بقلم: ريبر هبون
ليس الحلم في ماهيته، مجموع رؤى وأخيلات متضاربة ،تعكس الحدث اليومي، بل هو مدلول عميق الكنه في المجموعة القصصية التي تحمل عنوان: الصمت، وقد بدأها الكاتب محمود الوهب في جعل الصمت دليلاً لعالم الحلم، حيث الغبطة الروحية، والطمأنينة المفقودة في واقع تتنازعه عوالم الصخب والضوضاء، هذا ما نلمسه في ثنايا اللغة الدالة على أحلام منتهكة وتطلعات طبيعية لعالم طبيعي ، تتآلف فيه الأحلام، لتغدو متكأ تأملياً لبث الحياة عبر القيمة الجمالية، بمعنى بيانها بصورة جلية للذات الأخرى والعالم برمته، ولاشك أن انغماس المرء بعوالم الحلم الزاهية، دليل على تعبها وانهماكها إزاء واقع مأساوي لا روح له ولا أدنى تصور للحلم، واتكاؤنا في هذه الدراسة على سبر رمزية الحلم معناه إيغالنا أكثر حول دواعي خلود المرء إليه، وكذلك لمعرفة خبايا النفس وآمالها المنتهكة على مسرح المأساة، ففي طيات ذلك الهم الواقعي ، يرقد الوقت المتأبط تلك العقارب الموضوعة في الساعة، فهي لا تتوقف، ويستحيل أن تنزل لرغبة الإنسان الحالم، لهذا يشير الكاتب إلى تفاوت حسابات الحلم إزاء حياة تمضي بعكس التصورات الافتراضية، لنتأمل هنا في القصة الأولى ، لنسلط الضوء على مغريات الرمز في النص ص2:
(لحظة يا بنت الكلب، لحظة واحدة وسأعرف كيف أوقفك.. ستخرسين إلى الأبد) حبات من العرق البارد نزّت من جبينه.. ( وماذا بعد أيتها الخبيثة، ستنزلين ،يعني ستنزلين!) مد يده للأعلى قليلاً.. حاول الاستعانة علىى ذلك.. بالوقوف على أصابع قدمه اليسرى، جاعلاً اليمنى في فراغ حيث نجد اللهث العميق في مسيرة الإنسان المحاول أن يمسك بتلابيب الوقت والزمن المسرع لصالحه ، بيد أن الصعوبات والحواجز دوماً تعيقه عن بلوغ مراده ولاسيما اتجاهات الآخرين وتنازعهم في جعبة هذا الوقت والعمر القصير، وقد سلط الكاتب الضوء ، إلى اشكالية الإنسان والوقت، فهو إزاءه في حالة صراع كاملة لأجل تحقيق ما أمكن من طموحات وآماني وتصورات قبل أن يتحطم المرء على مرآها، تلك الرؤى المضرجة بعديد التساؤلات عن مسيرة الإنسان المبدع في ظل عالم مفضي للفناء، ويحاول على إثر ذلك الصراع مع العوائق والحواجز للظهور بمظهر أنيق يمثل حقيقة الفن في تعانقه مع الخلود، ففي جمالية السعي وراء الحلم ، لذة الهدوء والعيش في عالم متسامي عن فداحة الواقع المليئ بالمسارات الخادشة لحيوية الذهن ومآلات الخيال في غوصنا بعيداً وعميقاً داخله، لاستنباط الجماليات القائمة على التماهي بالطبيعة، والانتصار لها كشكل وجوهر، وأمام بؤس مشهدية الحدث ما يلبث أن يركن عبد المجيد هنا للحلم، للتصارع مع القسوة والتلاشي، والوقت هنا هو العامل الباعث على بذل الجهد، تحديه يشير هنا ليأس يحيط الإنسان الساعي لبذل الأفضل، أمام موجات التغيير والصراع القائمة، فأمام هذه القتامة الكونية التي يعايشها الإنسان ، لابد له من أن يقصي كل العوائق في سبيل الهناء بلحظة حلم مشتهاة بعيدة عن أوجاع العالم والسياسة ومهالك الحروب، وخواء الفاسدين ،هذه كانت الرسالة الأكثر جلاء ضمن قصة أسهبت في الدفع بالعديد من التساؤلات ليتم إزالة النقاب عنها ، لتظل محل رحابة ونهضة وتنوير ، وعبر ثالوث الحلم، الوقت، الصمت، حيث يظل الحلم صمام أمان لمواجهة الواقع المهتز، ويظل الوقت بمثابة السيف المسلط على مدركات الساعين لبلوغ المراتب البعيدة، وأما الصمت فيمثل خلاصة البحث والسعي والمواجهة في خضم كون متلاشي مهما طال الزمن..!
ففي ذكر الأماكن تنفتح فسحات الحنين لدى المتلقي، وذلك ما يدركه الكاتب في إبرازه للمكان، وتفاصيله، مع إيضاح قدم وأزلية علاقة الإنسان بالوجود، لأنها علاقة بالذاكرة والجذور، وتأصل بكل ما يمته الوجود من ملامح وثغرات يتم من خلالها الولوج للتقاليد الجمعية، التي تعاقد عليها البشر، ومنها جاءت القيم الطبيعية لتعزز صلاحية المفاهيم الخامة، وجاءت اللغة الأدبية لتعبر عن مكامن تلك القيم وما يحتويها من شحن للهمم ، وإذكاء شرارة الصراع فيها، لتحصيل الحدود المقبولة لنيل ريادة الوجود المشبع بقيم النور إزاء الحلكة القامعة، لعل الأدب القصصي بصورة مباشرة وغير مباشرة يدخل ضمن هذا البند لبيان حقيقة التنازع الجوهرية بين المستنيرين وقوى التشويه العازمة على النيل من الجمال، وتباين نظراته بين الفلاسفة والأدباء، ولعل تناقل الهم القصصي هو جزء من نسيج التنازع وحيثياته، في بلوغ سلم الاعتزاز النفسي ، ولإحداث بناء متين من القيم والمعارف التي يتم التعبير عنها في الغالب في أشكال الأدب ، شعرية كانت أم قصصية، حيث يعمد الكاتب محمود الوهب من خلال قصصه ومجموعته الصمت لجعل الصمت الباب المشرع لسبر العديد من القضايا التي تتمحور حول المجتمع وبيان حقيقة التنازع بين قوى التغيير والمحافظة ، نشوب هذه الحرب الضروس ، وماهية تلك الحرب ونتائجها في صناعة الفن، ولعل المعزى من تجسيد الألم الفردي هو التسليط على الجوانب الواقعية من حياة المجتمعات في ظل العزلة والاحتقان بمضامينه السلبية، فالبحث عن قيم المجتمع والحديث عن ذلك ضمن نصوص مشبعة بالشجن وولوج الذات تجاه عسف الآخر، يعتبر الهدف الأبرز في عملية القص الواقعي، فعظمة القص تتأتى من سعة المعالجة وانفتاح أفقها، وفتحها لمسارب الحوار وتشعب مساراته ، في ذلك تكمن الجمالية المنشودة، يحيلنا الكاتب محمود الوهب من خلال قصة البغل هذه، البغل الواقف قرب باب بيت عبد الرحيم بل ويكاد يسد الشارع ، إلى رمزية مقولة سارتر1 في جعل الآخر جحيماً، ننظر هنا للنص ص11:
" قام إلى الغرفة تناول كأساً آخر من الزجاجة، لكن دونما ثلج هذه المرة.. خرج إلى أرض الديار، اقترب من الباب، نظر من شق فيه.. البغل ما يزال رابضاً في مكانه.. يكاد يسدّ الشارع كلّه وليس الباب فقط.. إذاً لا سبيل إلى الخروج.. لفت نظره حائط الباب الواطئ قليلاً، ماذا لو صعد عليه، فهوى بحجر ثقيل فوق رأس هذا البغل الغليظ..؟ وليذهب بعدئذ هو وصاحبه إلى الجحيم..! ولكن هل يقدر على حمل الحجر..؟! إنّه ليس بحاجة إلى حمل الحجر من الأسفل.. يكفي أن يدفع أيّ حجر من أعلى الجدار حتى يسقط في الحال.. وما عليه إلا أن يحكم الضربة لتكون القاتلة..!"
ففي تعبير سارتر أن الإنسان لا يمكنه إنقاذ نفسه من تساؤلاته وآلامه ، حيث يبحر في الوجودية ، ليجد أن الآخر يمثل للمرء العائق، مما نجد أن الكاتب عبَّر عن ذات الفكرة في رمزية البغل، من كونه العائق العضوي تجسيداً والتحدي الأكبر معنوياً يحول دون بلوغ الحياة الفضلى، وبكل الأحوال يبذل المعرفي المبدع مجهوداً في ظل أي خطاب أو نص يحمله للمتلقي ليبرهن عن ذات المشكلة الوجودية التي تؤرق مسارات حياتنا برمتها، إذاً فالإنسان الوحيد من يحمل خياراته إزاء الوجود المعلن ويتحمل نتائج اختياراته ونعوته، تجاه الأشياء والظواهر، وكما أن الآخر يشكل العائق المثالي لصيرورة حياتنا برمتها، غير أننا ندين له بالفضل ، كونه الحلقة الأهم في تعرفنا على ذواتنا وكيفية الأخذ بها في الحياة، حيث نجد الكاتب محمود الوهب يهتم بجدلية الذات والآخر في سياق البحث عن المشكلات الوجودية، ومعرفة المدى المجدي من الخوض فيها، ولعل وجودية الوجع في ذاكرتنا تتدخل في نظراتنا الجدلية لحتمية مسار الحياة القائمة على الارتقاء للفناء ، ولكن ديمومة الماضي في الإنسان يزداد تأصلاً وما يلبث أن يطفو على السطح ، فالبغل هنا موجود في الذهن وإن خيل لعبد الرحيم أنه تجسد قرب باب منزله، لهذا عمد إلى محاولة إخراجه ، وحين نجا من الحجر الكبير إذ به يهرع هرباً داخل المدينة لنجد النتيجة المفاجئة لنا ص12:
"حين صار عبد الرحيم فوق الجدار، فاجأه البغل برأس مرفوع إليه، وبضحكة عريضة، قلبت شفته الغليظة العليا، لتظهر من خلفها أسنانه الكبيرة الصفراء.. تبادلا نظرات لئيمة خاطفة، سارع بعدها عبد الرحيم إلى الحجر، يهمّ بإسقاطه، لكنّ الدوار المفاجئ الذي اعتراه، جعله والبغل والحجر الثقيل، يدورون كلّهم في زوبعة واحدة.. أما البغل الذي ارتج من هول الارتطام، وأجفل، فقد نتر رسنه على نحو عفوي، فأفلت من حجر الجدار، وحين صارت روحه إلى الحرية، وتاق جسده إلى الحركة والانطلاق.. مضى، في ركض عنيف، هائج، يجوب حواري المدينة وأزقتها، والأستاذ عبد الرحيم مكوّم فوق ظهره، تغزو رأسه صورُ ومشاهدُ، لم تكن لتخطر على باله، من قبل، أبداً..!"
ونحن في سياق تلك الصور والمشاهد التي هي مفصل قصة البغل وفي حديثنا عن سارتر وبيان مقولته أن الآخر يمثل الجحيم ، دلالات هامة فهنا قال سارتر في مسرحيته (الجلسة السرية) إن" الجحيم هم الاخرون ".، الأخرون الساعون لإثبات منهج حياتهم، وكذلك لإغراق ما في جعبتنا من أهوال وعوائق يزرعونها جاهدين في طريقنا وهكذا فإن المسعى الإبداعي الذي نبثه في دواخلنا يمهد لجدلية الأنا والآخر على نحو مفصح أكثر
فنقول أن العاشق مثلاً يطمح إلى ان يرى ذات المحبوب تتلاشى في ذاته، بينما في صميم المشهد الواقعي نجد أن الأفكار تتهافت لصنع مذهبها الحي بعيداً عن الرؤى الوجدانية المباشرة، فلاشك أن الرغبة في الحل والاحتكام لمنطق أن الحياة هي خليط من مفاهيم غير مستقرة، وأحلام تغزو المرء ، وما تلبث أن تنال منه قسطاً يسيراً من التأمل، مما يجعل الذات المبدعة تحاول جاهدة للوصول بالحقيقة الإبداعية إلى مبتغاها الهادف ، وهو صناعة طرائق مفيدة من الارتقاء بوعينا التحصيلي الناتج عن خبرات وحوافز وإمكانات نتبادلها من جوهر هذا التنازع ، ففي موضوع سعي المحب للتوحد بجزأه الآخر وهو ما يشبه علاقة المبدع بأدوات إبداعه ومن ثم بوجوده ، بيئته ومشكلاتها، فلا شك أن ذلك يتحقق بعملية الإندماج الكلية مع تلك القضايا لتصبح العامل الأقوى للإبداع، فالصور والمشاهد التي تزاحمت في مخيلة عبد الرحيم أثناء نجاة البغل من الحجر هو الماضي بأحداثه وتجلياته على النفس،فالاندماج مع الذاكرة هو غير ذلك الاندماج المتحقق في العلاقة الوجدانية بين الرجل والمرأة،ولكن يوم يتحقق هذا الأندماج، يفقد العاشق شخصية من كان يحب، ويستعيد عزلة (الأنا)، هنا نجد أن الأنا هنا هي المفصحة عن خيارات الذات في تشظيها وبحثها الدائم عن حلول لوقائع تتوسط الماضي والنزوع الاستشرافي للمستقبل، ثم أن كان الحب يعني رغبتنا في أن نحب، فهو يعني أيضاً انقيادنا نحو سبر ماهية الارتقاء للأفضل في طلبنا الخير الأقصى بمسماه الواقعي، وهو ما جعل الكاتب محمود الوهب من لغته القصصية دأبه ومساره، فالهاجس الإبداعي برمته والقصصي على نحو خاص يمعن أكثر في إشكالية الذات والآخر، واصفاُ في الآن ذاته سعي الذات للتوحد بالآخر وجدانياً ،فهو يعني أيضا أن يريد الآخر حبنا له أي أن يكون في حاجة إليه، من هنا تتحقق جمالية المسعى ، وكذلك يتحقق الشرط الإبداعي في البحث عن الحياة التي يرتقي لها المعرفيون في المسير بهذا الموج المجتمعي نحو حقيقة الوجود الحر المحكوم بالجمال، رغم جدلية التنازع القائمة في كل ركن وصعيد وتحكمه بكافة المسارات والميادين المختلفة
إذن فوجود العاشقين هو في تنازع دائم، كأي وجود آخر، ولعل عشق المرء للطبيعة، للحياة المتأصلة بروح المكان ، الجبال، هو ما راح الكاتب يعبر عنه في قصة -المهر الأبيض خميس- حيث يكتظ الحنق والحقد في فورة الغضب التي انتابت عامر حين علم أن أحد المتنفذين ورجاله استخدموا المهر الأبيض خميس في الفلاحة فإلاما يرمز هذا الحنق، إنه يشكل انعطافة حقيقية في رصد مدى الغيرية التي انتابته إثر تعلقه برمزية وجمالية هذا المهر، ومدى تأثره من أن يكون هذا المهر وسيلة حراثة، حيث يكشف الكاتب محمود الوهب عن نقطة محيرة عصية التناول وهي فكرة أن الجمال الذي يتعلق به عامر هو لأنه لا يحتمل أن يكون المهر الأبيض بمرتبة الثور الذي يحرث الأرض، بل توسم في جمال المهر حقيقة الاندفاع والجموح وسبر ألغاز الطبيعة، وكذلك رمزية المهر وهو بمثابة النفيس الذي لا يمكن أن يوهب لأحد لو لأجل الإعارة المؤقتة، لنتأمل هنا ص17: " ما الذي يمكن أن يوجد فوق تلك القمة؟! القمة الداكنة التي تبدو وكأنها ما ارتفعت وتطاولت على ذلك النحو إلا لتعانق وجه السماء..؟! أمّا في طفولته البعيدة، فقد كان يظن أن الله وحده يقيم هنالك..! ومن ذلك العلوّ، يطل على الدنيا التي خلقها، يراقب الإنسان الذي يعمِّرُها أو يُفْسِدُ فيها..!
خميس، بالطبع، لا يعرف كل هذه القصص، ولكنه، مهتم بمفاجأة عامر، وبإدخال الفرح إلى نفسه.. وهاهو ذا الآن يجتاز المخاوف كلّها، ويصل به إلى أعلى القمة، إلى وسطها تماماً، إنّه الآن في تلك الأعالي.. يتيه ويختال.. وعامر على متنه.. تبحر عيناه في الجهات غير المتناهية.. يا إلهي أ أنا في حُلْمٍ..؟! أم في عِلْم..؟! كيف أكون في حلم؟! وهذا النغم، هذا الصهيل، صهيل خميس يصدح وتردد صداه الأعالي والأرجاء..؟!"
يجسد الكاتب بلغة شعرية مفعمة بالتأملية المدركة، لحقيقة الجمال، الكامن في صهيل جامح ورغبة في الاستماع لأهازيج الطبيعة ووصاياها، فكلما كان الإمعان في ذاتنا عبر مرايا الوجود ، كلما بانت حقيقتنا الجميلة أكثر واتسعت باتساقها وتناغمها مع الطبيعة، هكذا يكون الوعي بالجمال خالصاً، وتكون للحكمة دلالتها، كون الحكمة هي ابنة الجمال الكامن في الوجود ، ولا يتحقق وعينا بالوجود دون إيغالنا بالسحر في هذا العالم المكتظ بألغاز النشوة الخلابة ، عبر التجوال في مداه المطلق، للتعرف على الذات ،وهكذا فالوجود الذي بدأ لنا كأنه النعيم المقيم لا يمكن أن تنجلي خباياه ،لو لم يكن ثمة وعي فردي هو الأنا، الأنا التي تعمل وتكدَّ وتقرأَ وتسبر الأغوار، فهذا يشكل حقيقة نشدان المعرفي للخلاص من قيود المفاهيم المتحجرة، ولا يدرك المرء نعيم الانسياق لمطلب الحب ، دون التأمل في مجريات الزمان والمكان في توأميتهما، حيث السر الأجمل في استدعاء الجوانب المتعلقة بالفن والعلوم الإنسانية، ينبجس كل شيء من خلال جدلية الفرد والطبيعة، في خضم الموجودات، ويبان ذلك المجتمع في ظل الترابط المحكم بين أنسجة الإبداع الحي المقيم في الوجود ، وبين مطلب الذات الفردية في التقصي والإبداع والإيغال بعيداً نحو الجمال، وما النقد إلا جزء مكمل من العملية الإبداعية، وهو تماثل آخر ووجه مقابل لجدلية الفرد والطبيعة، الوجود والموجود، المبدع للنص، والموغل للنص، الفلسفة وشارحها، إن هذه الثنائيات المتقابلة، تستكمل فصول بعضها الناقصة، حيث أن النقد يتغذى على النص الجاهز، وحيث أن القيمة الإبداعية تنجلي بتمامها حين الإيغال التحليلي التأملي في ثناياها، وهكذا دواليك.. لنتأمل هنا الصدمة التي يفرزها الآخر غير المدرك للجمال الأبعد ص 19:" - ويش تريد يا عامر.. ومسحت حسنى دمعاً غمَرَ عينيها، وسال على وجنتيها..!
- ويش أريد.. يا حسنى؟! لو إنه واحد من الأولاد أهون علي.. وأنت تعرفين زين..! وقلّب يديه ومدّهما، إلى خميس المطروح أرضاً؟! يريد جواباً شافياً..
- السيّد يا عامر، السيّد حضر اليوم ورجاني أعيره المهر.. قال: يريد يروح صوب الناحية، وما عنده واسطة..!
- كذّاب.. صاح ولد من بين الأولاد الملتفين حول المهر..! أخذه فلح عليه، أنا شفته..! يفلح أرضه القبلية..!
- ويش تقول يا ولد.. صاح عامر، وقد انتفض يغلي ويفور من حقد وغضب، وأمسك بالصبي يستنطقه، صحيح ما تقوله.. يا ولد.. قل..!
- والله يا عمّ عامر.. مثل ما أقول لك.. كان يقول لزلمته سليمان:
إنّ أرضه «مليانة» فيران، والفلاحة تخرجها من جحورها، وبعدها، يقدر يصطادها، وينظف الأرض منها..! وقال ما يقدر عليها غير مهر عامر.. وسليمان هو ساعده حين حط العدة على رقبة خميس..!
- عملها النذل..! تفوه يا كلب..! ودلف داخل البيت، فأخرج البارودة القديمة، وعاد يتقلدها ومزود الذخيرة.. يهدد ويتوَعَّد.. وهو في أوج غضبه وهيجانه، ويلك يا خائن.. ويلك يا جبان..! ولما صارت وجهته ناحية بيت السيد.. تبعه الأولاد جميعاً من أمامه وخلفه وعلى جانبيه..! وحدها حسنى ظلت عند خميس.. تلطم وجهها وتنده.. يا ويلي..!"
هنا إشارة مهمة للآخرين الذين يحولون بيننا وبين حياتنا وتأملاتنا، حيث يبقى وجوده الجحيم المهدد لكل ما نحتاج ترتيبه لحياتنا، ولاشك أن ذلك العائق الذي يقف بين الذات والتأمل الخالص، هو الذي يتحول مراراً إلى جحيم وشر، بسبب وجود الآخرين، غير المدركين لجهود المرء لصيانة الروح، وتنظيم دوافعها واحتياجاتها، غير الآبهين للجمال الذي يكمن في الجموح للطبيعة ، والاستفادة من مزايا الجمال، فهنا عامر، أدرك الحب، الخلود للراحة في ركوبه لمهره الأبيض، الذي وفر له قدراً من الراحة الممعنة في سر الطبيعة ، العارفة بإيحاءات الجمال على عكس آخرين أرهقوا المهر الأبيض لعمل ليس موكل للأحصنة كالمهر الأبيض خميس، هذا ما جعل الغضب والحنق هو النتيجة التي تتصدى لقوى القبح والتشويه، التي تقف حيال أفكارنا وأحلامنا وطموحاتنا في تلوين حياتنا بالجمال والتأمل والمعرفة الدؤوبة، يقف الكاتب محمود الوهب على جدلية وجود المبدع إزاء العائق البشري، العلة الكامنة إزاء صيرورة الإبداع ونقاءه، حيث يكون الآخر متطفلاً على الإبداع، غير عارف أو آبه لقيمته الداخلية ، في إشارة أن وجود الآخر يمثل الإشكال عادة في السير بالجمال لمساره المأمول، حيث نجد سارتر يرى في الآخر العلة ، ويرى وجودنا كذات عالة عليه ،فيقول سارتر: "..الغير هو الآخر، الأنا الذي ليس أنا.." وهنا تتكون الرؤية القصصية نحو تحسس مفاتن الجمال، والانغماس في مدلولاته الحميمة، والانقياد إليه، يهبنا آليات دفاعية تتلخص في إبداء الحرص عليه، إزاء فئة تستعبد هذا الجمال، وتقصيه، لماذا التنازع؟!، هنا يمثل في الحقيقة الهدف من الصراع وتلك الجدلية الوجودية، حيث ثمة فئتان ، فئة مرهفة مبدعة تسوس حياتها عبر اعتمادها الحياة الفطرية، وما يتخللها من إيمان بجملة قوانين ، عبر يتم تنظيم الحياة بمثالية ما، وهذا ديدن الطبقات الباحثة عن حياة أكثر هدوء ومعنى في الصميم الذاتي، مقابلها فئة منفعية تؤمن بالاحتكار، والسلطة ، كونهما أس حياة هذه الفئة ومبلغ اهتمامها، إذ أن الجمال بالنسبة لها هو حيازة الأشياء، وتجلي الجمال هو في الربح والنفوذ، إذاً هناك مذهبان متمايزان اعتمد الكاتب محمود الوهب على جلاءهما في قصة المهر الأبيض خميس، واعتماداً على حجة (تحليل لغوية) تتمثل في تأويل وتفسير كلمة (ليس) نجد أن الحياة لا تعاش إلا على مبدأ التنافس والغيرية، في تقديم مذهب على مذهب، وكذلك اللعب المكشوف على وتر أن البقاء للأجدر، الزخم الإبداعي في تصادم مع العبقرية النفعية، وجل مطمح العلوم الإنسانية ، أنها تبحث عن الإنسان خارج دائرة العلم المرتبطة بقيود العقل وتصوراته، وكذلك بعيداً عن الجنوح العاطفي في اعتماد الوجدان كميزان لتصحيح المسارات المغلوطة التي اعتمدها البشر في أطوارهم التاريخية المليئة بالمغازي والعبر في تطويعهم الفكر لأحد تصورين إما الاسترشاد بالعقل المطلق أو العاطفة المطلقة التي لا تؤمن بأن المعرفة قادرة في جوهرها على استيعاب كل شيء بما لا يتقف مع مذهب العاطفة التي تدين بالروحانية التقليدية حيناً وبالتجرد نحو الإبداع حيناً آخر ، حيث يستنتج سارتر أن هناك عدم وانفصال وتباعد بين (الأنا) و(الغير)، كما في قصة تجليات ورؤى، حيث يبين الكاتب حدة الاختلاف بين الأنا والغير وفق صيرورة تعتمد التأمل لا الانفعال المباشر ، لنرى هنا ص 26: " يختم الضيف حديثه بالإشارة إلى المنجزات الهائلة.. المنجزات التي حققتها جيوش بلاده.. أبحث عن شيء ما.. أحاول معالجة الافتراء والضجيج والفوضى.. لا أجد غير فردة حذاء.. فردة غريبة الشكل والحجم.. فردة نمرتها أربع وأربعون..! تأخذها يدي بقوّة.. تقذفها بالوجع المتراكم كلّه.. تتبعها بالأخرى.. سهمان يحلّقان في فضاء القاعة.. قاعة الشرف.. يكسران بعفويتهما أطر المراسم وأصول الدبلوماسية.. صاروخان عراقيان عيار 44، صاروخان عراقيان بلا تهذيب، ولا تحضّر.. صاروخان ينتميان إلى الأسلحة المفقودة.. أسلحة الدمار الشامل..!" حيث يبان الذكاء القصصي في الترسل المفعم بالدلالة في التوغل بالمشهد الذي يعطي سياقات سياسية وأخرى رؤيوية في سياق إضفاء الـتأملية على الحالة النصية، دون إرغام أو املاء بدافع من ذاتية مفرطة للسيطرة والتحكم بخيوط النص بما يتضمن من اتجاهات سياسية ايديولوجية ، قد يختلف أو يؤيدها المتلقي، وهذه إشارة إلى حيادية الكاتب في طرحه للمادة القصصية في إيحاء موضوعي، ابتعد فيه الكاتب عن التقريرية التي تخرج بالمناخ الرؤيوي وتفسده إن ذهبت مواضع أخرى يمكن أن تشكل ثقلاً على القصة، فالحروب التي تشن على الأنظمة شرق أوسطية بزعم تغيير أنظمتها ، هي في الآن ذاته تحمل في جوهرها استبدال المأساة بواقع يتخلله الضجيج والافتراء والفوضى، في إشارة إلى أن التغيير لا يفرضه الخارج، بل تقف خلفه الإرادة الجماهيرية الواعية..، فالإدراك لضرورة التغيير هي حاجة المجتمعات، لكن القوى الخارجية من تتلاعب بخيوط اللعبة ظاهرياً، هذا ما ارتأى الكاتب بيانه في سياق ما قمنا بالإشارة إليه في خضم التجليات والرؤى التي بينها لها في حديثه عن الصراعات التي لا تكاد تتوقف وتهدأ، حيث الواقع السياسي المتلظي بنيران الاستبداد والتدخل الخارجي، فإدراك المعضلة الحاصلة في جذور المجتمع المكبل بأغلال الوصاية وتفشي علل السلطة في مؤسساته، هو المرجو في عملية إنتاج النص الإبداعي، وقد تم اعتماده ، لجعل تجسيد الواقع والفكرة الممثلة الحل، هو جل الحيز الذي يشغله النص القصصي، الشارح لمظاهر التفسخ والتشرذم وغياب البوصلة، فأي إدراك يقف عند مستوى الجسم وما هو ظاهري، يصبح معه الآخر مجرد موضوع أو شيء، لكن في واقع رصد معاناة المجتمع، كان لابد الإشارة إلى أبعاده النفسية، ومآلات النظام القمعي داخل بناه ، والفوضى الحاصلة التي رافقتها الصراعات الخارجية، والحديث في ذلك الموضع طويل وشائك , وقد لا تستطيع القصة بمفردها كجنس أدبي أن تدخل في تلك الحيثيات، لكنها تقف إلى جانب الفئات المسحوقة، تلك التي تعاني الحروب وأنانية الأفراد في مواقع السلطة، وتعزف على أوتار معاناة الذات داخل المجتمع، حيث تستطيع القصة أن تطرح ما يلي:
- توغل ملياً في طرح أزمة الإنسان تجاه المجتمع كفرد باحث مستقصي مرهف، وما تتخللها من منعكسات تعكس قضية الاغتراب بمعناها الفلسفي في سياق الحوار والدراما، والحبكة الفنية يمكنها أن تسهم في إذكاء شرارة اللغة الوجدانية بمواكبتها للغة الموضوعية في صياغة الحدث
يمكنها أن تسهب في خوض التصوير استناداً لدلالة الفكرة، علاقتها بما يمكن تناوله عبر شخوص محددين
القصة القصيرة لوحة تختزل أكثر الأفكار صعوبة عبر لمحات عابرة تضع القارىء في صورة الأحداث لتزيد في داخله شحنة المتعة والتأملية معاً على صعيد تجانس الحدث والحبكة وصناعة الفكرة وطرق بيانها..
وفي الحرب تتضاءل إمكانات السعادة الهادئة، فيصبح التأمل في المكان المدمر، والاحتجاج على الانتهاكات التي استقرت تماماً في قلب الذاكرة، حديث الشجون أبداً وكلها طرق لمدواة تلك الكرامة المستباحة تارة عبر سياط الجلاد ، وتارة أخرى بسبب الحرب التي ما انفكت تدور رحاها لتفتك بالآمنين، والتجربة القصصية تتنقل في متاهاتها، لتغزل أمهر الصور، بقدر ما تمر أحلك الظروف على الجماعات، حيث يتم التقاط أفخم صورة لأبشع لقطة جريمة مبتكرة، هكذا يبدو القلم القصصي حاذقاً في العبور لتجسيد المآسي والويلات اجتماعية أم اقتصادية، أم تصويرية تتخلل حجم الكارثة الحاصلة ، حيث نجد قصة فاطمة وزينب وربما تالين ، نجد التركيز على معاناة المرأة في الحرب، كونها تحتمل كل تداعيات ونتائج الحروب التي يصنعها الرجال ،نجد سلاسة وصف الحدث والنفوذ لأعماق الذات لإيجاد مخارج عملية في سياق الدلالة النوعية التي تفرزها القصة نجد هنا ص29: "«.. في هذا المستشفى تصادف الكثير من الدم والأجنة.. الكثير من الأجساد الآدمية النحيلة التي لم يكتمل نموّها بسبب الإجهاض، كل ما تراه هنا، يوحي لك بأنّ النساء هنّ أكثر من يحتمل قسوة الحرب، وأضرارها.. النساء وحدهن اللواتي يتحملن ما تأتي به الحروب منْ مصائب وويلات..؟!»" رصد الحادث هنا، اعتمد المرور الفاحص لا العابر،مثَّل الألم المثير والمفصح عن أوجاع الحرب الدائرة، والمعاناة المعمقة، وكذلك ذود النساء عن الأبناء الجرحى، اعتماداً لتجسيد علاقة الإنسان بالمكان، علاقته بالآخر، وكذلك نظرة المجتمع للمرأة من كونها المخلوق الأكثر تحملاً لغطرسة الحروب، مما يستدعينا هنا للنظر إلى الحدث استناداً لتعامل الإنسان معه ، كمغزى لتلك العلاقة بين الأنا والغير حيث يقول سارتر: "..أن العلاقة بين الأنا والآخر هي علاقة تشييئية ما دام أن كلا منهما يتعامل مع الآخر فقط كجسم أو كموضوع أو كشيء، لا تربطه به أية صلة.." والرصد القصصي للحدث انما هو بحث عن هذه الجدلية برمتها، وكذلك عقد تقابلات وروابط فيما بينهما، إيجاد المغازي في تقابلاتها، وإخراج المشاهد لساحة التأمل، لتكون ميداناً للاستقصاء والبوح الأعلى في نسيج الدراما الوجدانية، العاكسة للأفكار على نحو مختلف، فلا ينظر للجانب الدرامي إلا من سياق جدلية الذات والآخر، حيث يعم المغزى من استكشاف الإثارة في العمل القصصي ، كونه العاكس لحالات الإنسان وأطواره المختلفة مع ما يقابلها من سبر نحو ماهية الترابط الفكري الكامن وراء عرض المشاهد، وإبداء المواقف المباشرة تجاه الحوادث الحاصلة في المجتمعات ، والمتحكم بمصائرها، وطرق تفكيرها وآليات بثها لاعتقاداتها، هذا ما تعكسه القصة القصيرة الذي يمثل الوجه المقتضب للرواية، والبقعة المسلطة حولها الأنظار، ولاشك أن العلاقة المكانية منحصرة في جدلية الثنائيات، وما بينهما من علائق وعوائق متباينة، وإن تم ذلك البحث عن القرائن التي تحصر علاقات المجموع في سياق الجدلية التي تعم كافة الموجودات على اختلافها، فذلك يبين أن القصة القصيرة تستجدي الفكر، في رحلة عابرة مليئة بالنشوة الفكرية، شرط اكتمال الرفد المعرفي لدى الكاتب، فلا تفصح القصة فحسب عن الحديث عن نتائج الجدلية الجارية في الوجود بقدر ما تحاول نقل ذلك كحصيلة تجارب للإنسان ضمن سياق التعاطي الدقيق للعلوم الإنسانية برمتها كونها تجعل من الإنسان المحور والغاية الأساس لفاعلية وجودها..، حيث لا تعنى القصة الواقعية كثيراً بسجالات الفلسفة المتشعبة، إنها تنقل حصيلة الوجدان والإدراك للإنسان عبر المشهد والحوار وكذلك بيان اللغة الجمالية ، مدى تأثيرها وتأثرها في محاكاة الذوائق العامة، وكذلك مسيرها في ركب العطاء والتلقي كخاصيتين لبروز المشهد القصصي متعددة الدلالات..، فنجد الكاتب محمود الوهب قد اعتمد الإيحاء الوجداني لرصد المشهد الإنساني بما يستدعي عقد العلائق ما بين ميدان القصة الإنساني والفكر التجريدي ففي استعراضه لطبيعة العسكري الأمريكي كى ما يجعلنا نمعن بعمق في ملابسات هذا المشهد ص32: " اليوم جلبت لك فاطمة قطعة خبز مسطحة وطازجة.. ما تزال تحتفظ بحرارتها.. لم تتركك حتى أكلتها أمامها.. كانت لذيذة حقاً، ابتسمت لك، وقدمت لك كأس الماء.. كنت تعرف أنّه من مياه نهر الفرات الملوّثة، ولكنك شربته وأنت تبتسم.. ابتسمت الصغيرة لك، فأعطيتها الوجبة المعتادة، وقد زدت عليها هذه المرة قطعة شوكولا وعلبة شكلتس .. للمرة الثالثة، تنبهك القيادة، عبر الراديو، بالرسالة التحذيرية ذاتها: «كِي ابتعد عن التآخي مع العدو..»" ، حيث يشير المشهد إلى التعاطف الخارج عن دائرة المصالح ما بين الناس ، بين رجل وجد نفسه مأموراً في هذه الحرب وبين طفلة لا تعي ما يحدث وتتعامل مع المحيط والحدث ببراءة لا حد لها ، وهذا يستدعي منا في الوجه المقابل في أن نتمعن بمقولة يوحنا جـ. استوسينجر في كتابه لماذا تذهب الأمم إلى الحرب، إلى أن كلا الطرفين سيدَّعون أن الأخلاق هي مبرر قتالهم. وهو ينص أيضاً على أن الأساس المنطقي لبداية الحرب يعتمد على تقييم مفرط في التفاؤل لنتائج القتال (الإصابات والتكاليف)، وعلى التصورات الخاطئة لنوايا العدو. ، وهنا دلالة على روح المقامرة التي يتبناها رواد الحرب حيث عبر الوهب هنا أيضاً في سياق يقارب هذا القول في الصفحة 31: " أنا مثلك أيها الرجل الطيب أكره الحرب، وأكره وجودي هنا..! فأنا كما ترى أعيش بين نارين..! نار شبابكم الذين لا أعرف كيف ومتى ينبثقون من الأرض؟ ولا من أية جهة يخرجون..؟! ونار قادتنا الضباط.. يوم أمس قال لنا أحدهم:
«لو أنّ مئة منكم ذهبوا في مهمة قتالية، وعاد منهم خمسة وسبعون فقط، فذلك أمر جيد، وهي نسبة موت طبيعية..!». ، هنا يبين الكاتب روح المجازفة عبر هذا التفاؤل الذي يتبناه مشعلوا الحروب، ليوهموا جندهم ، أن المعركة لها مبراراتها الأخلاقية ، وكذلك انحيازهم الفاقع أنهم المنتصرون في هذه الحرب، وأن الخسائر لن تكون كبيرة ، هو ذات المعنى الذي بينه يوحنا جـ. استوسينجر2 وهو أن المقامرة هي التي أودت بالمجتمع إلى نفق هاوية غير معلنة ، قادتهم ليكونوا وقوداً لجشع أرباب الاقتصاد ومافياته، وهذا ما يحيلنا للعودة لسارتر حين قال : " الأنا لا يدرك الغير كما هو في ذاته، بل يدركه كما يتبدى له ضمن حقل تجربته الخاصة، وهذا يعني أن نظرة الأنا للغير هي نظرة اختزالية وإسقاطية، فضلا على أنها نظرة سطحية ترتكز على(كثرة متنوعة من الانطباعات الحسية)، ولا تنفذ إلى أعماق الغير من خلال الاقتراب منه والتعاطف معه.." وجوهر القضية هو دوام التصارع وتغليب التوجهات على أخرى، ضمن اللا حل، حيث يتهافت البشر على التشبث بقناعات على حساب إنكار أخرى، ويعمد المتحكمون لتسعير هذا التنازع وفق مصالحها وأجنداتها، وهكذا فالنظرة تجاه الغير هي حقاً كما رأها سارتر اختزالية بمعنى أنها متمحورة في نطاق الأنانية العملية المتشبثة في ماهيتها بقناعات تسيرها، وإسقاطية تعتمد على الواقع في بروزها نحو جملة المنافع المحددة..، لعل في رحلة البحث عن الأفضل ، في تفاصيل النص التأملي، تكشف لنا النقاب عن الفترة التاريخية المتشظية بالأحداث ، وعن المعنى من الكتابة الواقعية، التي تتخللها الأفكار المفصحة عن تصورات كان لابد منها أن تشكل سجالاً كثيف المستوى بين الناس، لا أن تصل النخبة دون عموم الفئات، حيث لا تحتمل الكتابة الواقعية الحقة، أن تكون حبيسة الفنون الكمالية، بل تحت الطلب دوماً كونها عاكسة للحاجات الإنسانية الطبيعية، وهي بدورها ترتقي عن النصوص التخييلية ، حيث الأخيرة تخاطب الذائقة وتداريها، بينما النص الواقعي خلق كخطاب تهييجي للجماهير المتعبة، ففي زمن تصارع النظم الاستبدادية واستماتتها للبقاء وصية على جماهير تعاني من الغليان المستتر، جاءت المجموعة القصصية -الصمت -كمعبر عن الانفجار الصامت، حيث أخذ الكاتب محمود الوهب من التأملية السياسية لطبيعة الواقع، النهج القويم في حياكة الحدث وترويضه، وتقديم إجابات شافية لعقول متورمة تحت ضربات المطرقة اللاذعة، التي ما تلبث أن ترفع كل ما يعمها من حزم وجلد، أمام المتلقي العازم على الفرار من الترهل العام ، هارباً لفسحة الإيجاب، عازماً على التفوه بما يجب إزاء مشاعر العجز والنفور المصاحبة للاستبداد والحرب، كونهما المتناوبان أبداً والمساهمان في تفشي الأزمات الفكرية والنفسية في المجتمع، حيث الجميع يتفيأون تحت ظلال السلطة الموهوبة في افتعال الحروب، والاستمرار في الهيمنة ، حيث يلتقي الخصوم الأبرياء ليساعدوا بعضهم بالتزامن مع حرب بعضهم بعضاً، لتثبت لنا خيرية الإنسان في ماهيته، من كونه في الجيش مجرد مأمور، يعيش تناقضاً لاذعاً بين أن يكون ذلك الآتي لإنجاز مهمة حسب الطلب والأوامر، وبين أن يكون ذلك الإنسان الذي ما يلبث أن يستيقظ ليعبر بصدق عما يخالف المهمة ، وهو أن البشرية في احتضار واستنزاف جراء حروب عبثية لا تجلب سوى الدمار العام لجميع الأطراف..، حيث الوجود سفينة ، ودمار جزء منها لو بسيط يعني فناء من على ظهرها..، فالانتصار للإنسان يعكس في مضمونه ثقافة عالية المستوى، ويتجلى من خلالها إرث الحضارة العاقلة التي بشر لها المعرفيون منذ الأزل، واستطاعوا صونها عبر اعتمادهم على التواصل الفكري وتدشين أواصر الحب عبر أسسه المتينة، بالتزامن مع أفعال السلطة المولعة بالحروب والاحتكار الربحي، فعقد الأواصر الفكرية المشتقة أساساً من العلوم الإنسانية يعطي دلائل يمكننا اختزالها فيما يأتي:
إيجاد البديل الحقيقي عن مظاهر التنازع الإيديولوجية التي سادت الخطاب القومي، والمذهبي، وإبراز قيم الحياة الفعلية عبر البحث عن خيرية الإنسان وطبيعية دوافعه الأولى، فيما لو تجلت، حيث اعتمدت اللغة الأدبية للكاتب محمود الوهب ، على إظهار النداء الروحي الجمالي الخارج من مدركات الإنسان المعرفي في إنهاء الكوارث التي تتم بيد الإنسان..
تتضمن أيضاً التعريف بالإمكانات الفعلية للإنسان في مواجهة العوائق التي تحول ما بين ذاته وقناعاته الطبيعية، ولاشك أن التعاطي الإنساني للمأساة، والتعاطف معها، هو نشاط حقيقي وجداني لممارسة الطمأنينة المفتقدة في زمن الحرب والتصارع الوحشي ..
الاعتماد على التعريف بجودة الفعل الإنساني المتأتي من روح الطبيعة التي يجسدها الإنسان الساعي لعقد الأواصر الطبيعية بينه وبين الضحية، عبر تجسيد مظاهر هذا التعاطف كما نجح الكاتب في بيانه، الأمر الذي أحالنا لتفسير الدوافع التي تقف وراء عملية صناعة الخير، وهو إحقاق الجمال الكامن لدى الإنسان الطبيعي..
السعي وراء فعالية الطبيعة الخيرية لدى الإنسان، وتجسيدها ، على دوافع الرغبة والهيمنة التي يتم استثمارها لاستنزاف موارد الشعوب، والتحكم بها، إزاء أدب يعتمد بالفعل على التصارع القويم ، ضد ممارسات تنم عن ضعف لابد من محاربته، والانتصار ما أمكن لقيم السلام الحقة..
يسعى الكاتب محمود الوهب ، لبيان حقيقة السلم الطبيعي المستوطن نفوس الجماعات الهاربة من البطش والتي تشكل المرأة النسيج الرئيسي المتأثر بكل انهدام على مستوى المعايير الأخلاقية المنتهكة في الحروب، وكذلك خلق الحلول الواجب العمل بها ، لتخليص المجتمعات من إفلاس المنظومة الربحية، لهثها وراء المنافع على حساب الدمار على كل المستويات..
ويوغل الكاتب في أتون المعالجة الإنسانية للبوح التخاطري لدى الشخصية، رغباتها وتطلعاتها ، على نحو يثير الفضول والتشويق حيث نرى هنا ص35: " تفتحت صورتها في مخيلته.. وحين اكتملت طلعتها البهية.. راحت تدغدغ روحه بشمائلها الطاغية.. تستثير رغباته.. تستحثه أن يداعب جسدها بأنامله، أن يتحسس دفئها.. أن يبلل أطرافها بشفاهه.. أن ينعش رئتيه بعبقها..!"
فالتوصيف اعتمد على محاكاة الداخل أكثر من الحواس، والآلية التي يعتمدها الكاتب تذهب للداخل الوجداني، في ملامسة الشعور الذي يندى بأسرار الخيال، والرغبة هنا في اللغة طافحة بالهدوء والإمعان بالتأمل، أكثر منها دخولاً لمكامن الوصف التقليدي للرغبات الحسية، حيث ظهرت ضمن القالب الفني الملائم للفكرة المراد الإيحاء بها ضمناً وليس على نحو تقريري، حيث نجد الكاتب يبرع في مواكبة الملامح النفسية والجسدية على نحو متناغم مع الحالة الموصوفة لنجد اللغة في طواعيتها متقدة أناقة وشاعرية كما في هذا المقتطف ص37: " استخرج العلبة الأليفة.. علبة الدخان الحمراء.. نسل واحدة.. تشمّم عبقها، متّع روحه بشهيق شهواني طويل.. زفر جزءاً من أوجاع رأسه ودمه.. داعب نفسه الأمارة بشتيمة ما.. وراح يستعجل الأنفاس التي تعرف طريقها المباشر إلى الرئتين، فمسارب الدم في نواحي الجسم كلّه.. وما هي إلا لحظات حتى أخذ الانتعاش الممتع يطرد الأزيز المجنون الذي كان..! " فالكاتب يجمع هنا بين الغضب المتمثل بشقاء الأيام والكدح المستمر، وبين الحسرة الصامتة المعتكفة داخل القلب، وعنوان الحالة هو استثمار الفن لصالح تجلي الوجع، مع بيان الفنية والقدرة على الوصف الثنائي بين ما تعكسه المشاعر على الملامح في إشارة إلى المغزى من حياة مألوفة ، تكثر فيها تعرجات الهموم والأسقام، تطردها بواعث النشوة في الاستمتاع بتناول السجائر كوسيلة وحيدة لنسيان الشقاء المحاصر كل فناء أو ركن يتفيأ ضمنه الإنسان المتعب، ففي قصة السيل ، مرارة كبيرة يتم تجسيدها على نحو مؤلم، حيث شعارها، فساد السلطة المستبدة نهبها لقوت الكادح ، استخدامها لمختلف الحيل للتمادي والاعتداء على تلك الكرامة المستباحة، الأمر الذي يحرض في داخل هذه الفئات روح النقمة والاستياء، فقد أحسن الكاتب في معالجة هذا الواقع المنكوب حينما تناول السيل الذي عم القرية، ولم يترك منها شيئاً يسند الحياة هناك، لنتأمل هنا ص 41: " في ذلك العام، عام الفيضان الكبير، يتابع دياب المحمود حديثه، واصفاً السيل وما ألحقه بالناس من ضرر، فيقول:
كنت في ذلك الوقت، أقصد، حين جاء السيل، في أراضي الثلاثين من عمري، أكبر قليلاً.. أصغر قليلاً.. لا يهم، فموضوعنا هو السيل الذي جاء قوياً غزيراً.. لم تر البلدة في تاريخها الطويل مثله أبداً..! "
فالعوامل الطبيعية هي أحد الكوارث المحتملة على الجماعات الفقيرة، وهي بمثابة الألم الأكثر تجلياً، لأنه يندفعون بمواجهته بأبسط ما لديه من إمكانات، لكن الأمر الأكثر ألماً هي عقلية المتنفذين الجاثمين على صدورهم، المنكبين على أرزاقهم واحتياجاتهم، بدلاً من أن يقفوا إلى جانبها، وهذا ما يجعلنا نذهب للتحليل حول صراع الطبقات الاجتماعية ، في تفسيرنا لتلك التداخلات فيما بينها ، والتي تفرز فيما بعد هذا الانقسام الاقتصادي والاجتماعي، حيث يدخلنا الكاتب بشكل غير مباشر للحديث عن تلك الصراعات من باب عرض الفلسفة السياسية الماركسية، الساعية بدورها لمعالجة هذه الإشكالات التي تصيب المجتمعات منذ القديم، حيث أن الحكومات هي وسائل معاداة لحياتها وعملها ولعل كارل ماركس3 وفريدريك انجلز4 هم الذين أكدوا الإنتشار العالمي لهذا المفهوم، حيث أشاروا مراراً في حديثهم عن هذا الموضوع الكبير بتمثلهم بنتيجة أن هذا الصراع المعقد هو محرك التغيرات الإجتماعية والتاريخ الحديث، لذا أعادنا الكاتب محمود الوهب بأسلوب قصصي سلس إلى معالجة ذلك الإشكال، فنجده هنا يجسد لنا الويلات التي اعترضت بطل القصة –دياب- ص47: "- أين كنت يا بني؟ شرحت له حكاية السيل والبيت والبضاعة والحمار ودور صديقي وصديقه، وأنني ذاهب، بعد الذي قمت به بمساعدة أولاد الحلال، لأفرّح أولادي وأمّهم. فقال وقد أخذ هيئة الجد والمسؤولية:
- لكن يا بني في عليك ذمة «زفتية» لم تدفعها للبلدية..!
- إن شاء الله ندفعها يا بيك..!
- لا.. لا يا بني قال رئيس البلدية بكل حزم ثمّ أضاف:
هذا دين الحكومة يا بني ودين الحكومة حرام تأجيله..! وأشار إلى بعض زبانيته فتراكضوا نحو الحمار، وساقوه نحو اصطبل البلدية ومستودعها، ومثل وميض ذلك البرق، صار الحمار والحمل الذي على ظهره من أملاك البلدية وأربابها..! "
حيث يعالج الكاتب هذه القضية مجسداً حساسيتها الوجدانية، وغير غافل عن تجسيد حقيقة هذا التنازع الرهيب بين أرباب القوة والفئات المنكوبة ، تلك المعانية من الفقر وشظف العيش، وما حدث في نهاية القصة جعل المتلقي يعيش نقمة بداخله على الحكومة التي بدلاً من أن تقوم بواجباتها تجاه المنكوبين، تمد يدها على قوتهم فتنهبه باسم الضرائب، ولعل الشرخ الطبقي في هذه القصة مشار فيه إلى حقيقة أن الحكومة القائمة هي من تعزز الهوة بين الطبقات، ولعل اللعب على وتر التحايل المكشوف على المجتمعات المنكوبة هو الأمر الذي يسهم في خلخلة المعايير والقيم الأخلاقية داخل المجتمعات بشكل عام، مما نجد السلطة إزاء ذلك تقوم ببث ونشر تصرفاتها السلبية داخل أوساط المجتمع وفئاته ، حيث تحول بعضهم إلى تابعين لها، وهؤلاء التابعين يقومون بأداء مهمة أكثر شناعة منها، إذ أنهم يقومون بتحويل النهب والسلب إلى قانون مستدام ، وهذا هو الأبشع والأسوأ في تاريخ المجتمعات، ناهيك عن الفقر لما له من تداعيات ونتائج كارثية في حياة المجتمعات، مما يجعلها في حالة قلق واغتراب كلية ، عن القانون الضامن لحقوقها الطبيعية..!
وفي قصة الحافلة يتابع الكاتب تصوير القهر اليومي عبر دلالة نكران الجميل والعشرة المهنية لأبو الخير بعدما أصبح كهلاً ونفذت طاقاته، وكذلك دلالة الازدحام في الخارج ،وفي الحافلة الضيقة، ليبين الجانب الرديء من الحياة المعيشة، والتي يرافقها الشؤم والازدراء في كل مكان، جمع الكاتب أيضاً عدداً من الرموز وهي الكبت الجنسي لدى المجتمعات، عبر التدافع غير البريء في تلك الحافلة الضيقة، جسد وابل الشتائم التي راحت تنبعث من أبو الخير لدلالة الجفاء ومحاصرته لجوانب الحياة على نحو قاتل، أيضاً عكست القصة الفوضى المرورية، ضياع الحقوق، مشاعر الناس، ازداءها الدائم من حقيقة الأوضاع، كل تلك الجوانب المذكورة ناتجة عن الفساد الإداري العام، لنتأمل هنا ص50: " لم يعد أبو الخير، ليكترث بالآخرين الذين يضغطون عليه من أمام ومن خلف، فالأمر الطبيعي أن يضغط الكلّ على الكل في هذه الحافلة الضيقة أو التي تضيق بركابها..! حتى النساء المسكينات لم تخل أجسادُهُنَّ من ضغط بعضهم.. صحيح أنّ الضغط عليهنَّ لم يكن شديداً، لكنّ الواضح أنّ بعضَه لم يكن بريئاً أيضاً..! ، في الحافلة المرصوصة بالبشر والقهر، لا أحد يسمع غير زفرات رتيبة.. كذلك لا أحد، في الحافلة ذاتها، يشمّ غير الصُّنان وما تتقيؤه المعدات الخاوية..! وروائح كريهة أخرى تعلن عن نفسها بين الفينة والأخرى.. ربما كانت روائح لكائنات حية تفسخت للتوّ في سراويلات بعض المراهقين أو بعض الشاذين..! هؤلاء الذين يستغلون لحظات الحشر هذه، ليتحللوا من شبقهم المتراكم، وليجدوا مجالاً للتنفيس عن حرمانهم المزمن، فتجدهم يتعمدون الوقوف خلف الأرداف المكتنزة، وأحياناً غير المكتنزة.. المهم في الأمر أنّ صاحبات تلك الأرداف لا يملكن، في تلك الأمكنة الحرجة، الإتيان بأية حركة، فأيُّ تصرّف منهنّ ستعْقُبُهُ فضيحة، أو معركة خاسرة..! "
فنلحظ هنا في هذا النص، أن أسلوب التخاطب هنا يميل للمعالجة ورصد النفوس المضطربة نفسياً ، جراء هذا الوضع الصعب، الناجم عن الإهمال، في مظاهره الإدارية، وذلك العجز المرافق ، والذي أساء للحياة برمتها، مما يضع السلطة في خانة المسؤولية، كونها مشغولة بجمع الضرائب وامتصاص طاقات الشعب على جميع الصعد، لتحقيق أهداف غير مشروعة، وإبقاء الحياة كما هي خانقة، ومعلولة، فالإنسان العامل مرغوب به بدوام وجود طاقة له، وعندما يهرم ويصبح عاجزاً عن العطاء كما في السابق، يُرمى في قارعة الطرق، إذ لا تأمين ولا ضمان له، حيث يصبح في وضع خانق لا يمكنه فيها أن يحترس قمع السلطة لقوله الحقيقة، لنرَ هنا أيضاً ص 49: " «تستحقون يا أولاد الكلب، والله تستحقون..! لا.. ليس وحدكم.. بل كلنا نستحق هذه البهدلة.. إي والله نستحق..! ونستأهل ما هو أكثر منها..! نعم نستأهل.. نستأهل أن نضرب، وأن تعفس رؤوسنا أيضاً..!».
وحين حال الصمت والحزن، وتلك الشتائم الغريبة العامة، بينه وبين أولئك الناس الذين كانوا قد انشغلوا بأجسامهم التي تلاصقت، وتداخلت، وأخذت تنزُّ عرقاً وروائح كريهة..! بدا وكأنّ الرجلَ لم يفرغ كل ما في جرابه.. فعاد ثانية إلى أسلوبه السابق.. وربما على نحو أكثر حدة مستخدماً مفردات أكثر لؤماً:
«لا أحد ينظر إليَّ هكذا..! أ أقول لكم حقيقة ما الذي تستحقونه؟ تستحقون تقشير جلودكم اليابسة هذه..! هذه، أصلاً، ما هي جلود بشر.. هذي جلود تماسيح، وربي الذي خلقني، جلود تماسيح.. يلعنكم.. تفو عليكم..!». " إنها ليست شتائم عادية بل لها دلالاتها السياسية والفكرية، حيث أن الشعب هو المسؤول عن فساد مرؤوسيه، وصمت الجماهير قادها لتكون كالقطيع الذي يذعن لرعاته، حيث تلك السلطة هي التي تلتف حولها مظاهر محاباة الأقارب، والمحسوبيات، الأمر الذي يجعل من باقي الفئات تعاني الحرمان ، إثر تفشي الرشوة والابتزاز، وتحول المدن لمحميات مافيوية يديرها متنفذون يمارسون سطوة النفوذ والاحتيال، ولاشك أنهم على الجانب الآخر منشغلون بنشاطات إجرامية أخرى كالاتجار بالمخدرات وغسيل الأموال والدعارة ،كل ذلك جعل شخصية عاملة كأبو الخير، تعيش في ضغط نفسي هائل، تنفِّس عنها عبر موجة الشتائم بين لحظة وأخرى، أيضاً يجسد لنا الكاتب ضياع الحقوق والجهود في تلك المؤسسات الخامدة من أي حراك ونهضة وإنعاش، حيث يمثل أبو الخير نموذجاً عن الأجير الذي لم تعد لديه قيمة فقط لأن بلغ من العمر حداً لم يعد فيه قادراً على العمل الدؤوب، ففي ظل هذا اللهث اليومي لقوت الحياة، تضيق كل الأحلام والتطلعات في حياة هادئة ، كون الحافلة بدت رمزاً لحياة تتخللها الفوضى في كامل مفاصلها ونواحيها، والاغتراب هو السائد وهو المناخ العام الذي يسود في سحنات الناس، وتعبها، وما تحمل تلك القسمات من نقمة وتذمر على حال سلبية تتفاقم يوماً بعد يوم لتصل لدرجة الغليان العام..، فأبو الخير شخص غير مضطرب نفسياً، إنما وابل الشتائم التي أطلقها كانت حكيمة ومتأنية وتلامس الأفكار لا ردات الفعل الداخلية، فما يحدث من وبال على المجتمع، يحدث لعدم وجود يقظة مسؤولة تفعل فعلها، فالسلطة قامت بتلقين بعض فئاتها بحب التبعية والمحاباة، وكذلك عمدت عبر رجالات الدين إلا جعل الطاعة العمياء للمرؤوسين من طاعة الرب، وهكذا تم تحقيق مبدأ التبعية الخالصة بين الجماهير وسلطاتها، لهذا فالمجتمع يتحمل أوزار الظلم الواقع عليه ، لعجزها عن تفهم عللها، حيث تصوير الذل القائم يعتبر بحد ذاته مدخلاً لرؤية نقدية قصصية لا تكاد تتوقف في معالم القصة لدى الكاتب محمود الوهب، إذ به يجول في أكثر مفاصل الحدث الدرامي النقدي حساسية، لإيجاد الغاية الجلية من إنجاز العملية الفنية بروح تأملية لاذعة ، لتقديم ما هو مطلوب في سياق التساؤل الملح..، فغاية الكتابة الحقة، هي تحريضها للعقل على التمرد والقفز للأمام، ففي قصة -الصفعة -، يعمد الكاتب محمود الوهب لإدخال المتلقي لحلبة التساؤل المستفز في حديثه عن الصحوة المرافقة للخيبة المتطاولة، حيث نتأمل هنا شخصية عبد المعطى ، الغر الساذج كما وصف نفسه في اكتشافه الأخير، لنتأمل هنا 54: " الحقيقة أنّ اكتشاف عبد المعطي لنفسه، هو أصل حكايته المفجع، فكثيراً ما سمعته يردد:
«كان عليك يا عبد المعطي أن تعي، منذ البداية، حقيقة دهاليز السياسة والتواءاتها، عليك أن تدرك ما تطفح به من خبث ودهاء، وأن تتوقع ما قد يأتيك مَكْرُهَا بمصائب وويلات..! ولكن ماذا عساك أن تفعل بعد أن حدث ما حدث..؟!»."
فانغماس الذات في نواقصها، لاسيما وإن كانت غارقة في أتون السياسة وأعرافها، أمر يعم الذهن في أقصى ساعاته، لاسيما وإن كانت هذه الذات تعي الحياة الطبيعية دون التواءات وانحرافات فردية عن قيم الحياة الخامة، فهي الأكثر تعرضاً لحقيقة الألم الواقع ، فالحوادث على الدوام تؤثر في موازين العمل، وتشي عن حقيقة الصراع التي تتناقلها الأجيال عبر أطوارها المختلفة ، حيث يحدثنا الكاتب هنا عن الصراع بين أعضاء الحزب حول استثمار المبادئ شكلياً دون هوادة ، حيث تتجلى تلك الأبعاد المتناهية التعقيد في خضم هذا الجدل الذي يعم روح الشخصية الناعتة نفسها بالغباء حيث أن الصراع بين الفئات وفق مفهوم الأكثرية والأقلية لا يكاد يهدأ ، بل هو في تصاعد ليكشف لنا بطريقة ما عن حقيقة الصراعات السلطوية التي تستنزف حقيقة المبادئ التي يتحلق حولها الأفراد بغية تحقيقها ، ليتجسد لنا الصراع بوجهه الحقيقي ، في أي الفئات ينتفع أكثر على حساب الباقين وعلى نحو متشابك لنرَ هنا أيضاً ص55: " رئيس فريق الأقلية الذي أكلت نيرانُ الغيظ والكتمان أعشابَ صدره الجافة، وما جفافها إلا من شحُّ الحكومة وسوء حال العيش..! رشّ ردّه بالعامية الدارجة دون تهذيب ولا تزويق.. وقد شابته عوالق الكراجات التي حملها قبل دخوله معترك النضال وعالمي السياسة والأحزاب..! ومن ذلك إصراره على إلقاء ردّه واقفاً، مستعيناً بصوته الذي اعتاد اللعلعة منادياً على الركاب، كما أنّه لوّح بيديه زيادة في تقوية حجته، وقد أخذ استشهاده المقارن بين أحوال الجائع والشبعان، وبين من يأكل العصي ومن يحصيها، أسلوباً تهكمياً استفزازياً، واستطاع، بالصور التي عرضها من الواقع المعيش، أن يزلزل أركان منطق خصمه الذي سبقه بالحديث..! "
وهنا يعكس الكاتب الحدث الأكثر ضراوة في أن الأعضاء ممن يعيشون خضم الصراع المعيشي هم الأكثر معاناة تحت الضغط النفسي الفردي في ظل الجماعة، في الحديث عن مختلف الجوانب المتعلقة بهذا التنازع العبثي بين طبقة تعاني التخمة وأخرى تعاني الجوع، وفي خضم هذه الطبيعة المعقدة ، تتداخل كافة الجوانب ببعضها ، لتؤلف سيلاً لا منقطعاً من التوتر والاحتقان المتشابك والذي له بلا شك تأثيرات متعددة تنم عن كثافة في الكدح والعنف وما يتخلله من قلة حيلة وضبابية في الأفق ، إذ تتشرذم الأصوات وتعلو وينعكس صداها على ذاتها دون معنى ، ويبقى الحل عالقاً في الجو، حيث تعرِّف دائرة المعارف الأمريكيةالصراع بأنه: "حالة من عدم الارتياح أو الضغط النفسي الناتج عن التعارض أو عدم التوافق بين رغبتين أو حاجتين أو أكثر من رغبات الفرد أو حاجاته"
لكنه هنا بالمعنى الحزبوي بات يعكس ذروة الاحتقان والتنازع حيث أن الصراع بين طرفي القضية المتخم والجائع ، له دلالة طبقية بعيدة ، فانعدام التوافق والتوازن في حياة الفئات وانقسامها على احتكار القوت هو ما أفضى لحقيقة هذا التنازع الخطير ، فالحديث حول الكفاح يمثل المطلب الأكثر معيارية في حياة التنظيمات بيد أن التنافس على الألقاب والأوسمة أيضاُ بادٍ لنتأمل هنا أيضاً ص56: " لماذا يا رفيق لم تردّ الصاع صاعين، وأنت القادر على «شرشحة» ذلك المحامي اللئيم.. ؟! أما كان للكندرجية أن تفعل فعلها فتفتح شوارع في الوجوه والأجساد..؟! (سأل أحد الرفاق قائده بعد أن صار الجميع في الشارع). ردّ القائد بالحكمة والوقار كلّهما:
«إنّ ذلك لا يليق برجال سياسيين مثله، وخصوصاً إذا كانوا رفاق درب وكفاح..! ثم إنّ هذه المسألة ليست شخصية.. بل هي قضية حزبية، وسوف يعالجها الحزب حتماً». "
حيث يأخذ الصراع أبعاداً متعددة تعكس عدة رغبات يدور بعضها في فلك الكفاح الجماهيري، وأخرى غايتها كسب المواقف ولفت الأنظار حول ردات الفعل ومعطياتها في المعنى السياسي العام ، فالأفراد والجماعات ماضية في تدشين هذا الصراع سلوكاً ومبدأ، والجبهات متعددة منها ما هو بمواجهة الخارج، ومنها ما يتم داخل الحزب الشمولي ذاته بمعزل عن التحديات الخارجية، ولعل الوجهان المختلفان للصراع الداخلي والخارجي متشابكين ومتداخلين بأشكال معقدة ومتباينة، وبجميع الأحوال فالصراع يتركز في النهاية بين طرفين يشتركان في القوة ذاتها والعنفوان ذاته في إتمام هذا التنازع القائم ، عاكساً بمجمله صراع الطبقات سياسياً أو قبلياً أودينياً ، واللا توافقية هي التي تطفو على السطح في كل ميدان ففي قاموس الكتاب العالمي، فإنه يعرف الصراع بأنه "معركة أو قتال Fight، أو بأنه نضال أو كفاح Struggle، خاصة إذا كان الصراع طويلاً أو ممتداً".
لكن الطرف الأكثر انغماساً بالعفوية الفطرية التي لا وجود لها في ظل هذا الصراع الممتد تحت ذرائع شتى هو إيغال عبد المعطى في دلالة الحلم والانغماس في سحر المتكلمة الوحيدة رشا، في إشارة أن الكاتب رأى في هذا الصراع أن لا نهاية له أو حتى معنى واضح يخص النفس، فأخذ يجسد تفاصيل النظرة التي راح عبد المعطى يرمق من خلالها رشا، لنتأمل هنا ص59: " تذيب عبد المعطي نغمات الابتسامة الصافية، يرتقي بأجنحتها زرقة سماوات بعيدة واسعة، يدخل في عالم من البهجة والنضارة والعذوبة.. يأنس لحديث رشا.. يغرق في حقول ورودها.. عصفوران جميلان يتقافزان ويمرحان.. بمناقيرهما الصفراء اللدنة يحفران حفرة صغيرة.. ينزلان فيها نبتة صغيرة خضراء.. يرشان تربتها بماء عذب.. وعلى مهل يرتبان أغصانها، وينسّقان أوراقها، حتى إنّ رشا لم تنس أن تنثر فوق تربتها الرطبة بعض العطر وحبات من السكر الخالص..! تردد شفاههما بنود ميثاق فرضته تلك اللحظات على روحيهما:
« لا خيانة لزرقة السماء، ولا خلط أو تبديل في لون الحلم..»"
حيث يدير الكاتب هنا دفة الموضوع في انتصاره الدائم للصفاء ، حيث التصالح م الذات، للحيلولة دون أن تتفسخ وتتلوث في زيف ما يحكى ويقال ويحاك من مواثيق ومفاهيم خارجة عن المعنى الطبيعي من بحث الإنسان للقيمة وتحسسها بكليته، دون إملاءات أو ضغوط، هنا يجسد النظرات الدافئة التي يتبادلها عبد المعطى ورشا بعيداً عن حلبة التراشق السلطوي والإيديولوجي، حيث الصفاء المتناهي، المعتمل النفس والذهن، المانح لتلك الحيوية الجلية، في البسمة والنظرة وهالة الحب المسورة للأعماق ، وما تفكر وتلهب الداخل بأمطار الحنين والتوق للخلاص، ففي ذروة ذلك الصراع للحب كلام آخر بمعزل عن التنازع القديم الجديد، لهذا لا يمكن عزل العواطف الذاتية عن حياة مليئة بالتحديات والعوائق، فهو يقف إلى جانب الإنسان المتحرر من تلك الفوضى الخالصة المحيطة جوانب الحياة المتعددة، فالانزياح نحو الحب والوجدانيات عموماً هو بمثابة البحث عن السكينة المفقودة في زمن يتداول النزاعات دون معنى، لعل في ذلك اجترار تلقائي للصراع دون وازع، الأمر الذي يشكل للإنسان رغبة مستدامة للخروج عن هذا الصراع، والبحث عن معنى آخر خارج هذه الدائرة المعقدة، فالتشبث بالحب هو الملاذ الأخير الذي يمكن للمرء أن يوظفه ليتفادى شبح الإحساس بالمرارة وانعدام الأمل، لهذا فالاتكاء على السند المعنوي هو ما ارتأى إليه عبد المعطى في البحث عن شيء دافئ وذاتي أكثر، حيث تختفي تلك الهالة الموجعة في مشهد مواكبة الصخب ، في حديثنا عن عوالم النفس التأملية، واستخدامها كوسيلة لصون النفس من مشاهد الكآبة الناتجة عن التنازع الذي لا روح له ولا أثر، حيث عبر الكاتب محمود الوهب عن هذا الانحياز لنداءات التأمل الجاذبة للحس الداخلي ، كونها في المحصلة ، الباقية في زمن التنافس والصراع العبثي ، الذي يستنزف بضراوة بالحلم والأمل الكامنين في الحب، كأنه يعبر عن روح من التفرد سادت ذاتية هذه الشخصية والتي راحت تتفرد بالصفاء لتحاكي بيتاً للشاعر المتنبي5 حين قال: أنام ملء جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جرَّاها ويختصمُ
أو على نحو آخر كما عند الشاعر بدوي الجبل6 حين قال:
تقسَّم الناس دنياهم وفتنتها وقد تفرد من يهوى بدنياهُ . فالنزوع نحو الخلاص الذاتي، أمر لابد منه إن ضاقت السبل في مواجهة الزيف وروّداه، وهذه مسألة بيَّنها الكاتب بشكل جلي كانتصار لقيمتها في قصة الصفعة، ولعل الخلاص الذاتي لدى أبو جبل هو العودة للسجن في قصة أبو جبل-حكاية من الماضي- ففي ظل عسف وتجبر السلطات القامعة لا خيار للمجتمع إلا بقبول أحد شيئين وهما الرضوخ أو الانتفاضة، حيث اختار أبو جبل الخيار البطولي الذي يليق به وباسمه وحقيقة صراعه وعدم مساومته على الثوابت مثقال ذرة، حيث نجد الحدث الدرامي هنا قد أعطى تأثيرات إنسانية جلية في هذه القصة المأساوية المبنية لنضال الإنسان الفردي في ظل توالي النكبات ومواجهتها بكل ما تحمل من صعوبات وعوائق لنتأمل هنا ص62: " «أحسّ مرارة في فمي يا أم جبل..! مرارة غريبة ما عرفت طعماً لها من قبل..! وصدري، صدري، يا أم جبل، تحوّل إلى شجرة شوك..! إبر حادة تنمو وتتكاثر، إبر تنغرز في كبدي ورئتي، أشعر بضيق شديد.. هذا الألم جديد على روحي، طعمه علقم، ورائحته زنخة، السجن الحقيقي هنا وليس هناك.. جدران روحي تكاد تهوي..! لست الآن «أبو جبل»، بل أنا أبو تراب..!»
إذاً فالكتابة الدرامية هنا لا تخلو من هواجس تنتاب الأعماق ، تحرض على التأمل بحيثيات المشهد وما يبعث من إحساس بمشقة الواقع وضيق أفق الحل ، وكذلك الترنح في طيات المشاعر الوجدانية، لتكون بمثابة الشرارة الكامنة في رحلة الإنسان باتجاه الخلاص ، فما يواجهه من بطش محاكم التفتيش وسطوتها، هو ما يزيده من المواجهة ويرفع في داخله آليات المواجهة ، حيث أن قوى التغيير ما تلبث أن تواجه، رغم كل الخيبات وهنا الكاتب يتناول الألم والمرارة إلى جانب العزم والإصرار على التحدي لرؤية عالم أفضل جمالياً وأخلاقياً ، فروح الألم ، تبثه الشخصية ، تتناول الأسى ببالغ من الكمد والمشقة، في عالم مشرع بالجفاء والموت ، حيث تبعث الكتابة الوجدانية بمواكبة الفكر اليقظ دوراً في تنمية الروح ، وتحفيزها أكثر على التشبث بقيمها ومضامينها ، لممارسة هذا الزخم في عملية المواجهة ، حيث عمد الكاتب إلى إبداء الشفافية الفنية المغمسة بتأثيرات الواقع لإضفاء مساحة لتناقل هذا الوجع وتأمل مدلولاته الحيوية والغائصة في العمق بعوالم المجتمع المكبل بسلاسل الفساد السلطوي، في عجزه عن مواكبة نداءات الإصلاح والتغيير ونشدان الرفاهية، لهذا أبرز في شخصية أبو جبل، تلك القدرات النشطة فيه ، تلك الخالية من التعقيدات والعوائق النفسية، فهي تنظر للحياة برمتها على أنها أرضية الصمود والوقوف عند الثوابت كونها تساوي كل شيء لدى الإنسان، حيث نجد هنا أيضاً ص66: " لقد خيّرت بين السجن وارتكاب النذالة.. قالوا لي:
إنّ المعلّم يريد أن يشرب فنجان قهوة معك يا «أبو جبل»..! قلت:
- معي أنا..! لماذا..!؟ أنا أصلاً، لم أعد أتذوق طعم القهوة أو الشاي.. رفضت الطلب، فألحوا عليّ ثانية وثالثة.. وحين رفضت أخذوني غصباً، هناك طلبوا التعاون.. قالوا:
تكتب لنا تقارير، تراقب بيوت رفاقك، تسعى لتأمين طلباتهم أولاً، ثمّ تتسقط أخبارهم، زوّارهم، أحوالهم.. لا نريد منك أكثر من ذلك..!
- أبو جبل لا يفعل ذلك..!
- هي كلمة واحدة، ولاك، السجن أو التعاون..!
- السجن..! السجن.."
فلا مناص من قبول السجن، عن العيش في سجن الخيانة المفتوح، فالكتابة في تمجيد معنى مواجهة المعاناة وضغط السلطة القامعة على الأفراد ، هو الشأن الأكثر قيمة في تناول المشاهد القصصية ، وصقلها بالمحتوى الإنساني ، على عكس كتّاب السلطة ممن يلهثون لتمجيد الزعامات، والثناء عليها، حيث انحاز الكاتب محمود الوهب للإنسان، تجسيد مظلوميته، وعودته للقيم الطبيعية المواجهة غطرسة السلطة ، وذلك هو المغزى من العمل الإنساني في حقل القصة القصيرة ، وهو النزوع للمحافظة على السلوكيات المحمودة ، إزاء العسف والجور الحاصل في مختلف المناخات الحياتية، إشارة أن منظومة الاستبداد تحاول إفراغ مجتمعاتها من ثوابتها ، مما يسهم في إنتاج نوع خطير من الفوضى واختلال النظم الأخلاقية ، مما يجعل التفتت وشيكاً في ميادين الحياة كافة..، حيث يحيلنا الكاتب محمود الوهب ، للحديث أكثر عن ثنائية الفساد والاستبداد، اللذين تمارسهما السلطة عبر تأسيسها لمنظومتها القائمة على تفتيت المجتمع أخلاقياً، الأمر الذي يسهم في إركاعها وصهرها بمفاهيم نفعية استهلاكية تنمي فيها روح القطيعة عن القيم الطبيعية، لتصبح الأخلاق في خطر، حيث تسعى هذه المنظومة باستمرار لتجديد أساليب قمعها وإقصائها، تلبس أحياناً لبوساً قومياً، بمسعى مزعوم أنها تحمي القومية وتمجدها في شخصها، وأحياناً تتجلى بلبوس طائفي بمزعم حماية الطائفة من خطر الفئات الأخرى ، إلا أنها تحافظ على بقاءها تحت شتى المسميات والمزاعم، وأجهزة الإعلام بالنسبة لها، آليات رقابية، وحتى من هم في زنازنها هم مخيرون بين أن يتعانوا مع السلطة أو يبقوا في معتقلات الرأي، بلا صوت أو صدى، حيث أسهمت هذه المنظومة بصنع المأجورين ممن لا رأي لهم إلا وفق ما تشير السلطة لهم بالقول أو الصمت، وهذا الوضع يكاد يضيق بتلك المنظومة ومستقبل دوامها في الحكم، بسبب توالي الأزمات الاقتصادية عليها، وكذلك احتقان الجماهير، ممن تشكل وقوداً للإنفجار، إثر التفاوت الكبير الحاصل في الدخل المعيشي للناس، ووجود تلك الفئة الفاسدة المتحكمة بالموارد الاقتصادية والمال العام، حيث دخلت في تحالفها مع السلطة، لإبقاء هذه الثروة في حوزتها، ناهيك من أن هذه السلطة تنسق أمنياً مع سلطات أخرى تجاورها، وتناصبها أيضاً عداء المجتمع ، حيث إن تفجر الوضع في دولة، فإن الدول التي تجاورها وتناصب سلطاتها العداء إزاء الجماهير، سرعان ما تصل النيران إليها أيضاً، ننتقل لقصة أخرى، هذه المرة الحديث سيكون عن الوجدانيات، والعوائق التي تقف بين العلاقات الإنسانية في أن تستمر وتثمر، لتصبح أساساً للعائلة السعيدة، بيد أن تلك العوائق هي وليدة المجتمع الأبوي، الذي هو بلا شك وجه آخر لمنظومة السلطة السياسية القامعة،هنا في قصة الشجرة يغوص الكاتب محمود الوهب في عوالم وجدانية حارة لا تنفصم عن القضية الأساسية التي ينتصر لها على الدوام، وهو تحرير الإنسان من أسر الاستبداد والتفسخ، والذهنية الأبوية الوليدة عن تقاليد وأعراف جائرة، تجد السلطات القامعة ببقاءها، وسيلة لدوام الغطرسة والجمود ، عبر تغييبها لمنطق الحرية والتمدن، لصالح العبودية والتمزق المجتمعي، فالسلطة إذ تحارب في المجتمع روح التنوير والنهضة، فهي في الآن ذاته تقمع الحب بين الرجل والمرأة، عبر التقاليد والأعراف البالية، تقضي على بناء العائلة القائمة على الحب والاختيار الطوعي، وذلك من خلال العائلة الذكورية المحاربة للحب والحريات إجمالاً، إذ تعتاش على إقصاء المرأة عن الرجل، لتبقى الذكورية بمثابة الوجه الساطع للاستبداد، وجذوره التاريخية الضاربة بعمق في المشهد السياسي الشرق أوسطي، حيث تتجذر الذكورية كنظام عبر صيانتها للتقاليد والأعراف، فهي السلطة التنفيذية العليا في داوم تمزيقها لشمل المجتمع عبر إبعادها للمرأة عن الرجل، لنتأمل هنا ص73 : " وحين وصل من وصل أولاً إلى حيث الشاب والفتاة، وهيأ عصاه يريد ضرب أحدهما المتداخل في الآخر، أو كليهما، حصل ما لا يمكن أن يخطر ببال إنسان أبداً، إذ أعجزته قدماه عن المتابعة، فتوقف بعيداً عن المشهد عدة أمتار، جامداً في مكانه كأنما هو تمثال من حجر، وهكذا حدث مع كلّ الذين وصلوا فيما بعد، إذ تساقطت العصي، وشلت الأيدي والألسن، وأطبق على المكان صمت خاشع. وحده البصر بقي عالقاً في الدهشة والعجب، والتحديق في هسيس أربعة أقدام عارية، يقطر من رؤوس أصابعها ماء خفيف، يرطب جفاف الرمل، وتغوص الأقدام رويداً.. رويداً. في الوقت الذي يكتمل فيه التحام الجسدين، فما يميزان، بينما كانت الأيدي الأربعة تنفرد عن بعضها، وتتباعد أصابعها، وتستطيل في الاتجاهات كافة غصينات مكسوة بشعر ناعم، سرعان ما يورق ويتبرعم، ويشكل ظلاً كثيفاً يتسع للناس والقطعان والكلاب اللاهثة من الركض والنباح. " حيث عمد الكاتب هنا لمزج إبداعي ما بين خيال منتصر على واقع هش ومعلول، واستخدمها بطريقة تدعو للتساؤل والدهشة الفنية، التي لا تنفك إطلاقاً عن الفكرة الوالجة للذهن المتبصر والمتبحر في مهاوي الفن وسحره وصلاته بتحسين صورة الواقع الذي لا روح له، حيث يخرج في هذا المشهد عن التقاليد الذكورية، والاستئثار النرجسي لنسج الصورة، حيث ظل هاجسه، إبراز التشاركية، ومدها بغلالات رهيفة من الصور والأحاسيس اليقظة، فإيماننا هو أن تحرر الإنسان عبر الكلمة، يتشكل فعلياً بتداولاً لمسيرة المواجهة لمنظومة تعتقل العقل، تكبله بكل عرف، سعياُ لبتر قيم الحب ومنافع الذات الروحية في ملامسته لسحر الطبيعة ووصاياها، المختزلة في السمو بالجمال لمراتب الرفاهية والصدق، والتمثل بماهية النظام، هندسته، على عكس الفوضى الناجمة عن القيم الذكورية سياسياً، ثقافياً ، اجتماعياً فهو أي السارد في القصة يعمد لإثارة المواجع والأحلام المنتهكة بين أسنان واقع فتك بهذا الحلم المشرع، حيث أدخلنا لدوامة الألم ، ألم العارف بقيمة اللحظة التي تمسي حلماً لا يتكرر، وهكذا أعاد صياغة المشهد الإنساني بعفوية تدعو للحزن حيناً والتدبر بحياة ينقصها المعنى من هذا اللهث نحو الفناء، إذ يمثل حقيقة الاغتراب ، حيث تسيطر هذه الحالة على المشهد ببدايته لنهايته، لينسج فكراً رادعاً لهذه المأساة عبر تجسيد الحب في شجرة الحب الماثلة في تلك الحديقة، التي دعت السارد هنا للحديث، المليء بنقمة هادفة ضد عنف المجتمع ، وتسطحه الذهني، حيث تتجسد معالم الغموض، هذه الشخصية المنقبة للوجع، أشبه بمحاولة صياغة حياة تناسب جمال الطبيعة، إسقاطها حياتياً ، وممارستها، لوضع حد لمفاهيم التطرف والعنف المركز ضد الحب، وقيم الحياة التشاركية، حيث نتأمل هنا مجدداً ص 75: " توقف صاحبي عن حديثه وذكرياته وسألني:
- هل يمكن لمثل ذلك الحب أن ينطفئ؟ فأجبته مسلّماً:
- لا، لا أعتقد ذلك أبداً..!
- إذاً كيف تفسر ابتعادها حين وصلنا إلى النقطة الحرجة؟!
- أيّة نقطة؟
- يا سيدي، ذات مساء كنا نتمشى قريبين من هذه الحديقة، وكنّا قد جهزنا كلّ شيء.. البيت والعمل واللوازم الضرورية الأخرى.. كانت يدها تشبك يدي حين قلت لها كيف تريدين توثيق عقد الزواج؟ وأين؟ قالت:
- ماذا تعني لا أفهمك؟
- أقصد، هل نفعل ذلك في المحكمة؟ أم عند رجال الدين؟ وأردفت، أنا لا فرق عندي، اختاري ما تشائين، فأنت فقط من يهمني..!
عند ذلك، بدا عليها، وكأنّها بدأت تستوعب حقيقة ما نحن عليه، سحبت يدها من يدي، وابتعدت عني قليلاً، و قالت:
- أتعني أنّك..
- نعم.. ألا تعرفين ذلك؟
كأنما شكل لسانها، فلم تنطق بأية كلمة، إلا أنّ دموعها التي دارتها بكفها الذي نسل من كفي، قالت كل شيء.. أما أنا، فكما تراني، وحيداً، أتأمل روحي السارحة مع بيت الأعشى:
ما روضة من رياض الحَزْن.. بأطيبَ منها رائحة..!
آه.. تلك أيام مضت..! "
هنا تتضح حقيقة المشهد المؤلم، بما يحمل من دلالات وجدانية، وسجالات نفسية، تحتدم حيناً، تهدأ حيناً آخر، تكشف عن الألم غير المفصح تماماً، سوى من خلال الدموع المعبرة عن حياة لا تتسع للحلم، وعن حقيقة اجتماعية تفصح عن بتر لصلة الروح بالأخرى، لأجل تشاركية الحياة الفضلى، وهي المعنى من التواشج الوجداني، والتوجد الداخلي بين الرجل والمرأة، فأمام عتبات الواقع المر، تتداعى صروح الحلم، لتحول دون تحققه، في إشارة إلى منطق الخلاف المتشظي في الحياة الاجتماعية، وتحكم الآخرين بخيارات الأفراد ومصائرهم، ليصبح التحرر من هذا الضغط عائقاً كبيراً، مما يصل بنا لنتيجة أن هذا المجتمع فاقد للحب ولثقافته دون دخول للتعميم ، إنما لو عدنا لوطأة الأعراف الطبقية، وحقيقة التنازع القائمة فطرياً بين البشر، لرأينا أن الشرق يعاني أكثر من معضلة محاربة الحب، ذلك أن وجوده يعني وحدة العائلة والمجتمع، ولكن محاربته، يفيدنا لحقيقة النظم القابعة على صدور المجتمع ، من خلال انعدام العاطفة الموجودة بين عموم الأفراد في خلايا العائلة إلا ما قل، وقليله متشبع بنسبية بمنطق الحياة العصرية، وقليل من مساواة جوهرية، ولطغيان النفعية في أوساط حياتنا المشبعة بضياع الحقوق، نجد أن الحب يكاد يبتعد، حيث يغترب الأفراد ذاتياً، عن المجتمع، ويصبح التخبط سائداً، هذا ما حاول الكاتب بيانه، في حقل الحديث عن عالم الوجدانيات بين الرجل والمرأة، وصعوبة تقبل الحياة الحرة، والانقياد لنداء الأعماق، وعدم القدرة على تحقيق المتانة في العائلة، نظراً لابتعادها عن ثقافة الحب ، ونجد في لغة الكاتب محمود الوهب في هذه القصة، خليطاً جميلاً بين الطبيعة الذاتية والمحسوسة، حيث أخرجها لوحة متمازجة الأشكال والألوان، في بيانه لروح وقيم التآلف بين الرجل والمرأة، في محاولة للقبض على ماهية الجمال في مخزون الذات المفصحة عن شجن لا زال يقيم في الذاكرة، وعن هذه الكينونة الساعية للتماهي بالطبيعة ومباهجها، رغم العوائق والتحديات الجمة، واصفاً المرأة كمزيج بين الرقة والكمال، كأنها قصيدة الوجود، في سعي دائم لاختزال أكبر كم من المعاني والدلالات في سياق لوحة تأملية، مليئة بالنزوع إلى الماضي، وحقيقة الحب التي لا تستكين للنسيان، في سعي شغوف للخروج عن علة هذا العالم، في تحدٍ للسلطوية الماثلة في كل ركن من أركان الحياة ، فقراءة ما بالداخل في سياق محاكاة الماضي لفهم تداعيات الحاضر وإشكالاته لأمر في غاية الأهمية لفهم مشاهد الحياة وظواهرها وأثرها على النفس والسلوك، حيث يحاول أن يذهب الكاتب نحو الطبيعة الأولى للمأساة، بطريقة فلسفية أشد غوراً، للقبض على اللحظة الهاربة، والتي يستهوي الإنسان الحالم العودة إليها ولو عبر تخاطر ذاتي، حيث نبصر هذا النص كأنشودة حب غير مكتملة ، وأمام هذا المسعى ، محاولة للعبور بالأشياء التي يعيشها المرء بكل حنين ساعة العزلة، في نشدان دائم للنظام والعدل والسعادة، في عالم لا ينفك عن التنازع والذئبية، وكأنه لزام على المبدع في سياق ما وصفه الكاتب هو أن يلوذ أبداً لعوالم الفن وتحسس الزهر في الطبيعة الخلابة، كبديل عن التغني بالشقاء والحزن، حيث أن مشكلة الوجود عصية الحل، غامضة الكنه، والطفولة تعد بلسم مضاد للاغتراب، بدليل النزوع الدائم لما مضى والتدبر فيه، وأيضاً التشبث بمضامين الإنسانية الحقة عبر التشاركية التي تعتمد على تبني الجمال والحق والخير كقيم لا بد من جلاءها والانتصار لها، إزاء كون بلا روح متمثل بالجهالة والأنانية والنفعية المفضية لمزيد من تصدعات وحروب، ولاشك أن نتائجها تستدلنا لشقاء المحب ، وعزلته، واغترابه الذي يكشف عن سجالات شاقة، فوراء الوصف المثالي للأبعاد الجمالية للحب والوجود ، تكمن المرأة ، حيث تشكل الجزء العصبي من هذا المجتمع، و الرجل في خضمه معني بالجانب الميكانيكي فالخط الفكري لدى الكاتب يسير باستقامة وتوازي مع المناخ القصصي القائم على مخاطبة عوالم الوجدان لدى المتلقي في رسمها الفضاء التخييلي الرمزي، الدرامي، ولهذا تغدو القصة سجالاً متعدد الجوانب، يرمي لتحسين صور الحياة ومشاهدها، وكذلك الإفصاح عن مشكلات الإنسان في خضم الوجود، ويركز أكثر على دور الفرد المبدع في ظل الجماعة، ومسعاه الجمالي لصالح انتصار القيم والمثل والإرادات ضد الضعف والتكلس الذهني الروحي، حيث أن في قصة الشجرة شيء يتعلق بالنزوع الفردي لتأمل الوجود وما فيه من ملامح جمالية زائلة يحاصرها شبح الفناء، كأنه يعرض لنا قضية الاغتراب ، ولاشك أن ما يلعب دوراً فاعلاً في ترويض المشهد القصصي الواقعي إجمالاً هو تناول الكاتب محمود الوهب لإشكالية الاغتراب في أدبه عموماً ، ومسحات الاغتراب لا تكاد تتوقف بل تهب إشارات هنا وهناك ، تبين لنا الغرابة في مشهد الحياة المتلاطم والمليء بالأحداث، والتي سادت حياتنا المعاصرة بشكل معتم وتشاؤومي ، بيد أن الكاتب ليس بهذه التشاؤومية التي تهبها لنا معالم السوداوية التي تغص المشهد السياسي في خضم الحالة الاجتماعية برمتها، ولو بدت بهذه الضخامة التي سادت نمط تفكير الأفراد والجماعات، فنجد النزوع الدائم للكاتب إلى التطرق لجوانب من حياة مجتمع الريف، وتفكيرها، وذلك هو الميدان الذي يمثل الباب المفتوح لأحاديث مؤلمة ونكبات متوالية تعصف بالحياة المعاصرة والتي ما تزال تحافظ على أنماطها البدائية التي لا تنفك عنها رغم مرور الزمن، فالصراع السياسي، أعطى سمات معينة لطبيعة المجتمع في ظل السلوك المتبع في خلخلة نظامه الطبيعي، والعاشق في قصة الشجرة هو إنسان مغترب، وعبد المعطى هو سياسي مغترب في ظل حزبه، وكي الجندي الأمريكي هو إنسان مغترب في قصة زينب وفاطمة وربما تالين، هكذا اختار الكاتب لكل قصة من قصته شخوصاً ينفرد كل على حدة بما هو مشغول به ومعلول، ومتى ما عجز الإنسان عن بلوغ ما يحلم به ويؤمن ، يصل حتماً لحالة الاغتراب، فشخصية أبو جبل ، أيضاً تعيش في اغترابها المزمن حيث تخيره السلطة ما بين حل الإرتهان لها أو البقاء في سجونها، فيختار الحل الأمثل وهو السجن على أن يبيع ما يؤمن به ، ويصبح بعدها بلا قيمة،فالغربة التي تلقاها شخوص هذه القصص المترابطة في بحث يتناول الإعتراب في سماته وأطواره وأشكاله المختلفة، هو بمثابة زهد ثقيل وفاقع عن الأهداف الحضارية التي لم تتحقق ، أو لا يزال طيفها بعيداً عن الواقع المعاش، فالقصص التي اقتطفنا إجمالاً بعض شواهد منها ،تهدف لإعطاء الاغتراب طابعاً درامياً وجدانياً تأملياً نقدياً في سياق الواقع الهش، حيث ينتقل الكاتب محمود الوهب، للحديث عن الاغتراب في سياق حاد المزاج، يعبر عن ثنائية الاغتراب والموت، في مسار واحد يتقادمان بتقادم أطوار عيش المرء، ففي قصة "حفيد بن أبي سلمى" نجد ابراهيم ، العجوز البالغ 87 عاماً ، يحاور الموت، بطريقة تدعو للتأمل، فهو يذكر الموت بجمال الحياة، بالنزهة واجتماع الأصحاب، بالأشياء الحميمة، وهنا يشير الكاتب لما يتذكره الإنسان وهو على عتبة الموت من رغبات جمة تنحاز للإيجاب، يتشبث بها في اللحظات الأخيرة، حيث لا يجد لتذكر الألم وجدوى استحضاره، لنتأمل هنا ص79: "- من أنت يا رجل، وماذا تريد..؟!
يقهقه الصوت ويتساءل:
- أحقاً لم تعرفني يا إبراهيم..!؟ إذاً لتهدأ نفسك أولاً.. واعذرني إن أفصحت عن شخصي، وأرجو ألا تخشاني، فلست في حقيقتي غير ملاك، ولكنني، كما تعلم، ويعلم الجميع، ملاك غير محبوب، بل هو مكروه، نعم هو مكروه، ويكرهه بنو الإنسان خصوصاً، لأنه قدرهم الذي يفاجئهم من حيث لا يحتسبون، وكم يتمنون لو أنّهم يقدرون على شكم جموحه، أو التصدي لإرادته النافذة القاهرة، ولكن هيهات.. فذلك المستحيل بعينه."
فالموت هنا يحدث إبراهيم، حيث ينطوي على كثير من الغموض، رغم تجليه، بهيئة مؤنسنة، متكلمة، ومنذرة على فعل إنهاء الحياة، بصورة تبدو كريهة ومزعجة، حيث يقوم الكاتب على إضفاء البعد المألوف للموت، كون ثمة وكيلاً سماوياً يقوم بمهمة قبض الأرواح، هنا يبين الكاتب قناعة المجتمع المحاط بهالة العقائد الروحية، حيث عبر الكاتب بروح من البساطة الموافقة لتلك القناعات في رؤية الموت حسب العرف الديني، ومن هذا الموت تنبثق حقيقة الولادة ، وزهوها في الحياة، حيث يدخل الكاتب وعلى نحو هادئ للحديث عن رهبة الموت، وقدومه المفاجئ، وسط أحداث وأهوال جمة، حيث يقصم الموت ظهر الوقت، ولايبصر المرء نفسه إلا حين غرة وهو على مقربة شعرة من الموت، فهنا ينكشف الموت بهيئة من يحاور، حيث يعالج الكاتب ظاهرة الموت في سياق حوار شيق يجمع ما بين ابراهيم والموت، فهو الموضوع الأكثر إشكال وصعوبة، ولاشك أن الكاتب محمود الوهب نأى بنفسه عن تلك المشاكل الفكرية والعقائدية للعديد من المؤمنين المتدينيين ممن يرون الموت متجسداً بملك الموت –عزرائيل- لذا استطاع إضفاء رؤيته الخاصة في الحوار غير العادي، المنساب فلسفية ونزعة تأملية، وبلغة بسيطة مؤثرة، لنرَ هنا ص81: "- حب الحياة يتساوى فيه الناس جميعاً.
- أقصد أنّ لديّ أعمالاً وقضايا لم أنجزها.
- كل الناس لديهم أعمال غير منجزة، وكلهم يتمنون لو يعيشون أكثر مما عاشوا..!"
وهنا يعبر الحوار عن جدلية الرغبة في البقاء في تصارعها العقيم مع الفناء، مما يحيلنا للذهاب للفيلسوف الفرنسي بليز باسكال7 بمعرض حديثه عن الموت قائلاً : “ليس هناك خير في الحياة إلا الأمل في حياة أخرى , ولا يكون المرء سعيداً إلا بقدر اقترابه من هذا الامل ، وكما أنه لن تقع ضروب من سوء الحظ لأولئك الذين يمتلكون ناصية اليقين القوى في الأبدية ، فكذلك ليست هناك سعادة لأولئك الذين لا يميلون لذلك “
حيث يجد باسكال في القناعة المتشبثة بيقين ما ، أو حنين للأبدية الكامنة في حياة أخرى، بمثابة احتمال للخلاص، في إشارة إلى السعادة التي يتمناها الإنسان في بزوغ الأمل ، فماذا عنى باسكال بهذا اليقين، إنها تعني الرغبة التي لا تنطفئ، وهي بدورها تقوده للسعادة، دون الانزواء في فخ الاحتضار المؤلم، حيث يعبر الكاتب محمود الوهب في سياق القصة عن ذلك اليقين القوي في الأبدية في هذا الحوار ص81: "- يا سيدي أنا لم أهرم، ولم أسأم. ولن ألتفت لأقوال أحد.. لا إلى زهير ولا إلى ابنه كعب أيضاً، ذاك الذي لا يرى نهاية للإنسان العظيم غير أن يحمل فوق آلة حدباء..! أنا أتطلع إلى الحياة. المستمرة، الحياة التي تمنح الناس، على الدوام، البهجة والنمو والارتقاء ألم تفهمني يا عزرائيل..؟!"
ولعل رغبة ابراهيم في قصة حفيد بن ابي سلمى تلخص قدم علاقة المرء بالحياة القائمة على النمو والارتقاء، حيث تلك الأنفس التي لا تموت بل تعود لهيئتها الأصلية في التماهي بالوجود والموجود، حيث يرى الفيلسوف والرياضي الفرنسي -رينيه ديكارت-8 هذه الحقيقة حين تمثلها في ذاته فقال:
“أعلم جيداً … ان لك ذهناً متقداً وأنك تعرف جميع ضروب العلاج لا تهدئ حزنك , لكن لا أستطيع الامتناع عن إخبارك بعلاج وجدته بالغ الأثر , لا في مساعدتي على ان احتمل صابراً موت أولئك الذين احبهم فحسب , وانما كذلك في القضاء على خوفي من موتي , وذلك على الرغم من أنني انتمي الى أولئك الذين يعشقون الحياة عشقاً جماً ، ويتمثل هذا الضرب من العلاج في النظرة إلى طبيعة انفسنا , تلك الأنفس التي اعتقد أنني اعرف بوضوح بالغ، انها تبقى بعد الجسم ،وإنها قد ولدت من أجل ضروب للفرح والغبطة، أعظم كثيراً من تلك التي نتمتع بها في هذا العالم , وانني لا أستطيع التفكير في أولئك الذين ماتوا إلا باعتبارهم ينتقلون الى حياة أكثر سلاماً وعذوبة من حياتنا , و إننا سننضم اليهم يوماً ما , حامليين معنا ذكريات الماضي ذلك لأنني أتبين فينا ذاكرة عقلية من المؤكد أنها مستقلة عن الجسم “
حين يتحدث ديكارت عن حالة الخوف من الموت، حيث تبدو له الحياة أكثر مشقة برحيل من نحب، فبمقدار ما نحب الحياة، ونبتهج لها ، بمقدار ما نخشى على أنفسنا أكثر ، حين نفجع برحيل من نحب، كذلك هي الوحدة كشعور يرادف الموت، بل يحيلنا لمجالسته، لهذا فابراهيم في قصة حفيد بن ابي سلمى، يحاول إقناع قابض الروح، بأن في الحياة أشياء تدفع للبهجة والفرح والأنس، بينما الموت غامض قاتم، لا لون له ولا روح ، إذ يعبر الكاتب محمود الوهب في سياق المحاورة جانباً مما عبر عنه رينيه ديكارت في نظرته للموت، وننتقل الآن للفيلسوف الهولندي باروخ اسبينوزا في معرض حديثه للموت، توصيفه إياه، قائلاً : ” العقل البشري لا يمكن تدميره بصورة مطلقة مع الجسم , لكن شيئاً خالداً يبقى منه “ هنا يحوم الفيلسوف اسبينوزا حول هاجس الخلود مجدداً ، تحول هذا الجسد البشري لشيء محسوس آخر ، يكون تتمة للوجود ، إذ يعود لعناصره الكلية ويقول أيضاً: “إننا لم نعز الى العقل البشري أي ديمومة يمكن تحديدها زمنياً, إلا بقدر ما يعبر ذلك عن وجود فعلي للجسم ,يفسر عن طريق الديمومة ويمكن تحديدها زمنياً , أعني اننا لا نعزو اليه ديمومة إلا بقدر ما يدوم الجسم , غير أن هناك بالرغم من ذلك شيئاً ما تقتضيه ضرورة خالدة معينة عبر ماهية الاله ذاته , وهذا الشيء الذي يتعلق بماهية العقل سيكون أزلياً بالضرورة “
حيث يعبر اسبينوزا9 هنا عن الأزلية ، خلود العقل، فناء الجسم ، تحوله، فالعقل البشري في مضمار هذا المعنى باق، إذ تنتقل بين الأجيال، عن طريق أفكار تتشبث بقيم الحياة ، لا الموت، حيث يعبر الكاتب عن ذود ابراهيم عن نفسه وقناعته في حضرة الموت في مخاطبته له ص86: "- غريب أمرك أيها الرجل..! كيف تستطيع تجميل هذه الدنيا؟! فكلّ شيء فيها يدعو إلى الرثاء بل إلى القرف والاشمئزاز.. هلاّ التفتّ حولك لترى إلى التخلف المقيت، وإلى الفقر وما يخلّفه في البدن والنفس من أمراض تجرّ أمراضاً.. ألا ترى إلى ظلم الحكام وذلِّهم.. بل وإذلالِهم غيرَهم كذلك، وإلى جور التجار وتجاوزاتهم.. ألم تر إلى ما تفعله الحروب بالناس..؟! إنني ما جئتك إلا منقذاً ومخلصاً..!
- بالموت..! ومتى كان الموت منقذاً.. ألا ترى أنّه من الأفضل لكم وللحياة، أن تستخدموا إرادتكم في تعديل موازين الحياة.. في جعلها أكثر عدلاً وإنصافاً.. وبالتالي أكثر نقاء وجمالاً..! أليس ذلك ما توصون به، ونسعى، نحن بني الإنسان إليه، أو بعضنا على الأقل..!؟"
هنا تنبثق العديد من التساؤلات التي أزال الكاتب محمود الوهب، عنها الغطاء مبرزاً ما يلي:
إصرار الإنسان المعرفي على انتزاع التشاؤم الأسود المكبل لحيوية الفكر والوجدان، ساعياً لإغاثة المكتئبين، المتقوقعين في قيعان النظرة التي تنحو لتمجيد الفناء وملحقاته من تعصب وعنصرية وكراهية الآخر
التعريف بعبثية الشعور بالخيبة، والعمل على تحسين صور الحياة الضاغطة على المفاهيم الطبيعية والملوثة لها، بإذكاء شرارة الحس الإبداعي لعيش الحياة بصورة ممكنة ومعبرة عن مواهب الإنسان المعرفي في الوجود.
محاربة التخلف كونه الوجه الأكثر سوءاً للموت، والتسلح بفلسفة الحياة في أطوار المرء المتعددة لغاية الطور الأخير، المفضي للتدبر والتذوق من الخلاصة المستنبطة من فعل الحركة المديدة
التعريف بأن جودة التفكير وجدته هو شكل فريد من أشكال الحياة غير المرئية والعمل عليها بصورة متقدة ، عبر الآداب والفنون والأفكار الحرة..
لننتقل الآن للفيلسوف المعرفي الألماني إيمانويل كنط10، لنتعرف على توصيفه للموت في إطار محاولته العنيدة في إثبات الخلود قائلاً : " ليس الموت إلا القناع الذي يخفي نشاطاً أكثر عمقاً و أقوى مغزى وان ما يسميه القانون بالموت هو المظهر المرئي لحياتي وهذه الحياة هي الحياة الأخلاقية .. وما يسمى بالموت لايمكن أن يقطع عملي لأن عملي ينبغي أن ينجز لأنني يتعين علي ان أقوم بمهمتي فليس هناك حد لحياتي ,إنني خالد “
فخلود المنجز لدى كنط يتحدد في بيان القيم الأخلاقية ، الذي يكشف النقاب عن هذا التصالح الوثيق بين المرء العامل وأعماله، حيث ذلك النشاط المفرز للحيوية، حيث تصبح فيما بعد عملاً يحتذى، وشيئاً نفيساً يتجلى عبره الإنجاز الذي يحفل به المرء، ليكون بمثابة القوة التي يعملها لمعرفة الحياة الخالدة التي يؤمن بها وذلك عبر استمرار الحركة الرافدة لحسن المسعى، القادرة على بث الديمومة في الأعمال الحقيقية، البعيدة عن مظاهر التزلف والزيف، والرامية لتحسين الحياة، وفهمها بطرائق متعددة، التي تقف وراء ذلك القناع الذي أشار إليه كنط هنا ، وهو القناع الذي يخفي وراءه النشاط الغزير والإمكانات الكثيرة تلك التي بينها أيضاً الكاتب محمود الوهب في هذه القصة المثيرة والباعثة على التنقيب، ولسان الحال هو أنه ثمة الكثير المنتظر تحقيقه ودوام المسعى والرسالة المعرفية لا يتوقف بل يتناسل من جيل لجيل وهكذا دواليك..، فنرى هيجل11 الرائد للفلسفة المثالية يحدثنا عن تصالح الروح مع الذات قائلاً هنا: “ان الموت هو الحب ذاته , ففي الموت يتكشف الحب المطلق , إنه وحدة ما هو لإلهي مع ما هو إنساني , وان الله متوحد مع ذاته في الإنسان ,في المتناهي .. عبر الموت صالح الله العالم ويصالح ذاته للأبد مع ذاته “
ولكي نقارن أكثر بين وجهي هذه المفارقة والتواشج الجامع بين الفكر والدراما القصصية في قصة حفيد بن أبي سلمى ، أراد الكاتب بيان حقيقة المضي نحو إيمان الذات بالحياة، وما وفود ملك الموت لقبض تلك الروح التي تآلفت وتصالحت مع وجودها وألفتها لأبعد حد إلا إشارة إلى ذلك الحب الذي يحدثنا عنه هيغل في ربطه للموت، إذ تتجلى كل الإرادة الكامنة في الإتيان بالحياة كإبداع وحركة لحظة اقترابها من شبح الفناء، ولعل المطلقية في الموت، ناجم عن مسعى المرء لتحييدها قليلاً ولرؤية ذلك العشق الكبير في استنطاق الوجود في لحظات ما قبل النهاية ، تلك المناجاة ما بين ابراهيم وقابض الأرواح –عزرائيل12- يكشف لنا عن حقيقة الموت في تجليه الروحاني والإنساني معاً، ولعل ذلك التوحد قد تجسد ما بين الإنسان وذاته في ظل هذه المناجاة الغزيرة بالمعنى والذي يكشف لنا حقيقة تعلق الإنسان بالأبدية عبر تمسكه بعشق الحياة ببروز هالة الموت، حيث أن علاقة الإنسان بالحياة هي أيضاً طريقة لمعرفة نقيضها، حيث نجد الكاتب يسير في منوال معرفة حقيقة ذلك التبادل المؤلم ما بين طالب الحياة وقابضها هنا ص84: " متى كان عزرائيل يخاطب الناس بهذه البساطة؟ ومن أين له كلّ هذا التواضع، ومن الذي جعله على هذا النحو من طول الصبر وسعة الصدر.. ثمّ كيف يستشهد، وهو الملاك السماوي، بشاعر أرضي..! بل من أين أتتني أنا تلك الجرأة لأكلّمه كما فعلت..؟! لابدّ أنّ أمراً ما قد حدث..!"
والتساؤلات لا تكاد تبرح الذهن، بحضور الموت أم بغيابه، وهذا يبرز لنا الحب المطلق الذي رآه متجلياً في الموت لدى هيغل، لكنه لدى شوبنهاور13 دليل على ذلك العبث العقيم الذي لا ينفك عن الحياة وحقيقة الموت فيقول هنا: ان المعاناة هي بجلاء المصير الحقيقي للانسان كما يقول انه يتعين النظر الى الموت باعتباره الهدف الحقيقي للحياة لأنه في لحظة الموت فإن كل ما تقرر حول مسار الحياة بأسرها ليس الى إعداداً ومقدمة فحسب و الكفاح الي تجلى في الحياة على نحو عابث وعقيم ومتناقض مع ذاته تعد العودة من رحابه خلاصاً .
حيث نعود لما آل من حديث أثناء ردع قابض الأرواح لتلك الرغبة الكامنة لدى ابراهيم في مواصلة الحياة حين قال هنا 86: غريب أمرك أيها الرجل..! كيف تستطيع تجميل هذه الدنيا؟! فكلّ شيء فيها يدعو إلى الرثاء بل إلى القرف والاشمئزاز.. هلاّ التفتّ حولك لترى إلى التخلف المقيت، وإلى الفقر وما يخلّفه في البدن والنفس من أمراض تجرّ أمراضاً.. ألا ترى إلى ظلم الحكام وذلِّهم.. بل وإذلالِهم غيرَهم كذلك، وإلى جور التجار وتجاوزاتهم.. ألم تر إلى ما تفعله الحروب بالناس..؟! إنني ما جئتك إلا منقذاً ومخلصاً..!
فثمة ذلك التقابل ما بين القولين من حيث المعنى، ما توصل إليه شوبنهاور عن حقيقة تجلي الحياة على نحو عبثي عقيم ومتناقض، يفضي لنتيجة أن في الموت الخلاص من تلك الأهوال المتجسدة في التخلف المقيت والفقر والمرض والاستبداد الفاتك بالناس والذي أشار إليها الكاتب محمود الوهب في معرض هذه القصة، فمهما تجسدت بواعث التشاؤم، اتسعت بوابة الإرادة في الولوج للحياة، على الرغم من حقيقتها المفضية للفناء ، ولهذا فالإنسان معني بدورة الحياة، وانبثاق الحياة من رحم الموت، حيث لا العقل يستطيع الإجابة ولا الوجدان يستطيع أن يصوغ علماً بمفرده، ذلك أن القصور هو وجه المنجز الإنساني بعمومه لهذا يقول نيتشه هنا: “ما من وقت ينقضي بين لحظة وعيك الأخيرة و أول شعاع لفجر حياتك الجديدة , ومثلما لمعه البرق سينزاح المكان , وذلك على الرغم من أن المخلوقات الحية تظن أنه انقضى مليارات السنين ولا تستطيع حتى أن تعيدها ,فاللازمان وإعادة الميلاد المباشر يناغمان حينما ينحي العقل جانباً”
حيث تحدث الكاتب عن الإنسان أمام الموت، وقد تماهى بالطبيعة العادية للمجتمع الذي يخوض التدين والفطرية ولا يجيد كثيراً، الغوص في متاهات فلسفية، فقناعة المرء في ظل مجتمع يعيش قناعاته المتداخلة مع الأعراف والتقاليد الدينية، هي التي يُسلط عليها الضوء، وبطريقة تحاكي هذه الطبيعة ولا تراءيها، فأمامنا هيئة من ينتظر الفناء، كونه بلغ أرذل العمر، ولكن المغزى الكامن في هذه المناجاة التي تتوسط الحلم واليقظة، هو ما تستدعي التأمل، والمقاربة، والترابط الرؤيوي ما بين النص بدلالاته وتقابلاته مع ما قيل وحُلِّل، وما يجدر الحديث هنا في معرض تطرقنا للاغتراب، الموت، الفساد، الاستبداد، خنق الحريات واستعباد الأفراد، ذلك الاستعباد المحاصر مفاصل الحياة الاجتماعية الغائصة في مستنقع الكبت إلى إشعار الانفجار، فقد عبر الكاتب محمود الوهب بطريقة فيها من التجسيد ما يبعث على الدهشة والشعور بغصة الألم، جراء تلك الفوضى، فعبر عنها هنا في قصة تشبه الخاتمة، حيث لم يجد بداً من أن يعيد لأذهاننا شريط الغربة ورأس العلة، وانعدام العقد المنصف ما بين الحاكم والمحكوم لنتأمل ص89:" أخذ الرجل الرأس بين يديه.. حمله مثل كرة أو بطيخة.. رفعه إلى أعلى.. نظر إلى عينيه الجامدتين البائستين.. طبطب على جانبيه.. وحين اطمئن إلى الصوت وإيقاعه، وإلى ما يوحي به من أمل بالخلاص.. همس بشيء، يشبه الاعتذار، وبخبطة واحدة، ضرب بالرأسِ الكرةِ خَشَبَ الطاولة، فتشققت جدرانُه، وتناثر لبُهُ ومحتوياته..! ،فوجئ الرجل حين عثوره على الشيء المزعج المشار إليه، إذ لم يكن غير ذلك الشرطي الذي رآه قبل قليل يضبط جمهرة الناس أمام كوّة توزيع المعونة الشتوية التي أقرتها الحكومة للفقراء من رعاياها..! إنه هو بشاربه الهائل ووجهه المغْلَقِ الذي يبدو وكأنّه قدَّ من صخرة مرّغها الغبار ونفايات الكلاب الشاردة..!"
فالمأساة الحقيقية الملازمة لروح هذه العبارات، هي في القمع الدائم لكرامة الإنسان وحريته، حيث تبدو الأجهزة الأمنية، مدعاة كبح ورعب للإنسان، بدل من أن يكون وجودها مدعاة أمان واطمئنان، ولعل الصورة المؤلمة التي برع الكاتب في وصفها، لهي دليل أكبر على حجم الهوة والشرخ الحاصل ما بين الحكومة والجماهير، في أن القمع هو الوجه المفصح والأكثر جلاء هنا، والذي حمل معه الوجع الكبير ، إزاء عزم السلطة القامعة على إذكاء شرارة الاحتقان وتربية الخوف لدى المجتمع، حيث الأجهزة الرقابية التي توظف لقمع الحياة، والحريات على حد سواء، الأمر الذي أفضى لمشاعر السوداوية والتشاؤم والحنق الشديد إزاء واقع لم يتغير، وهنا أعد الكاتب محمود الوهب العدة لوضع أسس أخلاقية إنسانية تقوم عليها دعائم سبر التغيير الاجتماعي، إنه قدر الجماهير الرازحة تحت سلطان الخوف والرعب والفوضى القمعية..
الخلاصة :
تتلمس مجموعة الصمت معاني الحرية، خارج دوائر القيود المعقدة، وخيوطها المتشابكة، انطلقت من الأفق الواقعي، خارج الأطر الكلاسيكية المتبعة غالباً في لغة الروايات المواكبة للتعاليم الاشتراكية، ومواعظ منظريها، لهذا لم تتصادم مع أطر جامدة ممكن أن تحد من جموحها الفني الإبداعي، بل حاكت الإنسان، وصاغت الوجدان بفنية، سلسة لا تعتمد التكلف، أو الحكائية التقليدية، ولا تلزم الشخوص إلزاماً بالإنشائيات المتداولة في القص المفتوح والأقرب للنص الشعري ، دون ربطها بكل مقومات الإثارة على مستوى اللغة وجودة التعابير المصاغة، لخلق معالم رؤيوية للفن القصصي بما ينسجم مع تطلعات القص ليكون الأساس الخصب لدواعي الرواية المعاصرة، وملهماً أساسياً لتفتّح خلايا العمل الروائي لما له من تواشجات وارتباطات مع القص كمادة أولية له، فالدراما الباعثة على الحركة تتنقل عبر الصور البصرية ومآلات المكان على النفس، تحاول أن تصنع من هذا التمازج حدثاً على مستوى الأفكار، لبث قيم المجتمع ونظرة في حياته، التي يتناولها الكاتب بدرامية باعثة على التخييل والذهاب باتجاه الأماكن، حيث لقفلة كل قصة، رمزية مبهمة، تحتاج من المتلقي الفطن، مراجعتها، ليصل للمغزى من هذا البوح، الملتمس من المعالجة النقدية، والمعتمدة على إبراز الحدث العام، والأوجاع الفردية المحاصرة أروقة النفس المتعبة، ولعل التنقل في أروقة الأجواء الشعبية لما لها من بواعث تنقب عن طبيعة الحياة ومفاهيم الناس، قيمهم التي تآلفت مع الطبيعة، سلوك بعضهم طريقاً أهوجاً في معايشة الحياة، تذمر بعضهم من سلوكيات تتصادم مع النفس وما يعتريها من تشبث بقيم الجمال، والتماهي بها، هو ما جعل المشهد يبدو متجانساً بالصور المجسدة للتقاليد الجمعية، ومتناغماً بالأحاسيس الوجدانية المتخللة مشاهد الحوار وطرافة اللغة التي نقلها الكاتب عن لسان حال بعض شخوصه بطريقة تعتمد الجذب والتخييل، والسرد، بما يتلاءم تماماً مع الفكرة، وعامداً في مرات عدة إلى الإيحاء بالفكرة دون بروزها، إلا في هيئة احتجاجات وصرخات تنم عن غضب كما في قصة المهر الأبيض خميس، وكذلك ما سبقها قصة البغل حيث نجد أن الفكرة بارزة بالحوار الداخلي بين النفس وشجونها أثناء فترة التقاعد عن العمل، وكذلك الغضب الذي انتاب عامر حين تم استخدام فرسه للحراثة ورؤيته له منهكاً متسخاً، إذ يعكس الكاتب ذلك النفور من قبح السلوك البشري الذي لا يمت بصلة لما بداخل عامر من سمو وتماهي وتعاطف ورحمة إزاء الحيوان الذي أحبه عامر، إذ بدا وكأنه يحمل روحه لتقترن بالطبيعة أثناء ركوبه للمهر الأبيض، ففي هذه القصة نسج بديع، يعتمد على الخيال وتجسيد البساطة في مدارة الواقع، بقناعات طبيعية، حيث ذلك التعانق الجميل ما بين الإنسان والطبيعة، عبر امتطاء عامر لصهوة المهرة واندفاعه نحو العلو ، ومروره بتقاسيم الطبيعة ومرتفعاتها، فقد استنطق الكاتب من وراء الشخوص، الأماكن، الطبيعة، اللكنة القروية، تلك الحياة، التي تخفي الكثير من الهدوء والجمال إلى جانب الحسد والتنازع والكراهية، والجفاء الذي ما يفتأ البعض لامتهانه إلى جانب الكثير من الدماثة والطيبة، حيث يمثل ذلك النزوع الإنساني كخيار بديل عن القالب الإيديولوجي الذي تم كسره هنا، لصالح انتصار الهاجس الفكري الكامن في تلابيب النص القصصي للكاتب محمود الوهب، فالبشر يتنازعون على السلطة بضراوة فيقتلون ويفتكون ويحرقون الأخضر واليابس، بينما المتورطون عنوة في أتون هذا التنازع تحركهم فطرتهم الإنسانية على التعاطف والتعاون فيما بينهم، هذا ما أشار إليه الكاتب في قصة زينب وفاطمة وربما تالين ومهمة العمل الأدبي كعنصر متعالي على السياسة وضروراتها، هي أن توغل للحديث عن ذلك في خضم عرض الأفكار وبيان قيمها الجديدة، للحد من ظواهر الحروب التي يصنعها الإنسان ليبرز الأنانية والجشع في السيطرة والاحتكار، فلابد من أن تعاد الإنسانية وتمارس إلى جانب التورط في التوحش والقتل، وهذا ما ترشده إيانا طبيعتنا الخيرة ، ألم يقل روسو أن الإنسان خيٍّر بطبيعته بدليل نفوره من رؤية الدم، وهنا يمارس كل موقن لإنسانيته كل ما يؤهله ليرتقي وينبثق من بين الصخور كأي نبتة تصارع التهميش والاضمحلال، لتمسي خضاراً، وهنا تبقى الكتابة مصدراً للتوثب نحو الإنسان كمعنى ووجودية، خارج زنازن الارتهان والتوحش، حيث تتحدد الوظيفة الجوهرية من العملية الأدبية برمتها، بنزوع ذوي الأقلام المبدعة للترسل العفوي الفكري للمعاني الإنسانية الكبيرة، تلك التي تواجه تحدياً كبيراً في عصر السلطة والرأسمال الجشع، حيث امتهن الكاتب الولوج للأعماق لمخاطبة تلك الإنسانية المنتهكة والتعاطف الهزيل ص32: " وفجأة يلطم سمعك دويّ انفجار.. يرتجف قلبك له.. وحين ترى فاطمة تنقلب على الأرض، ترتعد روحك..! رأسها المنفجر يتدحرج أمامها..! يتناثر قطعاً ودم.. يختلط بحبات الطعام الجافة..!
الصغيرة فاطمة..! فاطمة ابنة السنوات السبع.. تهوي بلباسها المدرسي.. بقميصها الأبيض الناصع.. بتنورتها الزرقاء وصندلها الأسود المعفّر بالتراب.. وأنت.. أنت مشدوه..! تنظر كالأبله.. أمها وحدها، أمها التي كانت تنتظر وجبة الطعام.. تنكبّ عليها الآن.. تلملم أشتاتها.. أفراد الأسرة يتراكضون.. يحملون فاطمة.. أشلاء فاطمة..! يمعنون النظر إليك.. عليك أن تفعل شيئاً.. ولكن ما الذي يمكنك أن تفعله..؟! لم يكن بمقدورك غير أن تحني رأسك خجلاً وأنت تنكبُّ على دمع روحك..!"
فالخوض في معالم التعاطف بين الضحايا، هو الحدث الأبرز في هذه القصة، وهذه مهمة موكلة على عاتق اللغة الأدبية القصصية، في ركونها وتمثلها بالمعاناة، لتكون المنظومة الأكثر استيعاباً لأحاسيس الإنسان ووجدانه من السياسة ومقتضياتها التي في كثير من الأحيان تسير على عكس الإنسانية وهذا التعاطف السائر بين المهمشين في كل الصعد، حيث أن قدرة الإنسان المعرفي الإبداعية تفوق ما لدى السياسي السلطوي من ذرائع لترغيب الناس بضرورات المعركة، حيث أن الرغبة في السلم تعني بكافة الأحوال الركون لمنطقها القائم على البناء والإعمار والوقوف عند حاجات الإنسان الأولية، حيث يبرز الكاتب هذين الاتجاهين المتصادمين لينتصر لنزعته الإنسانية، الداعية للسلم الطبيعي، وتبادل الأدوار على مسرح الحياة العبثية، فالجميع في سباق تهميش بعضهم البعض كما في مشهد الحافلة المكتظة بالناس، حيث من الطبيعي أن يقاس ذلك بحياة يستنفذها البعض لخدمة الصالح العام، وما أن تشح الطاقة، وتستكين للراحة بعد طول عناء وتعب، حتى تتهافت الألسن الساذجة، لترمي أقسى العبارات حدة على النفس، فأبو الخير يرمز لذلك الإجحاف السائد في منظومة المجتمعات المقموعة والتي تمارس على بعضها البعض ،القمع والإجحاف، ذلك المؤدي لنتيجة التوقف عن العطاء وعدم الإحساس بقيمته وجدواه، لنلاحظ ذلك الألم الأسود في نفسية أبو الخير هنا ص52: " أبو الخير لم يبرح مكانه.. بل ظل يمعن النظر إلى الكيسين اللذين ما يزالان يتدليان من يديه، وإلى البيوت التي يلفها صمت القبور.. ولأمر ما بصق في الفراغ الذي أمامه، ثمّ دلق محتويات الكيسين على الأرض الجافة.. وراح يدوسها بنعليه القديمين المتسخين، وحين اطمأنّ إلى أن المحتويات قد امتزجت كلياً بالتراب، وصار المزيج طيناً أو ما يشبه الطين، خبأ وجهه خلف كفيه الخشنتين.. ومضى في نحيب خافت طويل..!" وبالرغم من ألا حدود لعطاء وإمكانات الإنسان ،إن تم الوقوف عندها ورعايتها، بيد أن قدر المجتمعات المحاطة بأسوار متينة من الفكر الغيبي الديني من جهة، وتكبيل المنظومة الاستبدادية الشمولية لها من جهة أخرى، جعل العقل الشرق أوسطي في خمود وتقلص، جعل ذلك العقل يعيش في أسر الماضي، مما يختزل من حروب طائفية، قوموية، ترسخ ماهية الاحتقان السلطوي وحقيقة التنازع واحتكار المنفعة إلى مالانهاية، فحال قصص مجموعة الصمت تحتج على كل ما له علاقة بأبعاد الصراع السلطوي العميقة في الشرق الأوسط وعلى مختلف الصعد الاجتماعية، السياسية، التاريخية، إلى جانب ضغط الرأسمال المحتكر، وخلقه للأنظمة القمعية من جهة، وتذرعه بتحرير الشعوب من ربقتها من جهة أخرى، لتخفي غاياتها الجوهرية التي تحارب لأجلها، وهي السعي لموارد اقتصادية احتياطية على حساب الشعوب وطموحاتها في أنظمة تحرص على رفاهيتها وتصون كرامتها في العيش المتكافئ..، فالصفعة التي أشار إليها الكاتب لم تكن إلا صفعة محامي لعامل، في إشارة إلى التفاوت الطبقي، الذي لم يتم تجاوزه في كل مكان بما في ذلك أمكنة الاجتماعات، التي يتحذلق فيها المجتمعون بلغة الشعارات التي تذود قولاً لا فعلاً عن حق الطبقات الفقيرة بالعيش الكريم، وعلى ضوء مجموعة الصمت أمكن لنا أن نتعرف على الخصائص التي تميزت بها معاني اللغة والأسلوب القصصي بما يلي:
سهولة استخدام الصور بالتزامن مع اللغة الوجدانية لصناعة الفكرة، وتجنب المباشرة والتقريرية في طرح الأفكار، حيث يتم توظيف النص المكتظ بطاقات تعبيرية تصويرية لتقديم الفكر الكامن وراءه، بأساليب متعددة لم تضعف من هيبة الأسلوب ورشاقة العبارة الفنية..
معالجة القضايا الاجتماعية عبر تسليط الضوء على معاناة الفرد المبدع، ودوره في رسم معالم التغيير الإيجابية في واقع هش يفتقد للمقومات الأدنى للحياة الطبيعية في ظل فساد السلطة الحاكمة، وعزلها للفرد، بشتى الطرق، حيث نقلت المجموعة القصصية(الصمت) أجواء المواجهة لصالح تجلي الفرد العامل والفاعل في صنع الموقف الإنساني والانتصار لصالحه..
اعتمد الكاتب على الحكائية في بناء النص، بلغة قريبة إلى الذائقة المحلية، وعبرها يمكن الولوج للإنسان العادي، ومحاكاة داخله، برمزية شفافة، وبواقعية درامية، تحاكي طبيعة الحياة المعاشة، وتستدل على محتوى النص بما فيه من دلالات معبرة عن الحدث وعلاقته بالفكر المحيط بالمعاناة الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية
استخدم الكاتب تقنية الحوار المرافق للسرد، ليبعث التشويق، دون الانغماس في التخاطر والتداعي، ليعطي انجذاباً للمتلقي لمتابعة خيوط القصة وقد برع في ذلك كما في حكاية الشجرة وما لها من توظيف للدلالات النفسية والاجتماعية، باقترانها مع الحدث الوجداني، لمحاكاة الذات، وتحريك خيال المتلقي، لغاية إنجاز الفكرة المؤولة في متن العبارات بجزئيات متسلسلة تتجمع في مصب الرؤية العامة للقصة من بدءها لمنتهاها..
الإيغال للعالم الخارجي المحسوس ومزجه بذاتية متخيلة يقظة تتحس جمال الأفكار على نحو يختزل الصور المتماهية مع النفس المتضوعة بهالات وجدانية عبر إغراقها بالوصف على نحو درامي، وسهولة الانتقال الانسيابي المتدرج ما بين تهيئة الذهن للحدث، المكان، الشخوص، وعرض الملامح النفسية ضمن أتون الحوار، على نحو مواءم،أعطى ذلك للنص شفافيته ، وبساطة تراكيبه، في بعدها عن الغموض الذي يخرجها من مناخ القص..
ومما تم ذكره نصل لخلاصة أولية استخلصناها من تجربة الكاتب محمود الوهب، في أنه اعتمد البناء الواقعي الفني، في ابتكار الأسس الرفيعة لأدب الإنسان، ناسفاً تلك القوالب التقليدية في صناعة الحكاية، ولاشك أن لجدة الأفكار، والروح دوراً قوياً في ابتكار اللغة الطبيعية، التي تقدم الفن بطرائق تعتمد استنباط الأسلوب الناجع لولادة قصة معاصرة، بأدوات خصبة صوراً وتخاطراً ودراما، وقد قدم الكاتب في سياق النص رؤى تستلزم منا الوقوف عندها استناداً لفعالية المبدع في التبحر لإنتاج أدب مؤثر، بعيداً عن طبيعة الحقبة وتحولاتها الزمنية..
---------------------------------------------------------------
الهوامش:
جان بول سارتر: جان-بول شارل ايمارد سارتر (21 يونيو 1905 باريس - 15 أبريل 1980 باريس) هو فيلسوف وروائي وكاتب مسرحي كاتب سيناريو وناقد أدبي وناشط سياسي فرنسي. بدأ حياته العملية استاذاً. درس الفلسفة في ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية. حين إحتلت ألمانيا النازية فرنسا، إنخرط سارتر في صفوف المقاومة الفرنسية السرية. عرف سارتر واشتهر لكونه كاتب غزير الإنتاج ولأعماله الأدبية وفلسفته المسماة بالوجودية ويأتي في المقام الثاني إلتحاقه السياسى باليسار المتطرف [1]. كان سارتر رفيق دائم للفيلسوفة والأديبة سيمون دي بوفوار التي أطلق عليها اعدائها السياسيون "السارترية الكبيرة". برغم أن فلسفتهم قريبة إلا أنه لا يحب الخلط بينهما. لقد تأثر الكاتبان ببعضهما البعض.
يوحنا ج. استوسينجر: سياسي استراتيجي أمريكي، مؤلف كتاب لماذا تذهب الأمم إلى الحرب
كارل هانريك ماركس، (بالألمانية :Karl Marx، تلفظ ألماني: [ka:ɐ̯l ˈhaɪnʀɪç ˈma:ɐ̯ks])، كان فيلسوف ألماني، واقتصادي، وعالم اجتماع، ومؤرخ، وصحفي واشتراكي ثوري (5 مايو 1818م - 14 مارس 1883م). لعبت أفكاره دورًا هامًّا في تأسيس علم الاجتماع وفي تطوير الحركات الاشتراكية. واعتبر ماركس أحد أعظم الاقتصاديين في التاريخ.[8][9][10][11] نشر العديد من الكتب خلال حياته، أهمُها بيان الحزب الشيوعي (1848)، و رأس المال (1867–1894).
فريديريك انجلز (28 نوفمبر 1820 - 5 أوغسطس 1895) هو فيلسوف سياسي ألماني ومؤسسس النظرية الماركسية إلى جانب كارل ماركس.
أبو الطيّب المتنبي (303هـ - 354هـ) (915م - 965م) هو أحمدُ بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي أبو الطيب الكندي الكوفي المولد، نسب إلى قبيلة كندة نتيجة لولادته بحي تلك القبيلة في الكوفة لانتمائه لهم. عاش أفضل ايام حياته واكثرها عطاء في بلاط سيف الدولة الحمداني في حلب ،أحد شعراء العرب.
بدوي الجبل (1900 - 19 أغسطس 1981) هو شاعر سوري و ابن الشيخ سليمان الأحمد (عضواً مجمع اللغة العربية في دمشق وشارح ديوان المكزون) وهو واحدا من أعلام الشعر العربي في القرن العشرين. ولد سنة 1900 في قرية ديفة في محافظة اللاذقية بسوريا، و"بدوي الجبل" لقب أطلقه عليه يوسف العيسى صاحب جريدة "ألف باء" الدمشقية في العشرينات. انغمس بدوي الجبل في حقل السياسة فانتخب نائباً في مجلس الشعب السوري 1937 وأعيد انتخابه عدة مرات ثم تولى عدة وزارات منها الصحة 1954 والدعاية والأنباء. غادر سوريا 1956 متنقلاً بين لبنان وتركيا وتونس قبل أن يستقر في سويسرا. عاد إلى سوريا 1962 حتى توفي يوم 19 أغسطس سنة 1981.
بليز باسكال "Blaise Pascal"؛ (19 يونيو 1623 - 19 أغسطس 1662)، فيزيائي ورياضي وفيلسوف فرنسي اشتهر بتجاربه على السوائل في مجال الفيزياء، وبأعماله الخاصة بنظرية الاحتمالات في الرياضيات هو من اخترع الآلة الحاسبة. استطاع باسكال أن يسهم في إيجاد أسلوب جديد في النثر الفرنسي بمجموعته الرسائل الريفية.
رينيه ديكارت (31 مارس 1596 – 11 فبراير 1650)، فيلسوف، ورياضي، وفيزيائي فرنسي، يلقب بـ"أبو الفلسفة الحديثة"، وكثير من الأطروحات الفلسفية الغربية التي جاءت بعده، هي انعكاسات لأطروحاته، والتي ما زالت تدرس حتى اليوم، خصوصاً كتاب (تأملات في الفلسفة الأولى-1641 م) الذي ما زال يشكل النص القياسي لمعظم كليات الفلسفة. كما أن لديكارت تأثير واضح في علم الرياضيات، فقد اخترع نظاماً رياضياً سمي باسمه وهو (نظام الإحداثيات الديكارتية)، الذي شكل النواة الأولى لـ(الهندسة التحليلية)، فكان بذلك من الشخصيات الرئيسية في تاريخ الثورة العلمية. وديكارت هو الشخصية الرئيسية لمذهب العقلانية في القرن17 م، كما كان ضليعاً في علم الرياضيات، فضلاً عن الفلسفة، وأسهم إسهاماً كبيراً في هذه العلوم.
باروخ سبينوزا (بالهولندية: Baruch Spinoza) هو فيلسوف هولندي من أهم فلاسفة القرن 17. ولد في 24 نوفمبر 1632 في أمستردام، وتوفي في 21 فبراير 1677 في لاهاي.،في مطلع شبابه كان موافقًا مع فلسفة رينيه ديكارت عن ثنائية الجسد والعقل باعتبارهما شيئين منفصلين، ولكنه عاد و غير وجهة نظره في وقت لاحق وأكد أنهما غير منفصلين، لكونهما كيان واحد.
إيمانويل كانت (بالألمانية: Immanuel Kant) [ملاحظة 1] هو فيلسوف ألماني من القرن الثامن عشر (1724 - 1804). عاش كل حياته في مدينة كونيغسبرغ في مملكة بروسيا. كان آخر الفلاسفة المؤثرين في الثقافة الأوروبية الحديثة. وأحد أهم الفلاسفة الذين كتبوا في نظرية المعرفة الكلاسيكية. كان إيمانويل كانت آخر فلاسفة عصر التنوير الذي بدأ بالمفكرين البريطانيين جون لوك وجورج بيركلي وديفيد هيوم.
جورج فيلهلم فريدريش هيغل (بالألمانية: Georg Wilhelm Friedrich Hegel) (ولد 27 أغسطس 1770 — 14 نوفمبر 1831) فيلسوف ألماني ولد في شتوتغارت، فورتيمبيرغ، في المنطقة الجنوبية الغربيةِ من ألمانيا. يعتبر هيغل أحد أهم الفلاسفة الألمان حيث يعتبر أهم مؤسسي المثالية الألمانية في الفلسفة، في أوائل القرن الثامن عشر الميلادي.
عزرائيل (بالعبرية: עזראל) هو ملك الموت في كل من اليهودية والإسلام وكذلك في التقاليد السيخية. لم يرد في القرآن ذكر هذا الاسم أبداً، ولكن وعوضاً عن ذلك تمت الإشارة إليه بـ"ملك الموت". اسم عزرائيل يأتي من اللغة العبرية ويعني "الذي يساعد الله"
أرتور شوبنهاور (1788 – 1860 م) فيلسوف ألماني، معروف بفلسفته التشاؤمية، فما يراه بالحياة ما هو إلا شر مطلق ، فقد بجل العدم وقد عرف بكتاب العالم إرادة وفكرة، أو العالم إرادة وتمثلا في بعض الترجمات الأخرى؛ والذي سطر فيه فلسفته المثالية التي يربط فيها العلاقة بين الإرادة والعقل فيرى أن العقل أداة بيد الإرادة وتابع لها. ملحد وبعيد كل البعد عن الروح القدس الذي اشار اليه في احد كتاباته.
فريدريش فيلهيلم نيتشه (بالألمانية: Friedrich Nietzsche) (15 أكتوبر 1844 - 25 أغسطس 1900) كان فيلسوف ألماني، ناقد ثقافي، شاعر ولغوي وباحث في اللاتينية واليونانية، كان لعمله تأثير عميق على الفلسفة الغربية وتاريخ الفكر الحديث.
---------------------------
- كاتب ومعرفي كردستاني