مجلة الفكر الحر مجلة الفكر الحر
recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...
recent

رحلة نقدية في شعاب كتاب شواطئ النص"الاقتباس التمهيدي" للناقد ولات محمد)ريبر هبون

(رحلة نقدية في شعاب كتاب شواطئ النص"الاقتباس التمهيدي" للناقد ولات محمد)
ريبر هبون
لا يستسهل الكاتب الفطن دور العتبات النصية في تحفيز المتلقي على الدخول للكتاب، والذين يحترفون استدراج المتلقي للقراءة أدوا بطبيعة الحال ثلث غاية تأليف الكتاب، وبناء على ذلك يستمد الناقد مفاتيحه أدواته وطبيعة المنهج الذي سيسلكه في خوض دراسة عن الكتاب الذي تلقفه أو قرأه،ولعل العتبات النصية ليست حكراً على الكاتب وإنما تدخل كافة الفنون وكذلك صناعة وإخراج الأفلام في عملية التمهيد تلك، فخلو الفيلم السينمائي من عتبة تمهيد ممتازة تجعل المشاهد يحيد ببصره عن متابعة الفيلم حتى نهايته وقس على هذا المثال باقي ميادين العلوم والفنون والآداب، هنا يبين الكاتب ولات محمد في كتابه الهام شواطئ النص أهمية العتبات النصية من كونها نقاط استناد للناقد أو الباحث لمعرفة مقاصد الكتابة والغرض من التأليف، حيث ينجز العنوان نفسه في كثير من الأحايين المحتوى المثالي للكتابة مما له من أهمية في تداول وانتشار الكتاب فيما بعد وعلى ضوءه يقوم الناقد ببناء أدواته واختيار منهجية البحث على ضوء ما قُدّم ، وهنا لابد من الإشارة والتنويه إلى العتبات المزيفة التي قد تظهر مالا يقوله المحتوى ، وفي تقليبنا المحكم لصفحات الكتاب بالإمكان الحديث عن ذلك بروية فلا تختزل العتبة من كونها مجرد إطار خارجي بل هي بطاقة تعريف حذقة للكتاب برمته.
 لقد تحدثت عن وجود العتبات في سائر فنون الكتابة والإبداع المرئي ولاسيما في السينما والموسيقا، وما يجعل أي قطعة درامية خالدة هي تشبعها بالعتبات النصية حيث تترك لدى المشاهد انطباعاً وقد أراد الكتاب الحديث عن أهميتها من كونها تمثل بعداً وظيفياً رئيساً لمتن النص وقد أوغل الناقد ولات محمد في الحديث عن النص بكونه حواراً مع نصوص أخرى حسب وجهة نظر التناصيين، وبالتالي فإن الكاتب هو لسان حال ثقافته ورفده المعرفي، كم النصوص التي قرأها انعكست على ما يكتب بطريقة ما فإذا هو بمحوّر ومدوّر لعدة حزم من النصوص في هيئة نصه الوليد الذي كتبه،وقد أشار الناقد ولات محمد إلى النص الموازي ، إذ لعل أي نص يعقد عدداً لا حصر له من المتقابلات المتوازية مع نصوص أخرى كُتبت على نحو مشابه إما لتؤكد فكرة ما أو منطلقاً حياتياً ما يسعى الكاتب لبيانه على نهج من سبقه إلى ذلك،ولعل كل فن لا يخلو من عتبات تشكله مفاتيح لفهمه برمته ولا يقتصر ذلك على فن محدد حيث يكتب الخلود لأي فن بمدى قدرة مبدعه على إنجاز العتبات التمهيدية له باحترافية ، وقد بين الناقد هنا الأبعاد الجمالية والوظيفية للرسالة الفنية بتوازي مع جملة نصوص كتبت في زمن سابق، وقد تم الإشارة إلى الناقد الفرنسي جيرار جينيت 1987 الذي كان له الفضل في التوسع بهذا الجانب المحوري من العملية الإبداعية ، حيث يمكن النظر للعتبة بكونها محاكي فعلي للذائقة الجمعية للمجتمع وتستطيع أن توجز أفكاراً في بضع عبارات وزخرفات وألوان، ولا يمكن ان نفصل العملية الإبداعية عما سبقها فالمرهف في حالة تأثر وتأثير.
 تحدث جينيت عن العتبات النصية بكونها مفتوحة على عدة احتمالات وتأويلات لا حصر لها وهي تعين القارئ على فهم المناخ العام للكاتب ، ويمكن أن تكون عناويناً نقدية هادفة يطل من خلالها الناقد ليقوم بتعريف العمل الموضوع وتقييمه إلى حد ما ، إنها ليست مجرد عتبة تمهيدية بل مدخلاً لأفكار عديدة هدفها الإحاطة النوعية بالعمل الإبداعي وجعله أكثر جلاء إزاء القارئ في كل جيل ومرحلة، فلون الغلاف مثلاً يقود لأشياء وأشياء، ويفتح بوابة الاحتمالات على مصراعيها وذلك ما يعزز من سطوة النقد على الأعمـال الأدبية ،فالعتبات النصية موجودة منذ بدء الكتابة وتأليف الكتب لا يمكن اعتبارها موجودة ونهضت عند بدء جيرار جينيت أو غيره، لاسيما وأني أشرت لوجودها في كافة حقول الفن والتأليف والإخراج .
عندما يرى رولان بارت أنه لا نص من دون مناص فهو يؤكد أن كل أجزاء النص أي الكتاب هي بمثابة أجزاء متممة لبعضها بعضاً ويمكن فهم الكتاب على ضوء ذلك أنه كلَ متكامل من غلافه الأمامي وحواشيه وحتى نهايته.
فالغلاف هنا هو جو المحتوى المشحون واختزال له ، أما العنوان فيشير إلى قلب المعنى الكامن في الكتاب ، أما عن المقدمة والإهداء فهما من البواعث المهمة للولوج للكتاب، والهوامش والمصادر والمراجع هي بمثابة أدلة ومستندات تثبت قوة الكتاب وأهميته.
الاقتباس التمهيدي الذي تحدث عنه ولات محمد يجعل القارئ يتهيب العمل ويتقصى أثره بفضول وهو الذي يضع العمل الموضوع في سياق ثقافي تاريخي وفكري، ومحتوى الكتاب يعكس مدى تأثر الكاتب بنصوص سابقة هذا التأثر يشير إلى التناص ، وله أهميته من حيث كونه يعطي المؤلف مصداقية فكرية ويخلق جسراً معرفياً بين السلف والخلف.
كما يطرح الناقد تساؤلاً عن مدى أهمية تلك العتبات النصية، وهذا السؤال مدعاة أجوبة أكثر احتمالاً منها ما يجعل المتلقي يستشعر سحراً ما في دفتي الكتاب وكذلك تجعله يبحث في النص ويأوله كما يريد هو وما يشير له عقله على ضوء النصوص الموضوعة إلى جانب أن تلك الاقتباسات تضفي على النص جانباً متعلقاً بالشفافية والأمانة العلمية، حيث يساعد الغلاف على استدراج القارئ ناهيك عن وظيفية سيميائية فهي بدورها تشارك الكتاب في إبراز المعنى ، حيث تلعب الفنون البصرية في وقتنا من خلال تلك العتبات لتتحكم في توجيه المشاهد لما تريده.
هناك كتب بيعت بشكل أكثر من غيرها نظراً لعنوانها اللافت وأغلفتها المميزة هذا يدلنا على أهمية العتبات النصية لكن لا يعول عليها بشكل مطلق إن كان النص رديئاً او دون المستوى المتوقع لا يمكن لتلك العتبات الاستهلالية أن تشفع للكتاب كقيمة.
هناك روايات شعبية في أوروبا وأمريكا ظهرت في القرن التاسع عشر حملت عناويناً ملفتة كاعترافات لص محترف أو أسرار باريس، بيعت بسبب عناوينها لكنها لم تصمد بعد ذلك نظراً لضعف مضمونها، مقارنة مع كتاب رأس المال لكارل ماركس كان العنوان مباشراً والغلاف بسيطاً ومع ذلك يظل هذا الكتاب مرجعاً مهماً لغاية يومنا هذا، أيضاً بالنسبة لكتاب الأمير لميكافيلي أو كتاب الأيام لطه حسين لا نجد عتبات استهلالية قوية لكنها بقيت بفضل قوة وجودة محتواها
=خلاصة:
كتاب شواطئ النص من الكتب النقدية الهامة والتي كتبت على نحو أكاديمي مليئ بالعتبات النصية وعلى نحو محكم ومتين، ويعد مرجعاً مهماً لكل باحث يعمل في حقل النقد الأدبي ولا يمكن الإحاطة به من خلال دراسة أو قراءة سريعة وقد حاولت هنا تلخيص الكتاب وبيان بعض وجهات النظر المتعلقة ببعض أهم ما تطرق إليه مستهل الكتاب، وجهد المؤلف بادٍ في هذا الكتاب ولعلي أميل في خلاصة قراءتي إلى مضمون الكتاب ولا أغفل أهمية العتبات النصية لكني أيضاً لا أعول عليها كثيراً ، لعل كثرتها من زخرفة وتنميق وحشو لا معنى له وقد يكون أحياناً على حساب المحتوى ، لاسيما وأن التقاليد الأكاديمية تقف في كثير من الأحايين حائلاً أمام تقديم جديد أو اجتهاد إبداعي في مضمار بحثي معين ، لهذا أجد من الأهمية بمكان أن يعتدل الكاتب في إلباس كتابه بالعتبات فهي لا تغني أو تسمن من جوع إن كان النص الموضوع مفتقراً إلى الجدة والإبداع.

إرسال تعليق

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

مجلة الفكر الحر

2025