مجلة الفكر الحر مجلة الفكر الحر
الفكر الحر وإبداء الرأي دون رقابة هما جوهر الحرية الإنسانية وأساس التقدم الحضاري. فالفكر الحر يحرر العقل من قيود التلقين، ويفتح أفق الإبداع والابتكار، بينما يتيح التعبير عن الرأي دون رقابة حوارًا صحيًا يعزز التفاهم ويثري المجتمعات. عندما تُحترم حرية الفكر والكلمة، تنمو بيئة تقدر التنوع، تحترم الاختلاف، وتواجه التحديات بحلول خلاقة. إنها دعوة للجرأة في التفكير والمسؤولية في التعبير، حيث يتلاقى الحق في الحرية مع الواجب في بناء مجتمع متوازن ومستنير............... هيئة تحرير " مجلة الفكر الحر "
recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...
recent

العرَّافُ الخائف ( قصة خيالية مستحدثة من وقائع حدثت بالفعل 2022 )

قصة قصيرة بقلم: ريبر هبون
الخوف يجلس القرفصاء بداخله يضع جوَّاله في الصامت وبمجرد أن يومض ضوء الجهاز يسارع في النظر، تهب الرياح الشديدة لتفتح نافذة الشرفة غير المغلقة بإحكام ،يومض وميض سيارة الشرطة،يدخل الوميض عينيه التي ذهب عنهما النعاس، يدخل للحمام محاولاً إخراج الخوف الذي تجسد على هيئة إمساك مزمن ،نسي باب التواليت مفتوحاً، يحاول إغلاقه وهو مكشوف المؤخرة، يسقط المفتاح ،يود مسح البول العالق أسفل رأس قضيبه، يتفاجىء بانتهاء ورق التواليت،ينهض من ثم يعاود الجلوس، تجسد خوفه على هيئة حصوة تمنعه من البول لآخر قطرة، يعود للسرير، ليغلق نافذة الشرفة، قبل الوصول إليها يصطدم بكرسي ،لم يشعل الضوء كي لا يذهب النعاس تماماً، الكرسي جعله يتألم ،اصبع قدمه اليمنى الكبير اصطدم بأحد رجلي الكرسي الخلفية، يلعن الكرسي ألف لعنة ،ثم يلعن العتمة، ويلعن الخوف المقيم كضيف ثقيل، لا يمل من الإقامة الجبرية في هذا الكون الخائف، يبحر في تفكيره البعيد، يريد فهم الإرتعاد والفزع الذي يتوغل في دقائق وجزئيات حياته، بل وحيوات كل الكائنات الناطقة منها وغير الناطقة كان يخاف ظلال عريشة العنب ،وهي ترسم نفسها على الأرض حين ينقطع الكهرباء،ويخاف الذهاب للمطبخ وحيداً في ذلك الريف الذي بلا كهرباء، يرافق أمه الفزعة وينتظرها خلف المرحاض الطيني البعيد عن غرفة النوم مسافة خمسين متر، حتى تنتهي من قضاء حاجتها في تلك المنازل الريفية التي تتباعد الغرف عن بعضها البعض، حيث يتوسط اسطبل الغنم والدجاج والحمام غرفة استقبال الضيوف الكبيرة والغرفة الطينية لصنع خبز التنور، من جهة الشرق ، أما المطبخ فيبعد عن غرفة الضيوف ويجاور المرحاض الذي صمم على عجل والمظلم طوال الليل، فلكي تذهب لقضاء حاجة يجب أن تصطحب معك سراجاً أو بيلاً، كي تبصر الطريق المظلم وليبتعد عنك الكلب وقطيعه من الجراء المشاكسة التي لا تبارح تلك الأماكن بخاصة زاوية المرحاض، التي على يمينه ثمة غرفة لتكديس الحطب وأخرى للتبن، عاش مع الخوف في سجال دائم
وتعنيف عاناه حياله، يتحسس نبضه، ذاكرته التي تعاند الفزع، يحاول تذكر المكان، لربما يداهمه النعاس لشدة استحكام الخوف به فإن من يحدثه للوهلة الأولى يعرف أن نقطة ضعفه هو خشيته من الأشياء التي قد لا تستدعي الخوف
:وقد أرعبه شخص يهدده منذ فترة، يقول له

أنت سرقت من شقيقتي مبلغاً من المال أخذته منها مستغلاً خفة عقلها ويجب

!! أن تعيدها لي على الفور وإلا حطمت لك أسنانك كلها يا بغل

يأكل الذعر نبضه ،يرتجف هاذياً، يتسارع نبضه لا يسعفه النطق

كيف وأين ومن تكون أختك ومن تكون أنت!؟-

هذه الأسئلة ينطقها بالتقسيط ،يملك المهدد نبرة مفخمة كأنه تدرب عليها إثر مشاهداته لأفلام عصابات المافيا

!أنا قادم إليك الآن لأسحقك أيها المأفون الوغد-

سيبكي إلا قليلاً، ذهب للمطبخ فتحه، لعق صحن مربى المشمش بجنون، وراح يغسل يديه من ثم عاد لسريره، تجسد خوفه على هيئة إسهال هذه المرة قبل أن يصل، ويجلس على كرسي التواليت ،راح يبدل كلسونه المشقوق لقد تبرز فيه، تجسد الفزع على هيئة المربى، تذكر نكتة في ذروة خوفه، ذهب يبحث عنها في غوغل وجدها، وقبل أن يهم بقراءتها، ظهر إعلان سياسي عن حرب نووية وشيكة يشعلها الدب الروسي الذي جعل العالم يتعرف على خوف غير مسبوق

. منذ الحرب العالمية الثانية
ليقاوم هذه البلبلة العاصفة في كوامنه، راح مجدداً للحمام يمارس العادة السرية عله يسترخي بعدها ويرتخي بدنه وينام، ما ان انتصب ذكره، حتى تخيل خروج الصاروخ النووي من روسيا ارتخى قضيبه هلعاً، حين قفزت تلك الفكرة قفزاً مظلياً

. من قمة ذهنه.

مزلزل بكل شيء ،باتت عيناه متعبتان، تتابعان الأخبار، يحس بالدوار و التقيؤ يتثاءب ، يجذب الخشية من المحيط، في داخله ترسانة من القلق الوجودي .يدمن التذكر كمرضى الشعور بالاضطهاد، ويخيم على رأسه ألف جني خرجوا من المطبخ ،من رفوف مكتبته، من لوحات القطط السوداء المعلقة بكثرة على حيطان غرف منزله القديم، يبصر النور في هيئة شبح، يشرب الحساء ويتخيل ضفدعاً أخضر اللون، يخرج من منتصف الصحن نحو الأعلى ،محاولاً التشبث بإنفه الجبان ،بأقدامه اللزجة الممتزجة بالحساء، لقد أدمن الارتعاد
يعود تاريخ الخوف بداخله لأيام ماقبل تشكله نطفة حيث كانت أمه تعاني من تبول لا إرادي منذ طفولتها لغاية أن زوجوها بمختار قريتها الذي كان يتجاوز الخمسين من العمر حينذاك وهي كانت حينها في الخامسة عشر من عمرها، كان العجوز عنيفاً ولا يطيق الاقرار بعجزه الجنسي أمام فخذيها المرتجفين، المفتوحين كالزواية المنفرجة يأساً وانتظاراً بلا جدوى، ليقوم بضربها دون سبب، خوفها نمى بتراكمية أشبه بمكان تجمع القمامة، هكذا تغول وتشعب وتفرع كأنهار صغيرة تتوالد من نهر كبير أو كرؤوس أفاع تناسلت من تنين كبير،يتذكر جيداً ظلم والدة أبيه لوالدته، وتجويعهما له ولأمه القاصر التي لم تك تجيد الدفاع عن نفسها والشكوى لأهلها عما تلقاه من معاملة سيئة ، مما دفعها لكبت خوفها وتداخل في هرموناتها وبات الخوف ينتقل جينياً على هيئة تلاقح سائل الوالد العاجز جنسياً مع تلك البويضة المرتعدة،هذا ما جعل الجنين يحضر للدنيا بقلب ضعيف

. تتعلق به عناكب القلق لتنصب شباكها حوله.
حتى بدا صبياً يحملق فيما حوله بعينين كبيرتين تستوطنان وجهاً صغيراً عبوساً كالرغيف البائت وفماً مفتوحاً كبئر، حيث نمى الخوف معه واكتسى معارفه ورغبته في الدخول لمعترك الحياة،خوفه من أن يطرد من الوظيفة خوفه من ألا ينجب جعله بالفعل عاجزاً عن ممارسة الجنس مع زوجته المتسلطة سليطة اللسان،والتي هجرته قبل أن يكمل زواجه منها السنة، التقاطه العجيب لما سيحدث نتيجة إدمانه للقراءة ومتابعة الأخبار،جعله يتنبأ باكراً بما سيحدث،الأمر الذي جعله يصدم محيطه بتوقعاته المفاجئة، راح يهتم كثيراً بالعرافة في الآونة الأخيرة،وأصبح يذيع توقعاته السوداء في جلساته مع الذين يرتادون المقاهي ويتصفحون الجرائد الإخبارية، ذاع صيته أكثر عندما تنبأ بمرض تنفسي قد يصيب البشرية كلها وقد يكون مثل الانفلونزا الاسبانية، كان ذلك قبل خمس سنوات من تفشي وباء كورونا،ومما جعله محل صيت واسع؛جلوس أحدهم في ذلك المقهى حينما راح يسرد تنبؤه بحلول المرض الذي سينتشر كالنار في الهشيم،وقد كان أحد طلبة كلية الإعلام حينها جالساً، وظل ما قاله عالقاً في ذاكرته، لحين ظهر وباء كورونا من الصين وانتشر في بقية أنحاء العالم، كان

: يقولها مرتعداً

ياشباب احذروا، يا كهول أنصتوا جيداً، يامن تلتهمون التبغ بشحمه ولحمه-

. حاذروا مرضاً يفتك برئاتكم التنفسية

لم يكترث بتحذيراته أحد فقد كان من في المقهى يعرفونه أنه على حافة الجنون قاب قوسين أو أدنى.،راحت الصحافة تنقل خبر العراف الذي صدقت نبوءته؛عراف البلدة،ذلك الخائف من ظله والذي بات حديث باعة الأرصفة ورواد كل المقاهي، راح يصدم الناس بنبوءة جديدة قيد التأكد من أن تتحقق أو لا
قال: بأن حروب الوكالة ستكون بديلاً عن حدوث حرب نووية قد تنهي البشرية صاح: يارواد مقهانا الجميل ،سيطل عصر جديد بداية عام 2020عام الحروب التي ستنشب في كل مكان ،حروب مختلفة بأحجام ومقاسات متنوعة، بأشكال مرعبة، سيختلط كل شيء ببعضه،سينشأ شكل بيولوجي جديد للإنسان لم نعهده من قبل سينمو للإنسان ذيل و قرن يتوسط أعلى جبين الإنسان، سيعم الخوف سماءً تغطي السماء وينتشر صقيع حقيقي، ويأتي على البشرية شتاء أبدي.

عندها سكت، وخرج برق شديد الإضاءة بغتة من قلب الشمس، أحال زرقة السماء لدخان كثيف ،تحولت الشمس لجمرة شديدة الاحمرار ،جحظت العيون المسترسلة النظر للأعلى بوجل واهتمام،وهي تنظر لتقلبات عجيبة تحدث في

. السماء لم يبصرها أحد من قبل

إرسال تعليق

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

مجلة الفكر الحر

2016