بقلم: عاطف صبري
خاص/ مجلة الفكر الحر- العدد الأول 15 نيسان 2020
الادارة الذاتية الديمقراطية حديثة العهد مقارنة بادارات الدول الكبرى، اذ ان تجربتها وخبرتها في ادارة شؤون المجتمع من خلال مؤسساتها الصحية والخدمية والأمنية والدفاعية والاقتصادية تعتبر من الإدارات المحدودة الإمكانات، مقارنة بالدول التي تتصدر العالم، و حتى الإقليمية منها، رغم أن الإدارة الذاتية تقدمت على الأخيرة في كثير من المجالات والتي تشهد لها العالم، في محاربة الإرهاب ورأس هرمه داعش والقضاء عليه، ومع ذلك فأن اي انتقاد لها أو عرض لنواقصها من وجهات النظر المختلفة، يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار كجدلية ذات حدين، بقدر ما تكون سلبا قد تحتوي على الإيجابية أيضا، وعليها أن تصغي لكل الانتقادات الموجهة إليها من قلة الخبرة والتجارب، كما وعليها الاستفادة من تجارب الأخرين، اي كما نعلم الذكي يستفيد من أخطاء غيره وليس فقط من أخطاءه.
ربما ستفتح جائحة كورونا الحالية العيون الدولية على كل الإيجابيات والسلبيات التي تتصف بها الإدارة الذاتية في تعاملها مع المجتمع، بل وعلى علاقاتها السياسية والدولية أيضا، وهي المتوقعة من المجتمع ادولي بعد مرور خطر الوباء. فقد برزت نواقص في النظام العالمي كانت نادراً ما تلاحظ أو تأخذ بعين الانتباه قبل هذه الجائحة، ومهاجمة الفيروس للبشرية وهي ذاتها المتوقعة من معظم الأنظمة العالمية وحتى من المنظمات الدولية، فقد تبين أن المجتمع البشري ضعيف أمام الكوارث وبدون تكاتف لن ينجو من الكوارث، وهذا ما نوه إليه ( الفيلسوف عبد الله اوجلان في مرافعته اي انه نوه إلى رد فعل الطبيعة التي شبهها بالأم التي تقوم الرأسمالية العالمية بأيزائها من خلال التلوث والتصحر والتدمير للطبيعة، لذالك لا يستبعد أن تكون ردة فعلها اي الطبيعة الام من خلال نشر الأمراض والأوبئة ) لذالك يتوجب على كل المجتمعات في العالم إعادة النظر في كل العلاقات الإنسانية السابقة.
وبما ان الرعب المرافق للوباء دفعت بالإدارة الذاتية الديمقراطية إلى فرض الحصار على الشعب لأجل حمايته من خلال تشديد الحجر الصحي، وإغلاق مراكز العمل التي ربما ستفضي إلى انتشار الفقر والجوع والتي بدورها سوف تساعد على انتشار الأمراض، ولا شك أن العالم وخاصة الدول المتطورة كانت ستعاني الدمار البشري الأكثر فيما لو لم تقم على فرض الحجر الصحي ومنع التجول، وهذه لها أسبابها لخصوصية الدول الكبرى في بناء المدن الكبيرة والملوثة وذات الكثافة السكانية العالية.
كما إن طرق المواصلات وأساليبها من مترو وقطارات وانفاق تفتقر إلى التهوية الجيدة لان غالبيتها صناعيا لا تتوفر فيها شروط الحياة المجتمعية الطبيعية، فيما إن مناطق روج افا وشمال شرقي سوريا ذات كثافة سكانية قليلة والمدن الصغيرة، بالإضافة إلى أن غالبية المجتمع يسكن الريف و طرق المواصلات غير مكتظة وتتصف بالشروط الصحية الطبيعة اي سيارات نقل صغيرة. لذالك وبما أنه لم يعد خفيا على أحد وخاصة الطواقم الصحية حقيقة الجائحة، إذ أن جميع الدراسات الطبية تؤكد على أن نسبة الوفيات بوباء كورونا 19 لا تتعدى 5% في أبشع مراحلها، وأن نسبة تصل إلى 70% من المرضى يشفون منه حتى دون المعالجة، والكثير من الذين ينقلون إلى المستشفيات في الدول المتطورة لا تتم معالجتهم بقدر ما يوضعون تحت المراقبة، لأن أدوات المعالجة لا تزال شبه معدومة.
في هذه المرحلة نادراً ما نرى الدول تتحدث عن تقديم المساعدات للمجتمعات المحتاجة لان غالبيتهم يبحثون عن النجاة بذاتهم، بل تبينت أن هذه الدول هي الاضعف مما كانت تظهر سابقا، وتلك القوة الظاهرة في حالة الترف والرخاء والقوة و الحروب العلنية ما هي إلا ستار خارجي، وتبينت إن تلك الإدارات الكبرى هشة في الداخل، ومع أية صدمة حقيقية تتلاشى وتتشرذم، ليكشف النقاب عن العديد من جوانبها الإقتصادية والإدارة، في الوقت الذي عجز فيه هذه الدول عن تامين متطلبات المشافي في الوقت المطلوب، كما وظهرت سلبيات عديدة في خدماتها الصحية، وعدم القدرة على صناعة الأدوية بشكل سريع للتعامل مع مثل هذه الكوراث والأوبئة الخطيرة، وبالتالي كشفت قدراتهم الحقيقية، أصبحت عرضة للنقد المباشر من قبل الإعلام والصحافة، وكل إدارة في الدول الكبرى تعرت امام مجتمعاتها، وتطلبت إعادة النظر في كل بنيتها الإدارة ية والتنظيمية، ورغم محاولات الابتعاد عن إثارة الخلافات في هذه المرحلة الكارثية فقد أصبح الجميع ضمن موجة المعاناة، وبالتالي فالكل يشعر أنهم بحاجة إلى مساعدة بعضهم البعض، ونادرا ما يتم الحديث عن تقديم المساعدات للدول الفقيرة والمجتمعات المعانية من الحروب الإقليمية والأهلية، أو التي تتربص بها الإعداء.
مثال الإدارة الذاتية الديمقراطية في روجآفا/ شمال وشرق سوريا وهجمات الدولة التركية التي تحتل أجزاء من سوريا، وتحاول إستغلال الأزمة الدولية بسبب إنتشار فيروس كورونا 19، وإنتهاز الفرصة للانقضاض على مكتسبات الكرد والمكونات المتعايشة في منطقة الإدارة الذاتية، مثل هذه العقلية السلطوية التي تستغل الظروف الدولية وما تمر بها البشرية من معانات مع كورونا.
ليس امام الدول والمجتمعات المعانية إلا القليل من الرعاية الصحية وشيء من الحجر الصحي، ووجب على الجميع انتظار الدول المتطورة ومراكز بحوثها على أمل الحصول على عقار لإنقاذ البشرية.
فأمريكا جلبت مساعدات من الصين وروسيا وايضا اسبانيا وإيطاليا، علما ان الأخيرة كانت تعاتب ألمانيا في البداية على عدم مساعدتها، فالدول المتحضرة وصاحبة الرخاء الاقتصادي سخرت كل إمكانياتها لشعوبها اي انها تتقبل الانهيار الاقتصادي كمرحلة مؤقتة متأملة بنهوض اقتصادي سريع بعد التخلص من الوباء. كثيرا ما نسمع الرئيس الأمريكي يقول: ان اقتصاد أمريكا سينهض بقوة أكبر من السابق بعد الخروج من الكارثة. ولكن معظم الدلائل تشير إلى ما لا يمكن توقعه للبشرية( انهيار العالم اقتصاديا ) رغما عن ذلك فان جميع الدول الصناعية الكبرى تخلت عن معظم مشاريعها الإنمائية والاقتصادية، وأغلقت أبواب التجارة باستثناء المساعدات الطبية، هذا وناهيك عن إيقاف جميع تحركات ونشاطات الجيوش في العالم لتتمكن من مساعدة الدول والشعوب.
ماذا تستطيع الإدارة الذاتية أن تعمل وتقدم
في مرحلة انهيار الاقتصادات العالمية والأخطار المحدقة بها من الأنظمة المحاطة والمعادية، للحفاظ على معيشة العائلات التي كانت تؤمن لقمة خبزها يوما بيوم، وخاصة في المدن، اذ ان النسبة العالية من العاملين في عدة قطاعات يعملون باجر يومي، بمعنى يحصلون على لقمة عيشهم يومياً من عملهم فقط، وبذلك سيف سيؤمنون حاجياتهم المعيشية أثناء البقاء داخل البيت (الحجر الصحي) دون عمل؟، مقابل ذلك سيتسبب هذا الجمهود في نقص كبير بالمواد الغذائية والتموين، لأعتمادها على الإستيراد، وبسبب النقص الذي تعانيه المنطقة ككل وخاصة منطقة الإدارة الذاتية بسبب حجم الإرهاب الممارسة من قبل الدول الجارة لسوريا ضد الإدارة الذاتية. ناهيك عن زيادة الأسعار بسبب فقدان المواد، وكذلك ألاعيب تجار الحروب، وما أكثرهم في أسواقنا.
لذالك وجب البحث عن سبل مناسبة تتلاءم وشعبنا وظروفه المعيشية والاجتماعية والصحية، والإمكانيات المادية للشعب، وبالرغم مما تقوم بها الإدارة الذاتية من خدمات صحية وأمنية وخدمية عامة، إلا أن الظروف الدولية والتحولات الحاصلة وإلتهاء كل دولة بمعاناتها، اذ انه غالبا ما طرق الحل وخاصة التي تنتهجها الدول المتقدمة غير مناسبة لمجتمعاتنا بدون تعديلات، رغم أن الوقاية من ضرورات الصراع لمنع انتشار الوباء، فعلى إداراتنا ومن واقع ظروفها، البحث عن حلول تتلاءم وواقع الشعب، مع الأخذ بعين الاعتبار عدمية الاقتصاد، والفقر الذي يلم بشريحة واسعة من المجتمع، وقلة المواد وفقدان بعضها، بل عدمها وخاصة التي كانت تستورد من الخارج. ومع إغلاق الحدود الدولية، وارتفاع الأسعار، هل سيكون الانتصار على كورونا كما كان على داعش، لا سيما وإن الإرادة والعزيمة التي تتمتع بها الإدارة الذاتية وقواتها العسكرية أستطاعت ان تغلب بالنيابة عن المجتمع الدولية على أكبر خطر متمثل بمنظمة (الداعش).
إرسال تعليق