين الحكائية الفنية والفكرة المعبرة عن قناعة تتوجه نحو المجتمع ، لم يفلت أي نص من حالته المثيرة وكانت العبارات محكمة النسج ، عميقة الكنه ، وأعطت دليلاً على تجربة واقعية شعورية معاشة ، وهو ما أعطى السرد رحابته وصدقيته ، على عكس القص الذي يعتريه الزخرف اللغوي دون تشبعه بالحالة الشعورية حد التألم ، ونعني بهذا حالة القص المعاصرة والتي اعتراها قدر كبير من الاضطراب والتبعثر فنجد الكم المقدم للقارئ متشعباً في غاية الاختلاط يجعل المتلقي ملتبساً في قراءته وكذلك متخبطاً لتباعده عن الحدث وانفعال كاتبه وفوضى المشاعر والأوصاف التي أسهب بذكرها دونما أدنى ارتباط ، فالإحكام اللغوي ورشاقة اللغة وسلاستها كل ذلك من مقومات الرواية الحقة التي يمكن أن تقدم للمتلقي والباحث حالة رؤيوية شيقة ، يمكن أن تعين كل متبصر على إنشاء بحث فريد إثر استخلاص المغازي الواضحة من الراوية ، فلا يمكن أن نقلل من شأن الرواية الدرامية التي تغوص في الحالات الشعورية للشخوص وأيضاً تقدم الأفكار اللاذعة التي غالباً ما تكون عماداً لبحث ما ، أو إعادة نظر لشرح وتأويل إشكالية عصية فلسفياً أو اجتماعياً، غالباً ما تكون الروايات التي تعاين شأناً ايديولوجياً أو فكرياً هي الراوية التي يمكنها أن تفتح خيال التأويل أكثر ، بل لعلها تذهب بالناقد ليعاينها مستخدماً عدة مناهج ليتناولها كشيء ساخن يمكن أن يكون مثار نقاش واستدلال، لنعد للرواية هناك الآن شخصية لابد وأن نتطرق لكيفية ولوجها الحدث من لحظة دخول همام لمنزل أبو الليل بغرض أن يحدثه عن مسألة استدعاء فرع 333 له، هيام ففي حديث هذه الشابة الجميلة النشطة، معنى يجب أن نسهب في الخوض فيه أكثر لنرى هنا :ص125
-اسمح لي أن أعترض على هذا المفهوم السطحي للعلمية والواقعية. صحيح أن العلمية تعني الواقعية ، فالأفكار تأخذ مصداقيتها من الواقع، ولكن الواقع يقول بالذاتي والموضوعي معاً.. وأن ظروفنا الموضوعية ،في هذا الأمر بالذات، تحتاج إلى نوع من التنازل الذاتي.. من أجل مستقبل أكثر موضوعية، ونحن الآن، وبإمكاناتنا البسيطة، لن نقدر على تحقيق أحلام الشباب كلها..لكن الشباب أنفسهم قد يجدون حلولاً لمشكلاتهم الحياتية ،إن نحن أفسحنا لهم في المجال! وختمت حديثها بسؤال، بدا كأنه هدف آخر يسدد نحوي:
-إن جاءتك واحدة من ثوبك وطينتك ، ورضيت أن تعيش معك على الحلوة والمرة ، كما يقال، وأن تصارع معك ما يعترض حياتكما، فماذا تقول؟!
لابد هنا في هذا المعرض أن نستدعي مقولة الفيلسوف آمانويل كنط22 ، حين يتحدث عن الفني والواقعي فيقول : "الجمال الطبيعي شيء جميل، بينما الجمال الفني تمثيل جميل لشيء ما"
وبالمقارنة ما بين الحالتين أو المقولتين ما بين الشاهد الذي أوردناه في الرواية وكذلك مقولة كنط, حيث نجد التقابل بين ما ورد في كلا الأمرين فالأول يتحدث عن الواقع والعلمي، أما الثاني ونعني مقول كنط فنرى أن يحدثنا عن الجمال في الواقع وما هو قائم في الفن وما تعطيه مخيلة المبدع من جمال على الأثر الذي يبرزه، وما نعنيه بالتقابل هو ذلك الفارق ما بين ماجاء على لسان هيام في الرواية ، وهي تعني أننا يجب أن ننتصر للموضوعي ونتنازل ذاتياً ، أما كنط فيرى أن الفن هو الجانب الآخر للواقع أي أنه تمثيل له ، تجسيد للواقع الطبيعي بطريقة أخرى ، بينما نكران الذاتي أو التنازل عنه كما في الشاهد هو بمثابة تبرير اعتقادي للهث وراء المهمة والخدمة ، بعيداً عن الذاتي بل وأحياناً التنازل عنه لأجل أشياء تبدو لنا موضوعية لكن شتان أن نفصل بينهما،فكيف يمكن التنازل عن الذاتي وفق تعبير هيام، لصالح ما نراه شيء موضوعي لأجل خلقه كواقع عام، هنا يمكن أن نتساءل ملياً حول هذه النقطة بالإشارة إلى مهمة هيام في هذه الراوية مقابل همام الذي يمثل البطل وبمثابة السارد لأحداثها على نحو ذاتي موضوعي متكامل.
لنتأمل الحوار الذاتي المستتر بين هيام والبريئ همام فلابد أن تستوقفنا بعض تساؤلات وأشياء لابد من سبرها ص 132:
أجبت على ضغطة هيام بضغطة مماثلة ،حاولت أن تكون رقيقة، لا تزعج كفها الناعم وقلت معجباً:
-ما هذه النعومة يا هيام..فقالت على الفور:
-أيْ.. ثم أتبعتها بصوت لا يخلو من تنغيم:
-عن جد، أم أنك تجامل؟
- وفوق النعومة رقة متناهية، إي والله هذه ال (أيْ) غير شكل، أما النغمة التي رافقت كلمة "عن جد" وهي تسيل على لسانك عسل مصفى فشيء يجنن حقيقة..!
-إي طول بالك يا رجال، بكير على الجنون، ثم أن عقلك هو الذي يلزمنا، وليس جنونك..!
-لكل وقت حال يناسبه .. الآن وقت الجنون يا هيام، أعني جنون الهوى ، يعني وقت الهيام بهيام، " وأنا هيمان ويطول هيامي.."
هيام ليست بتلك المرأة التي يمكن أن تكون لحياة طبيعية يحياها همام بسماته البريئة الحية ، فهي في خضم تنفيذ مهمة جاءت لتحقيقها وهي دفع همام للعمل الحزبي بطريقة ما ، يلفت لنا الكاتب محمود الوهب هنا تحديداً إلى طرق تسخير الأحزاب أو الجماعات أو السلطة للمرأة في تنفيد مهام وأجندات مرتبطة بالجهاز الحزبي وهنا تضع الجهة الحزبية في عينيها مهمة استدارجه للعمل الحزبي بصورة ما عن طريق تحبيبه للمهمة وجعله ينفذها والمرأة هنا وقود ووسيلة حسية معنوية لأجل تحقيق الهدف المعلن والمستتر بطرائق خفية غير ظاهرة للعلن 
حيث استخدم أبو الليل في اعتماده على تقنيات البروباغندا ، أي الدعاية غير المباشرة في حديثه لهمام حول مسأئل تمت برغبات خفية من توريط همام بالعمل معه ، تلك الأساليب تعتمد على نفس أساليب أبحاث علم النفس الاجتماعي ، أيضاً بالاعتماد على المرأة كوسيلة تسليع جسدية ونفسية لتحقيق الهدف ففي كثير من الأحيان يتم الاعتماد على المغالطات المنطقية مثل حديث هيام الذي قد يبدو منطقياً إضافة لحركات أنثوية تستدرج همام شيئاً فشيئاً للعمل حيث يقوم القائم بالدعاية باستخدام عبارات مقنعة وإن كانت غير سليمة أو واقعية تماماً
تمت تهيئة همام على نحو ما في طريقة الاستدراج وهذا عمل تمارسه الأحزاب المرتهنة للسلطة القمعية ، في جعل التطلع الثقافي شبه مجهضاً ، عبر طرق عديدة تحاول إلهاء الفئة المستنيرة عن التفكير النقدي المحايد وجعلهم أداة رخيصة تابعة تقوم بإفراغ فكرهم وجعلها مجرد أداة لخدمة الحزب الشمولي ومنافعه المستترة مع السلطة الفاشية التي تخصي كل حراك واعٍ وواعد
الكاتب محمود الوهب يعيد في أذهاننا التجربة المؤلمة التي يعيشها المعرفيون على اختلاف بيئاتهم القمعية ، ويقوم بنقد السلطة الشمولية ويشير إلى تفسخها الذي قاد البلاد إلى دمار شامل لاعودة عنه، لذا فالأحرى بنا أن نتناول أبعاد الرواية عبر الأفق غير المنظور، والذي يجب أن نوليه الأهمية ، فتواطؤ رجال السلطة بأذرعها الاستخباراتية مع رجالات الأحزاب التي تسمي نفسها بالحريصة على الثقافة والجمال وكدح العامل ، ما تلبث أن تكون بمثابة قيد يكبل الشريحة المستنيرة ، تلك التي تعرضت للإقصاء والتهميش عبر التاريخ ، ولاشك أن العقلية الشمولية المستبدة لعبت دوراً مهماً في تفسخ المجتمع وإفراغه من قيمه الطبيعية عبر لعب دور الحارس والحامي للقيم ، إذ بتلك القوى تبرهن فعلياً أنها كانت بمثابة المطرقة الساحقة لكل منجز فردي مبدع، وتبين أنها السم الصافي الذي ينفث لعابه في جسد الوطن بالتدرج البطيء، حيث لذلك دلالة مهمة تقودنا إلى حقيقة أن الكاتب رأى في الرواية طريقاً شفافاً واضحاً لمحاكاة المتلقي بحكمة تنم عن قلق واستشراف بعيد عما سيحدث كنتيجة لوضع متراكم وتاريخي يجسد هول الأخطاء وفداحتها وقذارة مرتكبيها على الدوام..
وننتقل لمعرض الوصف الفني الذي لا يخرج من رائحة المغزى العام لنتحدث عن طريقة رصد الحالة الآسرة التي تتلخص في تواجد همام مع هيام في فندق المريديان ، بدأ من الحديث عن أوصاف الفندق وتناسقه وترتيبه دخولاً للمشهد الوجداني لنتأمل هنا ص144:
أحسست بضجيج العشق في عينيها ، وفي تململ جسدها الذي كاد يثب نحوي، يترجم ما يسري فيه من رغبات..!، بالطبع لم أتمالك نفسي، ولم أنتظر البدء بالاستحمام أو الانتهاء منه..بل اقتربت منها،وأخذتُ رأسها بكفي الاثنتين ،أزحت خصلة شعر انسدلت على الجانب الأيسر من وجهها ، أغمضت عيني ورحت أتحسس أنفاسها..أستنشقها..فلم أشعر، عمري كله، بأطيب منها رائحة.. وعلى مهل تحرر رأسها من يدي اللتين راحتا تجتذبان إلى طولي كله جسداً بهياً طيعاً..وهكذا إلى أن التصقنا كلياً، بل تداخلنا بعضنا ببعض، ونحن منغمسين في قبلة ، بدأت قصيرة هادئة، ثم أخذت ، تطول ، وتحتدم، لتوقظ في عنفها ،وفي جسدينا وروحينا، كل ما فيهما من قدرة تذوق متع التوحد الكلي والتهام لذائذه.. وبدا لي، أنا بالذات ، كل أنواع الكبت الأزلي الذي عانيته قديماً وحديثاً قد تفجر هكذا دفعة واحدة.. إذ صرت، في أقل من ثانية مثل نار في هشيم.. وصاركل شيء في جسمي يئن ويتأوه على طريقته..
الوصف الفني هنا تعانق مع الفكر وهذا يدل على الرفد المعرفي الذي تجسد لجانب التصوير وتجسيد المكان بدء بأوصافه الخارجية وانعكاسها على النفس ، والملامح النفسية التي تم عرضها متقابلة ومنسجمة مع الجانب المكاني في عرض أجزاء الفندق ليعكس جمالية الفن في الوصف ، حيث أن تمثيل الجمال الخارجي في الذات المبدعة وإخراجها من خلال نص بديع يسهم في إيجاد متنفس وموطئ مماثل للمكان من خلال انبهار الواصف وانشداهه في الإغراق في تجسيد المشهد في قوالب فنية ، وتلك هي وظيفة الفن الروائي حينما يجد عبر نوافذ البيان اللغوي مسارب يتدفق عبرها ليخلب بال وخاطر المتلقي ويجذبه أكثر فأكثر وعلى نحو متدرج وجميل دون أدنى تفكك في العبارات ومن خلال إتقان الربط المحكم البعيد عن التشظي والاستطراد البعيد عن مناخ الرواية الفعلي، نعم يجب أن تفسح لنا القوالب الفنية طرائق معبرة تدهش المتلقي وتحقق له المتعة الفنية والفكرية معاً ، وإلا باتت تلك القوالب هشة تدعو للسخرية هذا ما يجب التأكيد عليه في هذا الصدد ونحن نخوض رواية حقة متكاملة يصعب تصيد كاتبها، ولاسيما أنه يحمل في سياق كتاباته الهم الفني والإعتقادي ، وليس الاعتقادي هنا بمعنى الإيديولوجي الضيق، إنما الجانب الذي يتناول الإنسان وأزماته أمام العالم..
هذه الجوانب الفنية التي يعكسها الشاهد الذي أوردناه في وصف المكان امتداداً لوصف الجانب الوجداني تمثل بمثابة سبر نفسي لمدى تعلق المرء بالمكان وعلاقة المكان بالحب ، علاقة المكان باللذة الحسية والروحية معاً ،يعرض لنا الكاتب الجغرافيا وعلاقة الإنسان بها ، علاقة همام بالطبيعة وقلعة حلب ، علاقته الفطرية مع هيام ، حبه للانشداه بالجمال بعيداً عن ما خفي وراء ما يحاول المشوهون النيل عبره من السحر والفطرة الطبيعية.
إذاً.. نحاول هنا أن ننجز سفراً غير رتيب لعوالم الكاتب عبر تناولنا لكتاباته التي تعج بالغوامض الشفافة والتي لابد وأن نسبر أغوارها بعيداً عن المديح الذي يكتنف النظرة الانطباعية التي يطلقها الذين يعتلون النقد قسراً ، إذ أن الكتابة فعل عميق الغور ، وموقفٌ تجاه أكثر الجهود تعرقاً وطول بصيرة وتبصر، لهذا أمكن لنا أن نستخدم تحليل الدلالات حيناً وكذلك المقارنة وإيجاد مقاربات نقدية نحاول عبرها فهم أبعاد الرواية وخلفية شخوصها ومآلات غمزها ولمزها بالحقائق، وكذلك عرض ما يشبه بالكوميديا السوداء التي تتخلل بعض حواراتها، نحن أمام إشكالية التأويل وتقديم تلك المقاربات الفعلية ليكون النقد فعلاً بمثابة الألة التي تفتش حقائب المسافرين لخلوما فيها من أي شيء ملتبس أو مشبوه..
نعود للحديث عن سر مباغتة هيام لهمام في تركه في الصباح هكذا دون أثر ودلالات ذلك النفسية على همام المتحرر من الأحزاب ومصالحها ، بعكس هيام التي تحتاج عقله لا قلبه ، لنرى هنا ص149:
المفاجأة غير المتوقعة ، بل غير السارة، كانت حين استيقظت لأجد نفسي وحيداً ..! فلا أحد إلى جانبي على السرير،بل لا أحد في الغرفة كلها غيري..! صحت مباشرة:
هيام.. هيام.. فلم أسمع سوى صوتي.. هرعت نحو الحمام.. لا أحد أبداً.. لا في الحمام ولا في غيره..لم تترك هيام أي أثر لها..كانت ثمة ورقة صغيرة، وخمس كلمات لا غير:
"حبيبي، لم أرد إزعاجك، نلتقي."
- نلتقي؟! أين؟ وكيف، يا هيام؟!
أنا ما صدقت أنني التقيت بك، فكيف تتركيني بهذه السرعة؟! كيف يكون هذا الفراق المفاجئ؟! ولماذا؟! بل لم اللقاء من أصله؟! أعدت قراءة الورقة عدة مرات، بحثت بين حروفها، وخلفها، لعلي أكذِّب عيني، أو أجد ما يشي بإمكانية اللقاء ثانية! لكنها خمس كلمات فقط..وكل ما فيها واضح، مباشر، لا يحتمل أي تأويل!
تنم هذه الرواية عن قدر مهم من الأفكار والمعلومات التي تكمن في استجواب المواقف في الذهن ومحاكمتها، فهو لسان العارف بما يحيط ويعتري التساؤل ، والنتيجة التي يجب استخلاصها من هذا المقتطف هو ما يأتي من دلالات تبعث على مهارة الرواية في التطرق لإشكالية العلاقة المغلفة بمهمة أوكلت لها هيام من خلال الاستفادة من كل ما يمكن تعزيزه لاستجلاب همام الذي يحاول الاستحواذ على الحقيقة الكامنة فيه في محاربة ما يخدش الجمال فكان يبحث عن الحب ، حيث أمسى السراب الذي لا وجود له، كذلك يحدثنا الكاتب عن دور السلطة الاستخباراتية في إرباك متنوريها وكذلك تشويه ما بداخلهم من أحلام ورؤى للتغيير، هذا التغيير الذي يقض مضاجع السلطات المستبدة على الدوام ويؤرق صفوها ، حيث يتم استثمار كل العواطف والطقوس الوجدانية لأجل غايات بليدة وذات قسوة على الشعور وحتى على النفس التي تعرب عن ارتقاءها عبر كل لقاء ذي معنى وأثر، هنا همام بدأ وحيداً وبدأ يقارن بين حدث دافئ رافقه طيلة ليلة دافئة وبين صباح بارد كئيب أيقظه من حلم جميل ويمثل كوة خلاص ، حيث يمنح الكاتب في مجمل روايته حول التنقيب عن إشكالية الأصالة والمعاصرة حينما يقوم بتجسيد المكان وكذلك ملامح الشخوص، عبر تذكر ملامح الريف البسيطة وبعض الميثولوجيات التي تمثل الحالة الطبيعية التي تبين لنا تعلقه بالحياة البسيطة التي تجافي قيم المدنية ومظاهرها، نذكر بضع أمثلة تلخص الأوصاف التي ذكرها في مجمل ما قرأناه :
- وصفه للباب: "أبوابها بلا أجراس.. الباب عبارة عن لوح من صاج حديدي مشبوك بقضيبين رفيعين من الحديد، يتقاطعان في منتصف كل قسم من مصراعيه.." 
- حديثه مع هيام وهما في البانيو: " لا أعرف يا هيام، لماذا تقتحم ذاكرتي الآن حكايا الجدات عن حفلات التغسيل التي كانت تقيمها الأمهات لأولادهن،"
- وصفه لإطلالة الفندق متماهياً مع أجواء حلب وغرفته تحديداً : " الغرفة التي كنت أرتبها في ذهني لاستضافتكما، كادت تطير في هذه اللحظة لولا نباهة ذلك الشاب الموظف في الاستقبال، هي غرفة تطل على اتجاهين ممتعين، فالمسبح جنوباً والقلعة شرقاً، وثمة فسحة لرؤية الحديقة والأحياء الجديدة غرباً، إنها من الغرف المميزة في الفندق، إذ يستطيع من يشغلها أن يجمع بآن واحد جمال الحاضر الحلبي إلى عراقة الماضي..!
لابد هنا وأن نستدعي ما قاله ، أبو حيان التوحيدي6، على لسان أبي سعيد السيرافي النحوي7 مناظراً أبا بشر متى المنطقي8، في مجلس الوزير ابن الفرات9: "علم العالم مبثوث في العالم بين جميع من في العالم، وكذلك الصناعات مفضوضة على جميع من على جَدَد الأرض؛ ولهذا غلب علم في مكان دون علم، وكثرت صناعة في بقعة دون صناعة" 
فرؤية الكاتب إزاء العالم قائمة على الوصف والسبر الداخلي والخارجي للشخوص والأماكن حيث يبث فيهما قيماً لم يتم استنفادها مع الوقت ليؤكد لنا على الوصف الذي يستجلب حقائق الأصالة والعراقة التي تجمع ما بين الماضي والحاضر، ولابد أن نتحدث هنا عن رؤية الكاتب التوافقية ما بين الأصالة والمعاصرة في جانب من الدراية والوثوب إلى التساؤل لنستخلص معيارية الأدوات التي جعلت الرواية جالبة لهذا الكم المحكم من التخييل والرصد والتنقيب والاحتجاج لتكون فعلاً بمثابة المضخة التي تضخ تساؤلات وتؤكد على قيم الخير الموجودة في الحضارة رغم محاولات الخاسرين للنيل منها وجعلها مجرد أطلال لا روح فيها ، بيد أن المكان الذي يصفه الكاتب على نحو متقابل مع الرسائل الموجهة فيؤكد ملياً أن بطل الرواية همام يمثل المطلب الحقيقي للخلاص والذي يتكأ على قضيتين متصلتين مهمتين وهما التوافقية ما بين مذهب الأصالة والحفاظ عليها مع الانفتاح على مطلب المعاصرة كهدف لابد من الإيغال قدماً في تحقيقه ، تأكيداً على مقولة غاندي10 حينما قال : "إني أفتح نافذتي بوجه الرياح ولكني لا أسمح أن تقتلعني الريح من جذوري"
إذاً فلابد من التأكيد على الروابط المتكاملة ما بين الانطباعية والعلمية دون فسخ نظام التعاقد النقدي فيما بينهما، لهذا أمكن لنا أن نحتكم للعديد من الزوايا النقدية لأجل تقريب رؤية أكثر اتساقاً واتساعاً لأجل نسج رؤى رحبة متعددة الأوجه لرواية تحاكي في ذات المتلقي روح العقل والعاطفة معاً وتدفعه للذود عن الجمال والحق والخير إزاء قوى تعتاش على التخريب والفساد والقمع، حيث شبَّه شبه مونتيسكيو11 النقاد "جنرالات فاشلين عجزوا عن الاستيلاء على بلد ما فلوثوا مياهه" وهنا لا نحاول الاقتراب من الانطباعية الإيديولوجية لنتحدث عن مركزية أوروبية للنقد المعاصر إلى جانب افتقار للنقد وانغماس بالتراث غير المتجدد في ذائقة الشعوب الناطقة بالعربية، واحتكامنا للنص هو لأجل إخراجه من تركيبة الإبداع القائمة إلى سياق تحليلية النص وتقليبه على نيران التأويل وسبر المعالم غير المنظور لها بوصفها كائنات نمهد لاستنطاقها عبر النقد
ولابد من أن الإشارة إلى النص في هذه الرواية وهي التي تميل للواقعية السردية منها إلى الشعرية إلا من اقترابها لوصف الطبيعة والمكان فثمة شعرية باذخة شفافة لا تميل للتكلف وتبتعد عن المواربة غير المفهومة والتي استطاع الكاتب محمود الوهب توظيفها خدمة للأفكاروليس لأجل إبراز العضلات الفنية التي تجنح خارج العالم الروائي وتستطرد لتخرج أحياناً منه، إنما اللغة التي تتميز بمقومات الجذب والسلاسة وجدة الأفكار وطرق معالجتها ودفع المتلقي إليها من خلال ضخ التساؤل والدهشة فيه ، هي الأقدر على تحويل الرواية من كونها حكائية قائمة بشكلها إلى كونها جدلية مصاغة بمحتواها.
تتوالد الأحداث شيئاً فشيئاً من لحظة خروج هيام المباغتة من الفندق ومن ثم خروج همام ومشيه من رصيف الفندق ، حيث مقتل هيام على يد أخيه المتشرد ، وهنا دلالة مهمة على فداحة المشهد المتمثل برداءة عادات المجتمع وفساد السلطة وكذلك طريقة تعاملهم مع الحدث عبر القاتل والضحية ، فمن ذلك إشارة هامة ولاذعة على فداحة الجرم المتمثل بتعامل السلطة مع الجاني والمجني عليه ، ولاشك أن المقتطف الأبرز الذي طغى على رأس ومخيلة همام إثر هذا الحادث هوالشك والتقلب على جمر الاحتمالات لنتأمل هنا ص155:
أعصر رأسي ..أحاول معرفة ما قالته لي عن كرمو أيضاً وأيضاً..كانت حزينة وخائفة..هل قالت: إنها تشك بأنه ربما لمحها حول مقهى ميلانو صباح الأمس؟! يا ألهي لم أعد أذكر شيئاً..أيكون هذا الوغد قد تتبع أخبارها؟! أتراه اتصل بها صباحاً؟!تحايل عليها..أيكون استدرجها لمقابلته! فأتته بنية طيبة، وقلب يفيض محبة وأخوة.. وعلى ذلك تكون قد تركت الورقة لي على أمل أن نلتقي ثانية..!ربما حصل ذلك، فكل شيء جائز..إييييه..!
نعم تسارع الحدث أحدث جواً محكماً من الصراع النفسي الذي تغلغل في نفسية همام ورغبته الحثيثة في معرفة خفايا هذه الجريمة الواضحة ، هنا نجد أيضاً إجادة من الكاتب في عرض تفاصيل الصدمة ومن خلال معرفة عناصر هذا الحادث وما تخلله من اضطرابات نفسية أحدثت الجدل الداخلي الذي عم سائر النفس ، فأثر الدفء الكامن في همام إثر الأجواء الحميمية التي عاشها مع الضحية همام كانت أبلغ فيه داخله ، ولا شيء سوى الحيرة التي تأخذه في شتى الاحتمالات والهواجس، وبالتالي عكس جو من الخذلان والخيبة في أروقة مشاعره إثر صدمة رهيبة استجلبت معها الرؤى الضبابية التي لا تكاد تتوقف وعلى نحو كثيف.
أجاد الكاتب سبر نفسية همام في هذه اللحظة وعلى نحو يبعث على التحليل ومعرفة اللاشعور الذي يضفي على الحدث جاذبية ومغزى ، فهو لا نرجسي مؤمن بعظم المهمة الموكلة إليه وفداحة وهول المشهد الذي يعايشه بألم وحيرة، وكذلك اعتمد على حبه للمكان والوطن عبر سبره لملامح المشهد وفنيته حيث همام هو البطل والسارد المهني للرواية بطريقة أكثر سلاسة مبيناً الملامح النفسية على نحو جميل ومحبذ على المستكشف لبيان تلك القيم التي استمد من خلالها الملتقي الهادف ليجمع من بين دفتي الرواية بحثاً فكرياً فلسفياً تأملياً وشاملاً حيث الشخصية المتلقية للحدث والباعثة على استنهاض المخيلة والعقل معاً وعلى نحو متوازن 
أيضاً يشير الكاتب لتداولات مهمة إشكالية تعتمد على التمحيص في مضمار العلاقات الاجتماعية التي تنم عن وجود قيم طبيعية حميمية بين الرجل والمرأة تنقلها لنا الأجواء الريفية وأناشيد الناس في مضمار التعايش المتآلف إلى جانب استئثار رجال الدين بالطبيعة الفطرية ومحاولة التلاعب بها عبر وتر التناقض مثلاً الغنضفر الدميم الخلق إلى جانب نقيضه ميّاسة المرأة البريئة ، اعتماداً على جدلية كونية لا ينقطع ترتيب سيرها إلى جانب العديد من المتناقضات، حيث يقدم الكاتب صراعاً طبيعياً بين قيم الجمال ومفاهيم القبح ، معطياً دفة النصر للقيم التي يؤمن بها الإنسان المعرفي الفطري الأقرب لسمات الحضارة من حيث التفكير والتعايش الفعلي مع عدم قابلية على التأثر بالصدأ والتشويه الممارس بكافة الأشكال.
إنها لعبة المقدس التي يحاول الكاتب اعتماد تجسيدها على مسرح الحياة التي تنم على ضرب من العبث والركود، والمسعى الذي يقدمه جلي يتلخص في رفع الغبار عن الكثير من التصرفات المحبطة التي تستهلك روح الساعي للتغيير وتجعله في خضم أوجاع وعثرات جمة نتيجة تسرب عقلية الفساد بأشكالها واعتماد المقدس الديني مطية في استجرار البؤس والجهل على الدوام ، فتلك التخبطات الوجدانية التي تستدعي همام ومحاولته إبراز أن العلاقة التي عاشها مع هيام كانت ذات مسوغ طبيعي نقي مع علمه أن ذلك لا يستقيم مع شرعة الدين بيد أنه يحاول العثور على حقيقة تزرع فيه الطمأنينة بصورة يعيش الألفة مع ذاته والمهمة التي جاء ليخدمها فإذ به يعيش وحدته ،ويحيط حول ذاته المتأملة غلالة رهيفة من الملامح التي سكنته من خلال استحضاره للقاءه بهيام في حضرة أبو الليل ، حيث هنا الراوية تدخل عمقها التراجيدي لنتأمل هنا ص160:
تأملت حديث روحي..تمعنت فيه جيداً..صحيح أنني لم أعقد قراناً رسمياً، ولكنها زوجتي، فقد عاشرتها كحبيبة، عاشرتها شريكة عمر وكفاح، ولدي شهود على ذلك، لقد خرجنا من بيت أبو الليل ونحن خطيبان..ألم يقل أبو الليل بأننا لائقان بعضنا لبعض؟! ألم نسر معاً في هذا الاتجاه..؟
إننا نقف على العديد من المغازي والألغاز ، إذا ليس التحليل هنا مجرد تجربة أو معاينة لبعض أجزاء من رسائل نستخلصها ، إنها أيضاً مدعاة لتحقيق المعنى من رحلة همام في خضم هذه الأوجاع والتحديات التي تواجهه بصورة لا يقدر أمامها سوى الوجع والسعي الدونكيشوتي بصورة عامة إن صح توصيفنا، فهو يسعى إلى إتمام مهمة مع امرأة أو بدونها ، إشارة إلى تحطيم الأحلام وكذلك التأكيد على أن مشوار مجتمعاتنا في مخاض مستمر لأن الأنثى فيها مقيدة ومقصية عن الرجل، لذا يبقى التغيير مجرد حلم ورغبة ، بيد أن الواقع يكشف النقاب عن ظلام يعم المكان الساكن الذي تتحدث عراقته عن مناخ حضاري كان سائداً ، فهنا همام مثقل بالمآسي
يود أن يقتحم الألم ولكن هنا الوجع يتسرب فيه أكثر فأكثر فما بين شيخ وشيخ ينتقل للحصول على وثيقة تؤكد شرعية علاقته بهيام، ومنها الطريق لإحقاق حق لامرأة بدت الضحية لقتل شنيع باسم الشرف ، وهنا إشارة إلى الحقوق المنتهكة في مجتمعنا الشرق أوسطي وأنموذجاً المجتمع السوري متجسداً بمدينة حلب، وهنا يتضمن تحليلنا مناقشة ما يجذبنا من دلالات ورموز وإيحاءات نفسية تجعلنا نتعمق أكثر لاستخلاص العبر من أكثر الغوامض التي في الرواية على الرغم من وضوحها وسلاسة لغتها، ومن خلال مسعانا التأويلي ندرك ما يجب سبره أكثر وبحكمة تجلي الغمامة عن النص لمعرفة أكبر بماورائياته، أيضاً يشير لنا الكاتب جوهر العلاقة الصحيحة بين الرجل والمرأة في ثنائية المواجهة والإقدام فنرى هنا ص170:
الآن صار للبيرة رائحة وطعم.. هاجمتني، وأنا أخرج من غرفة مياسة، ذكرى الأمس، والبيرة التي شربتها مع هيام، ومتعة الحديث، وبهجة الحب، والآمال التي كانت معقودة علينا..تلبسني شيطان الحزن والندم.. دخلت في جو من الكآبة! كان علي أن أفعل شيئاً، أن أبصق في وجه "الغضنفر" أن أفعل، كما فعلت القطة، على أقل تقدير.. هذه المرة الثانية التي أشهد عجزي، وأكتمه في داخلي.. المرة الأولى كانت حين خروجي مع شعبان من دار سينما فؤاد، وأقصد من الحفرة التي آلت إليها.. عجزي هذه المرة أعمق وأمر، فهذه المياسة مني ، وأنا منها.. هي لي، وأنا راع لها، وما كان لي أن أغفل عنها أصلاً.. علاقتي بها علاقة تفاعل لا تأمل..!
تلك العلاقة التفاعلية التي يجنح الكاتب لتضمينها في محتوى كل نص في هذه الرواية ، فتفاعل همام مع كل ما حوله يصب لغاية هدف التغيير المنشود والذي تطأه حوافر كل فساد وتشويه يرافق الحركة باتجاه البناء، حالات الندم والكآبة التي تعتري همام كامنة في المعنى الذي حاول أن يجسده مراراً ، وأمام هذا الواقع الذي تغيب فيه الإرادة المعرفية إثر تحطم دفة القيادة هي التي جعلت الإحباطات تتناوب والأزمات تتواتر وتتصاعد، حيث يبرز همام هنا كمظهر المخلص الذي تتعثر خطاه في كون مرهق متعب، ويبدو لنا كلكامش12 الباحث عن عشبة الخلود، إذ تعاد لأذهاننا أن عملية البحث عن التغيير المنشود في خضم عالم مبني على النقص والعجز الطبيعي أشبه بالبحث عن خلود بديل عن الفناء المعلن، حيث فقد همام معينته هيام منذ أول يوم وانقضاءه ، وتفكيره الدائم وخياره الأمثل هو أن يأخذ رشفة من بسمة مياسة ليستطيع بها أن يعيد النهضة داخل أروقة روحه المتعبة في إشارة إلى جدلية التآلف والتفاعل التي يستمد منها الرجل المعرفي قوته من خلال تشاركه الهم مع المرأة السند..
وينتقل الكاتب نحو عرض مشهدية أخرى تنم عن تساؤل وإثارة منمقة يسهب من خلالها حول الحديث عن الرموز وعلاقتها بالحضارة الإنسانية وتلاقح الحضارات البعيد عن وتر التنازع الإيديولوجي القائم على التصارع والطمس ، هنا يحدثنا عن شيء آخر يكاد يكون منفصلاً عن مأساة مقتل همام ، وهنا يكمن الانتقال الفجائي بين مأساة وأخرى تعمق في مدلولات الرموز وخلفياتها الثقافية البعيدة عن التعصب لننظر هنا ص 173:
أستاذ همام، المسلمون يؤمنون بالأنبياء كلهم..إنها نجمة سيدنا داوود.. وقد أثار بقوله هذا قضية التراث الذي يجري التطاول عليه بسبب التنازع السياسي.. ويعود تاريخ النجمة، في الحقيقة، إلى زمن أكثر عمقاً في التاريخ.. إنها من تراث المنطقة الأقدم.. ولعلها من تلاقح الثقافات القديمة كلها..بعد زمن من ذلك التاريخ، زرت المنطقة، فوجدت النجمة التي على باب الجامع مغطاة بلوحة جديدة ، كتب عليها اسم الجامع!
بائع البهارات لم يستطع إقناع القائمين على أمر المسجد أو المدينة القديمة بوجهة نظره. صديقي المطران يوحنا قال لي مرة:
" إن المسيحية ، ويعني بعض رجالاتها طبعاً، أخطأت في محو الكثير من آثار الثقافة الوثنية، وكذلك فعل بعض المسلمين في محوهم لبعض الآثار الثقافية المسيحية، وأكد أن الثقافة الإنسانية متصلة، ومتواصلة أبداً! إنها بناء متراكب فيما بينه. بعضه يرتكز فوق بعضه الآخر.. لكن الداء كامن في التعصب والمتعصبين.."
وهنا مشهدية تعج بالكثير من التآويل تطرح أمامنا إشكالية الثقافة وتصارعها في خضم الخلافات الإبراهيمية حول مركزية الحكم الديني ، حيث يطرح الكاتب جوهر التنازع القائم بين الأديان في إطار التصارع، حيث يؤكد الكاتب هنا على مسألة ارتباط الوعي الإبداعي بملكات التساؤل تجعل المتلقي أمام حالة من التلقي والانشداه، حيث الكثير من التوغل والسبر والتعمق دون الإفصاح المباشر في إشارة إلى الصراعات الإيديولوجية التي تقحم الدين تاريخياً لأجل التسيد والهيمنة ، مما تجلي أمامنا تلك الحقيقة التي تجزم أن المقدس هو بمثابة ترسيخ للعنف والتنازع ، وذاك التعصب القائم هو الذي جعل الحضارة الإنسانية في حالة ركود وجمود لصالح التخلف الفكري الذي قلص من احتمالية تحقيق المطلب الإبداعي لمسيرة المعرفيين أو حتى أعاق دور المجتمعات الشرق أوسطية في البحث عن سبل تنميتها ورفع الأزمات السياسية عنها حيث يشير الكاتب إلى هذه المعضلة ويعمل على البحث عن جذور إشكاليتها استناداً للرموز القديمة القائمة على الجدران والأبنية التاريخية والأثرية والمساجد والمعابد الغابرة، إنها عملية اكتشاف مثلى لموضوعات فلسفية ومشكلات تخص إشكالية التفكير المحصورة ضمن ربقة الشريحة الحاكمة ، والتي تفني مالديها من طاقة أو وسيلة بغية الحفاظ على الخمود والعزلة الفكرية في مجتمعاتها، فالحديث هنا عن التصارع الابراهيمي بين الأديان يقودنا لحقيقة قيام أجهزة السلطة في إحكام قبضتها على منظومة اللاشعور الجمعي لدى مجتمعاتها وقادتهم بشكل غير مباشر لحراس ووكلاء على مذهبهم الاستبدادي في حكمهم استناداً لثبات التنازع الجوهري بين الأديان والمستند أساساً على النصوص المقدسة هذا ما حاول الكاتب بيانه عبر إشارته إلى الرموز وكيفية تأويلها..
وعبر هذه الرواية المتخمة بالتفاصيل المدهشة نحاول جاهدين التصويب الموضوعي نحو خلق رؤية متناسقة تحمل أعباء العديد من القضايا الجوهرية التي تلخص علاقة الإنسان النفسية مع الذات وجوهر علاقته مع العالم برمته، ذلك العالم المتصدع بإشكالياته الملتفة حول نفسها والتي يحاول الكاتب إنعاشها بالجمال في روايته ، وما المحاولة إلا طريقة النزوع للتفكير الأفضل والذي يمثل النزوع الأقصى لكمال مرجو، لهذه الحقيقة تتوجه كافة الأقلام الإبداعية في مختلف حقول الآداب الإنسانية لتوغل ملياً في صناعة الحرية البعيدة عن مزاعم الإيديولوجيين ونظرائهم من المنظرين ، فالجودة التي نعني بها دوماً في عملية التفكيك الإبداعية هي سبر أبعاد الكلمة والتحقق من مراميها وكذلك إنشاء مقاربات وصلات بينها وبين ما تم قوله في مختلف الموضوعات لإحداث ترابط ما أقرب للمشهد الكلي للقيمة الجمالية والمسعى الهادف، إن الرؤية الممتدة لعالم مثقل بالاضداد تحركه الرؤى النقدية الأقرب للتحقق والإدراك لإخراج اليقين من مداراته المبهمة، فالرؤية التي نسعى إليها باستمرار هو تلخيص ما للجدلية التي ترافق سير البشر وعظم ما يتعرضون له من مآسي ونكبات وعليه فإن الثقافة تحدد في خضم تعاريفها وتقاليدها تجارب الشعوب وسعي سلطاتها للهيمنة بأشكالها، وأحد أعند الأشكال هيمنة هي تلك التي تقحم الأديان في كل بغي وتسلط ، ومن هنا ندرك سعي الرواية لتجسيد كل إشكال أو سجال تاريخي لإخراج كل مبهم أو عصي إلى ساحة التلقي الواعي، بغية إجراء مقاربة أفضل في سياق سجالات لابد وأن نمر بها لاستثمارها في جهد دؤوب وسعي لاستكشاف الكنه الدرامي الشجي في سعي بطل الرواية للتنقيب والتعرية وإحداث بلبلة في الحالة الجامدة الراكدة ، وبيان قيم العالم الناهض كبديل عن العالم المتأزم.
يفصح لنا النص القائم على جدلية الاختلاف كحالة طبيعية مالم يتخللها جو من التنازع والخلاف الذي ينحو منها الندية ومن ثم الصراع ، وكذلك يبحث عن علاقة الإنسان بالرموز ودلالتها وما توحيه من خفايا تظهر الجمال الكامن وراء تناسقها ومن ثم تثبت لنا جوهر النظام الهندسي القائم وأبعاده الحية والتي يتجمهر حولها المعرفيون لصياغة التآلف الشامل بين المجتمعات في سياق تلاقحها وتعارفها بعيداً عن أغراض الذين يحاولون احتكار المعرفة والجمال عبر ضخهم لسموم التعصب ، وتلك دلالة واضحة على مكانة الحضارة في محاكاتها لكافة الأذواق والشرائح والمستويات ، وكذلك توضح لنا حقيقة أن البناء يتأسس على قاعدة المعرفة والمنفعة المتبادلة بعيداً عن مظاهر الاحتقان والتشويه ، ويركز على نقطة مهمة وهي المكان استناداً لعراقته وأصالته ، ولاسيما أن الفئات التي تعايشت مع المكان بزخرفته وهندسته هي وليدة نهضة لا تنحصر في العمران وتقاليده ، وإنما تقادمت الحضارة لتواكب الجهد المادي والمعنوي لدى الإنسان المتطلع قدماً للنهضة الحية التي بدورها تحارب الخرافة والفساد الذين اعتمدت عليهما السلطات الظلامية عبر العصور، فرواية قبل الميلاد اعتمدت ما يلي:
• النقد الاجتماعي المعرفي لجل القضايا المجتمعية التي لا تسلم بواقع الاستسلام وجعلها من المسلمات ، بل تعكس محاولة إنهاض وانعاش لدرء التفكك الاجتماعي وما ينجم عنه من تحلل واستكانة وبلادة ذهن
• محاولة الكاتب إحداث مقابلات ما بين شخوص الرواية التي تلتف حول العقدة ، بطل الرواية والهدف منها أن يضع كل الحوار الذي رافق الرواية لخدمة الأهداف والرسائل اللاذعة التي ينشد الكاتب في تحققها إيماناً منه بمبدأ المجتمع الطبيعي المنتصر على التشوه والموت البطيء
• تجسيده للأماكن بصورة وصفية فنية لا تنقصها الجودة الجمالية وكذلك التفرد في نزعة التأمل التي رافقت النص وجعلته ضمن لوحة متعددة المعاني والأوجه
• قدرته على ربط الحوار الذاتي بالحوار العام لتقديم الذاتي والموضوعي ضمن معادلة التكامل الفني كجسر لعبور الأفكار التحررية التي يبينها الكاتب للإرتقاء المجتمعي الوطني ، وكذلك التجسيد الدميم الشفاف لشخوص أعطوا المشهد المعتم وصفه الحقيقي والمفصلي ، بعيداً عن الاستطراد والشعرية الباذخة ، بما يتوسط الحكائية واللغة الفنية السلسلة 
إذاً نحن بمعرض الكتابة التي تعتنق مذهب البحث والتنقيب لمزيد من الجدل وتحقيق الإثارة على مستوى التساؤلات وبناء هذه الرواية التي تحتاج لإدراك واثق وروح متطلعة لاستخراج الدلالات التي تخص قضية الإنسان والوطن ، عبء الحب واحتمال مشاقه، حيث تفيدنا الرواية بمدى رغبة المعرفي للتطلع نحو الخير في عالم يعيث فيه المفسدون ، الذين أعملوا أدواتهم في محاربة التطلعات الحية ، ففي غمار هذا الصراع نجد الإثارة والمزيد من التصميم، ففي حديث خالد مع نفسه الكثير من الصرخات المدوية التي نثرت إيقاعها بجلاء في نفسه إ زاء رؤيته بذخ وثراء الشيوعي مرتضى البارودي لنرى هنا ص176:
تولستوي في الأصل ثري ابن ثري.. ولم يكن شيوعياً، كان إنساناً.. أما أنتم يا حديثي النعمة فلا توبة لكم، ومن أين تأتيكم التوبة، إن كنتم قد برهنتم بالأدلة القاطعة، أن ثورتكم كلها لأجل هذه الثروة..؟! أمجد الصالح لم يفعل غير أن طلب إيضاحاً.. لكن سؤاله تلاشى في صمت أعضاء اللجنة المركزية..! هم في الحقيقة، أعني أعضاء اللجنة المركزية، لم يكونوا صامتين.. كانوا في يقظة تامة ..في اللحظات التاريخية يكونون في غاية اليقظة والانتباه.. كل واحد فيهم يتابع مسار رأيه ومؤداه..أبداً لا يدعه على سجيته وهواه..! فكل كلمة محسوبة وفق قانون الربح والخسارة..!
هنا يتم مناقشة أفكار تتلخص حول حقيقة توافق المزعم مع الفعل ولتلك أيضاً قصة أكثر إحباطاً فهكذا يتم إبخاس القيم وإفراغها من محتواها ويصبح كدح المعرفيين في هباء لاصطدام حس المسؤولية مقابل الفئة التي تتعرى منها وتتستر على مفاسد بعضها البعض ، وهكذا استطاع الكاتب معالجة هذه القضية من موقف يهين الشعور وينم عن تعاسة وألم في صعوبة تقبل الحال المأساوية التي آلت إليها البلاد، والخلل الذي اعترى الإنسان إثر هيمنة المنظومة الاستهلاكية على حياة المجتمعات وعكس ذلك على سائر تنظيماته التي حملت على عاتقها راية الأخذ بيد المجتمعات نحو الخلاص والحرية، حيث أن رؤية الراوية تنحو منحى الصراع وتعرية الخلل، يصبح شخص ثوري المزعم بين ليلة وضحاها من كبار الأثرياء ، وتلك حالة مألوفة لفئة تتسلق أحلام جماهيرها لتملأ جيوبها من قوت النصراء والمتعاطفين وهكذا تغدو المعايير الأخلاقية سهلة التلاعب، تلوكها ألسنة الخطباء الذين يتلاعبون عبر سحر البيان والدعاية النفسية بعقول تتفيأ الحلم ، وتدرك أن الصراع لأجل الأفضل مرهون بتمثل الخير والعمل به تنظيمياً ، أما أن تغدو الآلية التنظيمية هشة ، وتصبح مطية للجماعات المستغلة ، عندها يعم الإحباط الكبير ليغدو الجمهور فاقداً للثقة ، بائساً غاضباً كحالة خالد في رواية قبل الميلاد، فالانتصار للإنسان هو الهدف الحقيقي الذي تنتصر له معظم العقائد ، لكنها أسيرة الخيال مالم يتم تداولها منهجاً وسلوكاً ولم يتم الإيمان بها كخلاص ، أما الفساد المستشرى فمرده إلى ضعف في النفس وخلل في الفكر ، واغتراب عن المعايير الأخلاقية المزمع الانتصار لها في كل معركة، لكن الواقع يكشف عن قانون الربح والخسارة الذي يكشف العديد من مواقف اليأس والخذلان والمراوحة في المكان، حيث لا نجد هنا إلا توصيفاً لاذعاً للمعضلة الحية ، فاللهث وراء الزخرف والمادة أغنى عن الكفاح ، والحالة تعتمد إغراقاً في رصد المعضلة لا توصيفاً للفرد على نحو ملحمي ، وإن كان لابد من السعي دوما للبحث عن أشخاص بيدهم خيار الخلاص ، بيد أن الكاتب محمود الوهب أشار لضخامة المعضلة ، الأفراد الذين يبحثون عن الحقيقة المعرفية وينشدونها كغاية للنضال لأجلها عاجزون أمام ضخامة الخلل ووحشة المسير في ظلام التبعية التي نخرت الداخل حتى العظم ، الرؤية الفردية للخلاص هنا تنشده بلذاعة وانفعال ثوري لكن الكاتب يعلن بالمقابل أن ثمة جسم متين وسميك من الفساد والترهل لا يتلاشى ولا تكفي حسن النوايا التي عند -خالد، وهمام وهيام- لاستجداء الخلاص من بطش -الغضنفر والرمرام -ومن على شاكلتهم ممن أطبقوا على مفاصل الحياة السياسية وجعلوا الجمال الماثل في المكان وفي بعض الشخصيات أسيراً كئيباً..
يتناول الكاتب محمود الوهب هنا الواقعية الناقدة التي يبثها في شخوصه فكل من همام وخالد ناقدان للحال السيئة ومصوبان لها على قدر مهم من سعة الأفق والبصيرة ، لهذا نرى اللذاعة في المواجهة والإصرار عليها كخيار لابد منه ، كذلك لا يميل الكاتب للتحزبية إطلاقاً فقد بين لنا من خلال ما قاله همام هنا وهذا الموقف ينتصر للنزعة الإنسانية التي ارتأى لها الكاتب في مجمل روايته وكذلك يتوافق مع لذاعة ما قاله خالد في نفسه إزاء غنى وثراء مرتضى البارودي نرى هنا: ص8
"أنا يا صديقي خالد كبرت على هذه المسائل! ثم إننا، آل الصخرة، لا نميل كثيراً إلى الحزبية والتحزب، محبة الوطن عندنا دين نؤمن به ، والدين في شرعه ، وعرف الناس، ألا يقترب من السياسة، فإن اقترب تلوث! مصالح الأحزاب، يا خالد، أراها تعلو على مصالح الأوطان،وفي ظرفنا الراهن، غالباً، ما تعلو مصالح القيادات الحزبية، على برامج أحزابها..على أهدافها وغاياتها!
إن ميلان كفة الأحاسيس والأفكار باتجاه الانتصار للإنسان ليكون الغاية في كل كفاح ينشد الحرية كمطلب هو ما أراد الكاتب تبيناه فهو يستخدم الوصف المكاني وتجسيد علاقة الإنسان بالأشياء وكذلك ارتباطه بالموجودات والرموز لما لها علاقة بالحضارة هو ما كان محط اهتمامه بالفعل، لهذا باتت الرواية الفعل الأكثر صرامة والذي يهدف لتعرية الشوائب وفسخ ارتباطها مع الإنسان، والبحث عن لغة أكثر انصافاً وإبهاجاً وأقدر على شحذ الهمم وإجلاء الغمامة عن البصائر التي رقدت في أروقة الشعارات والآمال الوهمية الزائفة ، التي ثبتت الشعور بالخطر لدى المجتمع وجعلته طريد آماله وأحلامه المتاجر بها في كل محفل، لهذا كانت الرواية في سياقها الفني سلسلة مترفعة عن الغوامض وعن تلك الأساليب الدخيلة عليها، حس الدعابة وكذلك السخرية اللاذعة ، البعد عن التقريرية الفجة ، أو الوقوع في أسر اللغة الشعرية ، أو الحكائية النمطية ، كل تلك الاحتمالات كانت أبعد عن ذلك ولكن التعمق الفكري أو المنظور المعرفي سائد في روح الرواية ، كذلك الأنساق التي تتحد مع الوصف ، تلك التي تذهب منحى السبر والتأويل الذي يتتبع الحوار ، وكذلك غرابة الشخوص ، العنصر الجاذب للحوار ، وكذلك مشاهد وصف الأماكن ، وما إلى ذلك من سياقات وصفية متعددة الأوجه سواء إن ارتبطت بالشخوص ككل أم بالمكان ،ولم تكن الرواية منطوية على وجع سياسي عام ، إنما اعتمدت التنقيب النقدي ، وإذكاء شرارة الوعي حول مسائل تخص الحياة الاجتماعية من طور صفاءها إلى طور تداعيها ، وكذلك تجسيد حالة المد والجزر العفوية في مسير شخوص الرواية لمعترك الاصطدام والتجاذب للبحث عن الرؤية المثلى لحياة أكثر معنى وأمن، لهذا لم تتلاشى الخيارات التي تؤرخ لمطلب الأفضل والنجاح في إحقاق الجمال ، منعاً من تفسخه ، لتغدو الحقيقة التي تشعرنا بالأمل في عالم متناقض ومعقد يوشك على الانفجار إثر التصدع القائم والخراب المتعاظم
تطفح الرواية بالبعدين الفكري والجمالي لهذا أمكن أن يكون النص مشتقاً من لذة كامنة فيه تدعونا للنقد وأيضاً للتحليل ، نعمد لتحقيق الأثر في زيادة الخوض في الملامح العامة لنتناول أكثر المسائل التي تدور في فلك تناولنا لخطاب الشخوص ، حكائية المشهد والإسهاب في تحقيق المطلب من الكتابة الجوهرية الهادفة، كذلك تناول النص الإبداعي من سياق نقدي يطرح خيار التوافقية التي تعمد لتجسيد مطلب الجمال والحقيقة المعرفية اللذين ينتصران للحب وجودة الفكر الحر..
لاسيما أن وعينا بالبيئة هو تجسيد رمزي في علاقتنا بأشخاصه ، ولاشك أن تجسيد قيم الحياة الاجتماعية والسعي لتحررها هو مطلب جمالي متأصل في الدفاع عن قيم الحضارة ضد قوى التشويه ، في ظل طغيان هذه المعادلة في حياة المجتمع المقهور ، نجد الرواية تبرز لنا مستوى من الصراع حول أهمية بيان المنهجية النقدية التي تنتصر لخير المجموع العام في خضم رواية ناقدة تقترب من السجال العفوي وصولاً للانتصاربالإنسان كخلاصة حية وجلية..
فالطابع الاجتماعي التاريخي في رواية الكاتب محمود الوهب يجعلنا نتحدث عن وعي جمالي حاضر وحقيقة معرفية تمكننا عبرها من معرفة المدركات الجلية النابعة عن فلسفة المكان وبيان جذورها من علاقة المجتمع بالظواهر التي جعلته ينحو منحى الصراع بين المتناقضات والثورة على القوالب الإيديولوجية التي أربكت وقللت من فرص المناعة بل وحالت دون تقديم حلول ناجعة تستطيع أن تجسد مظهر الحرية في وعيها الجمالي الخالص الذي ينتجه المجتمع ، لكن وفي ظل العجز الواضح الذي جسده الفساد والخذلان المهيمن على الأوساط التي استخدمت شعاراتها للمتاجرة بالوعي والانقياد للتشويه ، الأمر الذي أدى لظهور الخطاب النقدي الذي اعتلاه بطل الشخصية من ثم خالد صديق همام وهذا بيان لعمق المواجهة إزاء منظومة العسف والجور التي تحارب الجمال ، تهدم الحدائق العريقة ، تبني المحال التجارية عوضاً عنها، إذ لا يوجد تغييب لمطلب المواجهة وأيضاً إبراز الكاتب لعراقة قلعة حلب وروح المكان وأصالته رموزه ، ذلك سند معنوي يمنع القوى المتغطرسة في استكمال خرابها وكل ذلك تجسيد للصراع الواضح ما بين قوى التنوير وقوى الفساد والجهالة ، ولاسيما أن من يدير دفة الصراع هو ليس الإنسان العامل المتعب عضلياً وفكرياً ، إنما استبدله الكاتب محمود الوهب بالإنسان المعرفي القادر على التمييز والثابت في وجه الخراب ، المتطلع لصون الحضارة التي بشر بها الإنسان العاقل منذ الأزل..
وفي حديثنا عن النزعة التأملية التي اعترت متن الرواية بصورة بالغة حيث استرسال الكاتب على نحو شاعري متفتحص ومنقب في الشخوص ، أعطى التأمل لذة جمالية متجسدة في كل ما يتخلل علاقة الحوار بالمشهد وأيضاً لتلك النزعة دلالاتها والتي لا تخرج عن مناخ الرواية ورسالتها المأمول عرضها ، إنما أعطى للمتلقي مناخاً مفعماً بالاسترخاء الذهني لمشهدية وتتابعية الأحداث وكذلك تقاسيم ملامحها من قلق إلى غضب إلى شجون وأحلام تعتصر النفس..
همام الآن يقف قبالة خالد المتعب من كل شيء كفصل أخير يخيم على تفاصيل حياته بسوداوية واضحة ، يحاول تهدئته، لكن شجونه وخيباته أقوى ، جراء الفساد الذي استشرى أيضاً داخل حزبه الذي آمن به لسنوات عديدة من النضال ، لنتأمل هنا ص183:
ما الذي يمكنك فعله الآن يا همام..؟! الجدار الذي كنت تظنه فولاذاً،ينصهر أمامك.. يذوب مثل لوح من الصابون..تتطاير أحجاره فقاعات من هباء، لكن خالداً ليس فقاعة، خالد رجل، وما عرفته غير ذلك أبداً.. وهذا ما يقلقني! فما الذي يعنيه انهيار الرجال، غير أن الأمور أخطر مما يمكن أن يتصوره المرء وأسوأ..؟! فهل تراها تنفع زيارة السيد الجليل؟ وهل تساهم في انتشال مُثل خالد وقيمه؟
هنا يتجسد مفهوم الصراع الدرامي ما بين الفرد وطيات داخله لتبدأ الشكوى في طريقها للتخمر كمذهب وقائي جراء فساد مطبق، وإجحاف كبير لنضالات الفرد ، وكذلك تباين الرؤى والنظرات ما بين مرتابة وغير مشككة ، فالسلطة تقف على نقيض مع النضال وجدة المسعى ، التحزب الذي قاد لانقسام ذاتي ما بين المرء وقناعاته، لهذا يعمد الكاتب لبث الإثارة من القضية التي تقف أمام بطل روايته همام ، فهو يجد في البحث عن أعقد الحالات ورد أسبابها لتواطئ المفسدين مع السلطة القامعة التي تقف على خلاف نقيض من عدالة القضية وجملة القناعات التي تتخلص في النضال ضد التشوهات وعللها ، لهذا نجد الكاتب وقد أعطى وصفاً درامياً لشخصية خالد الخائبة وكذلك جملة التعابير اللاذعة التي قادتنا لجملة استناجات مهمة وهي التالية :
- الحزب كوسيلة نضال باتت وسيلة اتجار وارتزاق وكذلك باتت الشماعة التي تعلق عليها الأخطاء والمفاسد من خلال يافطة شعارات براقة ومزيفة
- إيمان خالد رغم الخيبات بمذهب المحاولة لتحقيق شيء جديد قد يساهم في الحد من الكوارث الأخلاقية التي جعلت النضالات الفردية بائسة 
- الرغبة في التأمل والانكفاء عن عصبة الفساد التي قوضت أركان الحل وجعلت الحياة على شفير هاوية
- إصرار همام للعثور على حل من خلال رمزية السيف الذي يتأبطه ومن خلال ملامح صديقه خالد المفصحة عن ألم وكذلك عن معنى قائم للمواجهة
إن سعي البطولات الفردية عموماً ضمن سياق مواجهة العنف والديكتاتورية عبرت عنه معظم الروايات والكتابات الواقعية ، التي عمدت إلى إذكاء جو الصراع ، وكذلك طرح حلول عن معضلات مجتمعية تلخص الحياة السائدة والتي يحدث فيها الاصطدام بين أصحاب المنافع وأصحاب الإرادات الواثقة المتطلعة قدماً للنهوض، لذا نعمد في تجسيد المعنى من هذا النص في مدلوله وقربه من رحلة الإنسان نحو الأفضل متخذاً مبدأ المواجهة والمساءلة كخيار أصح ينشد الأفراد من خلاله لمذهب النظام البعيد عن الخلل الناجم عن الأخطاء التي عمدت السلطات القامعة لارتكابها محدثة فجوة اجتماعية كبيرة بين المجتمعات نفسها على اختلاف شرائحها ومسبباً أيضاً بوناً ساشعاُ بين المجتمعات وتنظيماتها التي راحت تحذو حذو السلطات التي تناهضها في إقامة جهاز داخل تنظيماتها يقوم على تشتيت الطاقات وبعثرتها وكذلك تهميش الفرد المبدع أو المتطلع لحياة أكثر وعياً ومسؤولية..
ففي ظل تعطش السلطة القامعة للحد من تدفق الحب والأصالة وكذلك الوقوف بحدة بوجه انجازات المعرفيين للحياة المثلى كل ذلك يثبت لنا جهل أدواتها وانعدام قدرتها على ضبط حالات تجاوزاتها الواقعية وإحكامها على مفاصل الحياة حيث الحب والقيم في حالة من احتضار دائمة ، وكذلك تصبح المجتمعات وتنظيماتها في حالة من انعدام ثقة وكذلك يتم غلق السبل وراء تحقيق مطلب الانعاش والتنمية ، هذا ما تتناوله الرواية في ربطها النقد الاجتماعي مع إلزام الأفراد على تتبع السعي وراء النهضة المنشودة دون تقاعس أو خمول، أمام بطش السلطة وواقع تنظيماتها التي أفرزت واقعاً سلبياً محكماً وكذلك خنقاً للحياة الاقتصادية التي جسدتها دور العشوائيات في بعض الأحياء والتي يقيم فيها خالد مع زوجته، هنا نقل لواقع العجز والنكوص،يجسد الكاتب أحياناً حالة من الواقعية التشاؤمية ، يجسد لنا الطرق المسدودة بوجه بطل الرواية ، وكذلك تفاؤلاً أخيراً يكمن في إصرار همام على سلك كل الطرق بغية إكمال المهمة وجمع المعلومات هنا وهناك ، دونما كلل أو إحباط، مدركاً خطورة المهمة ومشاقها
فقد آمن الكاتب بالتاريخ ، لهذا استقدم قوة التاريخ من خلال الزي الشعبي والسيف الخشبي الذي يعتبر تجسيماً تاريخياً في شخصية بطل الرواية ، لهذا نجده يقدم لنا المعنى من بطولة الأفراد التي تساهم في التغيير وتهب تأثيرها الناجع على السلوك العام ، إيماناً بأن أي ثورة تنحو منحى التغيير ، يجب ألا تخرج عن كونها من مادة التاريخ واستشرافها المستقبلي ، وليس معناها التعامل مع الواقع كماضي بقدر ما هو إعادة خلق اللبنات الحية لإحداث توافق ما بين عطاءات الماضي العريق والحاضر المفعم بجدلية الابتكار والخلق ، لهذا نوغل في المشهد بعمق لاستنباط دلالات مهمة في السياق التعبيري للرواية ، والتي تجعلنا في حالة بحث دائمة عن إيحاءات التغيير وتطلعاته ، وفق أحداث تعترض البطل وتبدأ في التغول لحظة الصدمة ومعرفة واقع المحيط المتألم وكذلك ردات فعله ، وبصورة تسهم في زيادة التأثير وتفعيل الأثر الذي يتركه في رحلة المتلقي المتبصر عبر ملامح هذه الرواية التي تعالج قضية الأفكار وقناعات الأفراد المتغيرة وفق ميزان الظروف والخلل الناجم عن الصراع ، إنها ترصد بعفوية إرهاصات الإيمان في مدى قدرته على الصمود أمام ضغط هائل ..
نحن أمام قص يحمل جودة النص ، يعتمد التمازج السلس في عرض الحدث وبيان الرسالة، بأسلوب يتجلى في اقتصاد اللغة والحرص على جعل المعنى من الكتابة هو المعالجة وتطهير الفن من بؤس الواقع حيث يعتبر ميخـائـيـل بـاخـتـين13 :" أن العمل الأدبي هو حـوار يـنـشـأ أساسا كحوار داخلي،يتكـون كـل بـلاغ تبعاً للمسـتـمـع ،غير أن الخطابات الأكثر حميمية هي بدورها أيضا ومن أولها لآخـرهـا،حوارية: إذ تتخللها تخمينات مستمع موجود بالقوة وحضور كامن فالتخاطب ،يسبق الحوار .."
حيث يجسد الكاتب محمود الوهب لغة الحوار الداخلي الذي اعتمده في شخصية الراوية همام التي بدأ لنا بسرد ما يحدث له، وكذلك تجسيد الحوار بفنية لاذعة ومرموزة برسائل فكرية نقدية أثناء عبوره بالعديد من المواقف والصور المأساوية من غضب واستغراب وصدمة وخيبة ، عاكساً تلك الملامح النفسية التي أنشأت بدورها الفضاء المكاني والزماني للرواية وجعلت ارتباط المتلقي أكثر حساسية وعمقاً
إننا في معرض التأكيد على سعي الكاتب لجعل العمل الأدبي قائماً على الحوار الداخلي الحميمي في إطار تخاطب فصيح يعتمد النقد الاجتماعي وتقديم رموز عديدة من المكان وعمق الفكرة ليؤكد على جملة الراوبط النفسية والاجتماعية المترابطة والتي تؤكد لنا حضور البيئة في الفكر والوجدان الجمعي للأفراد الساعين لمفهوم الانعتاق بمعناه الموضوعي المجرد ، البعيد عن آليات التفكير الاعتقادي والشعارات الزائفة، لهذا يبدو لنا النص والقص هنا توأمان لا ينفكان لمعالجة الإشكالات التي لا تستطيع البحوث العلمية معالجتها ، لهذا يبقى الفن الإنساني المتلخص في صنوف الرواية والشعر القادرين على المعاينة في العمق ، لوداعة اللغة وطواعيتها في حس الفنان فيما إن كان في الآن ذاته مفكراً ومعالجاً للنفسية التي انتهكتها مظاهر القبح واختفاء النبل الإنساني..
ويبدو الجانب الفني هنا مواكباً لمعنى في زيارة همام للسيد الجليل ، حيث نجد الكاتب مسهباً في تصعيد الوصف وإعمال الحبكة القصصية في السرد على نحو يحرك الإثارة والتشويق فيرصد لنا تفاصيل مرور همام بالكثير من الطرق للاستدلال على مكان هذا السيد ليبوح له عن أسباب مجيئه، آملاً في أن تنتهي هموم الناس ومعاناتها، عبر تحقيق السيد الجليل لكافة مطالبه وشكواه من ثم ينسدل الستار على حقيقة الزيارة وغرابتها حيث لا يلتقي همام إلا بصوت يحدثه ، يسأله ويجيبه عما في نفسه دون أن ينبس همام ببنت شفة، بل لعله يغرق بتفاصيل الطبيعة والباب وكذلك بملامح المضيف الذي ليس هو بالذكر ولا هو بالأنثى وهنا دلالة غامضة على انشداه بطل الرواية بالجمال والحلم وخيبته مما يحدث معه لنرى هنا ص197:
" لماذا كلما أضاءت لي الدنيا قنديلاً، تأتي ريح فتطفئه برعونتها؟!"
ما الذي تراني أفعله الآن؟! من المؤكد أنه لم يبق لدي ما أفعله.. فقد أشار السيد الجليل إلى أننا صرنا قريبين من الحل، بل قال: إننا في قلبه، وقال أيضاً:
"لتذهب الآن ، وسترى إلى أن الأمور قد صارت إلى أحسن ما تتطلع إليه نفسك، وتسعى إليه بهمتك وإرادتك، ولكن عليك أن تشرب شيئاً قبل أن تخرج..!"
إذاً ما الذي يبقيني؟ فهأنذا قد أخذت ضيافتي، ارتويت مما ساغ شرابه ولذ طعمه!انتعشت روحي، وصح بدني.. رأيت ما يسر العين ويبهج النفس..استمعت إلى ما تستعذبه الأذن، وتهتز له أغصان الروح..سأحمل من هذا النعيم زاداً أستذكره في أيامي القادمة .. لم يبق لي الآن غير المضي للوقوف على نتائج مهمتي.ولكن كيف لي أن أخرج ؟! من تراه يفتح لي الباب الخشبي المزخرف؟!ثم من يفتح بعد ذلك الباب المعدني الهائل؟ بل أين البابان من أصلهما؟! أنا لا أعرف لهذا المكان مداخل ولا مخارج..!
نجد أن مهمة البطل قد انتقلت من سياقها الواقعي المفترض وهو إيجاد حلول لمعاناة الناس والواقع لتوضع في سياق الحلم والمناجاة الداخلية ، ومعناه أن الحلم يمثل فقط العزاء الوحيد للذين يسعون في الحياة لتبديد عتمتها ، والوقوف على إشكالية مقارعة الفساد الناخر في العقول ، والذي راح يفتك بالقيم الطبيعية التي هنا يجد الكاتب فيها العزاء الكفيل بإيجاد مخرج من الأزمات الفكرية والسياسية المتلاحقة ولا خيار سوى الإشادة بروعة الحلم في مخالجته للأرواح كعزاء حقيقي يشيد الكاتب به ، حيث أن السيد الجليل كان مجرد صوت ، هو الصوت الكامن في خلده وأحلامه فحسب ، إذ لا أثر واقعي له، سوى تلك الدلالة الحية المتشبثة بالفرد المؤمن بها ، فهي البوصلة التي يهتدي إليها الإحساس المرهف والضمير الحي ، لهذا فرهان الحل يكمن في بقاء الفن راسماً الخطا الثابتة في الصراع ضد القبح ومفاهيمه، الخيار الذي اعتمده الكاتب وهو نتيجة واضحة هو الإيمان بالنفس فهي أساس التغيير ، هذا ما حاول الكاتب قوله في سياق الحدث الراهن ، فالتغيير يبدأ من إدراكنا له وفهمنا إياه وإيماننا به ولا شيء آخر عداه بينما الحلم الذي اعترى بطل الرواية همام فهو حافز معنوي على المواصلة بإصرار دون تخاذل أو يأس
حيث أن لجوء الشخصية لتخييل الوقائع على نحو غير مباشر لعرض المغزى من هذا السرد هو حتماً الرسالة التي تم نشدانها وهو الخلاص الذاتي من خلال تأمل الجمال والسحر ونسيان ما يؤرق لحظتها، وعلى سياق غير مباشر، فإبراز الكاتب هنا للسياق الفني في الوصف قد ساعد أكثر على استنباط الأفكار بطرائق أجمل وذو جدة على النحو التالي:
• دلالة اللباس الشعبي وما يرافقه من معرفة بحقيقة من يكون وهو السؤال الفلسفي الأولي" من أنا" حيث يمثل الرغبة في الاكتشاف والخلود للحكمة كون الرغبة بالإتيان بالفعل المحمود يجب أن تكون مقرونة بالملامح الجسدية التي تمثل رمزية مهمة تحض على العمل والتوحد الذاتي
• النضال يتطلب التعريف بالذات أكثر وكذلك الإقبال على الخطر مهما كان ، حيث أن الرخاء لا يناسب الاستعداد ولاسيما حين التقاء المرء برجل على عكس اللقاء بالمرأة فهو يحفز أكثر على الاسترخاء والتأمل الذهني من نوع وجداني مختلف ، همام هنا يذهب لملاقاة شخص مهاب وذو موقع حساس
• يبدأ الكاتب في ذكر المكان وتجسيده تجسيداً فنياً على نحو طبيعي وعفوي للإشارة إلى نقطة البدء بالمهمة والسعي نحو تجسيدها عبر التقاء بطل الرواية في طريقه بأشخاص يساعدونه في المسير للطريق الصحيحة ، هنا يقوم الكاتب بوصف جسدي للشخصيات التي رافقت همام إلى السيد الجليل، وكذلك أيضاً ليبرز لنا أن الوصول للمسؤولين المرموقين يتطلب كل ذلك الجهد والمشقة في إشارة إلى فداحة الهوة ما بين الشعب والقائمين على رعاية شؤونهم.
• الحوارات التي يتم عقدها بين برهة وأخرى تشير أيضاً إلى دماثة ما في نفسية الذين يرافقونه وكذلك سؤالهم عن شخصه ورمزية اسم عاصم الصخرة والتي باتت مصدر احترام وهيبة لهمام، وكذلك دور الألقاب في حياة المجتمعات في جعل الخدمات أكثر يسراً لدى الفئات المتمنعة في الغالب على إسداء النصح والمساعدة لأي شخص كان.
• المنطقة التي حددها الكاتب في سياق الوصف تتضمن مناظر طبيعية وأشخاص ذو أوشام لحشرات لادغة في إشارة عابرة ومهمة لطبيعة الإيغال والمسير لأشخاص على درجة من المكانة بحيث أن كل الخيوط هي بأيدهم وبشكل محكم، حيث يشير الكاتب إلى ضخامة الأشخاص المرافقين والقبح الذي يعتري أوصافهم الجسدية في إشارة للخوف على عكس الرقة والدماثة التي رافقت هيئتهم.
• يعمد الكاتب أيضاً للتركيز على الحالة النفسية للشخصية إزاء تناوب المرافقين في إيصاله للقاء السيد الجليل ، أيضاً سلاسة الانتقال الجميل ما بين مشهد وآخر على نحو يجسد لنا بإثارة المشهد القادم الذي يحفز المتلقي أكثر لمعرفة القادم من الحوار
• العديد من الخطوات الإصلاحية تراءت في ذهن بطل الرواية ليقدمها كعارضة للسيد الجليل ، الأجمل أن الكاتب تناول ما في جعبة البطل وعلى نحو مثالي ، ليبرهن نقاء السريرة وفطرية همام ومدى رغبته في معالجة مشكلات الناس والوقوف عندها
• حقيقة الباب الخشبي الذي يمثل الرغبة في الانفتاح نحو ماهية الحلم الذي ينتاب همام ومنعكسات الحلم على الرغبة في التغيير على نحو شامل ، وصف الكاتب للمكان بطريقة فنية جعلت الحقيقة في العبور للمشهد ذات طابع فني موغل في الانفتاح على العديد من الرسائل الإيحائية حول أغراض الزيارة وكأنها إيلاج لدنيا الحلم في رغبة منصفة لإيجاد متسع شاسع للتأمل وتثبيت النقاط التي يجب تحقيقها لإيجاد نوع من العدالة ذاتية الطابع
• حقيقة الصوت الذي يشير لهمام بالطلب بما يطلب تحقيقه وكذلك معرفة صاحب الصوت بما يريده همام أيضاً يهبنا لغزاً محيراً ، حيث يعده السيد الجليل غير المرئي بأن جميع ما يريده همام سيتحقق إضافة لهذا المشهد الغزير بالوصف ، جعل الحقيقة المثلى في المشهد هو تكامل الحلم في ذات الساعي لتحقيق التغيير ، فمثلما استرعت روح النشوة همام وهو مع هيام ، كذلك يعيش همام ذات النشوة على نحو مختلف في الشكل مع الساقي الذي يهبه كأس الشراب الذي يجعل همام ينتقل من حالة إلى أخرى ، هذه المرة هي السكينة والطمأنينة التي تجعله في خدر وتطلب منه أن يغرق في الحلم ، كونه الباقي للإنسان وسط عالم مبني على التناقض والصراع الدائم الذي لا يتوقف 
• التخييل الذي يحتوي على الأفكار والخطابات التي اعتمد الكاتب محمود الوهب على إشعالها عبر الوصف والرغبة في تحقيق الحلم ، في تشابك غريب ما بين الوصف والرغبات الإنسانية وصعوبة تحقيق المبتغى ، كذلك الحدة في الإصرار على زيارة السيد الجليل بغية تحقيق المطالب الطبيعية لمجتمعات مرهقة ، بيد أن كل ذلك يتبخر لحظة انشغال إنسانية بمتع السحر الذي تمنحه الطبيعة للمرء الثائر..
لنتأمل الحوار الذي دار بين هُمام والسيد الجليل هنا ص193:
- ثم ماذا بعد يا همام؟! قل.. مالذي وراءك غير ما ذكرت؟!هيا أفدني..!
- بماذا أفيدك يا سيدي، كل الأمور واضحة لك .. سبحانك أنت ، بكل شيء عليم..!؟
- طبعاً.. طبعاً، كل ما يحدث يصلني في وقته ودقته..! حاولت أن أفصح عما في داخلي، وما إن قلت: ولكن يا سيدي.. حتى قاطعني يقول:
- ثم ماذا بعد..؟! رغبتك أن تأتي لزيارتي، وقد لبيتها لك بكل سرور،فلتذهب الآن، وسترى إلى أن الأمور قد صارت إلى أحسن ما تتطلع إليه نفسك، وتسعى إليه بهمتك وإرادتك، فأنت ، ياهمام، تستحق كل خير، ولكن عليك أن تشرب شيئاً قبل أن تخرج..!
لا شيء في جعبة السيد سوى الوعود والأماني ولا شيء آخر ، فرحلة البحث عن الحلول تتكلل بخيبة أخرى أشبه بالخيبة التي مني بها همام وهو في الفندق ، حيث صعق باختفاء هيام والنشوة التي رافقته ، حيث يعود همام لذات الخيبة والإحباط الذي يساوره من ابتعاده عن الهدف الذي جاء لأجله 
حيث يشير الكاتب من خلال هذه المشاهد التي تتخللها مواقف فنية تم حياكتها بصورة جميلة ومفعمة بالتأمل أن الأمر كله بيد ذلك السيد والحلول كلها بيده وكذلك الأزمات من صنعه أيضاً في الإشارة إلى هيمنة القوى الكبرى على حياة المجتمعات وجعلها غارقة في أزماتها حتى النخاع دون أن تلبي لو شيئاً من احتياجاتها الماسة ، الأمر الذي يجعل أشخاصاً آخرين طامحين كهمام في الانقياد وراء فطرية طبيعية ورغبة ماثلة على الدوام نحو التغيير، بيد أن الرغبة شيء وطبيعة الواقع والعالم الذي يُسِّير هذه المجتمعات ويتحكم في مفاصلها شيء آخر..
فالجمالية السردية هنا وضعت على عاتقها إمتاع القارئ بجودة التخييل وكذلك في إخراجه من التخييل للفكر المجرد الذي يحرك الكثير من الفضول بغية إيجاد مغزى من هذه الرحلة المتعبة فنجد الجمال الفني إلى جانب عمق المعاناة ورصد الخيبة عبر مشاهد مركبة تحتوي على قدر من السخط على الواقع القاسي وحلول الحلم وهندسة الكون في الأعماق هو نشدان لعالم أكثر جمالاً ووعياً بحقيقة الجمال الكلي البعيد عن التجاوزات والإخفاقات المتكررة التي تعكس على النفس شحوباً بعكس بريق المنظر ونشوة الحلم اللذيذ ، التي تقدمها النصوص الغارقة بسردية فنية هادئة تبعث على الشاعرية وكذلك تحاول القبض بطريقة أكثر اختلافاً على المغزى من تدفق الرؤى المتمخضة عن تجربة البحث عن القوة واستخدامها كنصير للجمال الطبيعي الذي يهدف الكاتب إلى الإشارة إليه في تناوله لسياقات مختلفة ينوء بها عن السرد التقليدي المنحصر في زاوية واحدة ، هنا يعالج الكاتب عبر قوة التكثيف وسلاسة اللغة ليعبر بانشداه فني جمالي نحو أكثر الظواهر الإنسانية إشكالية وتساؤلاً لنتأمل هنا ص 194:
وصلني كأس الشراب، فانتقلت به إلى عالم آخر تماماً.. إذ حمله إلي، أو حملته إلي.. الحقيقة أنني لم أستطع تمييز جنس الذي يحمل الكأس.. أهو ذكر أم أنثى ..هو كائن بشري جميل وكفى.. لم يكن رجلاً مكتمل الذكورة. ولا امرأة كاملة الأنوثة، تتميز بملامحها المعروفة، إنه ليس شاباً، ولا طفلاً هو بين..بين! وصوّر لي خيالي: أن الكائن البشري، كائناً من كان، لابد له من المرور، في بدء تكوينه ، بمرحلة الأنثى.. أليس هناك من يقول: بأن الأنثى أصل العالم..؟! وأن مراحل نمو الإنسان، هي مراحل ارتقاءه العضوي، وتكونه النفسي؟!
نحن أمام تساؤلات في صميم القضية العامة التي يتناولها الكاتب في هذا الصدد ، حول مهمة مفترضة وفضاء تخييلي من الصور ممزوج بأفكار تتحدث بمعرض عن رغبة في معرفة العلاقات الطبيعة والإشادة بها بمعرفة التخييل واستخدامه كوسيلة للتساؤل بعمق حول الإنسان ومشكلة الحرية التي يطمح إليها والتساؤل الذي عبر عنه الكاتب عبر قوة التخييل والوصف هو وحدة الإنسان النفسية والملامح التي تتوسط الجنسين الذكري والأنثوي في إشارة للماهية الأنثوية التي أبدعت الرجل وأسبغت عليه ملامح الأنثى ، فهنا يناقش مسائل نفسية فلسفية تتمثل في البحث عن الطبيعة التي هي محور انتصار الكاتب لها والمقصد هو التشبث الوحيد بالأرض ، الأصالة ، وسحر الطبيعة كحقيقة تقف وراء الإبداعات الإنسانية وكذلك الحلول المتمخضة عنها ، والتي أشار إليها السيد الجليل في تخاطبه مع همام فقوة الإرادة والإيمان الفردية هما الرهانان اللذان ينقذان المجتمع من تعسف وتخبط قوى الجهالة والتسلط..
فالسرد الذاتي محمل بالآليات الفاحصة والأفكار اللاذعة بنكهة الفن والتخييل الذي يحتوي في داخله نمطاً من الخطاب الممنهج، ولا يفيد وجود القارئ الساذج أمام حياكة هذه الرواية المشغوفة بالغرابة السردية ، إذ تعتمد اللغة الفنية المرموزة ، تتوسط الفكر والجماليات لتحمل في متنها أوجهاً متعددة من الألوان المفصحة لشحوب عميق وخيبة جسيمة وكذلك أصالة وفطرية تنم عن إصرار للمضي باتجاه الحلول، فنحن لسنا أمام كائنات ناطقة على نحو بشري أو طبيعي مؤنسن، بل نحن أمام سياقات روائية متعددة الجوانب موظفة لخدمة الفكر والجمال السردي بشكل متكامل..
فالفضاء التخييلي في رواية قبل الميلاد يهبنا لوحة فنية إلى جانب ملامسة شفافة وصادقة لجوانب فكرية روحية أغنت الحوار ، والسرد معاً ، وكذلك جعلتنا في خضم عالم إبداعي يعتمد على الصورة وتجسيدها فكراً ، كذلك الرمز ودلالاته مبنية على الإفصاح تارة والإبهام تارة أخرى ، على نحو يذهب فيها للعمق في إبراز المعاني المتعددة من خلال تشخيص ذاتي قائم على الانتقال الفني من فكرة لأخرى ، من مشهد لآخر على نحو منتظم ومتقابل ، يسهم في تجسيد الفضاء الملائم لأن يعرج خيال المتلقي بصورة انسيابية على اللغة التي تعمد بدورها لمزيد من إذكاء الفتنة والمشهدية الصارخة التي تنم عن وحدة الترابط الروائي المتمم للتحاور الذي يتخلل جملة المشاهد الدرامية المتعلقة بالحوار بصورة خاصة، همام سارد الرواية الاجتماعية ، يركز على طبائع الناس والسلوكيات المواربة التي تفصح عن نفسها في سياقات الحوار ، يمثل الأداة الفاحصة لاستخراج الحقائق عن علاقة الحاكم بالمحكوم ، تلك العلاقة المبنية على الرهبة والشعور بمازوشية تامة أمام الطرف المسؤول والذي يتمتع بملامح ثيوقراطية ، تجعله في مصاف الآلهة 
لهذا يعالج الكاتب قضية تتمحور حول إشكالية تعاطي الفئات المثقفة مع رواد السلطة ورجالاتها ، الأمر الذي رسخ المركزية والتعالي ما بين السلطة والمجتمع ، وأعطى شرعية لبروز ظاهرة الاستقواء والاستبداد الشرق أوسطي، هكذا تلعب الواقعية الاجتماعية في هذه الرواية دورها في إبراز الحقائق التي تعالجها، عبر اتخاذها لآليات محددة تتمثل في التواري وراء الرموز الجسدية والنفسية والحوارات التي تنم على قدر من المعاني التي تتجلى في تفشي الخوف والوسواس القهري إزاء الفئة التي تتحكم بالحياة الفطرية لمجتمعات تتوارث قيم الحق والخير والجمال على نحو طبيعي..
فالسارد للحكاية هنا هو القائم على المهمة ، والسائر نحو ربط الأحداث التي ترافقه ببعضها لتكوين روابط متصلة فيما بينها والتي تنم عن محاولاته لإبداء تغيير ما، حيث يرصد بدهاء، سحنات البشر وقناعاتهم وأفكارهم والرسائل التي تتخللها طبائعهم ، من نفور ولطف وكذلك وجل وخيبة ، وإشارة إلى قضايا نفسية تحليلية تحدثنا عن الفساد الأخلاقي الذي أضحى الوحش المحاصر لحياة الإنسان المثالي الباحث عن القيمة في معنى السعي أو الكدح ، فالسارد هنا لم يتوارَ ، بل له وظيفة تقوم لإخراج كافة المتواريات إلى بصر وبصيرة المتلقي ، لتحقيق رسالة المعرفة ضمن الفضاء الروائي.
ونشير إلى الترابط الزماني والمكاني للرواية التي جعلت المكان ودلالاته مهمة في التعبير عن أجواء الأفكار والصراعات المتشنجة أحياناً والمتلاطمة بالخيبات والأوجاع التي يمر بها بطل الرواية بكل عمق وشفافية فالزمن هو زمن ما قبل بروز الانتفاضة أو الهبة الشعبية التي بدأت تعصف بالبلاد، والتي يحدثنا الكاتب عنا ليذكرنا بمطلع أبيات من قصيدة الشاعر –أبو البقاء الرندي14 – في رثاء الممالك الأندلسية:
لكل شيئ إذا ما تمَّ نقصان.... فلا يّغرَّ بطيب العيش إنسانُ
هي الأمور كما شاهدتها دولٌ...من سرَّه زمن.. ساءته أزمانُ
وهذي الدار لا تبقي على أحدٍ.. ولا يدوم على حالٍ لها شانُ
فرواية ماقبل الميلاد ، هو تجسيد لحال متراكمة من المفساد والمظالم صيرَّت فيما بعد لحظة بزوغ الانتفاضة-الميلاد- حيث إشارة مهمة أراد الكاتب محمود الوهب الدخول في مغازيها وجعل المتلقي يدمن سبرها ورؤيتها من منظار تنقيبي، فما اعتماد الكاتب على الرموز وإذكاء روح المجتمع الفطري إلا دليل جاحة للنهوض به إلى مصاف الانتعاش والرفاهية..
جاءت الأحداث والملامح النفسية والجسدية للرواية لتعبر عن أحداث ناتجة عنها والذي عزز بدأ ميلاد النهضة التي جرفتها الأحداث الجسام فيما بعد لمستنقع حرب غير معلومة النتائج، ولكن الأهم هو تلك المحاولة للعبور من نفق يعج بالظلام إلى عالم مفعم بصحوة جماهيرية قادرة على صد الصخور وتكسيرها حيث تقودنا رمزية عاصم الصخرة ، إلى إرادة الفرد المتمخضة عن إرادة المجتمع بكليته والتي هي رهان التغيير في كل زمان ومكان، تلك الإرادة الكامنة في الإيمان والتي يمكن توجيهها لمواجهة كل عطب أو كبوة، لذا يعمد الكاتب إلى إجراء اقتران ما بين خصائص القيم الجمعية التي تحض على تكوين اتجاه عام جماهيري مناهض لكل خطر وما بين رغبة الأفراد الوليدة عنها أساساً والتي تؤمن بالتغيير كونه ينسجم مع مذهب الكون وسماته الكلية ولا يؤمن بأي ثبات ناجم عن تخلف أو تقهقر، أو جمود ينم عن عزلة وابتعاد عن محاكاة قيم الطبيعة في عبورها إلى الأمان والخلاص عبر تحديها لعصبة الفساد والخواء
فلابد من الإشارة أبداً أن الأدب برمته هو خطاب وسجال مع الزمن لأجل مطلب التغيير الإنساني في مسار الرؤى والأفكار وكذلك عدم التسليم بما هو تقليدي أو راسخ كتقاليد ، حيث أن الرواية هي حالة تتخذ من التأمل والتعمق والتجسيد الأساس لوجوديتها
• التأمل: اعتماد كلي على اللغة بمقدار قوتها ودهشتها بقدر ما ستسهم في جعل عقل الفرد المتلقي في حالة اصطفاء كلية واسترخاء طبيعية لمعرفة العوالم التي يعاد صهرها في بوتقة الذات الفاحصة
• التعمق: وهو الكامن في جودة الأسلوب، وكيفية إحداث الترابط الكيفي ما بين الشخوص والوصف، وإحراز جودة المقارنة ما بين المشاهد وانسجامها بإحكام الأمر الذي يجعلها جديرة بالبقاء كأثر محمود في عوالم العقل والوجدان
• التجسيد: وهو تناول الحدث والشخوص على نحو متكامل مواكب لما يود الكاتب تحقيقه عبر تعامله مع الوسائل والآليات المتعددة والمعتمدة في التخاطب من صورة وجسم وإطار متوحد مع حركة المشاهد وتتابعيتها على نحو لا يخل بالفضاء الروائي ككل..
إذا فالحالة التخييلية في هذه الرواية ممزوجة بالواقعية على نحو ذاتي يسرد الأحداث ويتعامل مع الشخوص على أنهم أيضاً باحثون عن أقدار جديدة تكون بديلاً عن المرارة ، فلحظة خروج همام من عند السيد الجليل ووقوعه من التلفريك إلى الوادي ، وكذلك التماسه للطريق الصحيح صدفة ومجدداً التقاءه بالذين ساعدوه في المضي نحو مقابلة السيد الجليل في إشارة إلى دماثة القلوب التي بدورها تحاول معرفة أسرار تلك الزيارة ، إن كانت سوف تنزل لمطالب الناس المنكوبة وحاجاتهم الماسة للتغيير أم أن الزيارة لن تؤتي أكلها، لهذا يخرج همام من الغابة ليصل إلى ساحة سعد الله الجابري15 بواسطة تاكسي أجرة، وهنا يرى أجواء لتظاهرة شعبية تبدأ بالولوج لقيعان هذا البؤس الأسود ، فهي أي التظاهرة كانت بمثابة الجواب غير المعلن الذي لم يخرج من شفاه همام لحظة سؤال الناس له عن جدوى ونتائج مقابلته مع السيد الجليل، هنا يقدم لنا الكاتب مشهداً مؤلماً ومفصحاً على حجم الخيبة والكآبة التي استقرت داخله وجعلته يحس أن مامن ثغرة أمل يمكن أن يجنيها الفرد في ظل تهميش السلطة القمعية له ، غير أن يتحرك باتجاه خلاصه ، ويحمل لواء التغيير الواعي ، لهذا نجد أن الرواية بدأت تتحول لسجال نفسي درامي ، أخذ نمطاً من التحول إلى انتزاع المبادرة الفردية في خدمة الشرائح المسحوقة التي تتعرض للاعتقال والموت، في إشارة إلى اندلاع الانتفاضة وعدم الانتظار، لقد أشار الكاتب محمود الوهب إلى العديد من الرموز التي تلخص غدر السلطة الحاكمة للفرد المبدع وتهميشه ومحاولة تصفيته ، لأن عزمه لا يروق للوحشية التي يقومون عبرها بإرباك المجتمعات وعزلها عن روح الحياة لهذا نجد تذكيراً لنا بحوادث نقلتها لنا بعض الأساطير والقصص الدينية مثل حادثة إلقاء يوسف16 إلى الجب (البئر) وحمل دم مزيف على قميصه لأجل إيهام والد يوسف بأن ولده قد قُتل ، وذاك تلميح غير مباشر لعظم التخاذل الذي يجعل المجتمعات تعيش في غيبوبتها وابتعادها عن الحاضر المليء بفرص التغيير ، الأمر الذي يشير فيها الكاتب إلى دماثة القلوب وحسن النوايا وأيضاً قلة الوعي والإحساس بفداحة الجرم الذي يبديه المجتمع المقهور من استمراره بالصمت حد المازوشية ، حيث يشير الكاتب أيضاً لرمزية عاصم الصخرة حين نرى همام يقاسي لوحده في الوادي إثر سقوطه ويحاول الدفاع عن نفسه من أي حيوان بري قد يقوم بمهاجمته وهو في تلك الغابة هنا نتأمل ص 199:
شيء ما حدث لي؟ شيء لم يخطر لي على بال أبداً ..! هل دفعني أحدهم؟ هل زلّت قدمي، وأنا أصعد إلى تلك العربة المسماة بالتلفريك؟ لقد فتح الباب لي كما في المرة الأولى ، وخلفه تماماً، رأيت الشابين الوسيمين ينتظراني بلباسهما الأسود، وبفرحهما المعبر عنه ببسمة رائقة صافية، تماماً كما استقبلاني، لدى دخولي، أذكرهما جيداً.. كانا قد مشيا إلى جانبي بأدب زائد واحترام جم.. أوصلاني إلى مدخل العربة.. ثم ودعاني بانحناءة، وابتسام.. فكيف حدثت العثرة؟! وكيف وقعت على الأرض؟!
نعم .! يشير الكاتب هنا إلى حادثة الغدر وذلك التمثيل الناعم الذي حوصر به والذي تعامل إزاءه ببراءة صافية تنم عن قدر كبير من الفطرية الكائنة في أعماقه والتي باتت تتجسد في ملامحه وسلوكه إزاء المشهد الذي عاشه بكل رقة ورهافة ، حيث يسبر ما في الداخل والخارج ،كلاهما يجسده الإنسان وهو في حرب ضروس بغية تحقيق مهمته بشتى الوسائل وبرغم فداحة الخيبات والأمل الذي يتمزق مراراً، حيث يتعامل مع الأشياء بمثالية لا حد لها ، بفنية تنم عن مهارة في تجسيد منتهى المشاعر دون لبس أو غموض، ولعل مشكلة الوجود والآخر تتجسد كثيراً في ملامح هذا الوصف المؤلم ، وكأن الكاتب لسان حال جان بول سارتر17 حين قال: الجحيم هو الآخر ، في إشارة لفداحة القبح الذي ينشد الهدم إزاء العائق الذي يدمن فعله سدنة الدمار والذي حال من نمو الورود والأزهار وبات علامة الوجود الذي كاد أو أوشك على الانهيار..
الحديث عن الإشكالية التي تتضمن ضآلة احتمال إيجاد حل في ظل ضياع البوصلة، التي تقود للحل ، وأيضاً توالي الخيبات المتلاحقة ، حيث باتت الوجه الآني لواقع بلد متخم بالأصالة وما تحمله من سمات، بيد أن النظام الاستبدادي فيها أفسد مافيها من بهاء ورونق ، فبمقدار ما توجد الهمم وتستشعر الخطر المحدق وتتهافت لصنع شيء نبيل يحقق للمجتمع إرادة التغيير بمقدار ما توجد الكثير من التحديات التي تحول دون تفعيل الحياة الديمقراطية ، فالانتقال بين المشاهد بتوالي وطبيعية وتدرج هو ترجيح لخيارات محدودة تتناول الخوف ، التلمق ، الفطرية وكذلك الابتعاد عن النقد والتوجيه هذا ما بين الشعب والمسؤولين القائمين على مفاصل الحياة ، مما يشير لحجم الانهيار الأخلاقي والقيمي الذي قاد النفوس للتصدع والاغتراب وكذلك الفشل الذريع ، لحظة سقوط همام من أعلى التلفريك ، وسؤال بعض الدمثين له عن مقابلته مع السيد الجليل يكشف لنا قدرة الكاتب على الإغراق في إنضاج المشهد بدرامية حادة تميل للتشاؤم الأسود أحياناً ولرغبة في الصراخ ألماً ، حيث أن النص يحمل في ثناياه طاقات وجدانية متوافقة ومتزامنة مع الصفاء التأملي الذي يداعب ثناياها بصفة عامة، فالعامل الفردي السارد يقف معبراً عن المكان والزمان والفكرة بطريقة تعتمد على الرموز التي تكتنف الملامح ، ومن خلالها يمكن للحديث التحليلي أن يطفح بكل معانيه ، فالمستوى الدرامي المحفوف بطاقة عاطفية متوثبة جعلت الحالة الفنية مكتظة في جوانب هذه الرواية في إشارات فكرية خاطفة تعكس قتامة المشهد ، فتعدد أنماط التخاطب المتأرجح ما بين فكري ونفسي ووجداني جعلت الرواية أكثر تساؤلاً وشجن ، ولعل ذلك التنوع أعطى للسرد خصائص تنحو منحى الجدة والحداثة في قدرتها على إضفاء أهمية للحوارات القصيرة ، فهي تضج بالرموز وأيضاً تجعل المتلقي يتناغم مع السرد الذاتي في إطار الفضاء الموضوعي المتعلق بالإدراك وتجلي الأفكار ، انسيابيتها، حيث أعطى السرد هنا عن أشكال وملامح غير مباشرة من التخييل ، الذي لم يبتعد عن المناخ الاجتماعي ، وبدأ ينشط في مشهد مسير همام للقاء السيد المسؤول وسط أجواء تبعث على السحر والدهشة وطاقات الجمال المنبعثة من وصف المكان وتداعيات الخواطر التي ازدحمت في مخيلة همام وجعلته متحفزاً أكثر لذلك اللقاء من ثم تحول الوصف إلى السياق الوجداني الذي بدأ يتجلى أكثر بمعرض خيبته من نتائج هذا اللقاء المنقوص وقد بلغ هذا التحول ذروته حين سقوط همام واستدراكه لوحدته القاتمة التي تتالت بعد أحلام تحفِّز على الاسترخاء في مشهد الشراب الذي قدمه الساقي ذو الوجه الجميل الذي يتوسط الجنسين ، إذ لا هو ذكر ولا أنثى، هو كائن جميل فحسب..
فالمعنى الذي يترجمه السرد، يتضمن السياق الفني، وقد حمل في جعبته مشاهد الخيبة ما بين استياء جماهيري وفساد أخلاقي ، استدعى مفهوم الانتفاضة ، وكذلك يهب إشارات خاطفة تقول بأن المؤشرات كلها تتجه نحو منحى أن التغيير لا يحدث عن طريق الاستجداء والاستعطاف ، إنما يعبر عن سخط شعبي وهياج مسؤول يستوطن الإدراك لماهية إتمام المهمة مهما كانت تلك الصعوبات كبيرة، يعطي مدلول السذاجة والطيبة الاجتماعية في سياق الراوية طابعاً درامياً يتلخص في أوجه الخير الذي يستوطن الفئات التي تعيش القهر الاجتماعي والتغييب وتتلقى وعيد السجن ، الاعتقال ، لجم الأصوات ، بمجرد أن تتحول نداءاتها إلى المطالبة بالتغيير، حيث أراد الكاتب كثيراً أن يرمز بالخير الضمني لدى الشرائح المسحوقة، فيرى أن المجتمع برمته يحمل في سماته الرغبة في حياة أكثر أمناً وحب لجانب فئة تتحكم بها ، تحارب فيها قيم الجمال والحق والخير ، فمفهوم الانتفاضة الفردية في هذا السياق تتلخص في مدى إدراك السارد لمخاطر المواجهة وفداحة الواقع ، حيث يتم إخصاء الحلم بالنهوض بمختلف السبل، وتتم مواجهة تطلعات المجتمع الطبيعي الذي نشأ كتجمعات بدائية في الأرياف،وتتم المحاولات الهدامة أيضاً في تقويض معالم الآثار العريقة، حيث أشار الكاتب محمود الوهب ملياً في عدة مواقع من الرواية أنه ثمة مواجهة كبيرة بين أنصار المجتمع الطبيعي وأنصار المجتمع الاستهلاكي، وأن الأفكار العليا التي تتجاوز فهم وذهنية المتحزبين هي التي تنتصر دوماً في ميادين الحياة التي تكتظ فيها الصراعات الحادة لصالح انتصار المعرفة..
الحدث الذي يتخلل الرواية حدث درامي نفسي تأملي ، يقوم بتوظيف الصور والمشاهد التي تتخلل المكان والشخوص للتعبير عن تداعيات بروز الانتفاضة ، وكذلك يعطي بطبيعية التجسيد الاجتماعي القائم على روح التغيير والاندفاع به لمواجهة علل السلطة واستبدادها الفئوي ، فعلاقة الإنسان بالمكان هي علاقة النقد بالتحليل ، علاقة العلة بالمعلول وهو تجسيد لمشكلة الحرية في ظل الوجود ، حيث يشير الكاتب إليها حينما يعرض فن تشخيص مافي الأعماق وإسباغها على الأشياء ، فعلاقة الكاتب بالحدث هو علاقة التأكيد على القيم الجمالية التي تنهض بها اللغة الواقعية التي تختص بقضايا التحرر الاجتماعي بمستواها الأعلى ، يؤرخ معالم الحياة القويمة المستندة على ترسيخ البنية الحضارية لمجتمعات لا تنهض إلا بها، حيث يجسد الكاتب حقيقة مفادها ، وهو أن المرء لا يمكنه التنصل من البيئة وكذلك فهو يسعى لكمالها وجمالها للحيلولها دون تلوثها فالصراع السياسي نحو تحقيق التغيير هو بمثابة مكافحة للتلوث القائم في صيرورة القمع وتكميم الأفواه، وهو بمثابة محاربة لقيم الطبيعة الكامنة في الإنسان الراقي ، نرى أن الكاتب يستخدم صوراً طبيعية ، يجسد المكان على نحو البساطة المرموزة بإيقاع باطن يدعو للخروج من كل ما هو مبتذل ودخيل على الطبيعة ، لهذا يجسد لنا شخصية البطل متشحاً بلباس شعبي، وسيف خشبي ، متقنعاً ببركات جده عاصم الصخرة ، وإيمان من حوله بمتانة الاعتقاد القائم بأن النية الصافية ، تجعل ذوي القلوب المشرعة بالخير مباركين حسب اعتقاد أهل القرية ، وما هذه القرية إلا نواة للمجتمع الطبيعي الذي ظهر في بداية العصور المشاعية ، قبل أن يسود الفساد والتنازع على الملكية ، نلمح أيضاً التجسيد الدقيق لملامح المكان وكذلك الأقاويل الشعبية ، الاعتقادات البسيطة ، ولاء جدة همام لجده ، دفنه في فناء المنزل، رؤيتها له في المنام، إنها إشارات نفسية تجعل فضاء الرواية معبراً للدهشة والتأمل أكثر لحقيقة أن اللاشعور الجمعي هو المترسخ في حياة المجتمعات طيلة عقود وقرون ، وإنها تواجه الخطر انطلاقاً من حدسها ، وقوة إيمانها بالعيش الطبيعي، حيث يوغل الكاتب عميقاً في الحالة الدرامية ، يعكس لنا المشاهد التي لكل مشهد منها تعبير عن خيبة دميمة يستعرضها في هذه الشواهد التالية,ص 206:
"كيف، كيف.. صور نساء عاريات.. بعضها في أوضاع جنسية مباشرة.. وأخرى لغلمان مثليين.. أفلام واسطوانات وسيديات..!"
هنا يتجسد المشهد المكتظ بالناس المليئين بسمات متنوعة مظلمة ومعتمة، تعطينا الملامح الاجتماعية للمجتمع في ظل حكم عصبة الاستبداد، وأيضاً مجتمع القاع الذي تكاثرت طفيلياته وأوبئته النتنة في ملامح الساحة الكبيرة ، التي يشعر كل من يمر بها بأنه مركز وعقدة تحوم حولها جموع الناس في ذهاب وإياب، كونها المحطة التي يخرج إليها كل عابري السبيل وقاصدي السوق، أيضاً يتسول إليها العديد ممن يعيشون على هامش الحياة متشردين، خاويي الأذهان، تلوكهم ألسنة الوقت ، حيث يقدمون للمرء العابر ما يمكن أن يمتهنه الدميم من دمامة لا متناهية، حيث يقدم الكاتب بطرائق سلسة طبيعة حياة قائمة بذاتها نتيجة الفساد المدقع والفقر الناجم عنا والذي حول الناس إلى ضغاف الذهن وخاويي الأرواح ، على نحو بائس 
حيث أن السمة الظاهرة لوصف الملامح وما تحمل من علامات تظهر لنا معالم النقمة والاستياء من معضلة استعصى حلها والجهة التي تروج لذلك ، هي المنظومة المستبدة التي تحرص على نشر التحلل والفساد الأخلاقي داخل شرائح المجتمع الشاب للحيلولة أن تفكر الفئة الشابة بأي حل قد يخدم خلاص المجتمع من منظومة حاكمة تحاول أن تحيله إلى انتهاء، فمدينة حلب تعتبر العينة الثابتة التي ينقب الكاتب من خلالها حول حجم وفداحة الخطر الانحلالي داخل الأوساط التي يقع على عاتقها البناء والتغيير الحقيقي لنتأمل هنا الصورة الثانية ص211:
صاحب بسطة الدخان المهرّب الذي رأيته صباح أمس عند سينما فؤاد.. يقفز وسط الجموع في قلب الساحة.. ينط مثل قرد..
حيث يربط الكاتب بين المكان والشخصية في إشارة إلى دلالة المكان بالنسبة لتحقق الفكرة من تجسيدها للتفاصيل الدقيقة التي تؤلف الفنية الدرامية ، حيث تعبق بشغف ودهشة في تتبع الخطوات التي تنسجها خيوط الرواية من مشاعر مختلطة يخرجها السرد الحكائي ليقدم لنا الفن الذي مادته إبعاث الرسائل الإنسانية عبر وصف المكان وعلاقته بالشخصية وما يجسده المكان من بواعث للتذكر، فهمام يتذكر الألم وما يلحقه من حب وحرمان وكذلك نقمة على تحول الدمامة والقبح لعالم أسود يلف البلد ، ويحيلها إلى هشيم ،حيث نلحظ ذلك الارتباط الطبيعي بين الإنسان والمكان، حيث الذاكرة التي تترنح فيما بينهما وتقيم جسور مشاعر وقيم إنسانية ، فالسرد التلقائي المفعم بالدلالتين النفسية والمكانية هما مفتاح الوصول للأفكار التي تعبق في نكهة الحوار المتصاعد حيناً والهامس على نحو مناجاة قائمة بين الشخصية وداخلها في استعراض لفداحة المشهد وقسوته، فنلحظ اهتمام الكاتب محمود الوهب بالتشخيص حيث للغة الجسد رسائل تعد امتداداً لعالم الأفكار ويولج ملياً في الحبكة العامة ، ذكر الملامح الجسدية ووصفها على نحو يبعث على الدهشة والتساؤل ، فملامح الزي الشعبي ، الأوشام التي على الكتف ، ضخامة الرجال المرافقين له للقاء السيد الجليل حيث أن للتشخيص دلالته النفسية والفكرية التي أراد الكاتب بيانها على نحو مبسط وطبيعي في إشارة إلى البيئة ومناقب الطبقات التي تحكم والتي تحفها المناظر الطبيعية وكذلك الأشخاص القساة ممن تنبعث من سيماءهم رسائل مفادها بطش السلطة هيبتها، والجلالة التي ترسمها ، كونها باتت الباعث على الخوف والغضب في آن معاً كشعورين يتبادلان في مسارهما المتناقض فئات الشعب المحرومة من قوانين تحميها وتصون حقوقها ولاشك أن الكاتب يعبر عن صورة الحكم المستبد مما تتخلله من طبائع مجتمعية متباينة والمشهد الأكثر خيبة هو ص211:
" إيه.. لو أن هياماً هنا، لو لم يحدث لها ما حدث، لو لم يغدر بها..لتأكدت منها حقيقة كرمو هذا...! ولكن أيعقل أن يكون هو فعلاً؟! وكيف يمكنه أن يرقص ودم هيام لم يجف بعد.. كيف خرج من السجن..وكيف انسلَّ من جريمته البشعة تلك؟! من الذي سلَّه ؟ من تبناه، وساعده؟! أيكون واصلاً أيضاً كالرمرام وغيره..! أهو فرح حقاً بما يجري أم بخلاصه من هيام؟! ثم كيف يكون مدلل هيام، ويغدر بها على ذلك النحو؟! ما هذا الوحش الذي يغفو في عمق النفس البشرية؟! يا إلهي أهي الكارثة فعلاً، أم إنه عقلي الذي لا يستوعب؟!"
ومن جمالية هذا السرد أنه محاط بهالات من التساؤل التي تختزل الفكرة والشعور في آن معاً حيث نلحظ التفاصيل التالية:
- تقيُّد الكاتب بالوصف والتشخيص وتجسيد المكان كباعث للأفكار على نحو يبتعد عن المباشرة والخطاب الانفعالي 
- لغة السرد هنا تنم عن تحاور داخلي واستحضار للمشاعر الإنسانية على نحو يذهب نحو العمق في كشف المآسي والمعضلات الاجتماعية
- يقوم الكاتب في إخراج الاستياء والعجز على الصراخ من خلال وصفه لشخصيات دميمة تعبث في الأرواح والحياة برمتها على نحو يبعث على التشاؤم والكآبة السوداء 
- خلو الرواية من استطراد شعري أو لغوي مجاني ، عادة يتم توظيفه في السياقات الوجدانية ، حيث يعتمد الكاتب على تقنيات بسيطة سلسة تجسد الاستياء العام والتحريض غير المباشر على سلوك مفهوم الانتفاضة الذهنية ومعاينة القبح البشري
- يعتمد الكاتب على الإيحاء لإظهار الاستياء والنقمة وليس على الاحتجاج الظاهري، ولا يخرج عن المونولوج الدرامي الذي يحاكي الأشياء بمنظار متفحص تنقيبي بالاستفادة من التخاطر الذاتي لسارد الرواية وبطلها
- اعتماد الكاتب على التشخيص اللاذع لظواهر توصف بالسذاجة والسوء، وأيضاً تثير معالم الاستياء والتمرد العفوي، من خلال إظهار المأساة وتبطين دلالة التمرد والنقمة على نحو يتماشى مع الفضاء المكاني والدرامي للرواية.
فمع الخصائص التي جسدت الرواية الاجتماعية في سياق يعتمد التجسيد المكاني والفني والنفسي يمكن أن نوغل لتعريف اصطلاحي يختزل البناء الشامل للرواية بالرواية التأملية المفصحة عن المجتمع والتغيير والدخول لمتاهاته المتداخلة ، وأزمة الفكر الشرقي المطعَّم بغلالات القوالب الشمولية الجامدة الوليدة عن عقد النقص المتمثلة بتمجيد الأشخاص على نحو ميثولوجي ، والدخول لنفق الهالة الروحانية التي يتفيأ ضمنها الفئات التي اعتادت العبادة وتمثل الغد عبر مجهر ما وراء الطبيعية (الميتافيزيقيا) فلقد جسد الكاتب ملياً هذه المعضلة النفسية التي جعلت الفئات المقموعة في غيبوبة عن الفكر العملي عبر تنويمها بحقن دينية تعويدية أربكت لدى الفئة الشابة فعالية التفكير النقدي ،حيث يجسد الكاتب محمود الوهب الأسس الفكرية التي تتماهى في طرحها لإشكالات المجتمع وصفات شخوصها مما يستدعي أن نقف بهذا الصدد حول مقولة للفيلسوف كارل ماركس18 حين قال:
( الدين هو تنهيدة المضطهد ، هو قلب عالمٍ لاقلب له ،مثلما هو روح وضع " شروط " بلا روح ،إنه أفيون الشعب ) ماركس "نحو نقد فلسفة الحق الهيجلية" 1844 "
هنا الكاتب يجسد لنا في وصفه لجد همام عاصم الصخرة وفي تنبوءات عبد الفتاح ، في مراودة عاصم الصخرة لذاكرة أم همام، كل ذلك يجسد لنا روح ما قاله ماركس في معرض توصيفه للدين من كونه ربيب الميثولوجيا وكذلك الواحة التي يتفيأ فيها المضطهد الذي يعاين آلامه بتعويذات دينية تجعله حبيس نشوته، لهذا نجد مقولة ماركس متجسدة تماماً في أروقة المجتمعات التي عانت ويلات الاستعمار ومن ثم الأنظمة الأبوية التي توالت وجعلت التغيير ملغياً في حياة جماهير اعتادت على التعاويذ والتهاليل ، وكذلك التصفيق والتمجيد، والرواية هو استنطاق لما في الداخل من صرخات نورانية مشبعة بالثورة والانتفاضة الذهنية التي لا تغلف في أي قالب يخدشها أو يشوهها لأنها ظهرت في هيئة رواية مغلفة بأبعاد إنسانية وجدانية تأملية..
وعندما يعرض الكاتب الشخصية وتقابلاتها من وصف المكان والبيئة المحيطة فهو لا يلزم الشخصية على قول ما يود بيانه ، إنما يعتمد ذلك على الإشارات النفسية الخاطفة التي يلقيها عبر الحوار من تذمر وخيبة ورغبة عارمة في الانطلاقة نحو المسعى رغماً عن العثرات الجمة التي تحول دون رؤية أية بارقة أمل، فالعنصر الوجداني الذي يحرض الجماعة على الاشتراك بحدث الخيبة هو الذي ورد أكثر في اللحظات الأخيرة من خروج همام لرؤية الناس المكتظين في الساحة ورصد ملامحهم الجسدية استناداً لرؤى منبثقة من صلب التغيير المنشود، فقد اعتمد الكاتب على الإشارات غير المباشرة في بنية الخطاب الذي حاكى التاريخ العريق حين وصفه للأماكن والتماثيل ، حيث أشار أيضاً لملامح بطل الرواية النفسية يبدو حيناً كدونكيشوت23 ، يحلم كثيراً ، يعيش الحلم، وله قناعة داخلية في أنه منصور وفق مقولة جده له، وأيضاً يتمتع بصبر وتحمل ، تجسد ذلك أثناء حادثة هيام ، وكذلك سقوطه المدوي في الوادي، نستطيع أن نقرأ شخصية همام من نواحي منها:
- يستند همام على ثقافة تبتعد عن التحزب وترى من محبة الوطن السماء التي لا تحتاج لأعمدة ، ويتحاشى الدخول للأعمال التي تدخل في بند السياسة المباشرة 
- همام رجل حالم رومانسي، لا يحب أن يُكره على عمل ما، وهو شديد الحرص والولاء للذاكرة الشعبية ، يرتدي اللباس الشعبي والسيف الخشبي لما له من دلالة نفسية اجتماعية غيبية عليه كونه ابن بيئة تتغنى بمآثر وبطولات خارقة يمنحها الله للذين يتمتعون بنوايا صافية وفق اعتقاده
- همام رجل ثائر ضد الحزبياتية والارتهان لها، وكذلك لا يخفي نقمته إزاء الفساد والمفسدين ، يعمل جاهداً على تفعيل دوره الفردي في التغيير ، استناداً على إرادته وإيماناً بها
- يتمتع بعلاقات وجدانية إنسانية مع صديقه خالد وزوجته سهى ، ويقترب من الأحداث الجسام بنفس روحي يتمتع بهالة من العاطفة الجامحة وفوران النفس أحياناً
- يتمتع همام بمقدرة على ربط الأحداث ومعالجتها في سياق الرؤية البعيدة للأحداث وتداعياتها المستقبلية ، ويؤمن بدور المرأة السند إلى جانب الرجل لخوض الكفاح دون هوادة بغية إحداث التغيير 
- لبطل الرواية رؤية حالمة تتطلع للحياة القويمة، وكذلك عزم يتعثر في أحايين كثيرة بويلات ومصائب تنهال عليه دون أن يجد لها تفسيراً أو مغزى..
- يبدو على همام أيضاً عدم التأثر المبالغ فيه عند قدوم الحدث الجلل ، وسهولة الانتقال من خيبة لأخرى 
حيث يستخدم الكاتب محمود الوهب المونولوج الداخلي الذي هو أسلوب درامي لتفعيل الإحساس بمرارة الوصف المتجسد في تقاطيع المكان ودلالاتها على نحو عفوي غير مباشر على صورة مناجاة ذاتية اعتمدها الكاتب في مرور الشخصية الرئيسية إزاء الأحداث والشخوص الأخرى وكأنه عين الكاميرا المسلطة على المكان ، ليعاين ويستنتج وينتقد بفم صارخ وآخر هادئ ..
وهنا نقف على مشاهد مرموزة بدلالات نقف إليها لنستورد منها أفكاراً مستخلصة من إرث لغوي جمالي موغل في الدراما النفسية وما تتضمنها من عبر تعكس التجارب الفكرية والإرهاصات الداخلية ص218:
حدث مفاجئ يهزُّ الساحة..! يهيج الجميع ويتزاحم.. منصة ترتفع قرب الدائرة الرئيسية..المجموعة العلوية تخلي شرفة السياحي.. تهرول نازلة نحو الساحة..أصوات ترتفع: خلوُّا مكاناً للقيادة.. القيادة قادمة.. يفرغ المكان أمام الدائرة.. ما الذي يجري؟!تساءلت.. يقولون: بأن فرقة "دحّام السمكة" ستقدم عرضاً فنياً، يحضره السيد الجليل الآن مع " الغزال" في زيارة لشارع فيصل! الشارع على مرمى حجر من الساحة..أشجاره المعمرة تعيق حركة السير والمارة..كل ما يعيق المسيرة إلى زوال! لا مزاح مع السيد الجليل.. 
لقد استمد الكاتب الرائحة الشعبية المحلية من خلال لغة السرد التي نجدها هنا ، حيث نجد التجسيد الحي لمشاهد ، آثرت على إبقاء الاستبداد كعباءة تغطي عري المجتمع وانسياقه للتفاهة حيث البعد عن المزايا الجميلة التي تمتاز بها المدينة التي تحاكي قيم الإبداع والجمال من خلال أروقتها وعمرانها وموسيقاها ، حيث استثمر الكاتب الساحة العامة في حلب من حيث كونها التقاء كافة الأمزجة والشخوص بعضهم ببعض، فهي رواية ذاتية موضوعية تستمد من الواقعية الاجتماعية مقومات وأسس بناءها وارتقائها، هنا كشف الغطاء عن السيد الجليل ، ظهر كفزاعة ، وكجهة يرهبها الشعب ، فقد اعتاد الرهبة مساراً لحياته وذائقة لنفسيته ، فنجد تجسيداً حياً لواقع هش ومريض يحمل في تداعياته أخطاراً جمة وعللاً سلوكية تتضخم باستمرار، حيث نجد الرواية تغوص في فلك الواقعية النقدية في إبرازها للجماليات وما يضادها على نحو سلس ، ولا ضير فجميع المشاهد ترتبط ببعضها بحلقات مترابطة تحقق مطلب الإثارة الفنية والفكرية التي تعوزها الرواية الحديثة في اقترابها من الفن والواقع بحساسية أكبر ومسؤولية أكثر في نقل التأملات الحية المنبثقة من دائرة الوجدان والإدراك المتكامل، والتي تتخطى الأطر الكلاسيكية لصناعة اللغة وذلك من خلال إنتاج لغوية قائمة على الكثافة على مستوى الصورة وتوالي الأحداث والتجسيد المكاني ، حيث تشارك كل الأدوات بقوة التخييل صناعة الأفكار ، وتهب المشاهد الموغلة في صناعة النسيج الإبداعي الذي يحقق الجودة المعنوية في عملية خلق العالم بصياغة ذاتية موضوعية ، فالرواية الاجتماعية النقدية تتحد في إطارها العام الروح الذاتية المفعمة بالرومانسية والنزعات المتأصلة بالوجدان مع الخطاب العقلي المواكب لكل حدث، وهو تخاطب يعلي من القيم والمعاني الوجدانية ولا يجدها إلا شكلاً من أشكالها التأملية التجريدية، وأهم ما يمكن الإشارة إليه هو أن الرواية التي بين أيدينا أبدت رسائلها من خلال عناصرها ومقوماتها ودور كل شخصية في التعبير عن الأفكار ، مما يعني أن الطريقة التعليمية التي تتخللها المواعظ على نحو مباشر لم تكن في طياتها، لتقول لنا النصوص هنا أن اللعبة الدرامية تنتج مقاييساً أفضل لمعالجة وطرح الأفكار ، التي تعتمد التلميح مما تفتح على القارئ سجالاُ نفسياً مثيراً ليتعرف على الرواية من خلال تأملاته ، هنا يتوافق الفكر الروائي مع الأمزجة المتباينة للقراء، كونها تجاوزت القوالب الكلاسيكية لبناء الرواية ، لم تعد خطاباً مباشراً ، فالكاتب هنا في معرض روايته قد تنحى ذاتياً مفسحاً كل المجال لشخوصه أن يتحدثوا بكل أريحية مشرعاً الباب لسباق التساؤلات والاحتمالات ، حيث تتحقق الدهشة في أروقة المناخ القائم على التعريف بدلالات الغوص في ما وراء النص، للكشف عن الأحاسيس التي لا تتجلى سوى بلبوس نشدان التغيير الإيجابي ، فالمشهد الذي يتصبب بمساعي نهضوية لإنعاش التجلي الغائب عن مجتمعات حاصرتها ظاهرة الإجلال للخرافة، والتعظيم لأعمدة الاستبداد ، والتي سببت الغشاوة المتصلبة على عقول اعتمدت من التشفي بالقهر من خلال تعاويذ وابتهالات، حيث يعمد الكاتب لإبراز القهر التاريخي، الكامن في مصائر الشخوص ورحلتهم في أروقة الرواية الحية ، في محاكاتهم لصيرورة الواقع المجتمعي ، لاتكاءها على الرومانسية السوداء في بيان عجزها عن تخطي القيد القائم في رداءة تعاطيها مع الكبوات التي تفرزها السلطة الأبوية، معاناة الطبقات المنكوبة منها، والتحدث عن أسباب كمونها في السبات ، وعن حقيقة هذه الكبوة التي فتكت بالعقول فتكاً جسيماً، حيث يرينا الكاتب في إطار رحلته المنقبة عن حال البيئة الطبيعية ، ومدى اعتمادها على أدوات الحياة السهلة والبسيطة ، والتي تعود بنا للذاكرة وإن تقادم عهدها، لينقل لنا بيئة خصبة ، وحياة هانئة لكن عمادها هو البساطة المحملة برياح الميثولوجيا الدينية في استبدادها بالأرواح حيث باتت غذاءَ رهيداً لها، فهي التي تلزم الإفراد المتشبعين بظواهر التقديس الدينية لطأطأة الرؤوس في حضرة الشيوخ وأولياء النعمة والمسؤولين الأجلاء ، فالسيد الجليل هنا لا شيء يعيق تقدم حركته ولا حتى تلك الأشجار المعمرة، في إشارة أن القبح القائم والمتجذر في أرضها يحاول الفتك بكل شيء مهما كان متأصلاً، في إشارة أن الاستبداد ظاهرة رمزية أكثر من كونها حالة قائمة تتمثل بأشخاص متنفذين قائمين على الحكم ، حيث نجد الكاتب يشير إلى تعاطي المجتمع الفطري للحياة على نمط من الاسترخاء الذهني وغياب روح النقد ، ليكشف لنا طبيعة المجتمع الانبساطية ودماثته التي تميل للخمول والاتكال على التعاويذ الدينية بنمط غريزي ميكانيكي ، الأمر الذي حال بينه وبين إدراكه لما يحتاجه التغيير من عمل ووعي مقرون بحراك مستنير، وفهم لمقتضيات ذلك الحراك والأخذ بأسبابه ، لهذا نجد استشراف الكاتب على مسألة مهمة وهي ضمور أدوات التغيير لدى المجتمع الخامل ، المحاصر بغلالات العوائد المشتقة من سيطرة الذهنية التقليدية على مفاصل حياته الأمر الذي أعطى لهذا الفراغ الذي يعانيه مسوغاً كبيرة لبروز السلطة الفوضوية المرتكزة على مفاسد الأفراد وأنانيته واستبدادهم الفئوي، حيث يعطينا الكاتب نتيجة حتمية فشل أي ثورة جماهيرية ضد سلطتها القمعية مالم تتحقق الظروف الموضوعية الكفيلة بنجاح الثورة، وأولاها ذلك الوعي الشعبي والقدرة على ممارسة الاختلاف وممارسة حرية الرأي، فهاتين الخاصيتين لا توجدان في ظل مجتمعات مكبلة بأغلال عوائدية رديئة تثقل حركتها وتسبب لها الخمول والفوضى لنتأمل هنا مشهداً ذات مغزى ، ويسترعي الانتباه، همام يهب الشيخ عند الساحة العامة سيفه الخشبي ص217:
أنزلت السيف الخشبي الذي لا يزال معلقاً على صدري.. وقلت: لتقبله هدية يا شيخ إنه من مقتنيات جدي عاصم الصخرة.. لابد أنك سمعت به.. انظر إليه، إنه لا يليق إلا بك.. فلتقبله مني، ولتزين به صدرك منذ الآن..! خلعت حمالة السيف من كتفي، ووضعتها على كتفه، بحيث انحدر السيف إلى صدره، وقد تعمدت أن يكون مقبضه قريباً من متناول يده اليمنى الفارغة من أي شيء.. من اليد التي كانت تشير إلى نصب الشهداء في الطرف المقابل، ثم همست في أذنه:
صحيح أنه من خشب، لكن فعله أمضى من الحديد، وسترى ذلك حين تحتاجه! لكنك لست ممن يحتاجونه.. هو مجرد رمز لا أكثر.. فقد "يراه الظالم فيكف عن ظلمه.."
يقول المفكر عبد الرحمن الكواكبي19 في كتابه طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد:
((المستبد يتجاوز الحد مالم يوضع له حداً، فلو رأى الظالم على جنب المظلوم سيفاً لما أقدم على الظلم "الاستعداد للحرب، يمنع الحرب"))
حيث نجد ذلك التلازم ما بين المقولتين من كونها يعالجان الاستبداد ونتائجه وأسبابه وماهيته ، إيضاً يعاين الكاتب عبر هذا الشاهد الذي أوردناه قضية في غاية الأهمية وهي التوارث الرمزي بين الأجيال من خلال رمزية القوة المستمدة ، رمزية السيف الخشبي ، فالمرء الذي يتأهب للاستعداد لصد الخطر يبقى له القدرة على دفعها مهما كان هنالك من تفاوت بين القوى , بين المرء وخصمه في إشارة أن الكواكبي رأى في الاستعداد للحرب دافعاً أساسياً لمنعها ، هذا ما حاول الكاتب بيانه ، من ضرورة المواجهة والتأهب لدفع الخطر مهما تكالبت الظروف والقوى ، ما علاقة همام بالشيخ ، لماذا يعطي همام السيف الخشبي للشيخ ، صاحب الابتسامة التي تشبه ابتسامة الموناليزا، ما الذي أراد الكاتب الإشارة إليه هنا ، قد يكون همام انتهى من المهمة أو رأى ذلك ، حيث رأى في السيف عبئاً داخلياً يقض مضجع فكره وأحب أن يتخلص منه ، موكلاً مهمة حملة للشيخ ، علماً أن رمزيته تنحاز لتقاليد قديمة قد يكون الشيخ أقرب إليها ، كونه يمت لتلك الحالة الاجتماعية والتقاليد الميتافيزيقية النابعة من مسألة الإيمانيات المتعلقة بموضوع البركات والقوى الخارقة ، ولعل همام هنا يريد أن يقول شيئاً من وراء ذلك وهو أن طبيعة المواجهة اليوم لم تعد ترتكز على رمزية ما أو ما شابهها من دلالات ، فالمسألة تتجاوز ذلك ، وترتقي لمستوى ما تفعله السيوف في عصر تتناطح فيه مافيات المال وأرباب الاقتصاد ممن يقودون الحروب في كل الميادين الجغرافيا ويخلقون الأزمات هنا وهناك، ولعل اقتراب مقبض السيف من اليد اليمنى الفارغة من أي شيء دلالة مهمة ومفصلية على نقطة المواجهة التي تشكل ضرورة اليوم لصراع الحضارة الغنية مع عصبة الفساد في محاولة من الكاتب في استحضار المنطق الحقيقي الذي لا بد من التأكيد عليه واستخراجه لأجل المواجهة الشاملة ، وأخذ التأهب ، لمنع الفوضى والتحلل الذي تعيثه عصبة التشويه الثقافي والتقويض السياسي لأمن وصيروة المجتمعات في انتقالها من طور الجمود والعزلة لطور المناعة والقوة التي تحقق الرفاهية بعيداً عن زيف الشعارات التي تطلقها الأحزاب التي تزعم انها جاءت لتطالب بحقوق لقمة العيش لشعوبها والتصدي لمشكلاتها، لهذا أمكن لنا أن ننقب بيسر وشفافية حول أكثر المعاني التي تدل على ما يبديه الكاتب من معان تتجلى في جعل الرواية مسرحاً ممتلئاً بالحوارات التي ترصدها لنا الرؤى الإبداية التي تعتمد على تشكيل الحدث والرمز وتصوغ الأفكار بمعزل عن الاستطراد في مناخات بعيدة عن المهمة التي أوكلها الكاتب للسارد وبطل الرواية في أن يكون الناطق العام للبناء الروائي المتكامل للحالة النقدية الاجتماعية في نفاذها نحو حقيقة الوجدان الجمعي الذي يستصرخ العتمة ويبدأ باستعراض الالام والخيبات المتعددة التي يسردها كتعبير عن لوعة المأساة وحدتها من خلال عنصر مهم وهو تفعيل جو الدراما الإنسانية الباعثة على الأسى والخيبة ، حيث لا شيء يلوح في الأفق سوى المزيد من الألم والتقهقر الاجتماعي الذي تجتر إخفاقات الحقبة السياسية وفسادها المستشري والمتجسد في آلام الطبقات الفقيرة المنزوية في كل ركن من أحياء المدينة والتي تترقب أيضاً التغيير المنشود ، ونشدان الحل، في حين أنها دوماً تصدم بالمجهول والفوضى التي تنشب في كل مكان إثر غياب سيادة القانون المؤسساتي وتحكم الفئات الأمية بمفاصل الحياة الاجتماعية ، وكذلك جعل القانون ألعوبة وتحايل حيث يدان البريء ويخرج المجرم بزي قضاة المحاكم، وهنا تتجلى عظمة تجسيد المأساة في هذه الرواية المؤلمة ، حيث تجسد إشكالات عديدة ومعضلات، وتراكمات تاريخية تسود السلطة الحاكمة ومفرزاتها من أحزاب موالية ومعارضة، جعلت جماهيرها تنساق وراء أوهام العدالة الاجتماعية في حين أن معظم قادتها تحولوا إلى أثرياء ، أصحاب ثروة ومطاعم ، وهو ما جعل الرواية تتجه لطور المحاسبة الفعلية لشيوخ الدين وأمناء الأحزاب وكذلك قادة العصابات المتحكمة في مفاصل البلد والتي تقمع كل الأصوات الداعية للتغيير الجوهري ، وليس الالتفاف حول جوهر المشكلة 
حيث نجد الخيبة في إنجاح الحب في ظل منظومة التجهيل وتكميم الأفواه ، ونلحظ أيضاً أن لا دين يسلم من قبضة المتحكمين به سياسياً وبواسطة رجال الدين المتطرفين ، وكذلك لا رسالة اجتماعية تؤدى بحرفية في ظل مجتمع خائف ، ولم يتوانى الكاتب على عرض حقيقة أن اعتباط السلطة السياسية يسهم تماماً في تحريف الذائقة العامة للجماهير بمختلف طبقاتها ويسهم في عزلتها عن حقائق الحياة الحاضرة ومتطلباته من تنوير ومعرفة واجتهاد وتبصر نقدي، إنما يثمر عن ذلك التلازم العقدي بين السلطة والمجتمع عن نشوء جيل غارق في أوحال الفهم الميتافيزيقي الخاطئ للأديان وكذلك الأمية السياسية بل المراهقة بمعناها المتجلي ، الأمر الذي يفرز حالة انعدام الثقة وكذلك المازوشية المجتمعية والتي يمكن تعريفها على السياق التالي:
المازوشية المجتمعية: هو حالة من التفكك القيمي وانعدام الثقة بالمستقبل ، والولاء التام للأبوية المتجسدة في الطاعة العمياء لأولياء النعم، وما شابهها من رجال يتجسدون سلطوياً ، بهيئة الآمر العسكري، تساعدهم طبقة من رجال القاع ، ممن هم غارقون في التبعية المفرطة للقادة المتحكمين بإنعاش الأزمات المرضية داخل المجتمعات ، مما يحول دون أن تتنور معرفياً ، ليصبح هياجها فيما بعد على السلطة الحاكمة ، ظاهرة صوتية مليئة بانتفاضة مشوهة فيها من التمذهب والاحتقان الطائفي ، والنظرة العقيمة لإسقاط منظومة الاستبداد، مما تعطي للأخيرة حافزاً للبقاء ..مثالاً (أسلمة الثورة السورية، بقاء السلطة، وإشاعة محاربة الإرهاب ، المقصد منه إنهاء هذه الهبة الفوضوية لصالح دوام الاستبداد)
وإن كانت الرواية هنا تعبيراً عن مكامن رومانسية واقعية تتجسد بكلتا الحالتين على نحو متقارب ، فإنها أيضاً يمكن أن تكون دليلاً مهماً حول بحث اجتماعي سياسي ، يعطي من خلال دلالاته المبهمة ، سياقات عدة تشرح مفهوم توالد الانفجار الشعبي ، إثر تفاقم الفوضى القمعية المنعكسة على الطبقات المسحوقة ، حيث من الممكن أن تكون الرواية المعبأة بالتكثيف الوجداني الواقعي بما ينسجم بطبيعية مع الرؤية الناقدة حدثاً مهماً في مجال البحث عن البوصلة المفقودة بين السلطة والجماهير..
وثمة تلازم مشترك بين الأجواء الرومانسية التي يعبر عنها الكاتب عن طريق نجوى السارد ، وإفصاحه عن حدث الخيبة وفقدان الأمل وبين الوخزات النقدية التي تترافق مع اللغة الذاتية ، إشارة إلى الرموز المحاكية للتاريخ ، من حيث كونها منبع ثقة وعرفان على مجد وعراقة ما اندرست في الذات، وتحاول التجلي في إطار رواية تنشغل بالأفكار الحقة المضمخة بالوجع وانسداد الأبواب أمام التغيير المنشود، فتحقيق المواءمة بين النزعة الرومانسية والفكرية هو التطلع الدءوب الأولي في متون هذه النصوص المنسوجة على منوال تنقيبي يتناول قضية الصراع ما بين المفاسد وأنصار الحل، ضمن إطار من التنازع الطبيعي بين قوى الهدم والبناء على نحو درامي متصاعد الحدث، فرمزية السيف الخشبي لم تعد ذات جدوى في فكر بطل الرواية أو السارد، إنما محض سخرية مما يحاك دوماً مقابل السمع ، فبطش ذوي القمع أكبر من مضاء السيوف وهالاتها ، لاسيما كونها أخشاباً ، ولم تعد القدرة على التغيير والمواجهة ناجعة في ظل تقليدية الأدوات المستخدمة ضدها، وهنا أعطى همام للشيخ هذا السيف لأنه أدرك سذاجة التعلق به ، بالنسبة للحاضر المتخطي هكذا استعراضات لا جدوى لها ، في عصر يحتاج للتفكر والتبصر إلى جانب إشعال المعنويات وتحريك النفوس من خلال رموز القوة التقليدية، فالعزم على التغيير يحتاج لوعي مسبوق بقوة مادية ،سياسية رهينة بظروف وقوى معينة ، والتوجه الفردي للتغيير ، يعوزه الالتفاف الجماهيري والمناخ الملائم ، هذا ما بات السارد يعاينه عبر مروره بمواقف محبطة ، فنهاية الحب المأساوية في ظل رواية قبل الميلاد يعطي دلالة واضحة على أن التحرر السياسي مرتبط بالتحرر الاجتماعي، وفساد السلطة يعني موت الحب، وكذلك التجذر بالارتهان والعبودية ، وتفشي الاختراق الاستخباراتي في أوساط الشريحة المستنيرة نسبياً عطل التفكير النقدي ومصداقية التعبير عن الحياة الجيدة، لهذا يعمد الكاتب ملياً لمعالجة هذه الآفات النابعة عن فساد الذهنية الحاكمة على نحو محاكاة لمختلف المعضلات بسياق محبوك درامياً ، حيث يستخدم الكاتب تلك السخرية من فروض التقاليد الشمولية في تجميد وإفراغ الرموز من مضامينها بالعبث بها وإقامة طقوس الأنخاب عليها، وقد أشار الكاتب لهذا المرض الشعاراتي الذي دخل صميم المتحزبين مما لهم فقط الأقوال الفارهة التي تعبر عن خواء يسكنهم وفساد ينخر فيهم قيمة الحركة والعمل من أجل الغاية، فقد حاول الكاتب أن يقول هنا أن الحالمين بالتغيير لا يحتجون إلا في ساعات الثمل ، يقولون سنفعل ونحطم ونكافح ، لكن على نمط من الخمول والخمود والتكاسل ، يقضون حياتهم في الحلم ، حيث ليس التغيير سوى حقنة مهدئة في نظر الساسة الثملين ، هواة الجلوس على الأرائك المريحة ، وذكر رموز التحرر الأممي عبر كل نخب كما عبر الكاتب هنا لنرى ص 10:
ما دامت الويسكي من بقايا العرس، فلنشرب نخب خالد، وأحلى جبهة..! نضحك، ونشرب نخبهما.. خالد والبارودي.. بعد لحظات نتبعه بنخب "أبوالليل" أبو الليل يصر أن نشرب نخب الطبقة العاملة!تتتالى الأنخاب، تأتي مثل بصمة على هذه الجملة أو تلك. لم نترك زعيماً، ولا شعاراً إلا بللناه بالكحول وطيب الكلام.فمن لينين إلى كاسترو إلى جيفارا الرمز الدائم، وما غفلنا عن رجال الفيتنام، فكلهم أبطال ميامين، لعنا الإمبريالية الأمريكية وبيتها " الأسود" باركنا الجبهة الوطنية، و أحزابها التقدمية!
هنا يبان الإشارة للسخف والتكاسل الذهني عبر تجسيد مظاهر الزيف المعنونة بمقت ودهاء على ملامح لا تجيد سوى علك الشعارات ، والضحك على الذقون ، كونها ارتهنت للسلطة القامعة وباتت ذيلاً رخيصاً لها ، حيث أراد الكاتب أن يوصف دمامة الحالة التي وصل إليها رواد التغيير المزعوم، عبر إثارة الجلسات التي تتنصف ما بين الثمل والصحو بين واقع قاس وآمال حالمة ، وإفراغ كل معنى للكدح لجعله حديث أنس وفكاهة لا أكثر، حيث يقوم التوجه الواقعي للنقد لتقديم الحقائق اللاذعة عبر المنطلقات التالية التي تحتم إبراز التجسيد الحي ومنها :
- إبراز المغزى من إضفاء الحوار العبثي المصحوب بجلسات المتع في الشرب وتحويل الثوابت إلى أشياء تثير الأنس واللعب ، وإلى أشياء تستثير الخيبة والألم.
- تجسيد تأثير الثمل في جعل المرء يندفع للحديث عن التقصيرات دون تكلف أو تردد وخجل، وهذا يكشف لنا عن سر الانغماس في حالات الثمل لاستقصاء سبل التحدث بصوت مرتفع دون خوف
- الصراعات الداخلية داخل الحزب ، يشعلها أطراف تعيش الغيرة والتنافس السيء فيما بينها، تجتمع لمصالح وأغراض لا تمت بصلة لأهداف وقيم تنظيمها ناهيك عن فساد التنظيم نفسه والخروج عن مساره المفترض..
- يشير الكاتب إلى العقلية التحزبية الغارقة في أدبياتها ، والتي افتقدت لعفويتها في الحالات الوجدانية في إشارة إلى سذاجة الغائص في أوحالها في أمور تتعلق بالحياة الطبيعية وممارستها لنرى هنا ص15:"خالد لا يزال غائباً عن أجواء سها ومشاعرها..!هو غائص بالشأن السياسي، وما تحيكه الإمبريالية ضد الوطن والأمة..تشده سها من شعره، فتروي له حكاية شاب يزور فتاته مرة..الفتاة وحيدة في منزل أهلها.. تدخله غرفتها الخاصة..يتأكد من خلو المنزل..!هو وفتاته وحيدان في الغرفة،يطلب إليها أن تغلق الباب والنوافذ، وأن تطفئ النور أيضاً، يركض هو، وينزل الستائر،وحين يظلم المكان كلياً، يتنحى مكاناً مناسباً له في الغرفة، يناديها بفرح: -تعالي..تعالي بسرعة..وحين تلاصقه تماماً، يبرز معصم يده: -انظري إلى ساعتي، كيف تضيء في الظلام!" حيث يجسد لنا الكاتب على نحو فكاهي، السذاجة التي تحيط بأرباب ومريدي الأحزاب الشمولية، ممن تربوا على جملة شعارات وأقوال متشابهة ، يحفظونها على شكل آيات وبأسلوب الشيوخ المتدينين، ممن يربطون كل شيء بالمهنة أو الحالة التي تشغلهم كلياً ، ولاشك أن ترسخ التصوف في تقاليد الأحزاب الشمولية ، هي من رسخت تصورات الاستبداد باسمها فيما بعد ، فأصبحت عوائق في طريق نهضة المعرفيين وارتقاءهم وتعاليهم على القوالب الإيديولوجية ، فلا يخضعون ولا يرددون كالببغاوات ، مما جعلهم إزاء محاكم التفتيش الحزبوية مذنبين على الدوام وخونة القضية والمبادئ ، حيث يعبر الكاتب أكثر عن ذلك بأن يجسد لنا أنهم باتوا جزءً من مصيدة النظم القمعية في تكبيل العقل المعرفي ومحاولة جره للارتهان لها أكثر فأكثر .. أو شن الاعتقالات والاغتيالات كوسيلتي بطش تستخدم بحق المتنورين ، خصوم مريدي الأحزاب وقياداتها المتألهة..
- إضفاء أبعاد فكرية متلازمة للجانب الدرامي في سياق الحوار لترجمة التصور النقدي للرواية الحديثة ، دون إلزام مباشر لتناول خطاب جاهز أو نزعة ذاتية تحاول أن تطغى ، إنما توظيف كافة الإشارات والرموز والأحداث لخدمة الواقعية النقدية في إطار تصورها الكلي للمجتمع ، الحزب، السلطة ، وما يتقاطع بين هذا الثالوث من مقاربات استدلالية ، وجوانب متعلقة بتحقيق التكامل البنيوي للفضاء الروائي بغية إحكام الجمالية الفنية في مختلف أحداثها وتنوع خطاباتها بحيث لا يتحقق الجانب الفكري الموضوعي على حساب إبراز الوجدانيات الإنسانية ..
- تجسيد الفساد الأخلاقي والوظيفي كونها متلازمان في إشارة إلى القيِّمين على المراكز الحكومية ، ممن يحاسبون المنصفين في عملهم ، والحامين للصوص الذين اعتادوا عملهم التخريبي ، وسط صراع بين فئة تحافظ وفئة تهدم ، في إشارة لجدلية البناء والهدم ، في إشارة للمدير المعدوم أخلاقياً والغارق في انحرافه على نحو بات شائعاً وكذلك عزل شعبان النسر عن الوظيفة دلالة على حدة الصراع وتعدد طرائقه وأشكاله ، وصولاً لمعادلة السعي نحو الأفضل مهما تكالبت عثرات قوى التخريب المتنفذة، حيث يعالج الكاتب قضية الفصام الأخلاقي ، والتردي المدقع الذي حال دون حدوث قفزة بسيطة على صعيد حياة المواطن ، فهدم بيت خالد وسها المتزوجين حديثاً ، ممن عانوا كثيراً التشرد العاطفي المسبوق بالعوز المادي، هو معطى خطير يستدلنا على نحو أو آخر بتلازم الهبوط الأخلاقي والمعيشي، ومحاربة الفئات الفقيرة على قوتها، الأمر الذي جعلها في حالة من الخيبة واليأس والانحلال، والصوت الذي يلازم سمع همام في منامه ويقظته ، يستدعيه للتحرك لعمل شيء إزاء هذا الصراع السلطوي ضد الإنسان وقيمه الطبيعية ، فالكاتب يرى في ارتباط المرء بالصحوة الصباحية المكبرة ، عاملاً هاماً للحركة وباعثاً في التغيير حين يقول على لسان السارد هنا: ص20"الدقائق الآن ثمينة للغاية، تغريني هدأة الفجر، أنتشي من النسائم المشبعة بغاز الأوزون. الطيور ومعظم الكائنات الحية تصحو باكراً فتتمتع على نحو عفوي، بهذه الميزة الصباحية الخاصة..!بنو الإنسان يعرفون هذه الحقيقة، ويحتاجونها، لجلاء صدورهم، لكنهم لا يأبهون ولا يفعلون..!"
- يشير إلى تخبط الأفراد الواعين بمدى نجاعة التغيير وآثاره الإيجابية في تحول القانون إلى مسلك حقيقي ينقذ المجتمعات من الفوضى ، لا أن يكون القانون بمثابة المطرقة التي تهوي على رؤوس البسطاء ، ممن يحرصون على التشبث بمخزونهم الطبيعي من القناعة بالحياة الفطرية، فحيث تطغى المشكلات وتتضاءل فرص الحل ، تتفشى ظواهر الأخطاء السلطوية، ويكون الرهان دوماً على التكميم والقمع، تصبح الدعوة للتغيير أو الانتفاضة غير مجدية في ظل مجتمع يتلبس الحياة الغيبية ويتحسس النشوة من معتقداته التي تلزمه بالطاعة والتزام الرهبة والرهبنة، فالمسعى الفردي للبناء تلزمه دعامة اجتماعية مسبوقة بوعي بفلسفة الحركة، وليست الانتفاضة فقاعة صوتية ، بقدر ما هي وعي ومسؤولية وتكاتف اجتماعي، في حين يشير الكاتب وبواقعية تشاؤمية إلى الصعوبات التي تكتنف شخوص الرواية ، والتحديات الجمة التي تقف بوجه بطلها، من استحالة حمل بضع بطيخات بيد واحدة ، ذلك يحتاج لتكاتف وقوة داعمة ، وهذا المناخ غير موجود في الواقع للبدء بمعركة التغيير على نحو متكافئ مع منظومة قوى الفساد النفعية المافيوية..
من هنا أمكن لنا أن نتحدث عن مقاصد هذه الرواية في كونها طاولة مستديرة لمعاينة المعضلات الاجتماعية في ظل هيمنة السلطة المستبدة والتي فرخت عبر حكمها أحزاباً على شاكلتها ومجتمعاً خائفاً منها، وحانقاً عليها دون معرفة سبل الانتفاض عليها، إثر فساد تنظيماتها على اختلاف مسمياتها وغاياتها، الأمر الذي أسهم كنتيجة من بروز الاغتراب النفسي في أوساطها جراء تهميش مبدعيها وتجميد ملكاتهم ومدركاتهم ، فهي تشكل العماد في التغيير، وسبل المواجهة، حيث يقف النقد الراوائي في المكان الوسط ما بين الخطاب السياسي العفوي ومخاطبة العواطف الجمعية بغية تحريكها بصورة درامية تنحو إلى استعراض المأساة ، وحيث أنها تسلك برمتها أهدافاً تظهر تارة وعلى نحو مباشر ويتم تبطينها تارة أخرى عبر حوار ووصف مكاني عام، وتجسد سحنات الشخوص في حديثها واحتجاجها، أو دماثتها وقسمات وجهها، فالحديث عن دور المتنورين في ظل دولة الاستخبارات ، يجسد شجون الصراع بغية إخراج المجتمع عن صمته ، وتحريك مستويات الوعي الداخلي لديه، وهنا كانت المهمة الموكلة على عاتق الراوية من خلال نطق السارد هو أن يجيب بصورة عملية تتوسط اللغة المدركة المخاطبة للعقل والوجدان معاً ، بغية استنهاض وتقويم للداخل الذي يضج رغبة في انتهاج طريق المواجهة وعلى نحو حذر للعبور من أنفاق الظلام والسير بذوي العقول لطريق نير ، يجعل المستقبل لدى أجيالها نيراً، حيث أعطى الكاتب دلالة أخرى تكشف عن طبيعة المجتمع وقناعته ، وإنه أسير الجماعات التي تتناوب في قيادته دون أن يكون لديها مجال للنقد وانتقاد القيادة ، أو محاولة التأثير بها، حيث الطرق التقليدية في الحركة ومسار صراعها لأجل التغيير محفوف بصراعات وتحديات داخلية لها علاقة بالوصول للسلطة وتحقيق المكاسب من خلال الاتجار بالشعارات الزائفة ، حيث يشير الكاتب إلى البيروقراطية ليذكرنا بمقولة لينين20 هنا: الشيوعيون تحولوا إلى بيروقراطيين، فإذا كان من شيء سيقضي علينا فهو هذا.
أيضاً ليظهر لنا الاستبداد الذي عم البلد على نحو ظل مضخة أزمات لا تكاد تنتهي ، وبات الخراب أخيراً الوجه الأكثر رداءة له على الإطلاق ، ولعل الكاتب يروي لنا التراكمات التي أدت للوصول لنتائج خطيرة تتمثل في انعدام الثقة بين الجماهير ووصولها لمستوى مرعب من النقمة والاحتجاج، الأمر الذي هيأ لمناخ من الفوضى الضخمة ، من تفجر كبير وتاريخي يكشف لنا عن طبيعة تحول المجتمع خلالها من طور التشتت والرهبة إلى طور الوعي والنماء ..
ونحن في معرض هذه الرواية نرفض كافة التصنيفات النقدية الجاهزة بين ما هو رومانسي أو واقعي أو ما بينهما، فلا قيمة لهذه التصنيفات مالم نعمل بروح النص ، فلا نتصنع الأحكام المسبقة لأن في غياب الوعي بالنص ، لا تتحقق العملية النقدية الباحثة أصلاً عن تكامل حقيقي وعفوي وطبيعي بين الجماليات والدلالات، على نحو توأمي ، يكشف النقاب عن اللغة وكنه المرامي ، دون استطراد أو مبالغة تذهب مذهب الانطباعية السطحية، وفق ذلك نعمد في أحايين كثيرة للبروز في مستوى الروح الاعتقادية للفكر المتجسد في هذه الرواية، ليتسنى لنا البحث عن المقاصد الأساسية من الفعل الروائي ومغزاه، وكذلك الإيغال في روح الرواية آخذين بعين الاعتبار مذهبها الجمالي واللغوي، حبكتها التصويرية ، دراماها ، محتواها المؤثر والانتقال بين الأفكار عبر الحوار والمشاهد المتسلسلة، وعبرها يمكن الحديث عن جودة العمل الروائي قياساً بكل ما تم ذكره من مقومات، إلى جانب وجود الرسالة الإيحائية التي تتقاطع وتتشابك مع خيوط النص ، بمختلف حالاته ، مما يمكن أن تكون مبعثاً ضرورياً في إعمال الفكر والتركيز بمنتهى الإدراك العام لظواهر العمل الإبداعي بما لا يثقله وبما يمكنه أن ينقل للمتلقي تجربة إنسانية ذات زخم وحضور في دائرة العقل الإدراكي والوجدان المتطلع للتشبث بالجماليات على نحو منتظم يحقق الطفرة الذاتية في تناول عوالم تنحو منحى التغيير وتستدل عليه بطرائق إيحائية غير مباشرة، ولا يمكن الحكم على نحو مباشر أن الواقعية تحمل في طياتها بواعث التشاؤم، بقدر ما تحمل في متاهاتها بواعث نهضوية واتجاهات رؤيوية تفصح عن نفسها في سياقات عديدة، تبعث على التأمل واستبصار الكنه في جعل اللغة تتصاعد في جو من الحوار والتلميح الذي لا يخفي عن شعرية الراوي ، وكذلك إبراز الطريقة التي يوغل فيها للحديث على نحو يجمع ما بين السخرية والوصف الداخلي لجوانب المكان ، ومروراً بمناجاة داخلية لا بد وأن تتوسط مشهدين على نحو متباين من حيث الاختلاف ..
والسرد الذي ينم عن أسرار ميثولوجية ، تفصح عن قناعات وأشياء لاتزال الذاكرة الشعبية تومض بها من خلال أسطورة عاصم الصخرة ، وهذه الحادثة التي يرويها أهل القرية ، والتي يكاد العقل المعاصر يكذبها على نحو من الاستخفاف، ناهيك عن إيمان شعبي بها ، وذلك يلزمنا أيضأً في تتبع الرموز ، في سياق المهمة الموكلة لبطل الرواية في تتبع المشكلات وإيجاد حلول لها، التصدي للفساد بمنطق التصدي للصخرة، وهنا ثمة شخص مجهول دائم الطرق لأبواب الخواطر التي تقيم في همام وتجعله يميل لابتككار حماس إيجابي بدرجاته المقبولة للوقوف بوجه الاستبداد الذي يبدو كهالة سوداء ، وباتت العائق الثقيل، ثقل الصخرة التي قيل أن جد همام قام بتحويلها عبر تمتمات دينية إلى حجارة صغيرة، هكذا تبدو طبيعة المجتمع الخرافي ، العاجز عن إيقاف صخرة الاستبداد التي تشل وتكسر العظام وقبل ذلك تكسر روح الإرادة، في مواجهتها، ولهذا يعيد الكاتب لذهن القارىء أن عصر التباهي بالفردية وكونها قادرة على التغيير بمفردها لم يعد يجدي أبداً ، وأن حسابات السلطة المستبدة تختلف عن الوجدانيين ،ممن اعتادوا ترديد الشعارات الوهمية بغية استجرار إرادة ديماغوجية ، تعتمد على التحريض الجماهيري دون مصارحة براغماتية واقعية، حيث بإمكاننا تعريف الإرادة الديماغوجية بأنها مسلك تتخذه الأحزاب الشمولية، منذ بدايات القرن العشرين ، للعب على الوتر الوجداني لدى الجماهير، لخلق إرادة عفوية آنية، تستنجد بفئات الشباب المراهقة، وإيجاد بذور راسخة تعتمد على ترسيخ المراهقة السياسية، المتجلية في ترديد الشعارات المناهضة، واستثمارها على نحو مركز، بالتزامن مع تغييب كلي للعقل النقدي ، وإقصاء الفئة المستنيرة ومحاربتها عبر حملات التشويه والتخوين واتهامها بالتكاسل والدعوة للإصلاح، دون الانضمام للثورة، للوصول بالجماهير إلى حالة من التبلد والجمود والعزلة، بلوغاً بها إلى أنماط وقوالب جامدة ليس فيها أدنى احتمالية للخروج من منطق التدجين الإيديولوجي..
فبدخولنا لمضمون هذا التعريف ، يمكننا فهم آلية الربط ما بين الأصالة والإيمانيات التي تشكل حصيلة أعراف وتقاليد مجتمعية، وكذلك محاولة الكاتب تناول بطل الرواية من كونه يلجأ للحلم والتخييل المستمر ليستنهض عبرها هممه ، وليكون الأكثر حركة وسط دائرة مغلقة من الشخوب وخيبة المشهد فهو حيثما حل يبصر وجوهاً ناقمة وأخرى مستاءة ، وآخرين يحتجون بصوت مرتفع على قرقعة أصوات الكؤوس وثمل المتحلقين حولها، لهذا نرى أثر الاحتجاج القائم ، يتحدث حول أسباب احتمالية حدوث الانفجار الشعبي من خلال تسويفها ومماطلتها والالتفاف حول أبسط مشكلاتها دون أي معطى أو إشارة للحل ، حيث نلحظ هنا تحسس همام لرمزية هذا السيف الخشبي ص32:
أخذت السيف، فوجدته، وأنا أتفحصه، من خشب، ليس ذلك فقط،بل هو منخور، وحوافه متآكلة، ولعله لعبة أطفال، أو إنه صنغ ، ليستخدم في عرض مسرحي، ثم أهمل، ورغم أنني ضحكت من هذه المهزلة، إلا أن خاطراً غريباً راود ذهني، فحواه: أن قوى خفية تمتلك معجزات ما.. تريد التدخل في شؤوننا بعد أن رأت ما رأت من عجزنا وكسلنا، وهي التي ستأخذ المبادرة وتعمل على إعادة نوع من التوازن الذي افتقدته حياتنا بسبب الحالة التي صرنا إليها..! 
إنه يود الوصول هنا لمستوى من الفعل المؤثر ، والحركة المؤداة لنتيجة عملية، ولاستشفاف روح السيف ، بمعنى رمزيته، ومعرفة ما يمكن أن تحركه في الداخل ، جراء رغبة في الحراك باتجاه إعادة الحياة لمراميها الأكثر معنى ومغزى، وهكذا يمكن أن يتم تحويل الرمز لقوة ، حيث تخرج القوى الخفية عن كونها لا ترى ولا يمكن تحسسها، إلى شيء يساعد على الاستنهاض، لينقل دفة الصراع إلى الأفضل وبوتيرة جديدة ، تستحدث كل باهت ومتآكل، بغية تحويله لفعل نهضوي دائم، إخراج السيف من هيئته التي قد تبدو ساخرة في الوهلة الأولى، إلى مستوى جيد وراقي في الرؤية والتجسيد من كونه باعث على الصراع المباشر ، والمحرض على الحركة ، الموجدة للتغيير المنشود مع دوام المحاولة واليقظة ، سبيلاً لتحريض اللاشعور العام باتجاه الحلول وإيجاد بدائل عن الواقع الموغل في الخلل والتشويه.. 
فالتعمق بمدلولات الجمال عبر لحظة انشداه تأملية ، أعطى للسرد جودته ، وللألفاظ موسيقاها، وللفكرة ما يختلجها من شحنات ودوافع إنسانية ، بعيدة عن أي خدش قد يصيب اللوحة الفنية، المتجسدة في امرأة تكون العون والسند لمجابهة الخطر ، إذ يعيد لنا الكاتب في خضم الوصف التالي ما يقدمه الفن الطبيعي المتجسد في المرأة ما يساعد الرجل حثيثاً على مواصلة التفكر والسعي معاً لنرى هنا ص29: صحيح أنه يمكن لمياسة أن تكون لاستلهام الفعل النبيل وتجلياته، بل هي كذلك تماماً..! لكنها أبداً ليست لاستراحة المحارب، ولن تكون، فهي أبعد ما تكون عن الفعل الشهواني مهما كان دافعه وزيه..! مياسة ممتلئة بذاتها، مغتنية بنفسها، مكتملة بمكنوناتها..! ثم إنه، أبداً، ما خطر ببالي، لا في لقاءاتي المتكررة بها، ولا عبر أحاديثي معها عن بعد، أن أتصورها امرأة ممن تعهدها الذاكرة، أو تشاهدها العين، أو يتصورها الخيال، على ما في الخيال،من جنوح وجموح..
فاللغة التي تصف المشهد الوجداني هنا ، تستغني عن الأدوات الحسية المألوفة في وصف المرأة، وتحاول الإيغال في كنه الجمال برمزية لها استدلالاتها وما يبررها، ليحيط الكاتب أكثر في هالة الجمال، دون أوصاف قد تندرج في سياقات شبقية تذهب منحى الانغماس في المحسوسات، ليقدم للمتلقي مستوى رفيعاً من الوصف الذي لا يبعد عن المناخ العام أو السياق المباشر للدخول للمهمة ، فهو أي بطل الرواية ، السارد لأحداثها، يتنبه بكلية لكل ما سيأتي، يستلهم من الجمال، يطلب السند، ينغمس في محاكاة الجمال، يطرب للمعنى في السبر ، حيث يعتبر الاسترسال الملهم والعامل على تحريك لواعج الفكر والوجدان، هو الأقدر على تحمل المسؤولية الإبداعية ، كونه ينوء بنفسه عن ابتكار أي نص يصغي لتداعيات الحس المألوف أو ينحدر باتجاهه فحسب، لهذا نجد الاسترسال في السرد التجسيدي هنا ، أشبه بمفتاح يحرك الجماليات في النص ، ليزيد المعنى جودة وعبر اللغة الهادئة ، المطواعة، كونها تشكل مثار تقاطعات وتقابلات اجتماعية في سياق الولوج لأزمات المجتمع المعاصر ، وفي هذا المعرض لابد من أن نتذكر ما قاله الناقد الروسي بلينسكي21: " إن شكل وظروف الرواية أنسب للتقديم الشاعري للإنسان الذي ينظر إليه في علاقته مع الظروف الاجتماعية، وهنا يبدو لي السر في نجاحها غير العادي وفي سيطرتها المطلقة"
بمعنى أن السرد الشفاف السلس، هو الأقرب في تجسيد الأشياء ، حقائقها وظواهرها، في صورة يستطيع الإنسان ملامستها بدقة وبساطة ، وتكفي لتقتحم نفسه وحوادثه وتنقل إليه حصيلة تجارب يجد فيها الإثارة والدافع نحو فهم مغازيها، وهنا نجد الرواية تتحقق بالنجاح الأكيد، حينما تكون قريبة وملاصقة لحياتنا الإنسانية، رائقة في لغتها، بسيطة في مفاتيحها، باسطة ذراعيها لكل من يتأمل ويتدبر ، ويجيد التذوق والتسكع في ظلال ممراتها العميقة ، والتي تشي بعوالم نعيشها وتعيش بنا ،فالكاتب محمود الوهب يعتمد جل ما رأاه الناقد الروسي بلنسكي ، في أنه وجد من الشاعرية الموحية لجمال الحياة وآلام المحيط الاجتماعي ما جعل روايته قبل الميلاد العالم المتكامل الذي نبصر فيه كل معالم الواقع الذي نعيشه بمتناقضاته وجدلية استدلالاته، لهذا تذهب الرواية لأبعد من كونها عالم ذاتي موضوعي مخلوق بشكل مكرر من ذات المبدع، في حين أنه سجال وسبر وخطاب في هيئة دراما مركزة تتناول ما يعتري الخاطر، وفق تراتبية وجدول يعتمده الكاتب لمدارة الوجع النفسي والذاتي جراء تجارب حياتية، ينقلها بفنية وينغمس فيها بكلية، ليقدم التلاحم الذاتي الموضوعي، المادي الروحي، العفوي والمركز، فتارة يطلق الكاتب للذات روح الخيال، وتارة روح العقل ، وبأساليب متباينة ، ليقدم لنا رسائل عقلية وجمالية في هيئة مفصلة تستعير الواقع كما يعرفه ويتألم ضمنه كل فرد، مهما كانت درجته ضمن المحيط الاجتماعي، فالإنسان هو الإنسان، والألم هو الظل الجامع ، الذي تتفيأ تحته الكائنات ، و الذات الإنسانية تقص رواية الإنسان نسبة لحياته لا وفقاً لزمانه ومكانه، فالخطاب الأدبي لا يقتصر على جغرافيا معينة محدودة بحدود ، على العكس ، إنها تقص حكاية الإنسان في أكثر من سياق ومعنى وأسلوب، ونستطيع عندها أن نقول أن العمل الأدبي المحدد بجنس الرواية ، هو لسان حال المجتمع والفرد في ترابط لا يتجزأ.. 
حيث لا ينظر للجهد الروائي من مدلول ذاتي خاص ، بقدر ما يعطي جودة القيمة من إخراج مظاهر الحياة وتعدد فصولها من خلال لغة محبوكة تسعى لعقد آثارها بشمول في نفس المتلقين على خلاف مشاربهم وانتماءاتهم، فلا شك أن معاينة مراحل الضعف والبغي في حياة المجتمعات عموماً ، كانت أساليب الرواية أكثر قدرة على كشفها وتنقيبها ، وجعل كل خلية من النص تتحرك وتتكلم وتأخذ زمام التعبير عن الرسالة وهنا يمكن الحديث عن اللغة الكامنة داخل النص ، هذه اللغة تلعب وتنسج العالم مجدداً في خيال القارئ، لتجعله شديد الرغبة في معرفة العالم الذاتي الموضوعي لدى المؤلف، حينما تتحقق تلك الملابسات في العمل الروائي ، وتتحقق قوة التخييل مع طاقة العزم في الفهم ، عندما يمكن أن نعلن عن نجاح خطة المؤلف، إلى ذلك يمكن أن نعزو جودة العمل الروائي الإبداعي في قدرته المذهلة على رسم خطة لا شعورية في ذات المتلقي الواعي، ليمارس فيه التخييل والتنقيب معاً وفق صيرورة محكمة لا تلين ولا يحاصرها التشعب والاستطراد، بل تنقله إلى العالم الذي يجسده الكاتب ويثور على شاخصاته الشاحبة، فبناء العالم برمته في الرواية يحتاج لهندسة اللغة ومحتواها الراسخ ، هنا يمكن أن تلعب الثقافة المتصلة بالجماهير ، وكذلك المعاناة الذاتية للكاتب دوراً في هندسة الحياة بزمانها ومكانها وشخوصها وأحداثها ومشاهدها المتبانية مما قد تتركه من تساؤلات لدى المتلقي الناقد ، أو المتذوق للقيم الجمالية في ساحة اليقين الإبداعي..
ولعل هيكيلية وصف الشخوص والأماكن هو ما يميز الرواية الواقعية التي تجسد المكان الناطق بكل دلالات الخطابات الفكرية ، في تحسسها للتغيير كمسعى عام لنرَ هنا 46-47:
دراجات عادية، وأخرى ذات محركات..شاحنات صغيرة.. طرطيرات عجيبة بثلاث عجلات، زعيقها يقارب دوي طائرة نفاثة. عربات صغيرة يدفعها أولاد، دواليبها المعوجة تتعثر في المجاري الوسخة.عربات أخرى تجرها الدواب..بعضها على شكل صهاريج صغيرة للمازوت، وبعضها الآخر للماء..عربات للخضار ولبضائع عديدة مختلفة..
قطعان الماشية الصغيرة تهيم في الأزقة .. تلتقط رزق بطونها من بين أكوام الزبالة.. تختلط الحيوانات بالأطفال النباشين.. كل يزاحم الآخر.. لكل منها ومنهم ((شأن يغنيه)) الحيوانات تلتهم ما يتيسر لها بالمجان..هي أيضاً تمنح خيراتها بالمجان! أصحابها يتأملونها باستماع، كأنما هم من يأكل..! بعض الأطفال ينبشون بلهف محتويات الأكياس، أحياناً يوفقون إلى فضلات لها قيمة مناسبة في السوق أو بيوتهم..!
"أين الحكومة التي ثقبت آذان الناس بكثرة الحديث عن تبنيها مطالب الشعب وعن حماية مواطنيها الفقراء، وعما تقدمه لهم ولأحيائهم من خدمات؟!"
فهنا الكاتب لم يعتمد على النصح والإرشاد والحديث المباشر، إنما أعطى كل ذلك وزاد من خلال دقة الوصف عبر كاميرا استطاعت التقاط كل ما يثير الكآبة والشحوب، القلق والخوف، الإحباط والغضب، وسط ثنائيات متقابلة من المشاعر، حيث تجسيد الواقع المعاش هو الأمر الأكثر إثارة وتشويق عبر الزاويا الدرامية، التي تناقلت المأساة الجمعية في عالم منغمس في البحث عن ما يسد الرمق، يشير الكاتب إلى ثنائية الفقر والجهل ، لما تتخلله من رموز تنم على رغبة هائلة على إبداء مسرح تأملي ، قادر أن يوجه القارئ ، لإنعاش مخيلته وفكره ، لا ستنطاق اللا منظور وجعله منظوراً في هيئة الكشف عن دلالات الوصف ، وحالاته المتباينة في أزقة وأبنية تعمها الفوضى من كل الجوانب، مع ذلك فالكاتب لم يتح في نفسه استخدام عبارات هجائية كثيرة قد تحيل المشهد إلى كتلة من احتجاج مباشرة، على العكس من ذلك فقد اعتمد على رصد الجانب المكاني المنطوق والذي يجسد كل ما يمكن أن يعبر عنه الاسلوب المباشر من احتجاج وصراخ، أيضاً يحدثنا الكاتب عن الحقبة الديكتاتورية، مآلاتها على صعيد النفس والحلم والنظر للتغيير من كونه حلم جميل يطفئ شرارته القمع الاستبدادي له في كافة مناحي وميادين الواقع السوري المترنح على شفة هاوية من الفوضى الاجتماعية والفساد السياسي الذي بلغ أوجه وبلغة غير مرموزة أو مبطنة ، بل اعتمدت الشفافية في نقل الخراب الحاصل، ونقل الاحتجاج المبطن بصورة أنيقة لم تفسد إيقاع النص، سلاسته ، قدرته على التماس التبصر في ذات القارئ الشغوف، وكذلك فإن الرواية الاجتماعية في هيئتها اللغوية ، تعتبر منهلاً للشعر أيضاً، لا سيما وأن تقابلات المشاهد الوجدانية تتصف أحياناً بالجودة في تناول الأحداث ، التي تهز الوجدان الداخلي وتحرضه على النزوع للتأمل أو الغضب أو الحزن المديد، ولاسيما حينما يعتمل التشاؤم بعضاً من شخوص الرواية ، ويتم تصويرهم كمجسدين لفداحة الجرم القائم في طريقة الحياة والتفكير والعجز المستدام إزاء سلطة نسفت كل المعايير الأخلاقية التي تجد الجماعات من خلالها ضرورة لبقائها وتعايشها، الأمر الذي جعلها تغوص في متاهات التهويم ، ولهذا باتت الرواية عبارة عن مناخات تجسد ملياً ، تلك المعضلات، وعن عجز السلطات من أن تنوء عن مجتمعاتها، لعجزها عن مواكبة مطلب الحياة العصرية، فقد اعتمد الكاتب محمود الوهب على الموضوعية في تشخيص الخلل القائم في نمط الحياة الخاوية ، والتي أفسحت المجال لتلون نمط العيش بكثير من الخوف والبساطة حد السكوت المطبق، لهذا استطاع أن يوغل ملياً في الحديث عن نمط ذهنية السلطة في اتخاذها الرهبة سبيلاً لتدعيم بقاءها على حساب مستقبل شعوبها، وعلى ضوء ذلك قدمت الرواية عرضاً مسرحياً شعرياً محكماً ، وقدمت من منظور مختلف إيقاع مطلب التغيير المنشود، لهذا أمكن لنا أن نعرض تلك المقاربات التي ترفدها مواكبة الأحداث بجودة وتفصيلية لصناعة الأثر المبتغى الذي يتحدث عن مصائر الطبقات المنكوبة ، سعيها لأن يتبدل عيشها ولا يتكدر، ولاشك أن لسان الرواية يلهج بمفردات النور رغم تجسيدها للحلكة ، وكذلك رصدها لنقمة واحتجاج الأوساط الباحثة عن التغيير لو في الحلم مجازاً، وليشير إلى مواطن الخلل في البنية الاقتصادية للدولة الشمولية ، المبنية على حكم فئوي تعسفي، قامع لحريات الأفراد، حيث يشير الكاتب لتلك النقطة على نحو درامي أسود ينبأ عن فداحة هول المشهد لنرَ هنا 52: سألني رئيس الدورية بعد أن صار المبلغ بيده:
- "عمي حامد شقد هدول؟"
- سيدنا يعني حوالي خمسة عشر ألف ليرة..
- "بقى هيك..! عمي حامد، خليهن بجيبك، حد الله بيننا وبين الرشوة! حامد أفندي، نحن مهمتنا، نعرف كثرة الإرهابيين بالبلد اليوم..بالعربي الفصيح:
- "بدنا" نعرف مصدر السلاح!فهمت يا حامد أفندي؟!
هنا يعكس الكاتب حجم الهوة بين الحكومة والشعب، حيث يعيشان صراعاً ضارياً ، وتستحيل أن تكون هناك أي روابط أخلاقية بين منظومة تسخر كافة إمكانياتها لقمع الحياة الآمنة وبين المجتمع بأفراده وتنظيماته، حتماً تنتقل عدوى السلطة لداخل خليتها الصغرى ، الأحزاب، العائلة، لتغدو العلائق الاجتماعية محكومة بالرهبة والخوف وسيادة القيم الأبوية على نمط التفكير بعمومه، يحدثنا الكاتب هنا عن الرشوة من كونها الفيروس الأكثر ضراوة والذي جعل نهاية القيم المؤسساتية في طريقها للاندثار والانتهاء، وأيضاً ليبين لنا سيادة الذهنية المافيوية في سلك القضاء الاجتماعي ، ليصبح الأفراد مدانين في نظر هذه السلطات الباطشة ، التي عمدت للتلاعب بحقوق الإنسان وقيمه وكرامته الطبيعية ، الأمر الذي جعل من هذه المجتمعات باروداً يوشك أن ينفجر بعنف وبلا هوادة، فكل شيء مقابل المزيد من المال، والسيطرة على قوت الجائعين وزيادة إفقارهم مادياً ومعنوياً ، ذاك ظل ديدن السلطة الشمولية المستلة أنصالها فوق رقاب الشرائح الفقيرة، فالكاتب يخرج لنا من باطن الأحداث والحوارات ، كل ما نقوم بتحويله لنقاط مستثارة على الصعيد الفكري التحليلي، دون أن يعمد إلى تجسيد ذلك من خلال التبطين الغامض، حيث يقوم بمضاعفة الوتيرة الفنية الدرامية داخل الحوار، مبرزاً الألم برمادية مفرطة بالألم، وتارة من خلال الدخول لمناجاة السارد ما قبل وبعد الدخول للحوار المرموز..، فيعمد لتقريب الأفكار ليحول دون تباعدها، ولأجل أن تكون سجالاً أكثر إثارة ينقلنا للتحليل الاعتقادي ، في إبراز البعد النقدي لجدلية السلطة والمجتمع، لهذا يعمد الكاتب لإبراز السجال الفكري في حوار همام مع الشخوص التي ترافقه ، ففي كل شخصية ، دلالة ترتبط بما سبقتها وما سيليها ، لتحديد مواضع العلل والإرباكات التي تظل عائقاً كابحاً لحيوية الحياة وكونها تبدل الذائقة العامة للجماهير عبر تقديمها الحلول كوعود لا تتحقق، حيث تبحث المجتمعات المنكوبة والمحاصرة بأغلال التبعية لأوهام السلطة وأذرعها المتمثلة بالتفكير الميثولوجي ، الذي هو خليط أفكار دينية وميثولوجية أدت بالحياة إلى شلل روحي وفكري أرق مسيرة الحياة لدى الجماعات المناهضة للعسف والجور، فشخصية عبد الفتاح باتت متجلية بإيغالها نحو التنبوءات ، إذ لا حيلة سوى التوغل لميادين الحلم أو التنبوء ، إزاء وضع متفاقم يسير نحو المزيد من التعقيد وانسداد كوات الأمل..
وهنا سنقوم بإضفاء تعاريف مقتضبة، موجزة لما مر في الرواية من شخوص لنرَ:
• همام : السارد العام، عقدة الرواية، وكاميراها التي تتسلل من مشهد لمشهد، من موقف لموقف، العازم على الحلم ، والإيغال به في اليقظة، المستمد من الأصالة ورمزية السيف، القوة والنبل والعزم، بغية تحقيق مطلب الحياة الطبيعية، وهو بذلك يعرض من خلال مداولاته في شؤون الناس ، مطلب التغيير المنشود، يتأمل في الطبيعة الاجتماعية متصلة بالمكان بمجهر الباحث المتقصي، وأحياناً نراه الثوري الغاضب ، الذي يحمل في جعبته مطالب وحلول، وتارة نجده العاشق الخائب الذي يحمل في عناوين حزنه كل التساؤلات الضائعة، ويعاين مافي أعماق الآخرين من إعياء وتعب، يتسلل في الذات الوجدانية بصورة تبعث على الحزن الغامض، فهمام هنا لسان حال رواد التغيير ، حيث لم يختر الكاتب لبطله عناوين منفعلة وسريعة الاهتياج، إنما أراد لهمام أن يكون الإنسان المتعالي على كل قالب إيديولوجي، المعبر بفصاحة ما بداخله عن حالات الفساد وسوء العمل في الحياة التنظيمية، إضافة لكونه ميال دوماً أن يسبر أغوار الطبائع البشرية عبر صور أشخاص قاموا بمرافقته، وكذلك أراد الكاتب لهمام أن يكون الحدث الأكبر وجدانياً وتأملياً في هذه الرواية ، لتحقيق جملة رسائل متعددة الأوجه من خلال مهمته المفترض تحقيقها وطبيعة العثرات التي وقفت في طريقها وحالت دون تحقيق جزء يسير منها..
• ميّاسة: الفتاة الحلم، همام ظل يحاذر في أن تختلط صورتها في داخله، وظل يؤكد أنها الأسمى والأبهر، وإنها خلقت لتكون كالوردة ، وتكون أبعد ما يمكن أن يفكر به أي رجل تجاه أي امرأة تلفت انتباهه، فوجودها هو للتبرك والتأمل في عوالم الجمال ونظام الكون..، حيث لم تتجسد هيئتها إلا كملاك راقد في عالم همام ، حيث اصطفاها بتجليات الحلم الصافي وبوحه الرائق
• خالد : صديق همام في بعض جلساته، الإنسان الشيوعي الذي قامت بلدية المخالفات في هدم منزله الكائن في حي الأبنية العشوائية، المتتلمذ صيرورة أهداف حزبه ، والمتبني لأهدافها وغاياتها في حياته، الوحيد ، حيث يقف في ذات الهم الاجتماعي مع همام في ما يحاك على الأفراد من قبل رجال الدولة،وكذلك يعتبر الشاهد الآخر حول الواقع في الأحياء المنكوبة، وكذلك العين الفاحصة على طبيعة المخترقين أمنياً من قبل الحكومة القمعية ، في كيفية تبدل أمزجتهم وتناقض قولهم مع عملهم.. حيث يدخل خالد مع همام معاً في حلبة فضح الأقنعة التي تزعم الثورية والتمسك بحق الطبقات الفقيرة في الحياة، فيعمدان معاً في الكشف عن العلل المخبوءة في شخصية المسؤولين الحزبيين ممن وصلوا لمراتب الغنى والفحش المادي بين ليلة وضحاها، مقارنة مع أناس تتهدم منازلهم في الأحياء الفقيرة دون وازع..
• سهى: الزوجة العاشقة ، الواقعية ، العفوية في نزوعها التأملي للحياة، تعكس الأنوثة الطبيعية ، وكذلك المخلصة للحياة رغم مفاجآتها الجمة
• أحمد: أحد المتحمسين في مواجهة قوى العطالة والتشويه، المتحدث بصوت مرتفع وثمل ، عن البلاء المستشري المتمثل بالفساد والظلم، حيث تعتبر أحد المفاصل المستفزة في بداية الرواية ، وممهداً لأحداث تلتها فيما بعد..
• شعبان النسر: موظف ..مراقب في دائرة التموين، صديق همام في مرحلة الطفولة، الخائب الجالس في حضرته يروي له عن ما أدى لفصله من العمل لأمور تمس النزاهة ، لكنه فيما بعد يجلي الغمامة حول حقيقة ما حدث له، وطبعاً يمثل شعبان النسر إضافة لأحمد ، بمثابة المحرض لعملية السعي نحو التغيير والعمل لأجله.، حيث يروي لهمام أشياء تخص المفاسد الفردية دلالة على الفوضى المؤسساتية وانعدام الرقابة، وتفشي المحسوبية لدرجة كبيرة
• الغضنفر ، الرمرام: هما شخصيتان لم يعتمد الكاتب استنطاقهما هنا، سوى في إشارة عابرة إليهما، لتقديم دلالة على كونهما المتنفذين على كل ما يحاك في حلب المدينة ديمغرافياً..
• عبد السميع: شاهد عيان حول فساد المدير ، الذي كان وراء فصل شعبان النسر من الوظيفة، يعرض لهمام قضية نقل المدير له لدائرة الشؤون الاجتماعية، وكذلك ليتحدث عن فساده الأخلاقي والمهني، وهي إشارة أن الفساد جلي ، والجميع على إطلاع عليه وبينة من ذلك، لهذا تتوحد الجهود لفضحها ولكن سلاح القوة والبطش بيد هذه الفئة العارية من كل مبدأ أو ثابت
• أم عمر: زوجة عاصم الصخرة، وجدة بطل الرواية همام، تلك الوفية المقيمة في ذكرى زوجها بتفاني وولاء، ليؤكد الكاتب هنا من خلال حادثة دفن الجد في البيت، على عظم الترابط بين أبناء المجتمع الطبيعي، من الذين لم يتلوثوا بأدخنة المدن الكبرى وضجيجها ومفاهيمها، ليبين لنا روح المشاعية البدائية الموجودة في المجتمعات القروية ، كون القرية تمثل أولى التجمعات البشرية ، وكذلك موطأ لقيام الحضارة المتمثلة بالثورة الزراعية، حيث استطاع الكاتب الإشارة لذلك في معرض سبره لسيماء أم عمر ورؤاها لزوجها ، وتعاملها مع الرؤية كواقع حقيقي ، حيث القناعة باتت رافدها الأساسي في ذلك ..
• أم عبد الله: تمثل لسان حال الإنسان الأعزل من سلاح الوساطات والمعارف، ترمز إلى فئة البؤس والقوت الذي لا يموت، وكذلك يشير الكاتب عبرها إلى ضعف الحيلة وقلة الاقتدار، وبساطة الذهنية..
• عبد الفتاح: يشير في معرض ما لديه إلى قضية التنبوءات، والدخول في غيبوبة الماورائيات ، محاولة لفهم المستقبل الغامض، والغاية من إبراز هكذا شخصية وهو أن الكاتب أراد أن يشير إلى تحول المجتمع المقهور لشرذمة من البائسين واليائسين الباحثين على طالع جميل في واقع تغيب فيه أدنى متطلبات العيش البسيط وكذلك العدالة التي تكفل للإنسان أن ينعم في حياته في ظل الحق والواجب، حيث أن عبد الفتاح هنا يجلي حقيقة واضحة مفادها أن شؤماً سيقع في المستقبل القريب على البلاد برمتها، حيث ينطلق عبد الفتاح بتنبؤاته من خلال العجز المستدام في واقع يحمل في طياته الأوجاع والتساؤلات..
• صبحي الراعي الطير: يمثل الوجه الآخر من الطبقة المثقفة التي تتحول بطريقة ما إلا فخ مأجور للإيقاع بالذين يجولون في متاهة إيجاد الحل في ظل تكالب منظومة القمع وتحكمها بمفاصل الحباة على نحو متشابك، حيث عرف الصحفي بتحقيقاته الفاضحة، ولعل الذين يقولون بصوت مرتفع هم مثار الشبهة أبداً في ظل واقع مليئ بالصمت حد التخمة، حيث يدخل الكاتب في تفاصيل حياة هذه الشخصية التي تعرضت للسجن لثلاث سنوات، يخرج منها عميلاً ومتعاوناً مع الأمن ، يعرف همام ذلك في اللحظة الذي تراجع فجأة من البوح له حول المشكلة التي جاءه من أجلها حين دخول بضع مخبرين على المقهى ، حيث تأمل همام سحنة هذا الصحفي وتلون حديثه، حيث ارتسمت على كامل الشخصية فيما بعد ملامح الاختراق الأمني.
• حامد: يرمز لضحية الرشوة والسلب الذي يمتهنه رجال الأمن حيث اعتمدوا أقسى الشتائم والإهانات ناهيك عن العنف الجسدي ، لأجل كسب المال، فالدفع يحول الباطل لحق والعكس، حيث يرمز حامد للقضاء العاري، والأمن المشرف على حماية السارقين ، ويسلط فقط سيف الغطرسة والإهانة على رقاب المغلوبين على أمرهم فقط..
• هيام: المرأة الطبيعية، المنذورة لبطل الرواية، عبر إيحاء راود أم عمر في المنام يهمس لها بهيئة عاصم الصخرة ، زوجها، أنها لهمام، لكن الحقيقة أنها لم تبقى، أو يكتب لها الاستمرار في الحياة بخلاف الرؤية، فبمجرد أن وهبت همام بعضاً من دفء الأنوثة وحنانها وعزاء وجودها في نفس الرجل ، إذ ترحل خلسة ، لتكون قتيلة من طعنات خنجر لشقيقها الطائش، وهكذا تنتهي هذه الفترة القصيرة لتنجلي بصدمة كبيرة لا تفارق بطل الرواية ، حيث يتناول الكاتب وحدة همام وخيبته المتكررة بلغة درامية تنم عن الحزن والألم الكبير ..
• عصام: ضحية الموضوعية في طرح الواقع السياسي، والعفوية المعتمدة الشفافية في الطرح، دون تحايل ، هنا الشخصية لا تعبر إلا عن طبيعة نظام استبدادي تلبس كل الشعارات ليخفي قبحه عبرها، وليحارب كل نهضة معرفية ترتدي الكلمة الحرة الشجاعة، لتكون الكبوة المستدامة..
• أبو الليل: الحزبي المحنك ، المفضل لكدح العامل لا لفزلكة المثقف،تمهد وجود شخصيته إلى حدث مفصلي ينصف الرواية ، لأن وجود شخصية أبو الليل، ضروري وباعث على بروز الحدث بتصاعده، فقد أطلق الأحصنة كسائس محترف، فهي لحظة الإقدام والهوى ، القادرة على الإستنجاد بالضوء الواقف بعيدة في زاويا العتمة الحالكة..
• الشيخ موفق: يمثل الوجه المعتدل للقناعة الدينية المعبرة عن الحياة ، في تحفيزها على العيش وسعة الأفق، وتجلي الوعي بالمقاصد الجوهرية العقلية ، المحتوية حاجات وتطلعات الإنسان في الحياة الكريمة، دون تطرف ، أو انغلاق ، ورد عنيف، فهي الحالة الصحية الواجب أن يتمثلها كل روحاني مستنير وفق ما رآه الكاتب ...
• الشيخ فريد: يمثل الوجه المتطرف للقناعة الدينية المتشبعة بالقسوة، حيث تنم عن مقدار الغل وضيق الأفق، وتجسد الحنق والالتفاف حول وضع المحظورات التي تربك فعالية التفكير الصحي المتوازن لدى الإنسان ، وتزرع فيه الرهبة والكبت، حيث تفضي هذه الطبيعة كما أشار إليها الكاتب لمزيد من التعقيد والتوتر وضياع البوصلة..
• بائع البهارات: أحد المؤمنين بأن النقوش جذورها إسلامية حيث يشير الكاتب عبرها إلى إشكالية التنازع بين الأديان الابراهيمية ، نسبة للخلاف الايديولوجي والتنافس على مركزية التفرد على السلطة 
• المطران يوحنا: يشير أن النقوش التي على المسجد أخذتها المسيحية من ما سبقتها ، أي الوثنية ، بشير هنا الكاتب إلى نوع من الانفتاح لدى المطران ..
• عباس، كاسر: المرافقان لهمام إلى موعد لقاء مع السيد الجليل، يصف الكاتب دماثتهما إلى جانب ضخامة الجثة التي يتصفان بها، في إشارة إلى طبيعة العبد المأمور، وكذلك ليضفي رهبة في ذلك اللقاء..
• السيد الجليل: الرجل غير المرئي، العارف بكل صغيرة وكبيرة، المقيم في واحة غناء، يحيط بها السحر والجمال، المتشح ظل إله على الأرض، المقنع بكل إيحاءات الرهبة والاقتدار، حيث يدرك همام انه يحلم بالتغيير لا أكثر ، وأن فعل البطش أقوى في ظل انعدام الإرادة الاجتماعية في تحقيق مطلب التغيير كفعل وليس كاستجداء وتمني..
*(الخلاصة) : 
نحن بمعرض رواية تعتمد الكشف، والتنقيب عن العلل الاجتماعية ، وتبحث في أزمة السلطة ، جذورها التاريخية، علاقة ذلك بالمنتوج العقائدي للمجتمعات، من عادات وتقاليد ودين، وتفحص المعضلات بعين الباحث، فاللغة التي تبنتها، واقعية فنية، نقدية سياسية، غاصت في أجواء من التأملية ، في استحضارها لجدلية المجتمع والآخر، الطامح للتغيير، وكذلك جدوى المسير لمواجهة الغبن المعلن، والفساد المرتدي ألوان البؤس الفاقعة، في إطار جدلية الصراع المتينة بين قوى المحافظة وقوى التغيير في استنادها لماهية التنازع الطبيعية القائمة في حياة المجتمعات أفراداً وجماعات، ولاشك أن الرؤية النقدية للرواية الحديثة التي بين أيدينا تحاول خلق مستوى من الصراع التأملي ما بين القوى كحصيلة دينامية عن جدوى إيجاد الرفاهية ضمن نظام حقيقي يأخذ بيد المجتمعات ويلبي مطالبها ، وقد اعتمد الكاتب محمود الوهب في طيات هذه الرواية لمدى إمكانية الكشف عن النظام المؤسس على فهم حاجات المجتمع الطبيعية في ظل الذهنية السائدة والدفع بها إلى تغيير حقيقي لها سياقاتها الواقعية ، المتولدة في إطار البيئة، ففهم طبيعة الناس وسلوكها هو السبيل للدفع بها نحو الحياة الأفضل، فإبراز تراجيديا المجتمع في ظل منظومة التكميم هو ماراح الكاتب في إيضاحه في معرفة دواعي التغيير وضروراته، حيث يعمد الكاتب لبيان حقيقة أن المجتمعات تتعرض لدرجة من الانحلال وانعدام الثقة في أوساطها مبرزاً مجتمع الطبيعة (الريف) ومجتمع المدن الكبرى عبر تيارين متناقضين لا يلتقيان ، فدماثة وبساطة الإنسان الطبيعي ، لا تتقبل رعونة الاستبداد وفساد المتنفذين القابعين في المدن، وشح الحياة في الريف بسبب الفقر والاحتياج ساهم لحد بعيد في إبعاد الإنسان الطبيعي عن حياته المعتادة القائمة على التواصل البسيط القائم على الحس الشعبي والفكاهي والقناعات التي لم تتلوث بازدواجية الإنسان المقولب في إطار عوائد اصطنعتها منظومة الاستهلاك والجشع، وهنا يبرز الكاتب النقيضين معاً ، وكذلك حالة الصراع التي لا تهدأ، كما أن الغوص في مذهب الفطرية وجعلها أساس كل نهضة هو الأنجع لفهم مرامي الرواية بشكل صحيح، حيث أن البحث عن الإنسان المعرفي في هذه الرواية هو الغاية الجاذبة للأذهان، وفق صيرورة الأحداث المتسلسلة والتي تعكس لنا طبيعة هذا الوجود المتشعب بميادينه المتباينة ، والتي تكشف لنا بيسر جوهر الصراع الحقيقي ما بين قوى البناء والهدم ، إذ أن لمقاصد –قبل الميلاد- أفكاراً تسعى عن كثب للولوج في ذات المتلقي المتبصر في مطلب الانتصار للوجود الطبيعي المتمثل بالوجود الوطن، وجدلية تأثره بالوجود الشامل ضمن إطار إبراز ثالوث الحقيقة الكلية وفق إثبات متلازم لجوهر أن الحب وجود والوجود معرفة..، لهذا فتجلي الإرادة الفردية في مواجهة العسف وكذلك ارتهان المثقف للسلطة بخاصة المثقف الإيديولوجي هو ما أراد الكاتب مواجهته هنا بضراوة لأجل إحقاق الحياة المتضمنة تلك القيم الطبيعية في هيئة تعانقها المألوفة للمبدع ، حيث أن فعل النهضة الساعي لجلاء الاستبداد يتمثل أبداً في المحاولات الهادفة لإيجاد نوع من الحرية والمثالية وتحريك النزوع الطبيعي للإنسان لإدراك فعل الخير والعمل به، هذا ماأوجده الكاتب في سياق إثبات العلائق الطبيعية بين البشر والحياة ، وكذلك التأكيد على الترابط ما بين الإنسان المبدع والعراقة في المكان، ولعقد أواصر متينة بين الساعين لحماية مكتسبات الإنسان المعرفي الوجود ، حيث أخذ الكاتب يشير إلى ذلك عبر وصفه لقلعة حلب وكذلك الإشارة للرموز التاريخية التي تبرهن على عظمة فعل الصانع وتعاليه على كل مفسدة أو خلل، فهي تنحو مذهب البحث عن القيم الطبيعية في واقع ضائع، متخبط، يعاني فيه أفراده ، من صعوبة التفكير ، جراء جور المنظومة السياسية، وعجزها على مواكبة تغييرات الحاضر، إثر إفلاسها الأخلاقي، الأمر الذي جعل المجتمعات تعيش في ميادين الاغتراب، عن ممارسة أدوارها في التأثير على المنظومة التي تدير شؤونها الحياتية، وهكذا قوبل المطالبون بالتغيير بالمزيد من العسف والاجتثاث، فيعبر الكاتب بلغة مفصحة وغزيرة وجدانياً عن الآفة المتفشية في ربوع الشرق الأوسط، المتجلية في الاستبداد والذهنية الشمولية، من تمجيد لتماثيل الجلادين والامتثال الأعمى لهم ، الأمر الذي خلق داخل النفوس نقمة تتفجر ببطء ، وتعكس الأزمات الأخلاقية التي اخترقت أوساط المجتمع ومؤسساته، الأمر الذي يحيلنا لمراجعة تاريخ الحروب لما لها من نتائج كارثية، هذه المنازعات الناشبة بين السلطات فيما بينهما جعلت المجتمعات تعيش في اغتراب مزمن باعد بينها وبين الحياة القائمة على الإنتاج وضمان الحقوق ، ففي ذروة التنازع الخطير بين السلطات ، نجد إنتاج ديكتاتوريات متعددة ، جعلت المجتمعات وقوداً دائمة ، لميادين الاقتتال ، وما فتأ أرباب الإصلاح ودعاة التغيير الجذري في وضع سنن وأسس نهضوية لاستعادة الدفة ، بيد أن هذه الجهود لم تغني عن البلاء الأعظم الذي يحذر الكاتب مراراً من نشوبه وبحدة ، فالاستبداد يعد الآفة الكبرى الواقفة في وجه المجتمعات من بلوغها لنهضة التعايش تحت سقف القانون المنصف، هذا ما حاولت الرواية مراراً تبيانه ، خصوصاً وأن الكاتب ختم روايته بذكر المعرفي المستنير عبد الرحمن الكواكبي ، المنظر الشرق أوسطي لعلل الاستبداد ومخاطره ، مشيراً لأحد كتبه وهو طباع الضباع، ودعا للتحلق حوله لمعرفة هذه الطباع وكيفية اسئصالها،لهذا نجد في الرواية تصاعداً في حدة الحوار ، جودة في قراءة الحدث، تتبعاً لملامح المجتمع السيكولوجية ، جوهر علاقته مع الأشياء ، الروح المشاعية الكامنة فيه، والإيمان الذي يميل للتشبث بقيم الحق والخير والجمال، وعبر هذه المقومات الطبيعية ، أمكن مراجعة الضعف ومراحلة ، والإتيان بالفعل الحقيقي، لإيجاد النهضة المتمثلة بالخروج من الكوارث المحتملة ، والتي تهدد على نحو غير منظور الطبيعة، حيث أشار الكاتب لقضية جوهرية، وهي محاولة أرباب المال من تهديم الأماكن الجميلة كالحدائق العريقة ذي الأشجار المعمرة واستبدالها بمعامل وأبنية تدر الربح وتضخم من هالة الجشع ، مشيراً إلى الخطر الذي يهدد البيئة،ويأذن بهلاك الموارد الحية، يعمد الكاتب أيضاً في روايته قبل الميلاد، للتحدث عن القهر المستديم في أوساط مجتمعات تعاني أسوأ أشكال الحصار والتغييب والعزلة، عن تنظيمات باتت جزء من المعضلة ابتعدت عن الجماهير، وخانت لقمة خبزها، واستبدلتها بتحالفات ذليلة مع السلطة القامعة، لتتحول إلى عبارة عن ظاهرة صوتية ملتفة حول نفسها وحول ما تروج له عبر شعاراتها، دون أن تلامس عملياً حاجات المجتمع، أما القلق من المستقبل فجلي في عوالم هذه الرواية من بدايتها لنهايتها، فثمة غصة حزن عميقة لا تكاد تبارح همام السارد ، الخيبة التي تتلبسه من حدث إلى حدث ، ولا يجد سوى في الحلم العزاء، حيث نلحظ مقداراً غير ضئيل من الولوج لعالم الحلم ، حيث لا عزاء للمحارب للطواحين إلا بالاستغراق ملياً بالحال السيئة الملتفة على كافة الميادين ، التفافاً محكماً، ويبقى فقط أن يتم بث الشرارة داخل هذه المجتمعات لوعي مشكلتها ومعرفة السبل لمواجهتها، إيماناً بأن التغيير، تيار طبيعي حتمي لابد وأن يواجه في كل طور ما بددته القوى المحافظة من موارد بشرية ، والمستميتة لبقاءها في الحكم، فهي أبداً ما تأبى أن تذهب ، وتحاول إعاقة كل مسعى ، في ظل غياب قوى التغيير التي تحث المجتمعات للعب أدوارها الطبيعية في تنظيف ما علق عليها ، إثر سوء إدارة المنظومة الحاكمة لها بل ومحاولة الإيقاع بها في فخ الدمار والتلاشي والإبادة بمضامينها المتعددة ، فنحن أمام سجال نقدي، يسبر الأغوار ملياً في أزمات تعمد بالإضرار بالإنسان، البيئة، الفكر، فهي تسير على نحو تنحرف به عن المسار الموكل لها في حماية الإنسان ، حقوقه، موارده، وسبل عيشه، وعلى مختلف المجالات والصعد، تحيط به على نحو قسري، يلزمه في الإقامة الجبرية في ظل الفقر، والعزلة، والأهم أن الكاتب أحاط بالمعايير الأخلاقية والخطر المقيم عليها، من تحول جهاز القضاء إلى آلة رعب تقضي على ثقة المجتمع فيما بين أفراده، الأمر الذي يعطي مؤشراً خطيراً لاختلال منظومة القيم ، لصالح الفساد وبثه في أوساط الخلايا الاجتماعية بدء من العائلة، المدرسة، المقاهي، الأحياء المهملة، والمؤسسات الحكومية المتمثلة بالرقابة والشرطة ، وهكذا، فاستمرار الآلة القمعية في سلوكها هذا النهج ، يضع البلد على محك فوضى هائلة، تودي بها لمستقبل مظلم، فهذه الرواية الاجتماعية تحمل عبء المجتمع الطبيعي وصونه كواجب مصيري، إزاء بؤس السلطة ، عجزها عن مواكبة المتطلبات الراهنة والحاجات الأساسية لحياة المجتمع، في إشارة لعظم الصراع الكبير بين رواد الديكتاتورية المتمثلة بزعمها لممانعة العدو الخارجي، وتبجحها بتصديها للمؤامرة الكونية، وحملها للراية الاشتراكية ، إذ أثبتت انها تعمد لترسيخ الفاشية في صميم مؤسساتها، وقد جسد الكاتب محمود الوهب في سياق درامي نقدي، استماتة هذه السلطة في المحافظة على تقاليد الحكم الثيوقراطي عبر محاكاتها للعلمانية الزائفة، سعيها أيضاً لزرع بذور الاحتقان بين شرائح المجتمع، عبر تكبيلها لفئة المثقفين ، جعلهم إما مرتهنين لخطابها، أو مكبلين برقابتها الضارية، عبر بث القلق والاغتراب المزمن للفئة الشابة، وزجها في المعتقلات وممارسة صنوف التعذيب الجسدي والنفسي بحقها،خدمة لبقاءها ناقوس خطر كبير داخل المجتمع ، عمد الكاتب من ناحية أخرى لتجسيد الوئام الفطري بين الناس، أشار للدماثة والطيبة، واستقامة الأخلاق، ولتعرض السلطة لها من خلال المس بكرامتها، ذلك خلق مع الوقت نقمة كبيرة واستياء فاضحاً، وخلق البيئة الضرورية لخلق انتفاضة جماهيرية، فقد نجح الكاتب في تطعيم الرواية الواقعية بمؤثرات رومانسية، واستطاع أن يحقق المطلب الفني من تدشين الخطاب الروائي الجديد، لسنا بمعرض توصيف ينحو منحى الإطراء ، بقدر ما حاولنا أكثر فهم الرواية عبر تسخيرنا لأدوات رؤيوية لابد من تدعيمها إزاء الحدث الذي يتخلل النص، ويحيله إلى بحث عن مجمل القضايا النفسية والسياسية، في قدرتها على إيلاء الفن والنقد والدراما معاً ، وهذه براعة تحسب للكاتب، غير المتأثر بالواقعية الروسية تأثراً تسجيلياً، وليس مرائياً لأعمال الرومانسيين وشحطاتهم نحو الخيال، حيث استطاع قيادة دفة الرواية متناولاً الوسطية في مواكبة الواقع وبلغة وجدانية عقلية،مفسحاً للشخوص إكمال الأفكار على نحو تسلسلي مترابط، ينم عن معنى ومدلول يتم سبره فيما بعد، على نحو ما بنزوعه للتأمل في خلجات الذات الإنسانية ، في عبورها أمام الحدث المفعم بسياقات تقودنا بدورها لسجال ذاتي موضوعي، يكشف عن علاقة الإنسان المعرفي بمعضلة الوجود ، وعدم استقرار الحياة الطافحة بالتساؤل، كذلك بتناولنا لرواية قبل الميلاد، تلمع في أذهاننا فكرة مفادها ، أن مشكلة الإنسان الأولية تتكرر في ميادين الصراع لأجل الحرية بمسماها الخالص المتعري من كل إيديولوجية تتأسس عليها، فالبحث عن الأفضل، تداول أزمات السلطة في بثها الاغتراب المزمن في المجتمع، إشكالية الحب في ظل المجتمعات المقهورة، المكبلة بمأساة القمع والفساد والفقر على نحو متشابك ومضطرب، الأمر الذي خلق صعوبات جمة في طريق النهضة العملية، وأربك من فعالية التفكير النقدي لدى الأفراد، بمعنى آخر ، تكبيلهم وزجهم في أحلام لا تنتهي، وتضاؤل الفعل الحركي المولد لعناصر التغيير، لصالح تنامي بطش السلطة وزيادة نفوذها، وحربها الحقيقية مع البيئة، حيث خلق التلوث والإضرار، تحويل موارد البيئة الطبيعية لمشاريع تجارية تدر الربح ، حيث الجشع الذي لا حدود له، وبالتالي استشراف خطير لظاهرة الحروب الرأسمالية، واستنزاف موارد دول ودمارها، حسث استطاعت الراوية الخوض في إشكالية خطيرة ناجمة عن القمع الذي ترتكبه السلطات المستبدة في استنزاف الشعوب ، إضافة لمواردها الطبيعية، فهذه الحرب وفقاً للرواية هي حرب ضد الإرادات ، حرب ضد الأصالة ، العراقة، القيم الطبيعية، الحب, وهكذا فإن الكاتب أشار للفئة الشابة التنويرية المعرضة أبداً للقمع والتكميم، أشار أيضاً لعلاقة همام البطل بسلفه عبد الرحمن الكواكبي، في إشارة إلى امتداد المسيرة في مواجهة الاستبداد، دون هوادة، حيث أننا قسنا الأفكار وفق سيل الرسائل الإيحائية، التي تمخضت عن الرواية، فأبطالها شباب، يعاني كل منهم ألماً مقابلاً لألم الآخر، والتشاؤمية تمثل الواقع الهش، الذي لم يعد فيه متسع للبشاشة والفرح، إننا نقف على أعتاب رواية نقدية تقدم للمتلقي المتأمل، بحثاً تشويقياً، بلغة لا تنقصها الحنكة والدراية بما يحيط ويتخلل المشهد البائس، لذا أمكن لنا أن نؤرخ التأملية في سياقها الممنهج بأنها فن صياغة الحدث زلفى إلى الجمال،كونها تشخصن وتحلل، وتقف على العلل النفسية، في إسقاطها على الحدث السياسي العام برمته، وتذهب بعيداً في تحليل الحياة في كونها مدعاة استفهام دائم عن سبل التعريف بمسيرة الإنسان المعرفي ، باني الحضارة وحارس الوجود، صحيح أن الحلم لايؤتي بنتيجة مباشرة، كما سعى بطل الرواية إليه في أكثر من موضع، لكن لا يخفى لنا أن الحلم هو بمثابة الفاحص للواقع بأدوات التخييل ، التي هي في ذاتها أدوات واقعية صرفة، وفي سياق الإنسانيات وعلومها، نجد روح الخيال كامناً في المعالجة، في مداراة الوجع الفردي، وكذلك فالوعي بالحلم هو بمثابة استقصاء لصيرورة علاقة الإنسان بعلم الأساطير، تواشجه مع النبوءة كفعل دائم، يتخلص في أن خيار الإنسان النهضوي يتمثل في المواجهة بصلابة وإيمان، وهذا ما استطاعت الرواية إخراجه ، وأرادها الكاتب في سياق هادف مفاده ، أن زمن التعليب والتدجين الإيديولوجي شارف على الفناء، وأن الانتصار الوحيد المنشود هو في إحياء المجتمع الطبيعي بقيمه وأفراده الساعين نحو الأفضل ..






















• الهوامش:
1- وليم شكسبير (بالإنجليزية: William Shakespeare) شاعر وكاتب مسرحي وممثل إنجليزي بارز في الأدب الإنجليزي خاصة والأدب العالمي عامة، سمي بــ"شاعر الوطنية" و "شاعر افون الملحمي"، ولد شكسبير في سنة 1564 وترعرع في "ستراتفورد ابون أفون"، وارويكشاير. في عمر الثامنة عشر تزوج ب "آن هاثاواي" وأنجب منها ثلاثة أطفال هم : سوزانا و التوأم هامنت وجودث. بدأ ويليام رحلته الوظيفية الناجحة كممثل وكاتب وشريك في شركة تمثيل تسمى "رجال اللورد شامبرلين" وذلك بين عامي 1585 و 1592 وقد اعتزل إلى ستراتفورد حوالي عام 1613 في عمر ال 49 حيث توفي بعدها بثلاث سنين
2- فريدريش فيلهيلم نيتشه (بالألمانية: Friedrich Nietzsche) ‏ (15 أكتوبر 1844 - 25 أغسطس 1900) كان فيلسوف ألماني، ناقد ثقافي، شاعر ولغوي وباحث في اللاتينية واليونانية، كان لعمله تأثير عميق على الفلسفة الغربية وتاريخ الفكر الحديث.
3- ألفريد ادلر (7 فبراير 1870 - 28 مايو 1937)، هو طبيب عقلي نمساوي،[1] مؤسس مدرسة علم النفس الفردي،[2] اختلف مع فرويد وكارل يونغ بالتأكيد على أن القوة الدافعة في حياة الإنسان هي الشعور بالنقص والتي تبدأ حالما يبدأ الطفل بفهم وجود الناس الآخرين والذين عندهم قدرة أحسن منه للعناية بأنفسهم والتكيف مع بيئتهم.
4- أمين معلوف أديب وصحافي لبناني ولد في بيروت في 25 فبراير 1949 م، امتهن الصحافة بعد تخرجه فعمل في الملحق الاقتصادي لجريدة النهار البيروتية. في عام 1976 م انتقل إلى فرنسا حيث عمل في مجلة إيكونوميا الاقتصادية، واستمر في عمله الصحفي فرأس تحرير مجلة جون أفريك، وكذلك استمر في العمل مع جريدة النهار اللبنانية وفي ربيبتها المسماة النهار العربي والدولي في 2010.
5- جان جاك روسو (28 يونيو 1712، جنيف - 2 يوليو 1778، إيرمينونفيل) هو كاتب وأديب وفيلسوف وعالم نبات جنيفي، يعد من أهم كتاب عصر التنوير، وهي فترة من التاريخ الأوروبي، امتدت من أواخر القرن السابع عشر إلى أواخر القرن الثامن عشر الميلاديين. ساعدت فلسفة روسو في تشكيل الأحداث السياسية، التي أدت إلى قيام الثورة الفرنسية. حيث أثرت أعماله في التعليم والأدب والسياسة.
6- أبو حيان التوحيدي (310 - 414 هـ / 922 - 1023 م) فيلسوف متصوف، وأديب بارع، من أعلام القرن الرابع الهجري، عاش أكثر أيامه في بغداد وإليها ينسب.،وقد امتاز أبو حيان بسعة الثقافة وحدة الذكاء وجمال الأسلوب، فهو رجل موسوعي الثقافة ،سمي أديب الفلاسفة وفيلسوف الأدباء كما، امتازت مؤلفاته بتنوع المادة، وغزارة المحتوى؛ فضلا عما تضمنته من نوادر وإشارات تكشف بجلاء عن الأوضاع الفكرية والاجتماعية والسياسية للحقبة التي عاشها، وهي -بعد ذلك- مشحونة بآراء المؤلف حول رجال عصره من سياسيين ومفكرين وكتاب.
7- السيرافي (284هـ - 368هـ): أبو سعيد الحسن بن عبد الله المرزبان السيرافي النحوي المعروف بالقاضي؛ ولد في سيراف وبها ابتدأ بطلب العلم، وخرج منها قبل العشرين ومضى إلى عُمان وتفقه بها، ثم عاد إلى سيراف، ومضى إلى عسكر مكرم فأقام بها عند أبي محمد ابن عمر المتكلم، وكان يقدمه ويفضله على جميع أصحابه، ودخل بغداد، وخلف القاضي أبا محمد ابن معروف على قضاء الجانب الشرقي ثم الجانبين. وكان من أعلم الناس بنحو البصريين. قرأ القرآن الكريم على أبي بكر ابن مجاهد، واللغة على ابن دريد، والنحو على أبي بكر ابن السراج النحوي، وكان الناس يشتغلون عليه بعدة فنون: القرآن الكريم والقراءات، وعلوم القرآن والنحو واللغة والفقه والفرائض والحساب والكلام والشعر والعروض والقوافي.
8- أبو بشر، متى بن يونس القنائي، مترجم وفيلسوف نسطوري نصراني عاش في بغداد في زمن الخليفة الراضي بالله، وهو من أهل دير قنا الذي يبعد 94 كيلًا عن بغداد. تلقّى علومه في مدرسة «قار ماري» على أيدي أساتذة عدة منهم الراهبان: روبيل وبنيامين، وقرأ المنطق على يد أبي إسحاق إبراهيم القويري المنطقي. انتهت إليه رئاسة المنطق في عصره، وتخرج على يديه يحيى بن عدي الفيلسوف المنطقي التكريتي -نزيل بغداد- الذي أخذ مكانه في رئاسة المنطق بعد وفاته، كذلك درس المنطق على يديه أبو نصر محمد الفارابي. أجاد متى كل من اللغة اليونانية والسريانية والعربية، ونقل الكثير من تصانيف أرسطو، وفرفريوس، وثامسطيوس، والإسكندر الأفروديسي. وشرحها، وعلى شروحه يعوّل الناس في القراءة. وترجم لإسحاق بن حنين كتابه البرهان من السريانية إلى العربية. كما ألف متى كتابًا أسماه المقاييس الشرطية. قال ابن خلكان في الكلام عن الفارابي: كان حسن العبارة في تأليفه، لطيف الإشارة. وكان يستعمل في تصانيفه البسط والتذييل، حتى قال بعض علماء هذا الفن: «ما أرى أبا نصر الفارابي أخذ طريق تفهيم المعاني الجزلة بالألفاظ السهلة إلا من أبي بشر»[1]. وكان أبو نصر يحضر حلقته، في غمار تلامذته. له مع أبي سعيد السيرافي مناظرة مشهورة حول المنطق والنحو، أوردها أبو حيان التوحيدي في كتابيه: المقايسات، والإمتاع والمؤانسة.
9- هو آخر أمراء الدولة الإخشيدية في مصر، حكم من عام 357 هـ حتى 358 هـ، وكان حينها طفلًا لم يبلغ الحادية عشرة من عمره، دُعِي له على المنابر بمصر وأعمالها والشام والحرمين. وأجمع الرأي بعد وفاة "كافور الإخشيدي" على ولاية أبي الفوارس أحمد بن علي بن الإخشيد، فحسنت سيرته، وأمر برفع الكُلَف والمؤن، وتعطيل المواخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونقص النيل، وكثر الغلاء في أيامه، واشتد حتى أكل الناس الجيف والكلاب، وعُيِّن الحسين بن عبيد الله بن طغيج وصيًا عليه. فاستبد الحسين بالأمر و قبض على الوزير جعفر بن الفرات، وأساء معاملة الأهالي حتى سخط الناس عليه. وأمام هذا الانهيار الكبير في أحوال البلاد، أرسل المعز لدين الله حملته الثالثة على مصر بقيادة "جوهر الصقلي" الذي استطاع هذه المرة أن يسيطر على مصر سنة 358 هـ/ 969 م، ويسقط الدولة الأخشيدية.
10- موهانداس كرمشاند غاندي (بالإنجليزية:Mohandas Karamchand Gandhi)؛ (2 أكتوبر 1869 - 30 يناير 1948) كان السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلال الهند. كان رائداً للساتياغراها وهي مقاومة الاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل، التي تأسست بقوة عقب أهمسا أو اللاعنف الكامل، والتي أدت إلى استقلال الهند وألهمت الكثير من حركات الحقوق المدنية والحرية في جميع أنحاء العالم. غاندي معروف في جميع أنحاء العالم باسم المهاتما غاندي (بالسنسكريتية : महात्मा المهاتما أي 'الروح العظيمة'، وهو تشريف تم تطبيقه عليه من قبل رابندراناث طاغور، [1] وأيضاً في الهند باسم بابو (بالغوجاراتية : બાપુ بابو أي "الأب"). تم تشريفه رسمياً في الهند باعتباره أبو الأمة؛ حيث أن عيد ميلاده، 2 أكتوبر، يتم الاحتفال به هناك كـغاندي جايانتي، وهو عطلة وطنية، وعالمياً هو اليوم الدولي للاعنف.
11- شارل لوي دي سيكوندا المعروف باسم مونتيسكيو ((بالإنجليزية: Montesquieu))؛ (18 يناير 1689 - 10 فبراير 1755)، فيلسوف فرنسي صاحب نظرية فصل السلطات الذي تعتمده غالبية الأنظمة حاليا.،ولد مونتسكيو في جنوب غرب فرنسا بالقرب من مدينة بوردو عام 1689 حيث تعلّم الحقوق وأصبح عضو برلمان عام 1714.
12- جلجامش (باللاتينية: Gilgamesh) يعتبر خامس ملوك أورك حسب قائمة الملوك السومريين كان جلجامش لزمن بعيد يعتبر شخصية أسطورية ولكن الأعتقاد السائد الآن انه كان بالفعل موجودا وذلك بعد اكتشاف الواح طينية ذكرت فيها اسم ملك كيش انمين باركاسي الذي ذكر أيضا في ملحمة گلگامش ولكن الاساطير تشكل جزءا مهما من المعلومات المتوفرة عن جلجامش.
13- ميخائيل باختين (1895 ـ 1975م) فيلسوف ولغوي ومنظر أدبي روسي (سوفييتي). ولد في مدينة أريول. درس فقه اللغة وتخرج عام 1918. وعمل في سلك التعليم وأسس «حلقة باختين» النقدية عام1921.
14- أبو البقاء صالح بن يزيد بن صالح بن موسى بن أبي القاسم بن علي بن شريف الرندي الأندلسي (601 هـ -684 هـ الموافق: 1204 - 1285 م) هو من أبناء (رندة) قرب الجزيرة الخضراء بالأندلس وإليها نسبته.،عاشَ في النصف الثاني من القرن السابع الهجري، وعاصر الفتن والاضطرابات التي حدثت من الداخل والخارج في بلاد الأندلس وشهد سقوط معظم القواعد الأندلسية في يد الأسبان، وحياتُه التفصيلية تكاد تكون مجهولة، ولولا شهرة هذه القصيدة وتناقلها بين الناس ما ذكرته كتب الأدب، وإن كان له غيرها مما لم يشتهر، توفي في النصف الثاني من القرن السابع ولا نعلم سنة وفاته على التحديد.
15- سعد الله الجابري (1309 هـ/ 1891م - 1366 هـ / 1948م) هو السيد سعد الله بن عبد القادر لطفي الجابري، ولد في حلب عام 1894 لعائلة عريقة ،مشهورة بالوطنية والدين والثراء. والده السيد الحاج عبد القادر لطفي الجابري الحسيني مفتي ولاية حلب بن العلامة السيد مراد بن السيد الحاج عبد القادر مفتي حلب ونقيب أشرافها بن السيد الحاج مصطفى مفتي حلب ونقيب أشرافها بن الشيخ أحمد الشهير بالجابري بن السيد موسى بن السيد أبو بكر بن السيد محمد أسعد الحلبي الحسيني.
16- يوسف ((بالعبرية: יוֹסֵף)، الاسم المعتاد يوسف النطق في اللغة العبرية الطبرية Yôsēp̄؛ "يزيدني الرب ابنًا آخر"؛ (بالعربية: يوسف) ، Yūsuf) شخصية مهمة في الكتاب المقدس وفي القرآن، إذ يربط قصة إبراهيم وإسحاق ويعقوب في كنعان (فلسطين) بالقصة اللاحقة لتحرير بني إسرائيل من العبودية في مصر.
17- جان-بول شارل ايمارد سارتر (21 يونيو 1905 باريس - 15 أبريل 1980 باريس) هو فيلسوف وروائي وكاتب مسرحي كاتب سيناريو وناقد أدبي وناشط سياسي فرنسي. بدأ حياته العملية استاذاً. درس الفلسفة في ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية. حين إحتلت ألمانيا النازية فرنسا، إنخرط سارتر في صفوف المقاومة الفرنسية السرية. عرف سارتر واشتهر لكونه كاتب غزير الإنتاج ولأعماله الأدبية وفلسفته المسماة بالوجودية ويأتي في المقام الثاني إلتحاقه السياسى باليسار المتطرف [1]. كان سارتر رفيق دائم للفيلسوفة والأديبة سيمون دي بوفوار التي أطلق عليها اعدائها السياسيون "السارترية الكبيرة". برغم أن فلسفتهم قريبة إلا أنه لا يحب الخلط بينهما. لقد تأثر الكاتبان ببعضهما البعض.
18- كارل هانريك ماركس، (بالألمانية :Karl Marx، تلفظ ألماني: [ka:ɐ̯l ˈhaɪnʀɪç ˈma:ɐ̯ks])، كان فيلسوف ألماني، واقتصادي، وعالم اجتماع، ومؤرخ، وصحفي واشتراكي ثوري (5 مايو 1818م - 14 مارس 1883م). لعبت أفكاره دورًا هامًّا في تأسيس علم الاجتماع وفي تطوير الحركات الاشتراكية. واعتبر ماركس أحد أعظم الاقتصاديين في التاريخ.[8][9][10][11] نشر العديد من الكتب خلال حياته، أهمُها بيان الحزب الشيوعي (1848)، و رأس المال (1867–1894).
19- عبد الرحمن أحمد بهائي محمد مسعود الكواكبي (1271 هـ / 1855 – 1320 هـ / 1902م) أحد رواد النهضة العربية ومفكريها في القرن التاسع عشر، وأحد مؤسسي الفكر القومي العربي، اشتهر بكتاب «طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد»، الذي يعد من أهم الكتب العربية في القرن التاسع عشر التي تناقش ظاهرة الاستبداد السياسي.
20- فلاديمير ألييتش أوليانوف المعروف بـلينين (بالروسية: Владимир Ильич Ульянов) ولد في 22 ابريل عام 1870 وتوفي في 21 يناير عام 1924. كان ثوري روسي ماركسي وقائد الحزب البلشفي والثورة البلشفية، كما أسس المذهب اللينيني السياسي رافعاً شعاره الأرض والخبز والسلام.
21- فيساريون جريجوريفيتش بلنسكي (11 يونيو 1811 - 7 يونيو 1848) (بالروسية: Виссарио́н Григо́рьевич Бели́нский) هو ثوري وناقد أدبي وعالم جمال روسي. ولد بلنسكي في سفيبورج من أسرة طبيب، ودرس الأدب في جامعة موسكو من 1829 حتى 1832، ثم التحق عام 1833 بمجلة "تلسكوب" التي نشرت أول مقالة هامة له، وتولى تحرير مجلة "موسكو فسكي نابليو داتيل"، ثم انتقل عام 1839 إلى مدينة سان بطرسبورج وعمل في مجلة "اوتتشستفني رابسكي"، وفي 1846 أصبح الناقد الرئيسي لمجلة "سوفرمنيك"، وانتقد بلنسكي في مقال له "رسالة إلى غوغل" حكم الأقلية والكنيسة الاورثوذكسية. وعارض الرواية الرومانسية ودعا إلى الواقعية.
22- إيمانويل كانت (بالألمانية: Immanuel Kant) [ملاحظة 1] هو فيلسوف ألماني من القرن الثامن عشر (1724 - 1804). عاش كل حياته في مدينة كونيغسبرغ في مملكة بروسيا. كان آخر الفلاسفة المؤثرين في الثقافة الأوروبية الحديثة. وأحد أهم الفلاسفة الذين كتبوا في نظرية المعرفة الكلاسيكية. كان إيمانويل كانت آخر فلاسفة عصر التنوير الذي بدأ بالمفكرين البريطانيين جون لوك وجورج بيركلي وديفيد هيوم.
23- دون كيخوتي دي لا مانتشا (بالإسبانية: Don Quijote de la Mancha) رواية للأديب الإسباني ميغيل دي ثيربانتس سابيدرا، نشرها على جزئين بين أعوام 1605 و1615.

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!