شهوة الثور في البلاغة من الإبتهال إلى العولمة

آدمن الموقع
0
الأرجح أن يكون تدجين الثور قد حصل بعد ظهور الزراعة وبروز عنصر الملكية الخاصة. وبذلك تتراجع بلاغة الحمار بخطابها الهادئ الرزين، أمام الثور بشهوته الجامحة وقوته الجبارة. وفي هذه الفترة صار الحمار ممثلا الجانب الضعيف وصار الثور ممثلا الجانب الجامح. ومع الأيام غدت المرحلة الرعوية مرحلة مثالية أو خيالية لا يحن إليها إلا ذوو النفوس الحساسة التي يخيفها مشهد جموح الغرائز البشرية. وهكذا عاشت جنبا إلى جنب النفوس التي تعشق البراءة والسلم وبقية أخلاق مرحلة الملكية الشخصية مع النفوس التي تعشق القوة والعنف وبقية الأخلاق التي خلقتها مرحلة الملكية الخاصة. وهذا ما يفسر لنا تعايش الأوجه المتعددة للبلاغة، فبلاغة الحمار استمرت لأن النفوس تتعلق بها، كما استمرت ثقافة الثور لأن النفوس تتعلق بها. إن ظهور الملكية الخاصة خلق شرخا في النفس، فهي من جهة تعشق الأمن والسلام، ومن جهة أخرى مضطرة إلى مجاراة العنف والقوة.
وحتى هذه الأيام عندما يرسم شاعر لوحة رعوية يعتمد على الثغاء لا على الخوار، فقلما خلت لوحة رعوية من الثغاء، وقلما عثرنا فيها على الخوار أو النهيق. إن حظ الثور والحمار من الرعويات قليل جدا.
ما زال الثور يعيش في بلاغتنا التكنولوجية الحديثة وما تزال صوره تظهر على غلاف المقويات الجنسية، والبخار ينطلق من منخريه والغبار يتطاير من تحت حوافره، وهو منطلق إلى هدفه بحماقة بلهاء وغريزة عمياء. أما الحمار فلم نعد نلمح له صورة لولا الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث ما يزال شعارا له.
لكن الثور الذي رفضته الرعويات القديمة صار بطلا في الرعويات الحديثة، بل البطل الأول لأفلام هوليود الرعوية. وظل مسيطرا على هذه الأفلام منذ ظهور السينما وحتى منتصف القرن العشرين، لم ينافسه في ذلك منافس سوى أفلام طرزان. لكن هذه الرعويات هي رعويات الملكية الخاصة التي أسهم الثور في دعمها، ولا علاقة لها بالرعويات القديمة. هناك نجد الثغاء وهنا نجد الخوار. إن الثور أدخل بلاغة العنف. كان عنيفا ولكنه لم يكن سريعا، فاضطر أن يذعن للحصان ولممتطيه الذي يحمل في يده مسدسا أسرع من المخلوقين، بالإضافة إلى أنشوطة الحبل. . . أشياء وأشياء لم تعرفها الرعويات القديمة. كما أن ملحمة الوسترن التي قام بدور البطولة فيها تختلف عن ملحمة كان بطلها في القديم وهي "جلجامش". ففي الملحمة القديمة فرض بلاغة ذات أبهة وفخامة وشخصية مستقلة. كان يخيف مدينة بكاملها. وفي الوسترن ليس أكثر من أرنب ضخم أمام الحصان والمسدس. كان الحصان والأسلحة النارية والمسالخ تحيط به من كل جانب.

* حنا عبود: (البلاغة من الابتهال إلى العولمة)

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!