إعداد: خضر الجاسم
خاص: شبكة الجيوستراتيجي للدراسات
بينما تمضي الدول في سباق الركب والتطور نحو الحضارة في فترة الخمسينات القرن المنصرم، قام حزب البعث بانقلابه على نظام الحكم في سوريا في 8 آذار من عام 1963م. وغيّر بذلك مسار الحياة السياسية في سوريا برمتها، كما وشمل التغيير الحياة الاجتماعية التي فقدت بصيص النور الذي خرجت به سوريا إلى أفول بعد ما يزيد عن أربع سنوات من الانقلابات العسكرية في غضون عامي 1954-1958م، كما طال التغيير الشأن الاقتصادي أيضاً.
على مدى خمسين عاماً من حكم عائلة الأسد لسوريا، تحولت البلد إلى مزرعة تحت شعار" الأسد أو لا أحد"، اتجهت سوريا إلى نفق مظلم من الاستبداد بدءاً من سياسية تصفية المعارضين أو الموالين المناوئين مروراً بالقبض على اقتصاد السوري وما خفي أعظم من إخفاء ميزانيات ضخمة للبترول من النفط والغاز والفوسفات والكهرباء وانتهاء بتجويع الشعب تحت شعار" إن تجوع تعرف أين تجدني".
مقدمة
يعد نظام الأسد من بين الأنظمة العالمية المصنف على مستوى العالم بأنه قمعي بامتياز إلى جانب بعض الدول القومية التي تطرح شعارات رنانة وبراقة باسم الاشتراكية المشيدة لكنها في الواقع بعيدة كل البعد عن هذا النهج الذي قدم نفسه على أنه نفعي للصالح العام. وعلى العموم، أن الأساليب والممارسات الاستبدادية تتشابه فيما بينها مع الأنظمة التي تحمل ذات الأساليب والممارسات التي تدعي كل مرة مناكفتها للرأسمالية العالمية منذ عقود وتقدم نفسها على أنها رمز المقاومة والصمود.
سندرس في هذه البحث، ظاهرة الاستبداد في سوريا التي تتخذ شكل الطابع العام في كل مفاصل الدولة؛ ابتداء بالتفاصيل الصغيرة بمعرفة السرير الذي ينام عليه الزوجان وانتهاء بالبحث في مسح سياسي في رغبات المفاضلة الجامعية لكل الطلبة السوريين. كما أن أسباب الاستبداد نفسه في سوريا يلقي بآثاره على الاقتصاد السوري من قبل نخبة سلطوية تمثل 10% من إجمالي قطاع التجارة ورؤوس الأموال المحسوبين على النظام الشمولي، وكذلك هنالك هوة واسعة في عدم فهم الاستبداد؛ كحالة فرضت على المجتمع السوري منذ عقود وتسببت بضياع الهوية الثقافية لمكونات بعينها على حساب بعضها الآخر؛ كالمكون الكردي الذي سلب من لغته وتراثه وعاش حياً في ضمير الأجيال المتعاقبة.
أولاً-ثورة أم خيبة في التغيير:
حرياً بنا أن نتناول ظاهرة الاستبداد منذ قيام ثورة الربيع العربي في عام 2011م وشملت بلداناً كبيراً في الشرق الأوسط بما فيها أيضاً سوريا. بدأ المجتمع المدني بثورته، بحِراك شعبي سلمي وبحركات احتجاجية وبتطور سريع للأحداث، فيما برز الاستبداد بتعامل قوات الأمن السوري بقمعها منذ قرابة الثلاثة أشهر الأولى بالبطش والقتل. ثم تحولت إلى نزاع مسلح وحرب دموية طاحنة شرب من كأسها كل السوريين. ويمكن الوقوف على أبرز الملامح الأساسية التي أسهمت في تقويض التغيير الذي لم يكتمل من خلال ما يلي:
1-اتسمت الثورة السورية بالتعقيد، إذ استقطبت اهتماماً عالمياً ودولياً، وأثارت مخاوف لدى دول المنطقة جميعاً، وتضافرت عدة عوامل داخلية وإقليمية ودولية، أدت إلى تطور الأزمة على النحو الحالي، والذي استغرقت فيه زهاء عشر سنوات عجاف من التهجير والجوع والقتل والتشريد والانتهاكات. إذ صارت الثورة السورية من أكثر الأزمات تعقيداً وتداخلاً على الصعيد العالمي خلال السنوات الأخيرة، فتشابك فيها المجال السياسي بالطائفي، الداخلي بالخارجي، الإقليمي بالدولي.
2-لم تتمكن أياً من المنظمات الدولية في توصف الحالة الإنسانية للشعب السوري الذي عاش مآس وويلات إنسانية غير مسبوقة، وتحولت من انتفاضة شعبية للتحرير من الحكم الشمولي إلى ساحة صراع بين القوى الكبرى.
3-ارت الأراضي السورية منذ اندلاع الثورة؛ مرتعاً للمنبوذين والمجرمين والمنفيين والمحكومين والمتشددين الإسلاميين التي اتخذهم دولة الاحتلال التركي لتصفية حساباته مع بعض الدول الأوربية؛ كاليونان وقبرص والسويد وفرنسا، فيما بينها على حساب كرامة السوريين.
ثانياً-الصندوق الأسود للحياة السياسية في الحياة السورية:
يمكن الجزم أن الحياة السياسية في ظل الاستبداد الأسدي بالمفهوم المطلق في سوريا، بدأ في انقلاب حزب البعث على مقاليد الحكم في عام 1963م دون أن يصعد ويتدرج بالاقتراع في السلطة بالشكل الطبيعي، وإنما اقتصر تفويض السلطات في مؤسسات الدولة وتداولها من أنصار الحزب؛ بمعنى أنه ليس هناك أي مشاركة من جميع أطياف الشعب السوري المختلفة في قيادة البلاد وتوجيهها، كما لا يوجد انتخابات حقيقية بمعنى الحقيقي للكلمة ولا يوجد محاسبة جديّة للمسؤولين الفاسدين.
إن كواليس الحياة السياسية في معظمها كانت من نصيب الحزب؛ بدءاً من أعضائه، وليس آخراً في أسرة الأسد، واستفادت هذه العائلة من الطبقة الوسطى في بلورة وحمل المشروع السياسي، لكن حافظ الأسد استطاع تهميشها ومحاصرتها بعد عام 1970م، أي بعد توليه مقاليد الحكم، وربطها بالأجهزة الأمنية المختلفة، وأوجب على مفكريها ومبدعيها وسواد الشعب أن يخضعوا لهذه الأجهزة، وأن يحظوا بمباركتها. وحصرت الحياة السياسية برجل واحد مع أسرته، ومن دار في فلكهم جميعاً؛ تحت شعار" الأسد أو لا أحد". ومن اللافت للنظر في المرحلة السياسية السورية تآليه شخصية" حافظ الأسد" التي وصلت إلى مرحلة التقديس، فأصبحت تماثيله في كل مدينة وفي كل قرية، وأصبحت صوره تملأ كل الأمكنة، كل أعمدة الإنارة والطرقات.
لم يكن حال بشار الأسد بأفضل من أبيه الأب الذي سار على نفس نهجه ومشى سياسياً على خطاه، بل وأعطى للأجهزة الأمنية دوراً أكبر من السابق، فأصبحت هي التي تصوغ الحياة السياسية، فالانتخابات والنقابات واتحادات الطلبة ومجلس الشعب والوزراء، كلها أدوات وبيادق في أيدي الأجهزة الأمنية. أصبحت كل السلطات بكلتا يديه، فهو رئيس الجمهورية، والأمين العام للقيادة القطرية، والقائد الأعلى للجيش والأمين العام للقيادة القومية.
هذا الأمر لم تعهده الحياة السورية في سابق أيامها لذلك جعلت الشعب السوري يعيش حالة ضنك واختناق سياسي، فما أن انطلقت الثورة حتى تفاعل الشعب معها، وهتف (الله يلعن روحك يا حافظ) تعبيراً عن غضبه العارم وعن انعدام أية حياة سياسية في الماضي، وتعبيراً عن تطلعه إلى حياة سياسية جديدة يكون مشاركاً فيها وله قدرة على التأثير فيها. وعلى العموم، تتجلى مظاهر الحكم الاستبدادي خلال حكم الأسد طيلة فترة الخمسين عاماً بما يلي:
1-الحفاظ على النظام ذاته؛ كما هو من ناحية دور حزب البعث في(قيادة الدولة والمجتمع) ما أفقد الحياة السياسية مزايا التنوع والإبداع.
2-تسلط العائلة الحاكمة وأقاربها على مفاصل حساسة، وفرض حالة الطوارئ المفروضة على البلاد لعدة عقود.
3-اعتقال رموز المعارضة، وتسلط الأجهزة الأمنية، والرقابة المسبقة في كل المجالات.
4-احتكار الاتصالات والإعلام، وغياب معارضة سياسية على الأرض وفي المؤسسات.
5-منع حق التظاهر، والقيود على إنشاء الأحزاب والجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني.
6-اتباع سياسة الاعتقال التعسفي، والمحاكمات العسكرية الميدانية، وسجل طويل لملف المعتقلين السياسيين وعلى خلفيات أخرى.
ثالثاً-الاقتصاد بين الهاجس الأمني والمطلب الإصلاحي:
سوريا؛ كغيرها من البلدان الشرق الأوسطية، عاش شعبها في تفاوت طبقي واضح، فقد صنفت منظمة" هيومن رايس ووتش" سوريا بأنها في المركز 154 بالاقتصاد العالمي على الرغم أن البلاد خلال عهده، أخذت تتحول تدريجياً من النموذج الاشتراكي إلى النموذج الاقتصادي التعددي أو اقتصاد السوق، وهو ما حقق نمواً وساهم في تحسين معدل الدخل لكن الاقتصاد بقي يترنح من آفات جمّة، نذكر منها:
1-أصيب الاقتصاد السوري بالشيخوخة المبكرة والعجز التام، أي إنها بداية لمعاناة حقيقية خاصة في ظل الأزمة السورية الأمر الذي تسبب بانهيار سوريا اقتصادياً.
2-بدء هبوط العملة السورية مقابل العملات الصعبة، وتردي الوضع التجاري سوءاً؛ نتيجة نقص في احتياط النفط، وضعف الناتج المحلي مع تراجع ملحوظ لاحتياطات العملات الأجنبية في مصرف سوريا المركزي.
3-تردي الوضع المعيشي للمجتمع السوري ليهاجر السوريون إلى الدول المجاورة؛ طلباً لما يسد رمق الحياة، فضلاً على هجرتهم إلى أطراف المدن لا سيما في مناطق النظام السوري ممن صودرت أملاكهم، وللعيش في بيوت من الصفيح مفتقرة لأساسيات الحياة البسيطة من مياه وكهرباء وصرف صحي، هي في حقيقتها سكن عشوائي يعيش فيها 42% من السوريين.
4-أصبح دخل المواطن أقل من دولارين يومياً، عدا النسبة المرتفعة للبطالة والعاطلين عن العمل؛ بسبب ازدياد الفقر وعدم وجود عدالة التوزيع للسكان جميعاً مع ازدياد عدد السكان بشكل واضح، مما نتج عنه تدني في مستوى المعيشة وانخفاض القدرة الشرائية.
5-يمكن ملاحظة الحياة الاقتصادية التي لا تقل شأناً عن الحياة السياسية، فهي مملوءة بالفساد، فلا بد من الرشوة من إنجاز أي معاملة، ولابد من إذلال المواطن من قبل الأجهزة الأمنية، لأن كل شيء مرتبط بهم ناهيك عن الصعيد المالي، فقد كانت موازنة 2008 هبطت بـ 200 مليار ليرة سورية؛ بسبب التهرب الضريبي حسب تصريحات وزير مالية النظام السابق" محمد الحسين"، وضعف الاستثمار العام الناتج عن الاحتكار والفساد، ورفع الدعم عن الطاقة والمياه والنفط والأسمدة للقطاع الزراعي.
6-كانت الشركات الصناعية الكبرى بيد قلة قليلة من رؤوس الأموال الموالين للنظام، للتحكم بالأسعار بلا رقيب ولا حسيب، كذلك في الاستيراد والتصدير الذي كان بيد آل الأسد في ميناء طرطوس وعلى المعابر الحدودية مع دول الجوار.
7-تسببت الثورة السورية بهجرة رؤوس الأموال إلى خارج البلاد.
ثالثاً-ملامح الحياة الاجتماعية:
أ-عداء حزب البعث للدين ومناهضة المتدينين:
منذ ذلك الانقلاب الذي قاده حزب البعث الذي في الاستيلاء على زمام الحكم في العام 1963م أقام الدولة في إطار علماني بحت مضطهداً الديانات ومحاربة المتدينين، وبرزت وجوه عداءه للمتدينين من خلال ما يلي:
1-مذ نشأة حزب البعث أقام مبادئه النظرية لتوطيد نظام حكمه بما يخدم مصالحه ويقوم على معارضة الدين والمتدينين، ويحارب كل سلطة دينية، تهدف إلى زعزعة هذا النظام. وتتجلى أثاره في تدمير مسجد السلطان في حماه 1964م وفي أعقاب اقتحام المسجد الأموي بدمشق بين عامي 1965م أبان حكم الرئيس أمين الحافظ الذي قال على أثر أحداث حماة ضمن اجتماع مع لجنة المدينة:" سنحكم بالموت على من يستحق الموت، ونعاقب بالسجن المشاغبين وسنسوقهم إلى تدمر مشياً على الأقدام حيث يبقون حتى يتحولوا إلى أناس طيبين" ونفذ ما قاله بالحرف. شاهد على العصر"-قناة الجزيرة-في ١٠ يناير ٢٠٠٥.
2-يبدو من مراجعة الدستور السوري حجم المفارقة بين مواده وجوهرها، ما أدى إلى فقدان النزاهة في تطبيقها بشكل كامل. وهذه المفارقة، تتجسد في المادة الثالثة من الدستور السوري؛ إذ تحفل بكثير من التناقض بمضمونها وحيثيات الواقع، وجاء في نصها:"
-دين رئيس الجمهورية؛ الإسلام.
-الفقه الإسلامي؛ مصدر رئيس للتشريع.
-تحترم الدولة جميع الأديان، وتكفل حرية القيام بجميع شعائرها على ألا يخلّ ذلك بالنظام العام.
-الأحوال الشخصية للطوائف الدينية مصونة ومرعية.
وجلياً، بوضوح أن الدولة السورية ليست محايدة إزاء العقائد رغم المنصوص عليه في البندين الثالث والرابع من المادة. كما أن الدستور لعب دوراً كبيراً في تفجير مشاكل لا حدود لها؛ نتيجة التناقضات المفتقرة لمقاربة وقراءة مع واقع المجتمع السوري ككل.
3-برز الاستبداد على الواجهة الدينية من خلال اضطهاد النظام السوري لجماعة الإخوان أثر انتفاضتهم في حماة من عام 1982م عبر ترديد شعار للطلبة في المدارس بمناهضتهم للجماعة بأي شكل من الأشكال.
4-اتضح أن أثمن شيء فقده الشعب السوري كان الحريات ولا سيما الدينية الأمر الذي حمله المتظاهرون معهم أثناء احتجاجاتهم مع تفجر الأزمة السورية في بداياتها الأولى، وهذا ما حدث فيما بعد أن غدت المساجد مكاناً لانطلاق المسيرات والتظاهرات والتعبير عن سخطهم اتجاه نظام الأسد. أوراق دمشق-العلمانية-د. ريم الأطرش-مركز دمشق للأبحاث والدراسات
5-استغل الاحتلال التركي والنظام السوري دخول مرتزقة داعش في الاقتتال السوري، وقاما باختراقه من قبل عملائهما لتمرير كثير من أجندتهما السياسية والعسكرية على الأرض. ونجحا إلى حد بعيد في القضاء على خصم النظام السوري المتمثل في مرتزقة المعارضة المسلحة، واستفاد منهم الاحتلال التركي لنقل التيار الديني لمناطق جديدة، كما في ليبيا والصومال واليونان وأذربيجان.
ب-ثنائية الاستبداد والفساد:
سنوات خلت، والنظام السوري استشرى فيه الفساد إلى أعمق مفاصل مؤسسات الدولة قاطبة، من قاعدته إلى هرمه، ومن شرايينه إلى أوردته، فلم ينج من هذا المناخ حتى الروس الذين منذ تدخلهم في الشأن السوري لصالح النظام السوري في العام 2015م باتوا أكثر فساداً من النظام السوري نفسه. وما كان هذا الفساد يحدث لولا البناء الزيقوري القديم الجديد الذي شيده الأسد الأب على مدى عقود طويلة وبات من الصعوبة بمكان بلوغ القهقرى له بسبب عدة عوامل يمكن إيجازها بما يلي:
1-تمكن النظام السوري في فترة نظام الأسد الأب من تكوين قواعد ثابتة، تضمن له بقاءه وصيرورته في الحكم، إذ يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالفروع الأمنية، أي أن النظام مرتاح البال لأن عصبه، هو الأجهزة الأمنية، حيث بلغ عددها 17 جهازاً، ويبلغ عدد العاملين فيها 365 ألف عنصر إلى جانب مليشيات الدفاع الوطني والمرتزقة الأجانب، لتحتل ميزانية ضعف ميزانية الجيش السوري.
2-تمكنت الأجهزة الأمنية من فرض نفسها كالأخطبوط بحياة المواطن والكبت على أنفاسه، في حركاته وسكناته، وبث الرعب والخوف لدى المواطنين حتى أعتقد-فعلاً-أن للحيطان آذان، وحتى ربطت الأجهزة الأمنية بشؤون المواطن البسيطة؛ من تصدير وسفر وبيع وشراء وتجارة وتعليم، وأصبحت الأجهزة الأمنية؛ كغول لدى السوريين حتى كانوا يخوّفون أبناءهم لكي يخلدوا للنوم. ومما لا شك فيه أن سطوة الأجهزة الأمنية على المواطن بلغ معها السيل الزبى وكانت من أسباب انتفاضة المواطن والقيام في ثورته ضد النظام.
3-منذ فرض الاستبداد من قبل الأسد الأب بسبب انتهاكات حقوق الإنسان في مشهد دموي قل نظيره وبشاعة صوره في انعدام الكرامة للإنسان السوري. فتفشى الظلم والاستبداد وانعدمت المساواة، في حين لا يصل السوري في بلده إلى حقوقه في ميدان من ميادين الحياة سواءً اقتصادية أو تجارية أو سكنية أو مالية أو تعليمية مع نظيره المواطن الآخر من أبناء الطائفة العلوية، ولا يأخذ إلا القليل من حقه لا بل إن وصله، فيصل عن طريق الأجهزة الأمنية، مما دفع السوريون للقيام بثورتهم ضد النظام.
رابعاً-الثورة السورية تصنع ديموقراطيتها:
كغيرها من ثورات التي ضربت؛ كما يقال الربيع العربي، تلك المقولة التي بدت أنها خاطئة، فلم يكن نزول السوريين إلى الأوتوستراد والساحات وخروجها من المساجد أيضاً حكراً على العرب بل الصحيح أن الحرية أباحت بكل أسرارها للباحثين عنها في ذلك الوقت. وربما ما ميز الثورة ونعني بداياتها بالطبع، أن الشارع السوري ضم في حراكه مثقفون وحقوقيون وأحزاب، ومن المساجد كانت انطلاقة العمل الثوري الذي اندلع في مدن على حساب مدن أخرى.
ما ميز الثورة آنذاك قيام بعض النشطاء بتقديم مطالبهم الثورية عبر شبكات التواصل الاجتماعي رغم خطورة الموقف والحظر المفروض، وكانت هذه الدعوات مقتصرة على المقربين وعدم الثقة بأحد، خوفاً من بطش النظام وسياساته القمعية. كانت درعا، هي الشرارة الأولى حيث قام 15 طفلاً بكتابة عبارات وشعارات على أحد الجدران مطالبة بالحرية وإسقاط النظام، فقابلها النظام هو الآخر، فاعتقلهم جميعاً وقتل أحدهم ونكّل به وسلّمه إلى أهله جثة مشوهة هامدة متوقعاً أن هذا التصرف من شأنه أن يردع البقية.
قابل النظام السوري اندلاع الاحتجاجات والثورة في بلده بخلاف نظرته التي حدثت في عدد من بلدان الربيع العربي، حيث فسرها بقوله:" إن ما حدث يعتبر تعبيراً جماهيرياً رافضاً للسياسات الخارجية لنظم معينة من القضايا العربية والدولية مستبعداً في الوقت نفسه انتقال موجة الثورات إلى سورية".
فشلت الثورة ليس لأن النظام السوري واجهها بكافة أنواع الأسلحة والحديد وبأساليب القمع والعنف، وما نجم عنها من قتل الآلاف من السوريين وتهجير الملايين منهم إلى دول الجوار والعالم بل لأن هذه الثورة انحرفت عن المعطيات التي أريد لها في بادئ الثورة. وربما لا نبالغ إذا قلنا أن الانعطاف السياسي والعسكري، حدث بسبب عدم وجود جسم سياسي قادر على تلبية مطامح الشعب السوري في الوقت الذي تحصد المكنة العسكرية من السورين الأبرياء بذريعة الإرهاب. وكذلك أن أهم الأمور التي كانت سبباً في استدامة الصراع السوري هو عدم امتلاك أيا ً من طرفي الصراع المشروع السياسي الفكري الذي يؤسس لمرحلة جديدة للحياة السياسية تبدأ بلم شمل السوريين وتبادل الثقة فيما بينهم على مستوى واحد من العملية السياسية. ولا شك أن الثورة الفرنسية قبل اندلاعها مدينة لانتشار أفكار جان جاك روسو الذي مثل الروح الأولى للتعبئة والثورة على الرغم من الأحداث الدامية التي مرت بها الثورة الفرنسية غير أن نجاحها كان كافياً لبلورة الديمقراطية الحقيقية التي تعيشها فرنسا حالياً. في مقابل ذلك، حدثت ثورة روج آفا التي مثلت الحدث السياسي الأبرز على المستوى الجغرافية السورية التي تميزت لأول مرة أنها ثورة الفكر والديمقراطية والمرأة.
فرضيات، بددتها ثورة روج آفا:
رصدت ثورة روج آفا أحداث بترقب وحذر ما سمي بالربيع العربي في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن، أما فيما يخص الثورة السورية، غير أن للحزب رؤيته وتوجهاته التي برزت في شكل تحفظات على كلا طرفي الصراع السوري. أما من جهة، فحاول النظام السوري إلحاق الهزيمة العسكرية، بما يسمى بالجيش الوطني بعد سيطرتهم على ثلت المساحة السورية في مطلع العام 2013م وحتى منتصف العام 2014م مع ظهور مرتزقة داعش على الواجهة الذي حاول التمدد على حساب مرتزقة المعارضة من جهة أخرى. لكن ما حدث أن تمكن داعش من بسط سيطرتهم على المساحة نفسها؛ بسبب الدعم الذي كان يتلقاه من الاحتلال التركي وبعض الدول الخليجية. ولا ريب أن خارطة التوازنات على الأرض تغيرت منذ عان أواخر عام 2014م وبدايات عام 2015م بعد التدخل الروسي؛ كحليف قوي مساند للنظام السوري عسكرياً قبل أن يكون أيضاً سياسياً. إضافة إلى تدخل الولايات المتحدة لمساعدة قوات سوريا الديمقراطية في دفاعها عن كوباني أمام جحافل الغرابيب السود، وهكذا، فيما يبدو أن ثورة" روج آفا"، أنقذت سوريا من انزلاق عظيم نحو الهاوية بسبب انهيار مؤسسات الدولة تارة وتارة أخرى تآكلها عند النظام بسبب الفساد واستخدام القمع وانعدام المساواة والعدل والديمقراطية حتى أصبحت سوريا أشبه بالمملكة لتوارث الحكم والتفرد بالسلطة.
لقد حققت ثورة" روج آفا" العديد من الأمور التي كان على الفرقاء السوريين إنجازها لكنهم قدموا المصالح الشخصية على حساب مصالحهم الوطنية، وتتجسد مطالب السوريين بما يلي:
1-إعادة صياغة دستور يلبي طموحات كافة السوريين في المشاركة سياسية في حكم البلاد.
2-إصدار عفو عام، وإطلاق سراح معتقلي الرأي والضمير، والعفو عن الملاحقين.
3-إعادة العمل بقانون المطبوعات الذي يكفل حرية الصحافة والنشر.
4-إصدار قانون ديمقراطي لتنظيم الانتخابات.
5-استقلال القضاء ونزاهته وبسط سيادة القانون.
6-إحقاق حقوق المواطن الاقتصادية.
7-أن تكون سورية دولة موحدة ديمقراطية فدرالية.
إرسال تعليق