اللقاء - قصة : ريبر هبون

Rêber Hebûn ريبر هبون Reber Hebun
0

 


اللقاء



قصة : ريبر هبون*


ًوكعادتها ودون أن تتناول الفطور،خرجت من البيت لتنتظره في مركز المدينة ،الجو بارد جدا ،الأربعينية بدأت ،الجليد على

الطرق والشوارع المزدانة بأضواء عيد الميلاد ،هاتفها
أنا على الطريق ،سأتأخر -
.
أسرع، لا أستطيع الانتظار أكثر مما انتظرته -
ابقي داخل محلات التسوق ،لاتخرجي للخارج -
ًحسنا-
لم يمض على زواجها من ذلك الشاب عزيز، تاجر الزيت شهرين حتى هرعت لتلتقي بحبيبها ،كيف لا تلتقيه وقد أحبته لسنوات أربع،صحيح انها عاقبته بمرارة عبر زواجها منه و الذي كلفه مايقارب ٢٥ ألف يورو من عرس وحلي، وتحمله لعنادها
رغم قصر قامتها وشعرها الطويل الذي يصل ادنى من مؤخرتها بقليل الا انها لفتت انتباهه، ذاك الشاب الأشيب الذي تقدم إليها وأكدت له قائلة
ليس في حياتي سواك -
أنت حبيبي وستصبح لي أجمل زوج-
يسعدني ذلك جداً حبيبتي ،فلا أفضّل أن يكون قلب حبيبتي حاملاً غيري.-
أجهشت دموعاً من فرط الضحك على عبارتها
لم تنس في الواقع حبها، كان انتقامها من حبيبها المتباطىء عن الالتقاء بها لسنتين، منذ تمكنها من الدخول لألمانيا،عبر مطار برلين بجواز سفر مزور، ولقاء ذلك عزمت على ايلامه بهذا الزواج ،كيف لا وقد قطعت بمفردها كل هذه المسافات ابتداء من خروجها من الشهباء إلى حلب ،لغاية عثورها على مهرب لإخراجها إلى تركيا عبر عفرين، وخضوعها لتحقيق طويل من قبل الجماعات المتطرفة المسيطرة على عفرين،تمكنت من اقناعهم انها عازمة على الخروج دون عودة،وإلا علاقة لها بالسياسة.

لوند عثر أخيراً على قطار يمر عبر النفق للذهاب إلى تلك المدينة التي تجاوره، وقد استطاع اقناعها من العدول عن فكرة الرجوع للمنزل ،زوجها ذاك العريس الحديث يذهب صباحاً ولا يعود إلا عند العاشرة مساء. ،لوند حاول اقناعها
اوه ليلى انك طول الوقت لوحدك ياحبيبتي وكما تعلمين فالجو بارد جداً في الخارج لماذا لا تستقبلينني في البيت -
سيكون لنا متسع وسنستمتع قليلاً بالدفء الذي في الغرفة وعلى سريرك بالذات.
ماذا تقول ،هل جننت-
سنلتقي في مكان عام ولا تحاول اقناعي أو مناقشة هذا معي-
ًحسناً حسنا -
كم بقي لتصل-
بقي القليل -
راح لوند يكتب لها كلاماً عن الانتظار عبر الواتساب،عن هذا اليوم الذي كان ينتظره وكانت تنتظره .
:
ليلى تكتب-
.
أنا خائفة؛قدمي لاتحملانني كم أخشى الاقتراب -
بعد كل هذه السنين هل فعلا سنلتقي.
ًسأحتضنك طويلاً وأتنفسك عميقا-
وأنا سأبكي.-
لشدة استعجاله فقد اضطر لتبديل أكثر من قطار سهواً وكأنه كان يدور حول المنطقة دون أن يهتدي
أخيرا نزل من القطار لمحطة ابتعدت عن مركز السوق القديمة للمدينة مما اضطره للمشي ٢١ دقيقة حتى وصوله لذلك السوق المغطى والذي يتألف من أربع طوابق يتم الصعود إليها عبر السلالم الالكترونية أو المصعد
:
ليلى تكتب-

أين وصلت-
يتصل بها ليرد المجيب الآلي ،الخط مغلق ،لقد حظرته عبر الخط الهاتفي وأبقت الواتساب فقط وسيلة وحيدة للتواصل معه
وقبلها كانت تدور بينهما معارك افتراضية تنتهي بالحظر والقسم بألا يعودوا للتواصل مجدداً، وصل لبوابة المركز كتب لها:
لقد دخلت مركز التسوق، أين أنت.-
. أنا في الخارج ،سأدخل من البوابة المعاكسة للرئيسية.-
والتقيا ،رآها مقبلة ببطء ،داخل سوق مزدحم بالمارة طويلي القامة
راح يبحث عنها بينهم الا أن اهتدى لها بمجرد ان التقاها عانقها وبدأ بحملها حسب طريقة اللقاء المحبذة بالنسبة لليلى
التي سرعان مابدأت تبكي بصوت مسموع ورائحة أنفاسها الكريهة تخرج من حشرجات صدرها.
أما لوند فبدا جثة تمساح بلا احساس، يؤدي دور عاشق ويأمل أن ينجح.، لقد أدمن دور العاشق على اللاتي يقعن في حبه ويأملن منه حباً بالمقابل، ان هوسه بدور العاشق لا يكاد ينتهي، انه يعطي ليشعر بقدرته على منح السعادة لقلوب محكومة بالحب والسذاجة ،لدقائق ظلت تعانقه وتبكي وتارة تلمس وجنتيه بكلتا يديها لتتفحص سحنته.
راح ببطء يسحبها لزواية جانبية كي لا يظل وقوفهما عائقاً أمام المارة والزبائن الداخلين والخارجين من المركز

لا تنظر لعيني لوند، وتبكي كأنها اقترفت آثام كل البشر، ذراعاها في أشد حالات الفرح ، أصابعها حين تشتبك بأصابعه فإنها تقبض عليه كمجموعة شرطة تلاحق حفنة مجرمين، لم تعد تشعر بما حولها، ولوند يحضنها ويعيد حملها لتعويض عن قصر قامتها ، كون الانحناء يوجع رقبته وظهره في آن، وفي كل حشرجة بكاء تخرج رائحة كريهة من فمها تدنو إلى إنفه بيسر كرمية لاعب كرة قدم رمُيت باحترافية إلى مرمى حارس ساهٍ، المارة يذهبون ويأتون حولهما دون اكتراث، سوى سيدة تستخدم عربة المشي وتقف قبالتهما علهما يدركان رغبتها في الخروج مركز التسوق، يتفحص لوند الوجوه غير المكترثة بينما يعانقها ، أما ليلى تواصل بكاءها، لعل في الدموع رغبة لإخبار لوند ما تعجز هي عن البوح به، أهي دموع ندم، أم شعور بالضياع والخسارة، مذ ألقت بنفسها في أحضان ذلك الزوج الطموح ، وهو لا يدرٍٍ أن زواجها ما كان إلا هروباً للأمام كما تفعل كل العاشقات الخائبات حين يحاولن الهروب من فخ التعلق المؤلم
ظلا دقائق متلاصقين، لوند بكامل جموده وصمته وليلى بكامل دموعها وتوهانها كأنهما كعبة عشق تؤوم حولهما تلك الجموع المنشغلة في ذلك النهار الشتائي القارس
لنبحث الآن عن مكان نجلس فيه-
بقيت صامتة تنزوي كطفلة الثلج خلف معطفه ، ثم ما يلبثان التوقف لبرهة وعودة الاحتضان، لوند أحب ذلك الحزن والشوق بعينيها،قّبلها فقبّلته بعنف ولم يجدا إلا مصادفة مطعماً يقدم البطاطا المقلية ، جلست متسمرة حولها تتأمل لوند خلسة، حين يحدق بها تسحب نظراتها الخائفة ، تخشى النظر في عينيه
لم تأكل شيئاً، سوى بضع أعواد من البطاط
معدتك فارغة كلي-
لا أستطيع-
غصة اللقاء الملتهب بالخيبة والدموع أغلقت شهيتها ورغبتها في تناول شيء ، سرعان ما تركا المكان ، وقاما بالمشي بحثاً عن مقهى ، الوقت يمر بسرعة كأنه يغرز إبرة التخدير في الروح العاشقة فلا يشعرها إلا بأن ما حدث قبل قليل حلم قصير سرعان ما يستيقظ منه المرء ليجد نفسه أمام وحدة فظيعة تباري قتامة الموت بل تجاريه ، أخيراً عثرا على مقهى بعد أن قام لوند بإفراغ مثانته في ذلك الحمام المطل في زاوية المتجر
اهتديا خارج المتجر وعلى بضع أمتار لمقهى ، طلب لوند فنجاني قهوة بالكريما ، لم يك هنالك نسكافيه كما طلبت ، مزاجها المتعب غطى الحديث ، كامل تلك النقاشات التي دارت بينهما كسحابة تمنع الشمس من أن تشرق على أرض مغبرة باردة
أقسمت لو أتى أخي أحمد للعرس ، أن أقلبه وألغيه -
المعتوه زوجي (وهي تضحك)، كلفه الحفل مبلغاً كبيراً، لكني (بحزن) لا أحبه، لا يهتم بي، يبدو(تقول بحيرة وذهول) أن قلبه الآخر معلّق بأخرى، اشتقت لمدينتي الجبلية، لقد كرهت هذه المدينة التي أعيش فيها، اشتقت لصديقتي الوحيدة عبير، ألا ترى صورتها على حالتي في الواتسآب، حين جئت لألتقيك نهرتني، قالت لي لا تفعلي ذلك حافظي على زواجك .
ربما ذنبه الذي سيدفع ثمنه لاحقاً أن تزوج حبيبة سواه-
. لا ليس ذنباً، لم أخبره أني كنت على علاقة بغيره قبل الزواج-
!
لماذا -
مجنون ، قد لا يتزوجني.-
.
لكنك تودين الآن الابتعاد عنه -
.
أريد أن أخرج من ألمانيا كلها -
كيف ؟-
.
لا تكثر الأسئلة أرجوك، الأهم أني حققت أمنية اللقاء بك، لم يعد هنالك شيء ألهث وراءه -
.
تعنين أن هذا اللقاء هو الأخير -
نعم-
في غمرة من الصمت، رأى لوند أن من الأفضل له الصمت ، راح يقترب منها ، يحضنها وما إن لامست شفتاه شفتيها، حتى انجذبا لقبلة مغناطيسية لا تكاد تقيم وزناً للهث الأنفاس، كأنها أرادت أن تعيد تخطيط النبضات على مقاس تلك الرغبة الشديدة، حشرجة الدموع لا تفارق ليلى، بما ان هذا اللقاء الذي سيجمعها مع حبيبها هو اليتيم فقد أرادت كحي يعرف أن سيموت بعد قليل فراح ينكب على اللذائذ من الحياة على ما لذ وطاب قبل أن يفارق ، راحت تملأ رئتها بأنفاسه بدفئه، رغم أن المعطف والثياب السميكة تحول دون التحام الجسدين إلا أن روحها راحت تحوم بشبقية الألم حوله ، الحزن الذي اكتسح وجدان لوند، كان عليها،

: راح يحدق بها ، وهو يلمس شعرها الطويل المنسدل: ويقول في قرارة أعماقه
بائس قلبك ، وأنا حارس نبضك الذي لم يصل نبضي، أحببت لزمن أن أهب ذاتي لأنثى تكون سعادتي الوحيدة معها عطاءي لها وشعوري أني أقدم حياة لقلب حاول المرار الانفكاك عني ولم يستطيع ، أقدم ذلك الانتحار المتكرر لكوني لم أجد ضالتي في أن أحب لوهلة كما تحبني هذه البلهاء، ألأن الحب يحتاج لبلاهة ، ألأن الحب لا يمنح للعقلانيين الواقعيين، وإنما مرجعه لقلوب

.! خاشعة ولآفاق لا تجيد سوى التعمق بالحياة وبالحقيقة الواضحة التي تتحلق حول الفناء والنهاية

:للحظة ظنته يبكي حين خفض رأسه صوب يديها ، قالت
ما بك -
لا شيء-
لدي شيء أتخيله بصدد علاقتنا، أن تتركي زوجك ، وأن نظل على تواصل، بإمكاننا الذهاب معاً والمسير معاً ، أصطحبك معي إلى المعارض التي أقيمها في ألمانيا وخارجها، سيسعدني ذلك .
-
ولماذا لا تتزوجني ؟
اطردي هذه الفكرة من رأسك -
لماذا، ألم آتي إلى هنا لأجلك وقطعت كل هذه المسافات لوحدي، مررت بالمخاطر والمهالك ، وأنت لم تبذل شيئاً تجاهي، حتى إنك تذرعت بالعمل وشؤونك ولم تكلف نفسك المجيء، الآن وبعد أن تزوجت وصرت مصادفة على مقربة منك جئت أخيراً لتلتقيني، أما كان الأحرى بي أن أعود للبيت وأتركك هنا تبحث عني لقاء إهمالك لي .

قابل لوند انفعالها بصمت وابتسامة
:
جاءه هاتف مباغت يخبره بضرورة عودته فاعتذر وقال
.
علي الذهاب الآن حبيبتي ،لقد سررت بهذا اللقاء وأتمنى ألا يكون الأخير
لم تنبس بشيء سوى أنها نهضت وخرجت من المقهى وهو بدوره لبس معطفه ووضع فنجانها نصف المملوء مع فنجانه الفارغ على الرف ، ومشى معها بضع خطوات أخذ يهديها لوحة صغيرة
لا تفتحيها إلا حين تعودين للبيت -
.
أين سأفتحها في هذا البرد ، طبيعي أني سأراها في البيت -
وداعاً الآن -
عانقها ، أراد تقبيلها لكنها أبعدت وجهها عنه
مشت في ذلك المساء الشتائي ، ومضى هو باتجاه الكراج نحو مدينته ،حين وصل كتب لها عبر الواتسآب
.
لقد وصلت للبيت، كان لقاءاً رائعاً حبيبتي -
.
إنه اللقاء الأخير -
لماذا
لايمكنني قبول هذا الوضع طويلاً لا أمل في علاقتنا مالم نعش معاً -
لم تعودي تلك الفتاة التي بالإمكان العيش معها-

لم تعودي عذراء ، أنت بالنسبة لي ملك لرجل آخر، حتى لو تطلقت منه فمن المحال أن تعودي كما عرفتك

. لماذا بعد حب دام سنوات تقول هذا الكلام -
عنادك وحماقاتك الكثيرة جعلاك انثى تائهة لا يربطها بالطموح والحياة شيئاً سوى الهروب-

ما الذي يضمن لي ألا تقابلي أحدهم من وراءي إن صرت زوجك كما تفعلين الآن وأنت على ذمة رجل يقطع النهار بالليل لأجل تأمين حياة أفضل لعروسه الجديدة، عروس لا تعرف ماذا تريد من الحياة، ولا تم تميّز بين الطيب والخبيث، بإمكانها تدمير كل

. شيء لترجيح كفة عنادهاوحمقها اللامحدودين

لن أرد على إهانتك لي لا يسعني سوى أن أقول للأسف-

قامت بحظره من ثم راحت تفتح تلك اللوحة ، مضمونها امرأة بعدة أذرع ممدودة حول قرص شمس أحمر اللون يأبى الانسحاب

. خلف جبل ثلجي عالٍ تحيطه قطعان من، ذئاب شاردة تعوي دون انقطاع
فاستسلمت ليلى على إثره لنوبة بكاء اختلطت بالصقيع الداخل عبر النافذة المفتوحة على شرفة تحاصرها أصوات السيارات

. والمارة، بكاءها أرق ليل تلك المدينة، وقلبها المختزن شتاءات السنين الباردة

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!