بقلم: إبراهيم كابان
سوريا، منذ الاستقلال وحتى اللحظة الراهنة، كانت ساحة لتجاذبات وصراعات أيديولوجية وسياسية ودينية انعكست على استقرارها السياسي والاجتماعي. هذا البلد الذي يتميز بتنوعه العرقي والديني والمذهبي، يواجه تحديات غير مسبوقة بعد سنوات من الحرب الأهلية. في ظل سقوط نظام بشار الأسد، وبروز قوى كهيئة تحرير الشام ذات الخلفية الإسلامية السياسية، تبرز أهمية العلمانية كنظام حكم ضروري لضمان الاستقرار والتعايش السلمي في سوريا المستقبل.
أولاً: التنوع الديني والطائفي في سوريا
سوريا تضم أطيافاً متعددة تشمل المسلمين (السنة والشيعة، والعلويين، والدروز)، والمسيحيين (من مختلف الطوائف)، والإيزيديين، والكورد وغيرهم. هذا التنوع يعتبر في الوقت ذاته مصدر غنى ثقافي، ولكنه قد يصبح أيضاً مصدر توترات إذا ما سعت أي جهة لفرض هيمنة دينية أو طائفية على بقية الأطراف.
التحديات المرتبطة بالتنوع: احتمال نشوء صراعات بين المذاهب والطوائف نتيجة سيطرة طرف ديني أو مذهبي على الحكم. واستغلال القوى الخارجية للانقسامات الدينية لتعزيز نفوذها في المنطقة.
العلمانية كإطار جامع: لأنها تضمن المساواة بين جميع الأديان والمذاهب أمام القانون، ما يعزز الشعور بالمواطنة على حساب الولاءات الطائفية أو الدينية. فهي تعطي الأولوية للهوية الوطنية على حساب الهويات الفرعية.
ثانياً: علمانية الدولة كضمانة للاستقرار
فصل الدين عن السياسة: أحد أكبر أسباب النزاعات في المنطقة هو تداخل الدين مع السياسة، حيث تسعى القوى الدينية للسيطرة على الحكم أو التنافس على النفوذ. علمانية الدولة تعني فصل الدين عن السياسة، مما يؤدي إلى: إنهاء احتكار أي دين أو طائفة للسلطة. وتوفر بيئة سياسية محايدة تعزز التنافس الديمقراطي على أساس البرامج والسياسات، وليس الانتماءات الدينية.
حماية الحريات الفردية والجماعية: في ظل نظام علماني، يتم ضمان حرية الاعتقاد والتعبير والممارسات الدينية لجميع المواطنين، دون أي قيود أو تمييز. هذا يخلق مناخاً من الثقة المتبادلة بين مختلف مكونات المجتمع.
مواجهة الإسلام السياسي: هيئة تحرير الشام، كتنظيم إسلام سياسي، تشكل خطراً على فكرة الدولة العلمانية. سيطرتها على مناطق النظام تعني فرض قوانين مستوحاة من تفسيرات دينية ضيقة، ما يقصي شريحة كبيرة من المجتمع السوري.
وجود نظام إسلام سياسي قد يؤدي إلى عزلة دولية لسوريا، حيث إن الغرب والدول المجاورة ينظرون إلى هذا النموذج كتهديد لاستقرار المنطقة.
ثالثاً: التحديات التي تواجه العلمانية في سوريا
ثقافة المجتمع: العقود الطويلة من الحكم الشمولي والدعاية الدينية المتطرفة جعلت المجتمع السوري أقل تقبلاً لفكرة العلمانية. ولكن مع تزايد وعي الأجيال الجديدة بضرورة التغيير، يمكن بناء أساس ثقافي يدعم العلمانية.
دور القوى الإقليمية والدولية: بعض الدول الإقليمية تدعم حركات الإسلام السياسي لتحقيق أهدافها الجيوسياسية، مما يعقد الانتقال نحو العلمانية.
على المجتمع الدولي أن يلعب دوراً في دعم القوى العلمانية المعتدلة في سوريا من خلال تقديم المساعدة الاقتصادية والدبلوماسية.
التحدي الأمني: التحول إلى نظام علماني في ظل وجود ميليشيات مسلحة وقوى متطرفة مثل هيئة تحرير الشام يمثل تحدياً كبيراً. يتطلب ذلك نهجاً عسكرياً وأمنياً حازماً لضمان إزالة هذه العقبات.
رابعاً: العلمانية والمجتمع الدولي
تعامل الغرب مع نظام إسلام سياسي: الغرب، الذي يتخوف من نشوء دول ذات أنظمة إسلامية متطرفة، لن يتقبل نظاماً قائماً على الإسلام السياسي في سوريا. وجود نظام علماني سيساعد على تحسين العلاقات مع الدول الغربية والمنظمات الدولية، مما يعزز إعادة إعمار البلاد.
الاستقرار الإقليمي: نظام إسلام سياسي في سوريا سيؤثر سلباً على استقرار المنطقة، خاصة في ظل حساسية الوضع في لبنان والعراق والأردن وتركيا. بالمقابل، الدولة العلمانية ستقلل من حدة التوترات الإقليمية.
خامساً: خطة التحول نحو العلمانية في سوريا
1. إصلاح دستوري شامل: صياغة دستور جديد يؤكد على فصل الدين عن الدولة، وضمان المساواة بين المواطنين.
2. التوعية والتعليم: إدراج مفاهيم العلمانية والمواطنة في المناهج الدراسية لخلق وعي مجتمعي جديد.
3. محاربة التطرف: تفكيك المنظمات المتطرفة والقضاء على الأيديولوجيات التي تروج للتفرقة بين المواطنين.
4. ضمان حقوق المكونات: توفير الضمانات الدستورية لحماية حقوق المكونات الدينية والعرقية، وتعزيز مشاركتها في الحياة السياسية.
5. دعم المجتمع الدولي: التعاون مع الأمم المتحدة والدول الكبرى لدعم الانتقال الديمقراطي في سوريا، وضمان أن يكون هذا الانتقال علمانياً.
المحصلة:
إن العلمانية ليست مجرد خيار سياسي في سوريا، بل ضرورة وجودية لضمان بقائها كدولة مستقرة وقادرة على استيعاب تنوعها. في ظل سقوط نظام بشار الأسد وتصاعد نفوذ هيئة تحرير الشام، تبدو العلمانية الطريق الوحيد الذي يمكن من خلاله تحقيق العدالة والمساواة والحفاظ على وحدة سوريا. بالتالي، يجب على القوى الوطنية والدولية العمل بجدية لدعم التحول نحو نظام علماني يكون حجر الأساس لسوريا المستقبل.
- كاتب وباحث سياسي كوردي
إرسال تعليق